مهزلة العصر
6 شعبان 1435
تقرير إخباري ـ المسلم

لقد سقطت ورقة التوت الأخيرة عن ديمقراطية الغرب المزعومة , وبدت سوأة الغرب في أكثر من موقف بعد ثورات ما عرف "بالربيع العربي" , حيث لم يسمح لطموحات الشعوب العربية بشيء من الحرية أن تتحقق , وأعاد الغرب انتاج الديكتاتوريات بأشد وأقبح مما كانت عليه .
لقد كانت أولى مظاهر ذلك عودة نتائج ما يسمى تجاوزا "بالانتخابات أوالاستفتاءات العربية" إلى سالف عهدها , حيث يفوز القائد الملهم بنسبة لا تقل عن 97% , مع فارق بسيط هو وجود دمى تنافسه صوريا على المنصب المحسوم مسبقا له , بينما كان في السابق استفتاء لعدم وجود شخصية يمكن أن تنافس زعيم الأمة ورجلها الأوحد .
وإذا كانت انتخابات الرئاسة المصرية قد شكلت ضربة موجعة للديمقراطية , وأظهرت بوضوح نفاق الغرب وسقوط أقنعته التي تدعي دعم الحرية ومحاربة الديكتاتورية , من خلال مشاركة بعض الهيئات والمنظمات الأوربية في مراقبة ما يسمى "انتخابات الرئاسة" , فإن مهزلة العصر تكمن في انتخابات الرئاسة في سورية .
فبعد ثلاث سنوات من تجاوز بشار لجميع القوانين والأعراف الدولية والإنسانية , وبعد قتله لما يزيد عن 200 ألف شخص , وتهجيره لحوالي نصف سكان سورية بين الداخل والخارج , واعتقاله لمئات الآلاف في سجونه وزنازينه , ناهيك عن استعماله السلاح الكيماوي ضد المدنيين من شعبه , وتدميره لمدن بأكملها في سورية , يقوم بترشيح نفسه لرئاسة سورية لولاية ثالثة !! فهل هناك مهزلة أكبر من هذه المهزلة في هذا العصر ؟!!
لقد كان أشد الناس تشاؤما في بداية الثورة السورية لا يتخيل أو يتصور أن يبقى بشار في منصبه إلى نهاية ولايته الحالية 2014 , وأن العالم لا بد أن يتدخل بشكل أو بآخر لتنحيته عن كاهل شعبه , ولو كان ذلك من خلال بديل من ضمن النظام ذاته أو المقربين إليه , أما أن يبقى بشار إلى نهاية ولايته ويترشح لولاية جديدة , فهذا عار على العالم أجمع , ومهزلة بكل المقاييس .
لم يكن جديدا أن يستخدم النظام السوري نفس أساليبه القديمة في تزوير الانتخابات , مع إدخال تعديل بسيط مراعاة للظروف الجديدة , ألا وهو قبول إدخال دمى لتنافسه في سباق الرئاسة , "ماهر حجار و عبدالله نوري" , تماما كما كان دور حمدين صباحي في انتخابات الرئاسة في مصر .
كما أن الإعلام السوري لم يخجل من ممارسة الدجل وامتهانه للفبركة والكذب , حيث زعم أن الإقبال كان كبيرا وشديدا على انتخابات الرئاسة في دمشق وغيرها , الأمر الذي دعا اللجنة الانتخابية لتمديد فترة التصويت إلى الساعة الثانية عشر مساء , متذرعة بكثرة الحشود الراغبة بالتصويت , بينما الحقيقة التي أكدها كثير من الناشطين عبر وسائل الاتصال الاجتماعي فيس بوك أن شوارع مدينة دمشق كانت شبه خالية من المارة والناس في يوم الانتخابات , وأن الناس التزمت بيوتها باستثناء المحسوبين على النظام والمجبرين على التصويت من الموظفين .
لم يترك النظام السوري طريقة في التزوير إلا استخدمها في هذه الانتخابات , حتى لم يسلم المعتقلون في سجونه من هذا التزوير , فقد أكد نصر الحريري عضو الهيئة السياسية للائتلاف : أنه حصل على معلومات وصفها بـ"اليقينية" من أحد الفروع الأمنية التابعة للنظام ، بأن النظام قام بأخذ هويات المعتقلين في سجونه وصوت بالنيابة عنهم لصالح بشار، وذلك دون علمهم , لتكون المرة الأولى التي يصوت فيها سجين لصالح سجانه !!
وتكتمل فصول مهزلة العصر بردود أفعال الدول الغربية على إجراء هذه الانتخابات , التي اكتفت بالتنديد وإطلاق الأوصاف السيئة عليها , فأطلقت عليها فرنسا بأنها ليست سوى «مهزلة مأسوية»، في وقت أكد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أندرس فوغ راسموسن أن الانتخابات السورية «مهزلة» لا ترتقي إلى المعايير الدولية , وأن دول الحلف لن تعترف بنتائجها.
وإذا انتقلنا إلى الولايات المتحدة الانتخابات فإنها وصفت انتخابات الرئاسة السورية بالعار , حيث قالت ماري هارف المتحدثة باسم وزارة الخارجية في مؤتمر صحفي في واشنطن "الانتخابات الرئاسية في سوريا اليوم هي عار" , وأشارت أيضا إلى "الصور المثيرة للاشمئزاز للرئيس الأسد وهو يدلي بصوته ويتصرف كما لو كانت هذه انتخابات حقيقية .
والحقيقة أن هذه الأوصاف صحيحة ومعبرة , ولكنها تتجاوز ما فعله النظام السوري إلى ردة فعل الدول الغربية , التي صرحت وما زالت تصرح أن الحل في سوري سياسي وليس عسكري , فهي من جهة تريد بقاء بشار ولا تنوي إزاحته عن الحكم حتى تجد البديل المناسب أو الأفضل , ومن جهة أخرى تزعم أن ترشيح بشار لنفسه في انتخابات الرئاسة مهزلة وعار .
فلا ندري أيهما أكثر عارا وأشد هزلا : ترشح بشار أم نفاق الغرب ؟!!