حكومة التوافق الفلسطينية..لماذا الآن؟
5 شعبان 1435
خالد مصطفى

تعيش الأراضي الفلسطينية المحتلة في غزة أو الضفة حالة من القلق والاضطراب الأمني والاقتصادي تزايدت بشدة بعد حالة الشقاق بين حماس وفتح حيث استقلت حماس بحكم غزة بينما استقلت فتح بحكم الضفة ـ الجزء المسموح به من الاحتلال ـ وقد عانت غزة وأهلها الأمرين طوال سنوات الشقاق من الحصار المزدوج عليها من الاحتلال من جهة ومن الجانب المصري من الجهة الأخرى طوال عهد مبارك وما بعد عهد الرئيس مرسي حيث استخدم أكثر من مليون فلسطيني يعيشون في غزة رهينة للاحتلال الذي حاول ابتزاز المقاومة من خلال تجويعهم وحرمانهم من الدواء ومن أبسط حقوقهم الإنسانية في ظل صمت عالمي مقيت ومع الأسف تم استخدام أهل غزة مرة أخرى من جهات عربية لتصفية حسابات سياسية مع التيار الإسلامي رغم إعلانهم أكثر من مرة عدم تدخلهم في الشأن الداخلي لأي دولة عربية...

 

ورأينا كيف تم قصف المقاومة الفلسطينية من قبل ألسنة إعلامية عربية مشبوهة وموتورة لمجرد انتمائها للحركة الإسلامية متناسين ما قدمته من تضحيات غالية بالنفس والمال من أجل بقاء القضية الفلسطينية في دائرة الضوء ولولا الله ثم المقاومة لاندثرت القضية الفلسطينية كما اندثرت قضية الهنود الحمر في أمريكا...

 

يتساءل البعض عن جدوى الحكومة التوافقية الجديدة التي تم إعلانها في رام الله كنتيجة لاتفاق المصالحة بين حركتي حماس وفتح, برئاسة رامي الحمد الله ومدى الفائدة التي ستعود على المقاومة وعلى الشعب الفلسطيني منها؟ قد يتخيل البعض انها قد تفيد الاحتلال أكثر وتزيد من القيود على المقاومة وبالتالي تنعدم فائدتها بالنسبة للقضية الفلسطينية وهو تصور واقعي في ظل انبطاح سلطة عباس للاحتلال ومن خلفه ولكن علينا أن نقدر الدوافع التي جعلت حماس تراهن على هذه الحكومة في هذا التوقيت الحرج الذي تمر به القضية الفلسطينية وسط حالة الانقسام الواسعة التي يشهدها الشارع العربي بين مدافع عن الثورات العربية وحقوق الشعوب في خياراتها وبين من يعتبر الامر مؤامرة خارجية تريد تقسيم المنطقة إلى دويلات وازدياد المنضمين لهذا التيار مع فشل الثورات العربية لأسباب كثيرة في  الوصول لأهدافها المرجوة وانتكاس البعض منها ورجوع الأنظمة القديمة مرة أخرى بلباس جديد...حماس في ظل حصار عاصف ومميت واستهداف متزايد وتشويه موجع لسنوات طويلة لم تعد مسؤولة فيها فقط عن تنظيمها وعناصرها بل عن شعب كامل منحها ثقته في انتخابات حرة, لم يعد أمامها من بد من فتح ثغرات في الجدار الذي أصبح يعزل القضية الفلسطينية يوما بعد يوم عن الشعوب العربية المنشغلة بهمومها الكثيرة....

 

حماس قدمت تنازلات واضحة لا شك في ذلك من أجل البرهان على أنها لا تسعى للسلطة ولكنها تسعى لما فيه مصلحة الشعب الفلسطيني في هذا التوقيت الدقيق والمنعطف الحاسم في تاريخ الأمة العربية والإسلامية التي تشهد حالة من القلق وعدم الاستقرار لم تشهدها منذ نصف قرن على الأقل..لقد أرادت حماس القفز خارج الصندوق الذي أرادت قوى شريرة خارجية وإقليمية حبسها فيه والقضاء عليها تحت دعاوى شتى يتم ترويجها الآن ضد أصحاب المنهج الإسلامي بمختلف انتماءاتهم بعد أن فشل القوميون والشيوعيون والليبراليون من التواصل مع الشعوب فلم يجدوا سوى التحالف مع قوى الاستبداد لكي يبيدوا عدوهم اللدود الذي سحب البساط من تحت أقدامهم عندما أتيحت له عشر الفرص التي اتيحت لهم...السؤال الأهم في هذا الموضوع هو هل يقدر محمود عباس وقيادة حركة فتح التنازلات التي قدمتها حماس من أجل إنجاح اتفاق المصالحة وخروج حكومة التوافق إلى النور؟ أم هل سيسعى لمحاولة حصد مكاسب شخصية وحزبية من وراء ذلك لإحراج الحركة وتحجيمها؟

 

إن عباس لم يأت للمصالحة طواعية ولكن جاء مجبرا بعد أن تخلى عنه الراعي الأمريكي وتركه وحيدا أمام الطغيان الصهيوني وهو طغيان عنصري قبيح يريد سلخ الضحية بعد قتلها فما كان منه إلا أن يلجأ للاتحاد مع من يهابه الاحتلال ويعمل له ألف حساب ولكن عباس لن يتخلى بسهولة عن التعاون الأمني مع الاحتلال أو عن العلاقات مع واشنطن وهو ما  يلقي بظلال من الشك على نجاح حكومة التوافق في تحقيق الهدف من ورائها ..

 

تعنت عباس في اللحظات الأخيرة قبل إعلان الحكومة التوافقية هو أيضا يثير القلق من نواياه الحقيقية من وراء المصالحة فمسألة الخلاف على وزارتي الخارجية والأسرى كان يمكن أن تحل بطريقة وسطية ولكنه أصر على موقفه وأعلن الحكومة بالشكل الذي أراده ومررت حماس الأمر ولكن يبدو أنه كان على مضض حتى لا تتهم بتفجير المصالحة في الثواني الأخيرة.