27 رمضان 1435

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من الصغر أعاني من الخوف والشكوك وأحس أن الناس تراقبني، وفي فترة الخطوبة بدأت تزداد الحالة وأعاني من عدم الثقة بالنفس والخوف وبفضل الله أنعم الله علي بالصلاة والمحافظة عليها وبدأ يزداد الوسواس القهري والخوف من الموت وعذاب القبر وعند الجلوس مع الملتزمين أشعر أني لا شيء وأتمنى أكون مثل الملتزمين، وصلت لمرحلة الحقد عليهم أو الغيرة، وعند التعامل مع المجتمع أشعر بعدم الاتزان وقلة الثقة بالنفس في نفسي هل حالتي وصلت لحالة نفسية وبعض الناس قال إنه مس وحسد ومنهم من قال الإرادة ضعيفة.
أرجو من سيادتكم توصيف حالتي ومساعدتي.. جزاكم الله كل خير.

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
نشكر لك أخي الكريم ثقتك بإخوانك في موقع المسلم كما نسأله أن يجزينا وإياك خير الجزاء وأن يديم علينا الأخوة الصادقة والمحبة الخالصة لوجهه تعالى.
أخي الكريم
بداية اسأل الله سبحانه أن ييسر لك أمرك وان يكشف ما أهمك وما أغمك وان يشرح صدرك، وثق – أخي - أن كل ما يصيب المؤمن من ضرر في الدنيا باب كبير لتكفير سيئاته ولرفع درجاته، وان في كل أحواله خير بإذن الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: (ما يصيب المؤمن من نَصَب ولا وَصَب، ولا هَمّ ولا غمّ، ولا حزن ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه)، ولهذا لما عندما نزلت الآية الكريمة " مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ " قال أبو بكر: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الصَّلَاحُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: «رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْتَ تَمْرَضُ؟ أَلَسْتَ تَنْصَبُ؟ أَلَسْتَ يُصِيبُكَ اللَّأْوَاءُ؟ فَذَاكَ مَا تُجْزَوْنَ بِهِ»(1). فكل المشكلات التي يعانيها المسلم في الدنيا يكفر الله بها من خطاياه وترفع بها درجاته
ولي مع كلماتك بعض الوقفات التي اسأل الله أن يرزقني ويرزقك الإخلاص في القول والعمل وان نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
- ذكرت أخي الكريم انك تعاني من عدة مظاهر مثل عدم الثقة بالنفس والخوف والشكوك وذكرت بعضا من الأعراض التي تشعر فيها بان الناس تراقبك، ثم ذكرت أن هذه الحالة تزداد معك في المواقف الحاسمة أو ذات التأثير النفسي الأقوى بعد الخطبة كما ذكرت، ثم ذكرت أن الوسواس القهري عندك يزيد، فبالفعل يمكن استخلاص أمور من كلماتك هذه وهي أنك ربما بالفعل تعاني من مرض حقيقي يحتاج إلى علاج طبي ونفسي وسلوكي على يد طبيب، وعلى ما يبدو انك قد بدأت في مثل هذا أو على الأقل بحثت وقرأت فيه إذ تتحدث بتشخيص على حالتك مسميا إياها بالوسواس القهري
فإن كنت بالفعل قد بدأت علاجا تحت إشراف طبيب فلابد عليك من استكماله والالتزام بتناول الأدوية في مواعيدها ومقاديرها، وان كنت قد انقطعت فلابد عليك من إعادة التواصل مع الطبيب لاستكمال العلاج فالشريعة المطهرة لم تدع خيرا إلا أرشدتنا إليه، ولا شرا إلا نهتنا عنه، فشُرع التداوي في ديننا الحنيف بل يعتبر واجبا لحفظ النفوس فلا تتردد.
- حسنا فعلت أن لجأت إلى ربك سبحانه، فليس لنا ملاذ سواه وليس لنا ملجأ إلا هو سبحانه، والله سبحانه يحثنا على العودة إليه والفرار من كل ما يخيفنا في الدنيا إليه سبحانه، فلا فرار منه إلا إليه " فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ "، يحثنا ربنا بالعودة إليه عند حلول الضر والألم فيقول " فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا "، فهذا هو سلوك المؤمن حينما يصيبه هم أو غم أو نصب ان يعتصم بربه سبحانه فهو القادر على كشف الضر عنه " وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ "
- الخوف من الموت ومن عذاب القبر ليس مما يُشتكى منه، فهو فضيلة للمؤمن الذي يخشى مقام ربه سبحانه، فبشرهم بالمغفرة " إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ " بشرهم سبحانه بالأجر الكبير وهو الجنة فقال " وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ " ولهذا يجب أن يشتكي كل من لم يجد في قلبه خوفا من الله سبحانه
ولكن المطلوب ألا يصل هذا الخوف إلى اليأس أو الإحباط أو القعود عن العمل أو إلى عدم الخروج للحياة والى الانعزال عن الناس، فهذه تصرفات تناقض تماما المغزى من خشية الله، فخشية الله الحقيقية أن تتخلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعمر الكون وتعمل وتجتهد بشرط تقواك لله سبحانه، فليس الخوف من الله عملا سلبيا انسحابيا بل هي عمل ايجابي يغير كل واقع سيئ بغيره الايجابي المرتبط بالطاعة
- ما أظن أن ما ذكرت من الحسد إلا نوعا من الغبطة ولكنك سبق قلمك في كتابتها، فهناك فرق بين الحسد والغبطة أخي فالحاسد يتمنى زوال النعمة عن المحسود أما الغبطة فتعني تمنى المرء مثل ما للمغبوط من نعمة من غير تمني زوالها عنه، لذا فهو يغبطه على نعمته ولا يحسده عليها، فيمكنك أن تكون مثلهم في طاعتهم لله سبحانه فباب الله مفتوح وتقوى الله تفتح لك أبواب العلم فقال سبحانه "وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "
- اعلم أخي الفاضل أنه ما من إنسان إلا ويتراوح بين القوة والضعف فلابد عليك من الاستعانة بالله سبحانه ثم التحلي بالعزيمة والإرادة فلا تترك التزاماتك بدعوى ضعف إرادتك، ولا تنشغل بأمور السحر والمس وغيره في كل وقت، فليست كل الأدواء التي نحياها سببها الجن والمس، فهناك الأمراض العضوية التي يجب وان تعالج وهناك الأمراض النفسية التي هي أيضا يجب وان تعالج، وهناك من العادات السيئة التي يعتادها الإنسان الذي يريد إلا يرهق نفسه ويريد أن ينسحب من الحياة لظنه أن الانسحاب ودعوى قول لا اعلم ولا اعرف ولا اقدر وأنا مريض وأنا ممسوس أيسر كثيرا من تعب العمل ومواجهة الحياة
بالاختصار أخي لا تنشغل بوجود قوة مسيطرة على إرادتك، فإذا انشغلت بهذا ستضعف عزيمتك أكثر فأكثر، وستخر قواك، فيجب أن تخرج نفسك سريعا بمعاونة أهل الخير والصلاح من إخوانك وزملائك ومحبيك ومن أهل الصلاح في بيوت الله لتخرج من هذه الدائرة المفرغة وذلك بعد استعانتك بالله سبحانه وتوكلك عليه
أخي الكريم
قريبا جدا كما ذكرتَ ستكون مسئولا عن بيتك، ستكون راعيا وسيسألك الله عن رعيتك، فماذا عساك أن تقدم لهم؟، وكيف ستقود سفينتهم في الحياة؟، فلابد عليك من التغيير بل ويتحتم عليك بذل قصارى جهدك في التخلص مما أنت فيه الآن، وأنصحك بالإكثار من ذكر الله ومن الصلاة، فاستعن بالله ولا تعجز.
وفقك الله أخي الكريم وبارك فيك ويسر لك كل خير.
__________________
(1) صحيح ابن حبان 2926 وصححه الألباني