حمى محاربة "الإرهاب"
2 شعبان 1435
د. عامر الهوشان

يبدو أن حمى محاربة أمريكا والغرب لما يسمى "الإرهاب" لتنفيذ أجندته وأطماعه في المنطقة قد عادت بقوة من جديد , بعد أن خفتت حدتها منذ سنوات بعد استثمار زخمها في محاربة الإسلام والمسلمين إثر أحداث 11 سبتمبر 2001م . ومن ينظر إلى انتقال حمى هذه الحرب المزعومة على ما يسمى "الإرهاب" في المنطقة العربية والإسلامية , فإنه بلا شك سيصاب بالذهول , فلا تكاد تخلو من دعوى هذه الحرب بلد عربي أو إسلامي . ففي أقصى شرق الوطن العربي يرتفع شعار محاربة "الإرهاب" بشكل كبير وملحوظ في كل من العراق وسورية , وكذلك الحال في فلسطين المحتلة بطبيعة الحال , حيث تزعم "إسرائيل" أنها تحارب إرهاب الفلسطينيين , بينما هي الحقيقة من مارس وما زال يمارس الإرهاب ضد الفلسطينيين منذ عام 1948 وحتى الآن . وإذا انتقلنا إلى شمال إفريقيا فإن هذا الشعار يبدو لافتا في هذه الأيام , خصوصا في كل من مصر وليبيا , حيث يزعم كل من اللواء الليبي المنشق "حفتر" والسلطات المصرية الجديدة أنها تحارب ما يسمى " الإرهاب" في بلادها , بينما الحقيقة أن القتلى من المسلمين المصريين والليبيين !! ولا يكاد يمر يوم إلا ونسمع فيه عن عملية عسكرية في اليمن ضد القاعدة والإرهاب , وشبيه بذلك نراه في كل من تونس والجزائر وموريتانيا والصومال , ناهيك عن ضراوة هذا الشعار في كل من أفغانستان وباكستان ومالي وغيرها من البلاد الإسلامية . ويبدو أن أمريكا قد غيرت من استراتيجيتها في محاربة ما يسمى "الإرهاب" وفقا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" اليوم , فبدلا من تنفيذ العسكرية الأمريكية عشرات العمليات اليومية ضد القاعدة وغيرها من الأهداف الخطرة حسب وصفها , من خلال القوات الخاصة المدججة بالسلاح وطائرات الهليكوبتر , تعتمد اليوم أكثر على القوات المتحالفة معها أو السكان الأصليين مع دور قتالي أمريكي محدود . وعلى الرغم من أن التقرير قد أفاد بأن مشاة البحرية SEAL أو قوات الكوماندوس "دلتا" التابعة للجيش الأمريكي، لا تزال تشن غارات ضد الأهداف الأكثر أهمية، مثل القبض في الخريف الماضي على ناشط ليبي مطلوب في تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في شرق أفريقيا عام 1998 . إلا أنه وفي أكثر الأحيان ، تقدم وزارة الدفاع المساعدة الاستخباراتية واللوجستية إلى الوكلاء، بما في ذلك القوات الإفريقية وقوات الكوماندوس الفرنسية التي تحارب المتطرفين الإسلاميين – حسب تعبيرها - في الصومال ومالي ، وفقا لما أورده التقرير . ولمواجهة العديد من الأزمات في أفريقيا - كما أورد التقرير - تحولت الولايات المتحدة إلى مساعدة الوكلاء , ففي الصومال - على سبيل المثال - دعم البنتاغون ووزارة الخارجية القوة الأفريقية لإخراج مقاتلي حركة الشباب من معاقلهم السابقة في مقديشو العاصمة ، ومن المراكز الحضرية الأخرى . لقد عبر عن هذه الاستراتيجية الجديدة بصراحة الجنرال "ديفيد رودريغيز" الذي يرأس قيادة أفريقيا في الجيش الأمريكي (المسؤولة عن العلاقات العسكرية مع كل دول القارة) هذا العام حين قال : "افتراضنا الأساسي أن الأفارقة هم الأقدر على مواجهة التحديات الأفريقية". وبالإضافة إلى الاعتماد على الوكلاء، يدرب البنتاغون ويسلح الجيوش الأجنبية لمواجهة التحديات الأمنية الخاصة بها , ففي العامين الماضيين زادت وزارة الدفاع تدريجيا من وجودها في اليمن كما يقول التقرير ، وأرسلت نحو 50 من قوات العمليات الخاصة لتدريب قوات اليمنية، إلى جانب عدد "الكوماندوس" للمساعدة في تحديد واستهداف مسلحي القاعدة المشتبه بهم من الطائرات من دون طيار، وفقا لمسؤولن أميركيين. ومنذ عام 2006، أنفقت وزارة الدفاع الأمريكية حوالي 2.2 مليار دولار في أكثر من 40 بلدا لتدريب وتجهيز القوات الأجنبية في عمليات مكافحة ما يسمى "الإرهاب" وفرض الاستقرار كما تزعم ، وفقا لخدمة أبحاث الكونغرس , بينما أنفقت هذا العام وحده 290 مليون دولار على البرامج التي تشمل مساعدة أمن الحدود في لبنان وكتيبة مكافحة الإرهاب في النيجر في غرب أفريقيا . ليس الغريب أن تتبنى الولايات المتحدة الأمريكية هذه الاستراتيجية الجديدة , فالخسارة فيها للأرواح والجنود الأمريكيين أقل بكثير , ولكن الغريب والعجيب أن تقبل بعض الدول العربية والإسلامية أن تكون وكيلا لأمريكا في حربها المزعومة على ما يسمى "الإرهاب" , بينما لا يخفى على أحد أن الدماء التي تسيل على أراضيها هي دماء أبنائها , الذين كان من المفروض أن تُوفر دماءهم وتُحفظ أرواحهم لمحاربة الإرهاب الحقيقي في العالم "اليهودي الأمريكي" .