مسرحية الانتخابات والدجل الإعلامي
1 شعبان 1435
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

مازال بعض السياسيين والإعلاميين ورجال الأعمال في عالمنا العربي يظنون أنهم يعيشون في حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي حيث تقوم فئة متسلطة على المجتمع بالمال والنفوذ والإعلام بالتلاعب بعقول الناس فتذهب بهم يمينا تارة وشمالا تارةوتقنعهم بالأمر وعكسه خلال سنوات قليلة أو حتى أشهر أو أيام بحسب مصالحها..

 

وتتوهم هذه الفئة أن الناس طوع يمينها وأن ذاكرتهم مثل السمك لا تتجاوز عدة ثواني...هؤلاء يتجاهلون ثورة الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي والسماوات المفتوحة والكاميرات الدقيقة في الموبيلات القادرة على تصوير أدق اللحظات بالصوت والصورة في أي مكان ونقلها في نفس اللحظة إلى كل مكان...

 

إن التعامل مع الشعوب على أنها غبية وغير مؤهلة لفهم ما يدور حولها؛ لأن الكثير منها لم ينل حظه من العلم والثقافة هو منتهى السذاجة وهو بداية السقوط المروع للمنظومة الفاسدة في عالمنا العربي التي تجمع بين السلطة والمال والإعلام والتي مصت دماء الشعوب لعشرات السنين وقاومت وما زالت رياح التغيير بشتى الطرق حتى أنها في البداية ركبت الموجة عندما وجدتها أعلى من إمكانية التصدي لها ولكن عندما انخفضت الموجة قليلا وتعرضت لاضطرابات وعراقيل كشرت عن أنيابها وانقضت عليها للفتك بها..

 

إن الانتخابات الرئاسية التي شهدتها مصر مؤخرا تكشف عن هذه الحقيقة بشكل سافر ووقح فالإعلام المؤيد للمرشح الرئاسي ووزير الدفاع السابق عبدالفتاح السيسي اعترف في أول يومين بشكل واضح بضعف الإقبال على التصويت ونقل ذلك بالصوت والصورة لأنه كان يعلم جيدا أن غيره من الإعلام العالمي والعربي المناهض لما يجري في مصر ينقل ذلك أيضا وبالتالي خشي من انفضاح أمره على الملأ بشكل أوضح من الاستفتاء الذي برر فيه قلة عدد المصوتين بكثرة عدد اللجان ولكن هذه المرة كانت صدمة ضعف العدد كبيرة بحيث لا يمكن تبريرها...

 

واستمر الإعلام يقوم بالعويل والصريخ لمدة يومين كاملين ووصل الأمر لتوجيه شتائم للشعب الجاهل غير المتعلم الذي تعود أن "يضرب على قفاه" كما وصفه بذلك أحد أكبر مؤيدي السيسي في قناته الملاكي التي يتباهى بأنها من أموال والدته وفي نفس القناة قالت إحدى المذيعات "فين الناخبين ياتكو وكسة" وهو نوع من الشتائم السوقية التي تظهر مقدار الصدمة التي لقيها الإعلام الذي أيد الإجراءات التي أعقبت عزل الرئيس مرسي وانتقدتها أطراف حقوقية وسياسية داخلية وخارجية واعتبرتها تتنافى مع المعايير القانونية المتعارف عليها... وفي التليفزيون المصري الحكومي كانت الفضيحة أكبر وأعلى صوتا فخلال اليوم الثالث من التصويت استضافت إحدى المذيعات ناشط قبطي شهير معروف بعدائه للتيار الإسلامي وتعصبه للكنيسة وللسيسي حيث نهر المذيعة عندما قالت أن التصويت يشهدا إقبالا في اليوم الثالث وقال لها "احنا حنضحك على الناس اللجان فارغة تماما ومفيش حد فيها"...

 

مذيعة من الفلول كانت في حملة مبارك خلال آخر انتخابات رئاسية قبل خلعه قبل أن تركب على ظهر الثوار, وجهت هجومها على لجنة الانتخابات واتهمتها بالإهمال والتعنت ويبدو أنها كانت تبحث عن كبش فداء قبل ظهور النتائج ولكن سرعان ما خرجت تصريحات من داخل اللجنة تؤكد ارتفاع نسبة التصويت خلافا لكل الشواهد والصور والفيديوهات وهنا تغيرت لهجة الإعلام إلى ترحيب وثناء على اللجنة التي اضطرت لمد التصويت ليوم ثالث في سابقة غريبة حيث أن مد التصويت يكون عند شدة الإقبال وليس العكس والعجيب أن كلا المرشحين رفض قرار المد وهو ما يشير إلى تدخل سافر من اللجنة في العملية لأن قلة أو زيادة العدد موضوع سياسي واللجنة جهة قضائية إشرافية لا دخل لها بالموضوع ...

 

فجأة تحولت حالة العويل والصراخ إلى الاحتفال بانتصار الشعب واختياره للقائد الملهم الجديد دون أية مقدمات منطقية؛ الأمر الذي جعل حمديم صباحي المرشح المنافس الذي خذل شباب حملته الذين طالبوه بالانسحاب بعد هذه الانتهاكات السافرة, جعلته يعترف بأن ما قيل عن نسب مرتفعة للتصويت لا يمكن تصديقه وفيه إهانة لذكاء المصريين وهو اتهام واضح بالتزوير لكنه لم يقدم أية شكاوى قانونية حتى اللحظة؛ مما زاد من التكهنات بشأن أسباب ترشحه والغرض منها رغم معرفته بانحياز الدولة لمنافسه....لقد كشفت مسرحية الانتخابات الرئاسية في مصر عن عدة أمور من أهمها أنه لم يعد ممكنا الضحك على الشعوب لفترات طويلة وأن الدجل الإعلامي ليس له مستقبل وأن ساعة الحقيقة أقرب مما يتصور الكثيرون.