هل يمهد لتدخل عسكري غربي بليبيا؟؟
29 رجب 1435
د. عامر الهوشان

لا تخفى أطماع الغرب في بلاد المسلمين كافة , وبلاد النفط بشكل خاص , فقد اخترعت الولايات المتحدة الأمريكة أكذوبة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل لتبرير احتلالها ونهب خيراتها , كما أن الدول الغربية سارعت للتدخل في الشأن الليبي عسكريا للحفاظ على مصالحها المادية في الدرجة الأولى , وليس انتصارا لثورة الشعب الليبي أو مساعدته في الحصول على حقوقه السياسية والديمقراطية كما تزعم دائما في أي تدخل عسكري . وعادة ما تلجأ الدول الغربية إلى أبشع الأساليب وأحطها في سبيل الوصول إلى أهدافها وأطماعها , وخاصة في البلاد التي تدخلت فيها بشكل أو بآخر فيما سمي "بدول ثورات الربيع العربي" , فحين لا تحصل على ما تريد في تلك البلاد , تلجأ إلى طريقة نشر الفوضى واختلاق الأزمات , لا أقول السياسية منها والاقتصادية فحسب , بل والعسكرية التي تفضي إلى إراقة الدماء واقتتال أبناء البلد الواحد , لتجد بعد ذلك مبررا لتدخلها العسكري السافر , بحجة الحفاظ على الأمن والاستقرار الدولي , وفرض هيمنتها على مقدرات وسياسة ذلك البلد . وعادة ما تستخدم الدول الغربية لهذه المهمة الخبيثة عملاءها وأزلامها في المنطقة وما أكثرهم , ممن لا يزالون مخدوعين بما يسمى "الحضارة الغربية" , أو بمهوسيين بالسلطة والشهرة والوصول إلى مراكز القرار , من المغمورين الذين لا حظ لهم بنيل ذلك إلا بالطرق غير المشروعة . وإذا كان الغرب قد فعل ذلك في بعض الدول التي كانت في طريقها للاستقرار - بعد بداية جيدة لاستكمال المؤسسات السياسية والديمقراطية فيها - فإن تكرار ذلك في بلد مليء بالسلاح المنتشر بشكل واسع بيد كثير من الناس , بالإضافة لضعف استكمال بناء المؤسسات السياسية وعلى رأسها انتخاب رئيس للبلاد , سيكون بلا شك من باب أولى . لقد كانت ليبيا - مع كل ما سبق- تسير – وإن ببطء – في طريق استكمال مؤسساتها الدستورية لولا وضع العصا في العجلات , فوجود المؤتمر الوطني العام – المؤسسة الوحيدة المنتخبة – كان يمثل ضمانة لتنفيذ إرادة الشعب والإشراف على انتخابات برلمانية ورئاسية , وقد تم تحديد موعد للانتخابات البرلمانية بالفعل في 25 يونيو حزيران القادم . إلا أن رغبة الغرب في اختلاق الأزمات وإيقاع البلاد في الفوضى والاقتتال , دفعها لدعم اللواء المتقاعد "خليفة حفتر" , والذي يقوم بحملة عسكرية يزعم أنها موجهة ضد الإخوان والإرهابيين على حد وصفه , وتطهير ليبيا من المتشددين الإسلاميين , بينما الحقيقة أنها موجهة لاستقرار ليبيا واستكمال مؤسساتها , تمهيدا لتدخل غربي تبدو بوادره ومؤشراته شبه واضحة . ولعل أولى مؤشرات ذلك تكمن في تحذير وزارة الخارجية الأمريكية لمواطنيها أمس من السفر مطلقًا إلى ليبيا ، وتوصيتها المواطنين الأمريكيين الموجودين حاليًا في ليبيا بالرحيل على الفور، وذلك بسب تفاقم الوضع الأمني فيها بحسب رويترز . كما أن قرار الولايات المتحدة الأميركية نشر بارجة هجومية برمائية "باتان" , وعلى متنها 1000 جندي من مشاة البحرية (مارينز) والعديد من المروحيات قرب السواحل الليبية , والتي ستصل خلال أيام - كما قال مسؤول أميركي في مجال الدفاع - لتكون على أهبة الاستعداد لاجلاء محتمل لطاقم السفارة الاميركية في طرابلس كما تزعم أمريكا , يثير الشكوك حول عملية عسكرية غربية محتملة في ليبيا . ولعل خلط الأوراق في ليبيا والعمل على عدم الاستقرار , من خلال مهاجمة منزل رئيس الوزراء الليبي الجديد "المعيتيق" , وعدم الاعتراف به من بعض الجهات , بالإضافة إلى مواصلة قوات "حفتر " لعملياته العسكرية ضد معسكر ثوار 17 فبراير وغيرها , ناهيك عن وصف الاتحاد الأوربي للأحداث بليبيا بكونها الأسوأ , والتحركات والمؤتمرات التي تنعقد حول الأزمة الأخيرة بليبيا تدفع نحو زيادة ترجيح احتمال التمهيد لتدخل عسكري غربي . وفوق هذا وذاك فإن اتهام زعيم تنظيم "أنصار الشريعة" في بنغازي ، الحكومة الأميركية بدعم "حفتر" ودفعه لتوجيه البلاد نحو الحرب وإراقة الدماء , بالإضافة لتحذيره أميركا من التدخل عسكريا في ليبيا , مؤكدا أنها ستواجه ما هو "أسوأ من الصومال أو العراق أو أفغانستان" إشارة إضافية لاحتمال قيام أمريكا والغرب بعملية عسكرية . على كل حال الأيام القادمة تحمل في ساعاتها تأكيد أو نفي هذا الاحتمال , ولكن ما هو مؤكد ولا يحتاج إلى انتظار أو دليل أو برهان , أن الغرب وأمريكا أشد أعداء الإسلام والمسلمين , بنص قوله تعالى : { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ...} البقرة/120 , وقله تعالى : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ...} المائدة/82