هل يمكن استنساخ التجربة المصرية في ليبيا ؟؟
25 رجب 1435
د. عامر الهوشان

رغم الاختلافات الكثيرة بين الواقع والمشهد المصري والليبي , إلا أن الواضح أن اللواء الليبي المنشق "خليفة حفتر" يحاول استنساخ ما حصل في مصر في 3 من يوليو الماضي , من عزل أول رئيس منتخب في البلاد , ووضع خارطة طريق جديدة , بزعامة قادة الجيش ومشاركة بعض الأحزاب السياسية الليبرالية مع بعض الوجوه والأحزاب الدينية النصرانية والإسلامية .
ولعل أبرز ما يؤكد هذه المحاولة عدة أمور :
أولها : تصريح حفتر بأنه يقوم بهذا الفعل في محاولة منه لإعادة الأمن والاستقرار إلى الشعب الليبي ، وتنظيف البلاد ممن أسماهم بالتكفيريين والمتشددين – الإرهابيين - الذين عاثوا فسادا في البلاد وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين .
ثانيها : تعذره بفشل وإخفاق المؤتمر الوطني الليبي المنتخب في تنفيذ مهامه , لتصبح ليبيا دولة راعية للإرهاب نتيجة هذا الإخفاق وفق تعبيره , تماما كما كان إخفاق الإخوان بمصر ذريعة لأحداث الثالث من يوليو .
ثالثها : الزعم بأنه يسعى إلى المصالحة الوطنية بكل قوة , متوعدا بمحاكمة كل من فعل فعلاً مخالفًا للقانون خلال ثورة 17 فبراير، من سفك دماء أبناء ليبيا، أو نهب أموالهم – والتي يقصد بها غالبا الإسلاميين فحسب – .
رابعها : دعوته للشعب الليبي أمس الجمعة , بالنزول لتفويضه لمواجهة ما أسماه بالإرهاب ، على غرار ما حصل بالتجربة المصرية من قبل .
وكانت قد خرجت دعوات من قيادات ليبية تنادي بضرورة خروج الشعب الليبي إلى الميدان والشوارع أمس ، لتأييد تحركات "حفتر" بمساندة قادة الجيش والمؤسسات ضد الحكومة والبرلمان .
خامسها : دعوته مجلس القضاء إلى تشكيل مجلس حكم مدني لإدارة شئون الدولة، تتركز مهامه في تكليف حكومة طوارئ انتقالية، والإشراف على إجراء الانتخابات البرلمانية , في استنساخ لخارطة الطريق المصرية .
سادسها : تأجيل الإعلان والجهر برغبته بالترشح لانتخابات الرئاسة الليبية مستقبلا , مع التصريح بإمكانية حدوث ذلك بشرط أن يكون تنفيذا لرغبة الجماهير , تماما كما حدث في التجربة المصرية من قبل .
ولكن السؤال المهم هنا : هل يمكن استنساخ التجربة المصرية في ليبيا ؟؟
الحقيقة أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية تشير إلى عدم إمكانية تجربة الاستنساخ هذه :
السبب الأول : هو طبيعة الجيش المصري المختلفة تماما عن طبيعة القوات التي يتزعمها "حفتر" , فبينما احتفظ الجيش المصري خلال الثورة وبعدها بكيانه وتشكيلاته كاملة , بل وقاد العملية السياسية بعد سقوط نظام مبارك إلى أن تم انتخاب أول رئيس مدني للبلاد تحت إشرافه , لا نكاد نجد بين قوات "حفتر" أي وجه للشبه مع الجيش المصري .
فعلى فرض وجود جيش نظامي ليبي قبل ثورة 17 فبراير , فإن هذا الجيش - الافتراضي – لم يعد له وجود بعد الثورة , وقد حل محله الجيش الوطني الموالي والمنضوي بمعظمه تحت لواء المؤتمر الوطني والشرعية , بالإضافة إلى وجود بعض التنظيمات المسلحة من كتائب ودروع الثوار الأخرى , وبالتالي فإن إمكانية الاستنساخ تبدو ضعيفة وهزيلة من هذا الوجه .
السبب الثاني : أن طبيعة الشعب الليبي تختلف اختلافا كبيرا عن طبيعة الشعب المصري , فبينما يغلب على الأول منهما الطبيعة القبلية والولاء لها , يغلب على الثاني الطبيعة المدنية والولاء للدولة , وبالتالي فإن إمكانية استدعاء الجماهير للخروج لتأييد الجيش النظامي - الغير موجود بمعناه الحقيقي في ليبيا – يختلف تماما عن استدعاء الجيش النظامي المصري لجماهيره , مما يجعل إمكانية الاستنساخ غير مجدية .
السبب الثالث : لا وجود لقوة عسكرية في مواجهة التجربة المصرية في 3 من يوليو , إذ اقتصرت القوى السياسية المعارضة لما حدث في مصر - ممثلة بتحالف الشرعية وبعض الأحزاب الأخرى التي انضمت إلى نفس الاتجاه فيما بعد - على المظاهرات والتنديد بما حصل واعتباره انقلابا على الشرعية والديمقراطية , وبالتالي فقد اقتصر الأمر على الجيش والشرطة في مواجهة المظاهرات فحسب .
أما في ليبيا فالوضع مختلف تماما , فما يقوم به "حفتر" سيؤدي إلى حرب لا تحمد عقباها , فالقوة المواجهة له هي الجيش النظامي بمعظمه الذي ما زال يؤيد المؤتمر الوطني والشرعية في البلاد , بالإضافة إلى الكتائب والدروع الليبية الأخرى التي أعلنت مواجهة ما يقوم به "حفتر" .
والخلاصة أنه لا يمكن استنساخ التجربة المصرية في ليبيا , وما يقوم به "حفتر" ومن يدعمه من الغرب وغيرهم , ما هي إلا محالة لاستثمار شعار محاربة "الإرهاب" كشماعة وذريعة للقضاء على القوة الإسلامية المتنامية هنا وهناك في العالم العربي , بعد ثلاثة أعوام من انطلاق ما سمي "بالربيع العربي" , الذي أفرزت صناديق الانتخاب والديمقراطية فيه فوزا كاسحا للتيار الإسلامي .