مكافحة "الإرهاب" والاستعمار الناعم
24 رجب 1435
خالد مصطفى

رجع مرة أخرى مصطلح "مكافحة الإرهاب" يزداد سخونة واشتعالا على لسان القوى الغربية الكبرى بعد أن كان قد هدأ لفترة بعد المعاناة والخسائر التي أثقلت كاهلها خلال حربيها في العراق وأفغانستان والتي كانت تحت نفس الشعار تقريبا وأدت لاحتلال عسكري أجنبي للدولتين لا زالتا تقاسيان منه ومن تبعاته حتى الآن...

 

واعترفت هذه القوى أكثر من مرة بفشلها في تحقيق الأهداف المرجوة من هذه الحروب وكان من المنتظر أن تتعلم القوى الاستعمارية من هاتين التجربتين ولا تفكر في استعادتهما مرة أخرى ولو في ثوب جديد...لكن المتابع لما يجري على الساحة السياسية الآن يجد أن هذه القوى تريد استنساخ هاتين التجربتين بصورة أو بأخرى في أماكن لها مصالح من التواجد فيها وإن بدا الأمر يظهر على نحو استعمار ناعم حتى تتجنب الخسائر الضخمة التي لحقتها في تجربتيها بأفغانستان والعراق..

 

كثر الكلام مؤخرا عن وجود عسكري أمريكي على الحدود مع ليبيا وفي جزيرة بالبحر الأبيض مقابلة للسواحل الليبية التي تشهد محاولة للانقلاب على الشرعية بقيادة لواء متقاعد يطمح في تكرار تجارب مشابهة رضت عنها واشنطن وتعاملت معها كأمر واقع, ويرفع هذا الجنرال راية مكافحة "الإرهاب والتطرف" لمغازلة الغرب الذي وجهت له دعوة من وزير دفاع سابق في دولة مجاورة لليبيا للتدخل العاجل في ليبيا من أجل وقف "زحف الإرهاب على المنطقة" ـ على حد قوله ـ هذه الدعوات والمغازلات وحدها لا  تكفي بالطبع إذا لم توجد مصالح للغرب وهي في ليبيا حاضرة بقوة في صورة النفط وبالتالي فالتدخل سيكون له مبرراته على الصعيد الداخلي في الدول الغربية وعلى الصعيد والدولي تحت لافتة "محاربة الإرهاب"...

 

في مالي أيضا الأوضاع عادت للانفجار مع هجمات جديدة للطوارق الذين استعادوا السيطرة على عدة مدن شمالي البلاد وطردوا الجيش المالي منها وكانوا قد خرجوا من هذه المدن هم وإسلاميون متحالفون معهم عقب تدخل عسكري فرنسي في وقت سابق؛ الأمر الذي ينذر بتدخل فرنسي غربي على نطاق أوسع في مالي وبصورة قد تكون دائمة عن طريق قواعد عسكرية لاحتلال هذه الدولة تحت ذريعة "مكافحة الإرهاب", وهو نفس الأمر الذي حدث في أفريقيا الوسطى تقريبا حيث تدخلت فرنسا بحجة وقف العنف الطائفي بين المسلمين و"المسيحيين" فما كان من العنف إلا أن ازداد بعد دخولها فطالبت بقوات جديدة لمساعدتها, بينما ظل المسلمون يقتلون ويهجرون تحت سمعها وبصرها حيث اقتصر نشاطها على حماية "المسيحيين" وطريق تجارة المعادن ولكنها وضعت أقدامها في هذا البلد وقريبا ستصل المزيد من القوات الأجنبية لحماية مصالغ الغرب دون أدنى اعتبار لحقوق أهالي هذا البلد...

 

قريبا من ذلك ما يجري في نيجيريا الغنية بالثروات النفطية حيث أرسلت الولايات المتحدة وبريطانيا طائرات تجسس للتحليق فوق نيجيريا من أجل جمع معلومات عن جماعة بوكو حرام التي تقاتل الحكومة وتتهمها باضطهاد المسلمين. ولم تكتف واشنطن بذلك بل أرسلت عدد من جنودها للمساهمة في القبض على عناصر الحركة وأعلنت عن دعمها اللامحدود للسلطات النيجيرية في حربها على ما أسمته "الإرهاب" وسط حديث واسع لمحللين وسياسيين عن رغبة أمريكية في التواجد العسكري في هذه البلد الهام وصاحب أكبر اقتصاد حاليا في أفريقيا بعد أن تمكن من تجاوز جنوب أفريقيا....

 

و لاننسى الطائرات الأمريكية التي تحلق فوق اليمن من آن لآخر وتوجه قذائفها للأراضي اليمنية ثم يأتي الإعلان عن مقتل عدد من الأشخاص تسميهم الحكومة "إرهابيين" في كل الأحوال بينما يعلن أهاليهم في كثير من الأحيان عن أنهم من المدنيين..نحن إذن أمام استعمار غربي لا يكتفي فقط بامتصاص ثروات الشعوب عن بعد ولكنه يتغلغل عسكريا ومخابراتيا داخل الدول تحت ذرائع مكافحة "الإرهاب" من أجل إحكام سيطرتة على سياساتها ومخططاتها حتى لا تخرج قيد أنملة عن الاستراتيجية التي وضعها لخدمة مصالحه...قد يكون محدودا من حيث العدد والعتاد ولكنه مؤثر وحيوي وخطير في ظل التدهور الأمني والسياسي التي تشهده المنطقة.