حرية الصحافة عند المندوب غير السامي...
23 رجب 1435
منذر الأسعد

لسنا نتجنى ولا نبالغ عندما نصف الإعلامي المصري المتبرنط: عادل درويش بأنه مندوب غير سامٍ للتغريب الفكري القسري..
فهو متشبث بكل مظاهر الانسلاخ عن جذوره والفناء في الغرب / الطبعة الإنجليزية تحديداً/.. حتى إنه يصر على ارتداء ربطة العنق / الفراشة التي هجرها أهلها من زمن بعيد، لكنها بقيت لدى عاشقي النمطية الإنجليزية الاستعمارية البائدة، ولذلك لا تشاهدها إلا على قلة من وارثي العائلات البريطانية ذات التاريخ الاستعماري " المميز" وعند حفنة من المستلَبين من فضلات المجد الإمبراطوري الذي زال وظلت تركته عاراً يتعذر نسيانه..

 

درويش مسرف في دخوله جحر الضب الإنجليزي، حتى عندما يتحدث العربية بأسلوب مصطنع يوحي أنه مستشرق تعلمها حديثاً.. لكن مشكلته أن تمثيله ذلك الدور غير موفق ومتكلف، فمن يتابعه يكتشف أنه يفعل ذلك عن عمد..

 

استضافه برنامج الاتجاه المعاكس بقناة الجزيرة قبل أسابيع (بتاريخ 1/4/2014م) في حلقة تناقش حرية الإعلام في مصر منذ 3/7/2013م.. وكان في مواجهته الكاتب والصحافي المصري المعروف محمد القدوسي..

 

استهل القدوسي مشاركته بإيجاز لما يجري اشتمل على أعداد الصحفيين الذين لقوا مصرعهم والذين تم اعتقالهم لأدائهم مهمتهم الإعلامية..

تفلسف درويش كثيراً وحرص على تمييع الموضوع عبر تقنية يمارسها المراوغون المفلسون عادة، وهي إغراق المتلقي بتفاصيل التفاصيل، وتحويل المناقشة إلى غير مجراها المنطقي..
وأفرط في الحديث عن الاختلاف بين السياسيين والصحافيين في بريطانيا!!!!!! وأصر إصراراً عجيباً على مقولة غريبة خلاصتها أن حرية الإعلام قضية اقتصادية وليست سياسية!!
وهذا ما دفع المذيع الحبيب الغريبي إلى تنبيهه إلى أنه خرج عن الموضوع تماماً..

 

لكن أي متابع منصف ينتهي إلى أن الرجل مُنِيَ بهزيمة نكراء، لأنه جاء يدافع عن الاستبداد ما دام يقهر أعداءه الإسلاميين..
وكان القدوسي حاضر البديهة وقوي الحجة، ودحض أراجيف درويش معتمداً على تقارير غربية أصدرتها منظمات حقوقية وصحافية دولية...

 

أدرك عادل درويش أنه خرج من البرنامج مذموماً مدحوراً، فلجأ إلى الانتقام الرخيص بتحريف ما شاهده ملايين الناس، وراح يتهم القناة والقدوسي بالجهل في أبجديات المهنة الإعلامية..وغرق في تقديم مبررات واهية لأسطورته القائلة: إن حرية الإعلام مسألة اقتصادية وليست قانونية ولا سياسية..

 

وقال بالحرف:
 [اكتشفت أن مقدم البرنامج والمشارك الآخر أكثر اهتماماً بالسياسة من الصحافة وحريتها، حيث سارت المناقشة باتجاه «شيطنة» الحكومة المصرية والمؤسسة السياسية فيها أكثر من تناول حرية الصحافة كمفهوم. المشارك الآخر اعتبر نفسه صحافياً مصرياً، لكنه كاتب سياسي، أي خلط بين تعريفي «الكاتب» و«الصحافي»، وهو خطأ شائع لدى الصحافيين العرب. الصحافي (Journalist) إذا لم يسبقه تعريف آخر في المفهوم الأنغلوساكسوني فهو صحافي خبر (Reporter) لا مقابل له بالعربية (باللغة المصرية المخبر الصحافي)، وبالضرورة «محايد».

 

ولا تجد فارقا كبيرا في الخبر نفسه في «الديلي تلغراف» المحافظة عنه في «الإندبندنت» اليسارية أو «التايمز» يسار الوسط. الموقف السياسي يختلف عند الـ«Columnist»، من كلمة «Column» (العمود)، حتى ولو صفحة كاملة، فتعريف الـ«Columnist» هو كاتب صاحب رأي. ومحرر صفحة الرأي «op-ed» (الأحرف الأولى للرأي Opinion والافتتاحية Editorial) يتعمد استضافة كتاب يثيرون الجدل لتحريك الرأي العام واستثارة ردود فعل خصومه، ويدعوهم أيضا للكتابة في الصحيفة.

 

كاتب الرأي لا يشترط أن يكون صحافيا (Reporter)، وحتى إذا جهل بلغة الصحيفة نفسها وملاءمتها لقرائها (The Style-book) فإن محرري ديسك الرأي «Subs» (اختصار Sub-editors) يعيدون صياغة نثر كاتب متخصص، أو سياسي له موقف، لكن تنقصه الخبرة الصحافية. وحتى هذا التخصص في كل الديسكات (Subs) لم أجد له مقابلا في الصحافة العربية، ومعظمها من المدرسة الفرنسية، وهي مدرسة تخلط بين الرأي والخبر والتحليل الإخباري (Editorialisation)، وهو عيب لا يغتفر في المدرسة الأنغلوساكسونية، التي تطوع كل أقسام الصحيفة لخدمة الخبر، فالأعمدة والافتتاحيات والكاريكاتير والتحقيقات كلها مرتبطة بالأخبار اليومية لأنها تهم القارئ. وبينما أنت كقارئ تلم بملخص الخبر (متى وأين وماذا حدث ومن هم الشخصيات) في الفقرة الأولى من الخبر في الصحافة الإنجليزية، فإنك في المدرسة الفرنسية لا تلم بكل التفاصيل حتى تقرأ الموضوع كله من الألف إلى الياء....]

 

والملاحظة الأساسية هنا تتلخص في أن درويش يهرب من المضمون إلى شكل لا صلة له بالقضية المطروحة للمناقشة والمحاججة.. فحتى لو كان محمد القدوسي رجل أعمال فما الذي يتغير؟ لو كان لدى الألعبان درويش ما يستر به سقوطه لفنّد مضمون كلام القدوسي..

 

وأما نظريته الخرافية عن حرية الإعلام فيمكن نسفها بسؤالين: أليست الصحافة الفرنسية التي شتمها في عموده تنتمي إلى بلد من رؤوس اقتصاد السوق "الرأسمالي" فكيف أخفقت بزعمه بعكس نجاح الصحافة الأنجلوسكسونية التي يهيم فيها إلى حد الفناء الصوفي الذميم؟

 

والسؤال الآخر: هل الصحافة الخليجية التي تستكتبه وتلمعه صحافة حرة بالمفهوم الذي يدعيه؟ بالرغم من كل ما لديه من تغريب فإنه لن يجازف بأن يقول: أجل هي حرة.. وهنا تنتحر نظريته المثيرة للسخرية فجميع بلدان الخليج لم تعرف في تاريخها إلا اقتصاد السوق!!!!!!!!