ليبيا والعبث بالثورات العربية
21 رجب 1435
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

وصل العبث بالثورات العربية إلى محطة أخرى هي ليبيا وذلك بعد أشهر طويلة من المماحكات والاشتباكات والخلافات السياسية والعسكرية والاقتحامات المستمرة للبرلمان ـ وهو السلطة الوحيدة المنتخبة في البلاد ـ والذي أصبح مرتعا للمسلحين يدخلون في أي وقت شاءوا ويطلقون الرصاص لتنفيذ مطالبهم ثم يرحلون دون أن يعرف أحد من أين جاءوا؟ ولا من هم؟ودون أن توجه لأحدهم اتهامات أو تتم ملاحقته...

 

هذه الفوضى التي يتحمل مسؤوليتها الثوار والحكومة والجيش والبرلمان أدت إلى تسهيل مهمة الطامعين والطامحين من العسكر الذين يريدون الاستيلاء على الحكم بالقوة بحجة تنفيذ إرادة الشعب! كما فعلوا في بلاد قريبة..لكن الوضع في ليبيا له خصوصية تمنع من سرقة إرادة الشعب بالحيل والألاعيب الإعلامية؛ فعندما حاول اللواء المتقاعد خليفة حفتر تنفيذ انقلاب إعلامي قبل أسابيع وخرج عبر بعض الفضائيات ليتلو بيانا يعلن فيه حل البرلمان ووضع خريطة طريق تمشي عليها البلاد لم يستمع إليه أحد ووجد من يقف له بالمرصاد ويطالب بالقبض عليه وعندما تأكد أن هذا الأسلوب لا يصلح قام باستخدام القوة لفرض انقلابه على الشعب ويبدو أنه كان ينتظر الضوء الأخضر من داعمين إقليميين ودوليين حيث ظل كامنا حتى انتفض مؤخرا ضد قوات الجيش في بنغازي بحجة "مكافحة التطرف والإرهاب"!....

 

لم نشهد في ليبيا جموعا تخرج مطالبة بحفتر قائدا عاما ولم نر الملايين تحتشد في الميادين لإيهام العالم بأن ما يجري في ليبيا هو ثورة ومع ذلك معظم وسائل الإعلام العربية تعرض الأمر وكأن حفتر هو الشرعية! وأنه ينفذ إرادة الشعب! محاولين صناعة قذافي جديد كما صنع آخرون مبارك جديد وحاول البعض الآخر صناعة "بن علي" جديد وفشل...

 

ليبيا قبائل مختلفة ومتنازعة ولها مصالح متناقضة أحيانا وبالتالي ما يفعله حفتر ومن وراءه إذا لم يتم حسمه سريعا سيؤدي لأوضاع أصعب مما يجري في سوريا...

 

الوضع في ليبيا بعد الثورة لم يشهد الاستقرار المنشود نتيجة لعوامل جغرافية واجتماعية وسياسية كثيرة لكن لا يمكن هنا إهمال الدور الذي يلعبه أتباع نظام القذافي والذين تقدر ثرواتهم بالمليارات والتي تمكنوا من تهريبها والاحتفاظ بها في الخارج حتى الآن حيث رفضت معظم البلدان تسليم فلول نظام القذافي رغم الاتهامات الموجهة إليهم بالقتل والسرقة وقد كشف عن بعضا من ذلك الساعدي القذافي بعد القبض عليه حيث اعترف بأنه كان يقود الاضطرابات في ليبيا عن طريق أعوان له في الداخل يمنحهم المال والسلاح وانه كان وراء أزمة تصدير البترول التي تفجرت وأدت إلى أزمة داخل الحكومة والبرلمان..

 

كذلك لا يمكن هنا أن نتجاهل الرغبات الموجودة عند بعض الجنرالات في دول العالم الثالث والتي تتركز حول السلطة والثروة والسيطرة وهو وضع تاريخي فرض نفسه على المنطقة لعشرات السنين وساهم الغرب في تكريسه سرا وعلنا رغم تشدقه بالدعوة للحريات و"الديمقراطية" واحترام إرادة الشعوب وخياراتها! ولكن الذي لا شط فيه انه من الأفضل لمصالح الغرب والقائمة على النفعية المطلقة التعامل مع حكومات عسكرية مستبدة عن التعامل مع حكومات منتخبة تمثل شعوبها وتحاسب أمامها..

 

ليبيا تعيش كذلك في جوار ملتهب فبعض البلدان جرت فيها ثورات وحدث انقلاب عليها وتخشى من تأثير ما يجري في ليبيا عليها في دعم من يدعو لثورة جديدة, والبعض يخشى من وصول الثورة له, في حين أن البعض الآخر لم يحسم خياراته بعد بين الماضي والحاضر...وسط كل هذا الركام نجد بلادا تحتوي على ثروات ضخمة استغلها شخص واحد وعصابته لمدة أربعين عاما ظلم فيها جميع الفئات تقريبا وعندما أطيح به طالبت كل فئة بحقوقها دون النظر للتحديات التي تشهدها البلاد والمخاطر المحدقة بها ...إنها المأساة التي تعيشها ثورات الربيع العربي بشكل أو بآخر والتي قد تعرضها للضياع.