مسؤولية ضياع الحلم
14 رجب 1435
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

عندما تفجرت الثورات العربية متتابعة قبل عدة أعوام وأطلق عليها وقتها اسم "الربيع العربي" كناية عن الوقت التي بزغت فيه والآمال والطموحات التي أطلقتها في نفوس شعوب كبيرة وعرية عانت كثيرا وضاقت أمامها سبل العيش الكريمة والحياة الآدمية المستقرة البعيدة عن الفقر والحاجة..

 

لم تكن هذه الشعوب تريد قصورا شامخة ولا سيارات فارهة ولا منازل صيفية في باريس وأخرى شتوية في لندن...

 

لم تكن هذه الشعوب تريد سوى لقمة العيش والحرية والعدالة وهي أبسط ما يمكن للإنسان أن يطالب به وتتشدق به الدول الغربية والمنظمات الدولية التي تدعو لاحترام حقوق الإنسان ومع ذلك وقفت هذه الدول والمنظمات موقفا سلبيا بل مناوئا للحراك الثوري في العالم العربي وبدا أنها تتخوف من حصول دول العالم الثالث على حقوقها وحريتها...

 

أسباب كثيرة هي التي أضاعت حلم الملايين نحو مستقبل أفضل في عالمنا العربي لم تقتصر فقط على قوة الثورة المضادة وجذورها القوية التي ضربتها في الأرض طوال عشرات السنين والأموال الطائلة التي جنتها وأفلحت في الإفلات بها وغسيلها لكي تعود رأس حربة في جنب الثوار والحراك المعارض للاستبداد والقمع ولا على دعم دول الغرب و"إسرائيل" للأنظمة القديمة والسعي بشتى الطرق لإفشال الربيع وأنظمته الجديدة التي انبثقت عنه وعانت بشدة في مواجهة الظروف القاسية التي تمر بها هذه البلدان...إن أهم العوامل التي أدت إلى فشل الربيع العربي ـ حتى الآن على الأقل ـ في الوصول إلى تحقيق الحلم الكبير لأبنائه لم تكن من خارجه بل من داخله وهو ما يرفض البعض الاعتراف به مما يزيد من صعوبة خطوات الإصلاح المنشودة...

 

أول العوامل التي فجرت الأزمات داخل دول الربيع العربي هي حجم الاختلافات بين أبنائه الذين صنعوا الثورة فهم من مشارب مختلفة وتوجهات متغايرة وإن جمعتهم أهداف موحدة في لحظة معينة ولكنهم عجزوا عن إيجاد سبل توافقية لاستمرار لحظة الوحدة التي جمعتهم في البداية من أجل الخروج من عنق الزجاجة؛ فقد ظنوا أن الخطر الداهم قد زال بمجرد سقوط راس النظام وتوهموا أن الوقت ملائم من أجل أن يفرض كل فصيل رأيه في كيفية بناء المستقبل واعتبروا أن ذلك من حقوق الوطن عليهم..أما العامل الثاني فهي السذاجة وعدم وضوح الرؤية؛ فمن قاموا بالثورات شباب صغار لم تثقلهم التجربة بعد لذلك سهل خداعهم بعبارات طنانة من قبل الطابور الخامس من الإعلاميين والمثقفين أصحاب الأيدلوجيات الفاسدة والمصالح الراسخة مع السلطة فبثوا الفرقة بينهم وأوهموهم بأن هناك من بينهم من يحاول سرقة ثورتهم وعليهم التخلص منهم فورا بل وأقنعوهم بأن عليهم أن يتحالفوا مع رموز الثورة المضادة من أجل استعادة الثورة وعندما فعلوا ذلك تفرقت بهم السبل ووجدوا أنفسهم وقد عادوا لأسوأ مما كانوا عليه قبل ثورتهم التي ضحوا فيها بدماء المئات من إخوانهم ووجدوا من أوقع بينهم يرتمي في أحضان السلطة ويتهمهم بالتآمر والعمالة..

 

العامل الثالث: هو الاعتزاز المبالغ به في النفس وعدم الاعتراف بالاخطاء؛ فالشباب طبيعتهم فائرة ومتحمسة وقد يقعون في بعض الأخطاء ولكن عندما يرون أنهم نجحوا في إسقاط أنظمة قوية كانت راسخة لعشرات السنين نظاما بعد الآخر فيتسلل الشيطان إلى نفوسهم ويمنعهم من الاعتراف بالأخطاء وهو ما نراه الآن من بعض الفصائل التي تصر على اعتراف فصيل محدد بالخطأ دون غيره رغم أن الجميع وقع في أخطاء كبيرة أدت لانحراف الثورة عن مسارها ولن يتمكنوا من تجاوز هذه المحنة إلا بمواجهة أنفسهم بأخطائهم بلا مواربة ..

 

العامل الرابع: هو عدم تقدير قوة العدو والاستهانة بقدراته والاغترار بدعم الشارع لهم في البداية, وهو دعم كان مرهونا بحدوث تغيير حقيقي في أحوالهم المعيشية وهو ما لم يحدث نتيجة للتنازع والاختلاف وعدم ترتيب الأولويات بشكل جيد ومهادنة الدولة العميقة وعدم اجتثاثها من جذورها, وهو ما جعل رموز الثورة المضادة تقتنص النقطة تلو النقطة وتكسب شرائح من الشارع لصفوفها بدعوى الاستقرار وفجأة وجد الثوار أنفسهم متهمون بالتآمر والعمل لصالح جهات أجنبية وبدأوا يدافعون عن أنفسهم بدلا من أن يبادروا بالهجوم للوصول لأهدافهم التي خرجوا من أجلها.