مفارقات وتناقضات الغرب
11 رجب 1435
تقرير إخباري ـ المسلم

هي مفارقات عجيبة وغير عجيبة بنفس الوقت .
أما العجب فيها فلكونها تتناقض تماما مع كل شعارات الغرب الوردية الذهبية التي نادى بها منذ أن امتطى صهوة التقدم العلمي التكنولوجي والعسكري منذ عقود من الزمان , وتصدر زعامة العالم بقوته وسطوته لا بعدله وإحسانه .
فبدلا من العدل الذي نادى به إذ بالظلم بأبشع ألوانه وأشكاله يمارسه بحق المسلمين دون غيرهم , وبدلا من الحرية التي غرر بها الشعوب إذ به يساند ويؤيد الديكتاتورية والمستبدين في العالم العربي والإسلامي تحديدا , وعوضا عن الديمقراطية التي صدع رؤوسنا بها طوال الفترة السابقة , إذا به ينقلب وينقض على أول ديمقراطية تعيشها الشعوب العربية والإسلامية .
وأما كون هذه المفارقات غير مستغربة بل ومتوقعة , فلأنها تصدر من عدو قديم جديد للإسلام والمسلمين , لم يهادنه يوما إلا لينقض عليه من جديد بأشد مما كان عليه من قبل , ولم يفتر عنه لحظة إلا كما يفتر الوحش الكاسر عن فريسته لحظة التربص بها من أجل افتراسها والقضاء عليها , والعدو لا يستغرب منه شيء أو يتعجب منه أمر .
والمفارقة الجديدة التي لم يفاجئنا بها الغرب اليوم , هي مسارعته في لملمة جراحات المعارك الدائرة في جنوب السودان , وممارسة جميع أنواع الضغوط السياسية وغيرها على جميع الأطراف للتوقيع على اتفاق هدنة تمهيدا لإنهاء حالة الحرب هناك , في حين تتغافل عن الدماء الغزيرة التي تسيل في كل من سورية وغيرها من الدول العربية والإسلامية منذ ثلاثة أعوام , دون أن تمارس أي ضغوط من أي نوع على قوات بشار وحلفائه لوقف هذا النزيف الذي يسيل هناك .
فقد تناقلت وسائل الإعلام خبر توقيع حكومة جنوب السودان التي يتزعمها سلفاكير ميارديت والمتمردين بقيادة رياك مشار على اتفاق سلام , وذلك بعد ضغوط غربية وأمريكية و تهديدات بعقوبات .
وإذا ما تناولنا بنود هذا الاتفاق فستظهر لنا جليا تلك المفارقة بشكل واضح :
1- بينما مورست ضغوط أمريكية وغربية لوقف القتال في الجنوب بعد 24 ساعة من التوقيع - والذي بدأ سريانه اليوم السبت - ونشر مراقبين من الدول الأعضاء في هيئة التنمية الحكومية لدول شرق افريقيا "ايغاد" فورا، والتزام الاطراف بعزل قواتها عن بعضها البعض وعدم تحريكها حتي يتم التوصل إلى اتفاق دائم لوقف اطلاق النار .
لم تمارس أي ضغوط لوقف نزيف الدم الذي يسيل في سورية أو العراق أو غيرها من الدول العربية والإسلامية , وما ذاك إلا لأن الدم الذي يسيل في جنوب السودان نصراني , بينما الدم الذي يسيل في كل من سورية وغيرها إسلامي .
2- وبينما مورست ضغوط حقيقية لإرغام جميع أطراف النزاع في جنوب السودان على القبول بفتح ممرات آمنة لادخال المساعدات الانسانية للمتضررين من النزاع المسلح في كافة أرجاء جنوب السودان ، لم تمارس الولايات المتحدة الأمريكية ولا الدول الغربية ضغوطا حقيقة على بشار وحلفائه لوقف حصاره المشين والمهين للإنسانية جمعاء على مدن وبلدات سورية , ليموت الآلاف جوعا هناك , أو يرغم الثوار على قبول التوقيع على اتفاقية الغذاء والدواء مقابل الأرض والانتصار .
3- وعلى الرغم من أن مدة الصراع في جنوب السودان لم تتجاوز الأشهر إلا أن الدول الغربية قد تدخلت بقوة لإيقافه وإنهائه , بل وتجاوزت ذلك بإجبار الجميع في جنوب السودان على حل كافة خلافاتهم بالحوار, إضافة إلى تشكيل حكومة انتقالية تمهيدا لإجراء انتخابات جديدة لم يحدد تاريخها بعد , بينما فشلت مفاوضات جنيف1 وجنيف2 بخصوص سورية بسبب عدم ممارسة أمريكا والغرب أي ضغوط على بشار الذي اتفق الجميع على أنه السبب في فشل هذه المفاوضات .
لم يبق للغرب شيء من المبادئ والقيم الأخلاقية أو الدينية أو الإنسانية يتمسك بها , فقد فقد في العقد الأول من هذا القرن البقية المتبقية مما كان يستر جسد حضارته المزعومة , من خلال ممارساته اللا إنسانية مع المسلمين , ومواقفه اللا أخلاقية مع قضاياهم العادلة , لتنكشف بذلك الورقة الأخيرة التي كانت تستر سوءته .