التطبيع مع "إسرائيل" بغطاء ديني كنسي
8 رجب 1435
تقرير إخباري ـ المسلم

هذا هو الوصف الحقيقي للزيارة التي يعقد البطريرك الماروني اللبناني "مار بشارة بطرس الراعي" العزم على القيام بها إلى الأماكن المسيحية المقدسة في "إسرائيل" برفقة بابا الفاتيكان فرانسيس الأول , والتي تعد أول زيارة لشخصية دينية ورسمية لبنانية إلى "إسرائيل" علانية , وما خفي كان أعظم .
فالعلاقة بين الكنيسة المارونية اللبنانية واليهود في "إسرائيل" تشبه إلى حد كبير العلاقة بين الرافضة والنصيرية في كل من إيران وسورية ولبنان "ممثلا بحزب الله" مع هذا الكيان , تلك العلاقة التي ظاهرها العداء والممانعة والمقاومة , وباطنها المودة والتحالف والتنسيق ضد أهل السنة .
بل ربما تتجاوز علاقة المارونية اللبنانية باليهود في "إسرائيل" حدود ما سبق إلى المشاركة والقيام بحرب الوكالة عن هذا الكيان , تماما كما حصل في مجزرة مخيمات صبرا وشاتيلا الفلسطينيين في 17 أيلول من عام 1982 والذي سمي فيما بعد باليوم الأسود , لهول ما ارتكبته "الكتائب اللبنانية" المارونية في ذلك اليوم من جرائم يندى لها جبين البشرية .
وإذا استعرضنا تاريخ هذه العلاقة حتى قبل قيام الكيان الصهيوني في فلسطين , لوجدنا صفحات تاريخ اللقاءات والمراسلات والعلاقات بين الطرفين تتجاوز المألوف , وتعود إلى بدايات القرن الماضي قبل قيام الكيان الصهيوني .
ففي عام 1919 اقترح نجيب صفير (سياسي ماروني من المؤمنين بالقومية اللبنانية وأصبح لاحقا ممثلا للبطريرك الماروني أنطوان عريضة) على حاييم وايزمان (رئيس المنظمة الصهيونية العالمية منذ عام 1920 حتى عام 1946 ثم انتخب أول رئيس لدولة إسرائيل عام 1949) تقسيم بلاد الشام , على أن يكون لبنان للمسيحيين , وفلسطين لليهود , وسوريا للمسلمين , ووقع مع "يهوشواع حانكين" في سنة 1920 مذكرة بإسم الموارنة يعترف فيها بحق اليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين لقاء دعم اليهود لإنفصال المسيحيين عن سوريا والإعتراف بلبنان وطنا للمسيحيين .
ثم جاء بعد ذلك اتفاق تعاون بين ممثل المنظمة الصهيونية "يهوشوا هانكين" وعدد من نشطاء الموارنة حول مسائل اقتصادية وسياسية , وحول شراء الأراضي للمنظمة الصهيونية , ولعل قيام "إسرائيل" فيما بعد بشراء الأراضي الخاصة باللبنانيين الموارنة في فلسطين هو خير دليل على نجاح هذا التعاون الوثيق .
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد , بل عقد البطريرك الماروني "عريضة" عام 1936م اجتماعا مع "حاييم وايزمان" في باريس , يدور حول الخطر الإسلامي المحدق بكل من المسيحيين في لبنان واليهود في فلسطين , ليتبع ذلك لقاء بين رئيس لبنان حينها "إميل إدة" ورئيس المنظمة اليهودية "وايزمان" لدعم إقامة دولة يهودية في فلسطين , ليقوم البطريرك الماروني "عريضة" بعد ذلك من خلال زيارته للقدس , بالتوقيع على اتفاق فعلي نيابة عن الطائفة والكنيسة المارونية يعترف فيها بمطلب اليهود المحق بالاستقلال في فلسطين , فيما أقر "وايزمان" بالهوية المسيحية المستقلة للبنان .
وفي عام 1947م أرسل المطران الماروني "إغناطيوس مبارك" رسالة إلى لجنة التحقيق الدولية يؤيد فيها قيام دولة لليهود في فلسطين , وكان قبل ذلك بعشرة أعوام قد قال في خطاب للمصلين اليهود في كنيس وادي أبو جميل " إن في لبنان مكانا كافيا لاستيعاب اليهود الذين يطردون من إلمانيا ولا يلاقون ترحيبا من العرب في فلسطين , نود أنا وغبطة البطريرك "عريضة" أن نقول لكم : أهلا بكم أيها اليهود , وإذا كنت قلت لكم سابقا أن غبطته هو بطريرك اليهودج , فأود أن أعلن الآن أني مطران اليهود " .
وبعد أن قامت "إسرائيل" عام 1948م بقيت العلاقة بين الموارنة واليهود قائمة إلا أنها أصبحت سرية , تفاديا لآثارها السلبية على الموارنة مع العرب والمسلمين , حتى إن رئيس لبنان السابق "كميل شمعون" زعيم حزب الوطنيين الأحرار أرسل رسالة إلى "مناحيم بيجن" رئيس الوزراء الصهيوني سابقا وزعيم عصابات "الأرجون" جاء فيها : ( فرض علينا الفرنسيون لبنان الكبير ..فضموا إلينا الأراضي المأهولة بالمسلمين .. لقد كان ذلك سبب جميع العلل والشرور ..لا تحتفظوا بأرض مأهولة بالمسلمين ..تجنبوا هذا الوضع وإلا ستبتلون بالمشاكل عينها " .
هل يمكن بعد كل هذا أن ينفي البطريرك الماروني "الراعي" صفة التطبيع لهذه الزيارة في مثل هذا الوضع المعقد والمأزوم في فلسطين المحتلة , حيث الانتهاكات الصهيونية على المقدسات الإسلامية أو النصرانية المسيحية لا تتوقف .
إن المستفيد الأول والوحيد من هذه الزيارة هو الكيان الصهيوني بلا شك , وذلك من خلال إضفاء الشرعية على وجوده في الأراضي العربية ، وتصوير نفسه حاميا للأماكن المقدسة وهو في الحقيقة ينتهكها بعد أن اغتصبها من أصحابها .
فمتى يتوقف البعض عن محاولات التطبيع مع هذا الكيان الصهيوني باسم الدين ورعاية المسيحيين فيى فلسطين ؟؟