الانتخابات الرئاسية في مصر
8 رجب 1435
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

تستعد مصر أواخر هذا الشهر لانتخابات رئاسية جديدة في غضون سنتين رغم أن البلاد لم تشهد قبل هذا طوال تاريخها سوى انتخابات رئاسية واحدة عندما قرر الرئيس المخلوع حسني مبارك إجراء انتخابات "معروفة النتيجة مسيقا" بدلا من الاستفتاء في محاولة لإضفاء شرعية وهمية على نظامه المترهل وطبعا جاءت الانتخابات مسرحية بكل معنى الكلمة وتم سجن المنافس الحقيقي الوحيد له بعد انتهاء المهزلة وتلفيق اتهامات بالتزوير له...

 

الانتخابات التي تشهدها مصر حاليا تعود بنا مرة أخرى للانتخابات التي جرت في عهد الرئيس المخلوع مبارك قبل ثورة يناير التي كانت بصيص الأمل نحو عهد جديد قبل أن يتم إجهاضها نتيجة لأخطاء وقعت فيها جميع القوى الثورية بلا استثناء ولا داعي أن يتنصل أحد من المسؤولية الن ويلقيها على طرف واحد فقط...انتخابات 2012 التي جاءت إبان فورة الثورة كانت مثالا للانتخابات الحقيقية فهناك حوالي 10 مرشحين يتنافسون من جميع التيارات ولا أحد يعلم من هو الفائز في الجولة الأولى أو الثانية إلا بعد إعلان النتيجة النهائية...وشهدت الجولة الأولة مثل الثانية منافسة حادة بين جميع المرشحين ووقفت المحطات الفضائية في معظمها تسعى لكسب ثقة الجميع خوفا من اتهامها بالانحياز لمرشح الفلول والوقوف ضد الثورة وجاءت النتيجة في الجولة الأولى صادمة لاستطلاعات الرأي وفي الجولة الثانية فاز المرشح الإسلامي بفارق بسيط بعد أن تحالفت عناصر الثورة المضادة والدولة العميقة بمالها وجاهها وإعلامها مع بعض الثوار المتطرفين علمانيا ضده...

 

 

تذكرت كل هذا عندما رأيت المرشح الرئاسي وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي وهو يلتقي عددا من الإعلاميين ومعظمهم من المنتمين لنظام مبارك بشكل أو بآخر وهم يجلسون في ارتياح وغرور ويوجه بعضهم سهامه لثوار يناير ويتهمهم بالتآمر على البلاد والعمالة دون أن يرد المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي أو حتى يكلف أحد الإعلامين المنتسبين للثورة نفسه بالرد والدفاع عن الشباب الذين حملوا أكفانهم على أيديهم ووقفوا في وجه الرصاص طوال 18 يوما حتى سقط مبارك..لم نسمع غير أحدهم وهو يتنازل ويقول: لا نريد أن نجبر أحدا على الاعتراف بثورة يناير ولكن علينا الاجتماع معا حتى نقف في وجه الإخوان!..هذا هو الإعلامي الثوري اليساري الذي كان يصب جام غضبه على التيار الإسلامي يدافع عن الفلول ويستجديهم أن يكفوا عن انتقاد الثوار فقط حتى لا يستغل ذلك الإخوان! العداء لتيار معين أعمى الجميع عن المخاطر الحقيقية التي تواجه البلاد وكأن الإخوان هم من حكموا ثلاثين عاما خربوا فيها البلاد....

 

من يراجع كلام هؤلاء بعد ثورة يناير عن حجم الفساد المالي والسياسي المستشري في مصر طوال الأعوام الماضية والمحسوبية والمطالبة بمحاكمة مبارك وحزبه على تدمير البلاد وتجريفها من القيادات العلمية والعملية ونشر الإحباط في نفوس الشباب يتعجب الآن من التحالف مع نفس النظام لا لشيء سوى لإقصاء فصيل هم أنفسهم ـ والفيديوهات على اليوتيوب شاهدة ـ اعترفوا بدورهم المؤثر في ثورة يناير وإذا كانوا ارتكبوا أخطاءً فمن منهم لم يرتكب أخطاءً طوال السنوات الثلاث الماضية؟! المشهد الذي تراه الآن يسير في اتجاه صناعة مبارك جديد فهذا الإعلامي يجلس كالتلميذ الفاشل يعرض أسئلته بتوجس وخوف ويتراجع عندما يرفع المرشح صوته بحدة..

 

أين هذا الإعلامي عندما كان يكيل السباب لرئيس منتخب مدعيا أن هذا هو حقه الديمقراطي؟! هل مصر تحتاج الآن هذا التحالف بين قوى رجال الأعمال الذين امتصوا خيرات البلاد طوال عهد مبارك بمالهم وإعلامهم وقوى العلمانية المتطرفة وبقايا المنتفعين في كل عهد وأصحاب الوظائف المتميزة في الدولة والذين يعيشون في أبراج عاجية لا يكترثون فيها بفقر الملايين وعوزهم والذين خافوا من فقدان هذه الامتيازات بعد الثورة فحاربوها بضراوة, هل تحتاج مصر لهذا التحالف النكد لكي تتقدم للأمام؟أم ان غاية المراد من رب العباد هو العودة لما كنا عليه قبل 25 يناير 2011 باعتبار أن "نصف العمى ولا العمى كله" بحسب المثل الشعبي المصري؟! هل فقد الشباب الغض الذي خرج في يناير أملهم في التغيير الحقيقي لبلادهم بعد هذه الانتكاسات الحادة؟!