مسلمو اليونان بين ضغوط الراديكاليين وتعصب اليمينيين
5 رجب 1435
علا محمود سامي

في ظل الهزات الاقتصادية التي تواجهها اليونان حاليا، يقف المسلمون على أرضية هذه التحديات، يصيبهم ما يصيب سكان البلاد، سواء كانوا من الحاصلين على الجنسية اليونانية، أو مقيمين على أرضها، غير أن أكثر ما يواجه المسلمون هناك من تحديات هو ضغوط الراديكاليين وتعصب اليمينيين ضدهم، وهى الضغوط التي تتنوع أشكالها، وتصب في قالب واحد، وهو مناصبة العداء للمسلمين، حتى لو كانوا من سكان البلاد الأصليين.

 

ويكفي للتدليل على ما يواجهه مسلمو اليونان من تحديات في الوقت الراهن، أنه على الرغم من الحقوق التي تمنحها لهم الدولة ذاتها، واعترافها بالدين الإسلامي كدين سماوي، إلا أن هناك من هو داخل الدولة من يسعى إلى تعطيل هذه الحقوق، على نحو الحكم القضائي الذي حصلت عليه جمعيات تركية متنوعة، تضم مسلمين، عندما قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان لهذه الجمعيات بالعمل كمنظمات مجتمع مدني داخل اليونان، غير أن هذا الحكم لم يجد صداه، ولم يتم تنفيذه من قبل القضاء اليوناني، ما دفع محكمة ستراسبورج الى إدانة منع المحاكم اليونانية لعدم تنفيذ الأحكام الأوروبية.

 

وربما يكون الخلاف التركي –اليوناني أحد الأسباب التي يدفع المسلمون ثمنا لها حاليا، وحتى من وقت بعيد، خاصة وأن هناك نسبة كبيرة من المسلمين الأتراك يعيشون في داخل البلاد، خلاف أن هذه الجمعيات ذاتها تضم مسلمين أتراك، وهو ما يدفع بعض المحللين إلى التأكيد على أن أوضاع المسلمين في اليونان مرهونة بمستقبل النزاع السياسي بينها وبين تركيا، خاصة في ظل حالة الحراك التي عليها المسلمون الأتراك في اليونان، ما يدفع اليمين المتطرف إلى تبني مواقف مناهضة ضدهم، خلاف مواقف الأحزاب الراديكالية الأخرى.

 

وربما تكون الصورة أوضح عندما نعرف أن هناك حالات من التضييق الشديد على الأتراك المسلمين الذين يقطنون المناطق المعروفة باسم"البوماك"، فهى مناطق يونانية يقطنها مسلمون أتراك، وللكلمة دلالتها إذ أنها أطلقت عليهم كونهم يتحدثون اللغة البوماكية، وهى إحدى اللهجات البلغارية، غير أنهم في الوقت نفسه يحرصون على إبراز انتمائهم إلى الثقافة والهوية التركية، ما جعل السلطات اليونانية تفرض عليهم أشكالا عدة من العزلة ، الأمر الذي جعلهم يعيشون في منطقة منعزلة ، حولتها السلطات إلى منطقة عسكرية مغلقة، ومنعت المدنيين الآخرين من الوصول إليها، أو حتى دخولها، في محاولة للضغط على سكان هذه المنطقة من المسلمين على الهجرة إلى تركيا، ومغادرة البلاد، وهم المسلمون الذين يقدر عددهم بنحو 5 آلاف مسلم.

 

وفي هذا السياق، يتواجد قرابة 26 ألف مسلم تركي في منطقة "تراكيا"، وهى الأعداد التي تبقت من المسلمين الأتراك، الذين غادروا البلاد إثر اتفاقية "لوزان" الشهيرة للسلام، والتي تم إبرامها عام 1923 لتبادل السكان بين تركيا واليونان، على إثر خلاف واسعة بين الجانبين.

 

ويعرف أنه في داخل اليونان حوالي خمس مجموعات سكانية مسلمة هى "تراكيا، بوماك، رودوب ، ألبان، رودوس"، الى جانب المسلمين الذين تنحدر أوصلهم من رومانيا، أو ما يطلقون عليه"غجر روما المسلمين".

 

وربما هذا السياق يدفعنا إلى الحديث عن النشأة الأولى للمسلمين في اليونان، حتى وصولهم الى هذه الحالة، وهى النشأة التي تنحدر إلى الإمبراطورية العثمانية، التي لم يترك قادتها وأركانها بلدا إلا وذهبوا إليه، إما للفتح الإسلامي أو للتجارة، وهو ما أدى إلى اختلاط اليونانيين القدماء بالمسلمين من أبناء هذه الإمبراطورية، وخاصة عند فتحها لليونان، ضمن توسعاتها في أوروبا، فوجدوا منهم حسن المعاملة، ما دفعهم إلى الدخول في الإسلام، خلاف هجرة بعض المسلمين أنفسهم من الأندلس إلى اليونان، وذلك بعدما ضعفت الدولة الإسلامية هناك، وكان ذلك أحد الأسباب وراء سقوطها.

 

وتؤرخ بعض الاحصاءات الوجود الإسلامي في اليونان الى عام 654 هجرية، عندما جرت وقائع معركة جزيرة "رودوس"، وكان ذلك أول لقاء بين المسلمين والأوروبيين ، بعد قدوم المسلمين الى هذه الجزيرة فاتحين لها، الى أن استعادة البيزنطيون الجزيرة عام 961، وطردوا المسلمين منها، غير انه منهم من ساعد على نشر الإسلام، فضلا عن المعاملات الطيبة التي خلفها المسلمون في تعاملاتهم.

 

ومع هذا التواجد فقد سجل المسلمون انتشرا لافتا في العديد من المدن اليونانية، غير أنه مع استقلال اليونان عن الامبراطورية العثمانية ، قام المسلمون بمغادرة البلاد، وكتان ذلك في العام 1830 ميلادية، إلا أن الوجود التاريخي ساهم بالعديد من الأشكال في اعادة المسلمين الى هذه البلاد مرة أخرى، حتى أصبح في اليونان قرابة 300 مسجد، ، وهو ما أدى إلى إثارة ما عرف بـ"الفجر الذهبي"، وهي حركة تعمل على يمنية تعمل على ترسيخ العنصرية في اليونان ، فهى ذات جذور نازية، وتأسست على كراهية المهاجرين، ومعارضة مشاريع إسلامية، مهما كانت ضآلتها، خاصة وأنهم بدؤوا الحديث حاليا بالادعاء بأن المهاجرين، ومن بينهم المسلمين هم السبب وراء الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي تعيشها البلاد حاليا. 

 

وتشير التقديرات إلى أن محاولات المسلمين تشكيل جمعيات اجتماعية وثقافية ، وتزايد طلبات تقديمها من جانبهم إنما يعكس رغبة الأقليات المسلمة هناك في أن يكون لهم دور بصورة أو بأخرى لتحقيق أهدافهم المدنية والاجتماعية والثقافية التي لا يتمكنون من تحقيقها خلال حراكهم السياسي القائم، والذي تمكنوا من خلاله في التعبير عن أنفسهم، على الرغم من كافة الصعوبات والتحديات التي يعيشونها، إلا أن لديهم إرادة وصمود على ما مواجهة ما يمكن أن يقفوا أمامهم من عقبات.

 

ولعل حديث اليونان عن حقوق الانسان ودعمها لها مقابل ما يتعرض له المسلمون وغيره من المهاجرين من مضايقات، يكشف معسكرات الأجنحة داخل الدولة اليونانية، وأن هناك من يقف بالمرصاد ضد أي صعود سياسي للمسلمين هناك، خاصة مع تزايد أعدادهم، والتي تسجل حسب احصاءات غير رسمية قرابة نصف مليون مسلم، سواء من المقيمين أو من حاملي الجنسية اليونانية، وهو ما يعني أنهم يشكلون نحو3% من مجموع سكان البلاد.

 

وربما يكون البروز السياسي والاجتماعي والثقافي للمسلمين في اليونان هو ما ساهم في حالة العداء للمسلمين هناك، ومناصبة بعض التيارات اليمنية والراديكالية مواقف مناهضة لهم، غير أنه أمام كل هذه التحديات، فإن الأقليات المسلمة في اليونان يحدوها آمالا عريضة تنتابهم في أن يكون انضمام اليونان إلى الإتحاد الأوروبي فرصة لهم للتمتع بحقوقهم التي تعرضت لانتهاكات مختلفة، في ظل المؤسسات الأوروبية المعنية بحقوق الإنسان، والأخرى المدنية، على نحو الحكم المشار إليه والذي أصدرته محكمة حقوق الإنسان في ستراسبورج بشأن إتاحة الفرصة لمسلمي اليونان بتشكيل جمعياتهم الاجتماعية المختلفة، ما يؤشر إلى أن الحالة التي هم عليها لن تستمر طويلا، وأنهم قادرون على مواجهتها.