اتفاق "هدنة حمص" في الميزان
4 رجب 1435
تقرير إخباري ـ المسلم

مع استمرار احترام اتفاق الهدنة في حمص (وسط البلاد) بين المعارضة المسلحة وقوات النظام ، وتأكيد الناشطين السوريين عدم تسجيل أي خروق بين الطرفين في الأحياء المحاصرة بالمدينة حتى ساعة كتابة هذه السطور - مع احتمال خرق بشار لبنود هذه الهدنة في أي لحظة , فسمة الغدر ونقض العهود ليست غريبة على النصيرية والرافضة - يزداد الأمر حاجة للتوضيح والتعليق على هذا الخبر المفاجئ وغير المفاجئ بنفس الوقت .
وبالنسبة لتفاصيل هذا الاتفاق فقد كشفت شبكة سوريا مباشر عن أنه تم بحضور روسي وإيراني ، وأن الاتفاق تضمن إفراج المعارضة عن ضابط روسي تأسره الجبهة الإسلامية في ريف اللاذقية منذ العاشر من أبريل/نيسان الماضي، وإيرانية قبض عليها الثوار عند معبر باب السلامة في مارس/آذار الماضي عندما كانت تحاول تفجير نفسها، بالإضافة لعشرين مقاتلا إيرانيا.
ويتضمن الاتفاق أيضا إخراج جميع المحاصرين في حمص القديمة ، ويبلغ تعدادهم ما بين 2200 و2400 يتم نقلهم بحافلات، ولا يسمح للمقاتلين إلا بإخراج السلاح الفردي .
ووفق الاتفاق ، يسمح بدخول الهلال الأحمر إلى حي الوعر، ودخول المواد الغذائية التي تمنع قوات النظام دخولها منذ شهور إلى الحي الذي يضم أكبر نسبة من النازحين من أحياء حمص الأخرى .
وتضمن الاتفاق كذلك إلزام المعارضة بالسماح بإدخال الطعام والشراب لبلدتي نبل والزهراء بريف حلب ، ودخول الهلال الأحمر إلى البلدتين , وسيشرف على العملية ممثل عن الأمم المتحدة , ومن المقرر نقل جرحى من مقاتلي المعارضة بسيارات للهلال الأحمر السوري إلى ريف حمص الشمالي اليوم .
كانت أولى التعليقات على هذا الخبر من جانب الصحف الغربية هو اعتبار ذلك استسلاما من قبل الثوار , وسيطرة بشار على المنطقة الوسطى في البلاد , وهو أمر غير جديد على الصحافة الغربية التي ما فتأت منذ مدة ليست بالقصيرة على رفع معنويات قوات النظام الأسدي , من خلال تضخيم إنجازات قوات بشار و نشرها إعلاميا على أوسع نطاق , بينما تقلل من إنجازات الثوار وتعتم عليها إعلاميا , مع تضييق الخناق على أي إمدادات عسكرية أو لوجستية يمكن أن تصل إليهم , بحجة الخشية من وقوعها بأيدي المتطرفين والإرهابيين – حسب تعبيرهم -
فقد كشف تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية عن أن اتفاق الهدنة بحمص سيمكن نظام بشار من السيطرة على معظم ثالث أكبر مدينة في سورية , إضافة لسيطرته على شريط إستراتيجي مهم من اللاذقية في الشمال الغربي إلى دمشق , وفق كاتب المقال .
والحقيقة أن اتفاق الهدنة بحمص كان الحل الوحيد والخيار المتبقي للثوار بعد ستة أشهر على الأقل من قصف لا هوادة فيه من قبل قوات بشار , وصمت عربي ودولي عن حصاره الخانق الذي أوصل الثوار مع عدد قليل من العائلات الذين ما زالوا في البلدة القديمة إلى حالة مجاعة شديدة .
لقد أطلق الثوار في حمص منذ بدايات الحصار الخانق عليهم الكثير من نداءات الاستغاثة والاستعانة بالمجتمع الدولي والعربي , كما استنجدوا بالكتائب والألوية المقاتلة على الأرض السورية , إلا أن كل ذلك لم يجد نفعا , فلا الحصار انفك عن المدينة , ولا المساعدات العسكرية وصلت إلى أيدي الثوار لمقاومة قوات بشار .
ومع كل هذا لم تستطع قوات بشار مدعومة بمليشيات حزب الله الدخول إلى المدينة القديمة التي حررها الثوار منذ فترة طويلة من مليشيات بشار بقوة السلاح , بل استطاع الثوار المحافظة على تواجدهم داخل أحيائها , وتكبيد العدو الرافضي النصيري خسائر فادحة في الأرواح والعتاد العسكري .
ومع وجود بعض الإيجابيات في مثل هذه الاتفاقيات , تتمثل في إخراج الناس من موت بطيء محقق جراء الحصار , بالإضافة لإنقاذ الثوار وإخراجهم بعتادهم من المدينة , إلا أنها لا تخلو من بعض السلبيات , ولعل أهم هذه السلبيات فقدان منطقة استراتيجية وسقوطها بيد النظام .
ومع ذلك فلا يمكن بأي حال من الأحوال تحميل الثوار في حمص مسؤولية هذه النتائج السلبية , بل تتحملها كاملة ظاهرة الفرقة والتشرذم بين الفصائل المقاتلة في سورية , وعدم وجود تنسيق عسكري شامل بينهم رغم مرور ثلاث سنوات على الثورة السورية .
وبالرغم من كل ما سبق فلا ينبغي لمثل هذه الاتفاقيات أن تأثر نفسيا على معنويات الثوار , فالحرب النفسية أشد فتكا في زمن الحرب من المعركة العسكرية , وكثيرا ما حاول بشار أن يهزم الثوار بالوهم عن طريق بث الإشاعات والأخبار الكاذبة بسقوط بعض البلدات , بينما هي في الحقيقة والواقع صامدة ومقاومة .
فالبطولة تكمن في كيفية الاستفادة من أخطاء الماضي لتفادي الوقوع بها في المستقبل , وإلا فما نفع تجارب الحياة إذن ؟!!