وقفة علماء ومنظمات إسلامية من تعديات الأمم المتحدة على الأسرة المسلمة
13 رمضان 1435
تقرير إخباري ـ محمد لافي

بعد مرور 20 عاماً على المؤتمر العالمي للسكان والتنمية الذي عقده صندوق الأمم المتحدة للسكان في القاهرة عام 1994م خصصت لجنة السكان والتنمية بالأمم المتحدة جلستها الـ 47 لمتابعة التطورات في وضع السكان على مستوى العالم لوضع تصور ما بعد عام 2014م واستكمال تطبيقها تطبيقاً كاملاً على أرض الواقع كما كان مخططا لها.

 

وتزامناً مع الموعد المرتقب لهذه الجلسة ؛ أعلن عدد كبير من الاتحادات والجمعيات والتجمعات الإسلامية والمنظمات النسوية على مستوى العالم الإسلامي وعدد من دول أوربا والعالم اعتراضها على مشروع القرار الذي تتضمنه الجلسة والذي تستهدف لجنة الإسكان والتنمية تمريره من خلالها.

 

ففي بيان بلغ عدد الموقعين عليه 74 من هذه التجمعات والمنظمات والاتحادات أكدوا فيه اعتراضهم على مثل هذه الاتفاقات كونها تناقض القيم الشرعية في المجتمعات المسلمة, وتناهض المبادئ الأخلاقية في المجتمعات المحافظة في جميع أنحاء العالم وتروج للإباحية والفاحشة تحت مسمى الثقافة الجنسية والحرية الشخصية.

 

وطالب الموقعون على البيان وعلى رأسهم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين, والرابطة العالمية للمنظمات النسائية الإسلامية, والمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث, وجمعية رابطة علماء الشريعة في دول مجلس التعاون الخليجية وغيرها, طالبوا منظمة الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها باحترام إرادة الشعوب والمنظومات القيمية والأخلاقية, كما طالبوها باتخاذ خطوات جادة وعملية لرفع العنف عن النساء والفتيات في كل المناطق التي يتعرضن فيها للإيذاء والقتل والاغتصاب.

 

مؤتمر السكان في القاهرة:
وتضمن البيان نبذة عن المؤتمر العالمي للسكان والتنمية الذي عقده صندوق الأمم المتحدة للسكان في القاهرة عام 1994م والذي عدّه البيان من أخطر المؤتمرات التي عقدتها هيئة الأمم المتحدة منذ بداية تأسيسها عام 1945م وذلك حين طرح وللمرة الأولى قضايا تمس صميم القيم والأخلاق والثقافات الأصلية التي سادت الكثير من الأمم والشعوب عبر مئات السنين, كما أن هذا المؤتمر أتيحت فيه الفرصة لبروز فكر تحرري شديد التطرف فرض نفسه بقوة على فعاليات المؤتمر وجاءت الوثيقة الصادرة عن ذلك المؤتمر صادمة لقطاع واسع من شعوب العالم.

 

وتوالى بعد هذا المؤتمر انعقاد عدة مؤتمرات أخرى لمتابعة تطبيق تلك الوثيقة ؛ حيث تم فيها متابعة تطبيق وثيقة السكان التي تم تحديد لها هدف واضح وهو خفض معدلات الخصوبة والإنجاب, وقد سلكت من أجل تطبيق ذلك الهدف عدة مسالك, منها رفع سن الزواج مع خفض سن الممارسة الجنسية خارج نطاق الزواج.

 

ويذكر البيان كمثال على ذلك ما نصت عليه الفقرة (21) من الفصل الرابع الذي حمل عنوان (الطفلة الأنثى) وجاء فيه " ينبغي على الحكومات أن تنفذ بكل حسم القوانين المتعلقة بالسن القانوني لاستقلال الفتاة والسن القانوني عند الزواج, وأن تزيد السن الأدنى عند الزواج حيثما اقتضى الأمر, وعلى الحكومات والمنظمات غير الحكومية توليد الدعم الاجتماعي اللازم لإنفاذ القوانين المتعلقة بالحد الأدنى القانوني لسن الزواج, لاسيما بإتاحة فرص التعليم والعمل.

 

و في الوقت الذي تشدد فيه تلك الوثائق على اعتبار حصول المراهقين على وسائل منع الحمل, والمعلومات الخاصة بها حقوقاً للإنسان, تغض الطرف عن الانتهاكات الصارخة التي تتعرض لها المرأة والفتاة المسلمة حالياً في كثير من أنحاء العالم, من قتل وحرق واغتصاب ممنهج, وتعذيب واعتقالات تعسفية.

 

كما أن الأمم المتحدة تسعى لإدماج وثائق جديدة لوضع المزيد من الضغوط على الحكومات لدفعها على تطبيق ما تصدره من وثائق أحادية المنظر, منها على سبيل المثال مشروع القرار الذي تستهدف لجنة السكان والتنمية تمريره هذا العام.

 

اعتراضات:
وفي خضم ما سرده البيان من حقائق أبدى عدداً من الاعتراضات تمحورت حول أربعة نقاط أساسية, وهي الاعتراض على المطالبات الجديدة بمزيد من الحريات وإضافتها إلى جدول أعمال لجنة السكان للأعوام الخمسة عشر المقبلة وتجاهل اعتراض الكثير من الوفود الحكومية على ذلك.

 

ومن ذلك, عدم مراعاة التباين الثقافي والقيمي بين أقاليم العالم المختلفة من خلال الإصرار على إدراج مخرجات المؤتمرات الإقليمية وتكرار الإشارة إليها لاعتبراها إضافة إلى الأجندة الدولية للسكان على الرغم من عدم تحقيق هذه المخرجات لإجماع دولي لاشتمالها على بنود مثيرة للخلاف والجدل.

 

الحقوق الجنسية والإنجابية والتعليم الجنسي الشامل:
كما اعترض الموقعون في البيان على الإصرار على إدماج الحقوق الجنسية والإيجابية وخدمات الصحة الجنسية والإنجابية, مع التركيز على التعليم الجنسي الشامل للمراهقين والشباب في أكثر من بند من بنود الوثيقة مع العلم أنها مخرجات لمؤتمرات إقليمية لكن يبدو الإصرار واضحا على دمجها كوثائق دولية.

 

ويعنى التعليم الجنسي الشامل بإعطاء معلومات وافية عن الممارسة الجنسية في عمر الـ9 سنوات لتشمل المعلومات الكافية حول الوقاية من الحمل ومرض الإيدز وإعطاء المعلومات عن الإجهاض الآمن في حال الحمل غير المرغوب فيه, وتشجيع الشباب للدفاع عن الحقوق الجنسية, وتشجيع قبول واستكشاف التوجهات الجنسية والهويات بين الجنسين, ومحاربة التمييز ضد المثليين الجنسيين والثنائي الجنس.

 

ومن ذلك أيضاً الإصرار على إدماج مصطلح " مساواة النوع" (الجندر) والتي تحمل في حقيقتها مطالبة بإلغاء كافة الفوارق بين الرجل والمرأة للوصول إلى التساوي المطلق في نفس الوقت المطالبة بتحقيق التساوي في الحقوق بين المثليين والشواذ واعتبار الإخلال بتلك المساواة عنفاً مبيناً على ما يسمونه بالـ (الحندر).

 

مطالبات:
وأمام تلك المعطيات, طالب الموقعون على البيان من منظمة الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها باحترام إرادة الشعوب والمنظومات القيمية والأخلاقية التي تستند إليها والتي من شأنها الحفاظ الفعلي على الأمن والسلام الدوليين.

 

ودعوا الدول الإسلامية إلى اتخاذ موقف موحد وحاسم إزاء الوثائق الدولية المتعلقة بالسكان والمرأة والطفل, ورفض كل ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية الغراء, وفي سائر الوثائق السابقة كالسيداو, وبكين ووثيقة القاهرة للسكان, وغيرها أو أية وثائق لاحقة تطرح للنقاش أو التوقع مع التمسك بالتحفظات التي وضعت عليها, وعدم الانضمام إلى البروتوكولات الملحقة بها حفاظً على هوية الشعوب وسيادة الحكومات.

 

كما طالبوا منظمة الأمم المتحدة باتخاذ خطوات جادة وعملية لرفع العنف عن النساء والفتيات في كل المناطق التي يتعرضن فيها للقتل والحرق والاعتقال والتعذيب والاغتصاب الممنهج.

 

وتبقى المسؤولية على المؤسسات الرسمية في دول العالم الإسلامي كله في الاستجابة للأصوات المحذرة من هذه الاتفاقيات المتناقضة مع ديننا الحنيف والتعاون مع المؤسسات الشرعية في بث التوعية الإعلامية بخطورة هذه المؤتمرات على قيمنا الإسلامية والعمل على تحصين الشباب في عالمنا الإسلامي، وتشجيع الزواج المبكر؛ سدا لأبواب الفساد والانحراف.

 

كما أن العودة إلى تعظيم القيم الدينية، وإعلاء شأن المبادىء الأخلاقية، والمحافظة على الأعراف الاجتماعية الفاضلة؛ تمثل بإذن الله عز وجل طوق النجاة والأمان من كل ما يهدد استقرار مجتمعاتنا المسلمة.