رحلة البحث عن الحقيقة
16 جمادى الثانية 1435
د. عامر الهوشان

كثيرون من المفكرين والعلماء والعظماء - فضلا عن البسطاء وعامة الناس في الشرق والغرب - الذين اهتدوا إلى الإسلام بعد رحلة طويلة في البحث عن الحقيقة , فالإسلام كان وما زال وسيبقى الحقيقة الكبرى في هذا الوجود , والنور الذي لا يخفت ضوؤه للسائرين على طريق الهداية إلى الله عز وجل , تصديقا لقول الله تعالى : { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ..... } آل عمران/19 , وقوله صلى الله عليه وسلم : (ليبلغن هذا الأمر مبلغ الليل و النهار و لا يترك الله بيت مدر و لا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل يعز بعز الله في الإسلام و يذل به في الكفر ) المستدرك على الصحيحين للحاكم برقم 8326 وصححه الألباني .
وصاحب الرحلة هذه المرة إفريقي أسلم حديثا اسمه "إليكسندري ماركس" , والذي تحدث إلى شيوخ المجلس الأعلى للأئمة والشئون الإسلامية في البرازيل عن رحلته في البحث عن الحقيقة حتى هداه الله لاعتناق الإسلام .
"ماركس" الذي نشأ وترعرع في غابات الأمازون الاستوائية يتحدث عن رحلته الطويلة إلى الإسلام , حيث قطع مسافة 3 آلاف ميل، أي ما يعادل 4830 كيلو متر، لكي يصل إلى الحقيقة الكبرى وليعتنق الإسلام بعد قراءة متأنية عنه بدأت عام 1998م .
لم يكن مستغربا أن يشتكي "ماركس" الذي نشأ داخل الكنيسة الكاثولوكية الرومانية، بشعوره بالخواء الروحي منذ صغره ، ذلك الداء العضال الذي يعاني منه الملايين في هذا العالم في الشرق والغرب , جراء المادية البغيضة التي تسيطر على العالم المتحضر البعيد عن الإسلام , حيث الليبرالية والعلمانية والمادية النفعية أضحت بديلا عن المعاني الروحية والأخلاقية التي فطر الله عليها الإنسان .
وكما أن العديد من التصورات عن الكون والخالق التي مرت على ذهن "ماركس" دون أن يجد لها إجابة شافية في الكنيسة أو غيرها – كما يقول ويصرح – فإنها كذلك قد مرت على ذهن آلاف الشخصيات المهمة التي أعلنت إسلامها , بعد أن وجدت في تعاليم الإسلام الأجوبة الواضحة والشافية للأسئلة المصيرية الكبرى عن الكون والإنسان والحياة .
لقد ذكرت وكالة الأناضول عن "خالد رزق تقي الدين" رئيس المجلس الأعلى للأئمة والشئون الإسلامية في البرازيل ، أنهم فوجئوا الأسبوع الماضي بشخص أفريقي يدخل عليهم المجلس ، وطلب أن يعلن إسلامه ونطق بالفعل شهادة "ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله" .
وعن ملابسات إسلام "ماركس" والعوامل المساعدة في ذلك أشار "تقي الدين" إلى أن "ماركس" التقي في عام 1998 بامرأة مسلمة تسمى "ماريا دو كارمن" ، تفقه منها في بعض الأمور الدينية ، وأرشدته إلي بعض الكتب ، الأمر الذي يشير إلى عظمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان بسيطا أو قليلا في نظر الفاعل , فإنه قد يكون سببا وعاملا لإنقاذ شخص من النار واعتناقه الإسلام .
ومثله مثل الكثيرين من قبله بدأ "ماركس" بعد هذه الحادثة التعمق في الدين لمعرفة الحقيقة واكتشاف الإسلام ، والقضاء على الفراغ الروحي الذي كان يشعر به ، حتى قرر نهاية الشهر الماضي أن يتجه إلي المجلس لإعلان إسلامه .
واللافت في إسلام "ماركس" هو ذلك الإصرار على السفر 16 ساعة متواصلة بالقارب السريع حتى وصل إلى مدينة “مانوس” عاصمة ولاية الأمازون بالبرازيل ، ومنها استقل طائرة إلى مدينة “ريو دي جانيرو” لمدة 6 ساعات ، قبل أن يصل في النهاية إلي المركز الإسلامي بمدينة ساو باولو البرازيلية .
نعم .. لقد كانت السعادة تغمر روح "ماركس "عقب إعلان إسلامه ، معبرا عن أن روحه قد ردت إليه ، ومصرا على البقاء في المركز ليتعلم الأمور الأساسية التي تقربه من الله تعلى، وتزيده معرفة بالوحدانية البعيدة عن الفلسفات البشرية .
إن الحقيقة التي لا بد من إظهارها وبيانها أن انتشار الإسلام في البرازيل , ودخول غير المسلمين في دين الله جماعات وأفرادا , إنما كان بفضل جهود بعض العلماء والغيورين على هذا الدين , أمثال الشيخ "عبد الرحمن البغدادي" أحد أوائل الشيوخ الذين زاروا البرازيل في 1866، والذي التقى الهنود الحمر (السكان الأصليون بالأمريكيتين) في غابات الأمازون , ودعاهم للإسلام رغم كل المتاعب التي واجهها من هؤلاء الأشخاص الذين لا يقبلون غريبا , لتظهر الثمرة بعد أكثر من قرن ونصف من الزمان بإسلام "ماركس" وغيره .
كما أن وصول الشيخ الدكتور عبد الله عبد الشكور كامل مبعوثاً لوزارة الأوقاف المصرية لمسجد البرازيل عام 1956م كان له أثر عظيم في التأسيس للدعوة الإسلامية الحديثة , حيث استطاع أن يؤسس المدرسة الإسلامية البرازيلية بضاحية ” فيلا كارون “، والمقبرة الإسلامية في ضاحية ” غواروليوس “، وناديا اجتماعياً في ضاحية “سانتو أمارو ” للقاء العائلات المسلمة ، وتتلمذ على يديه الكثير من قيادات العمل الإسلامي في البرازيل .
وإذا كان المسلون المتواجدون في البرازيل حاليا والذي يقدر عددهم "بمليون ونصف" معظمهم من المهاجرين العرب من لبنان وسوريا وفلسطين والعراق , فإن هناك ما يزيد عن عشرة آلاف مسلم جديد في البرازيل , ينحدرون من أصول مختلفة إسبانية وإيطالية وألمانية وإفريقية .
إن حركة دخول الناس في الإسلام هناك - ولله الحمد - في ازدياد مطرد , فقد اعتنق ثلاثة برازيليين (من بينهم امرأتان) الدين الإسلامي طواعية خلال الأسبوع الأخير من شهر مارس/ آذار الماضي - كما يقول تقي الدين في تصريحات سابقة لوكالة الأناضول – كما ينتشر 80 مؤسسة ومركزا إسلاميا في مدن البرازيل , إضافة لأكثر من 100 مسجد ومصلى يعمل بها 60 شيخا وداعية .
والحقيقة أن وجود الإسلام في البرازيل قديم قدم اكتشاف هذه البقعة من الأرض عام 1500م , فبينما يذهب بعض المؤرخين إلى احتمالية وصول المسلمين إلى أرض البرازيل قبل اكتشافها عن طريق بعض القوارب ؛ نظرًا لتقدمهم في علوم البحار، مستدلين على ذلك ببعض الكتابات والنقوش العربية التي وجدت محفورة على بعض الأحجار في مدينة "ريو دي جانيرو" وغيرها من سواحل البرازيل وأمريكا اللاتينية عمومًا .
فإن الرواية الثانية التي أيدها الدكتور علي الكتاني رحمه الله "الخبير بشئون الأقليات المسلمة في العالم" تشير إلى أن مكتشفي أمريكا والبرازيل اصطحبوا معهم بعض المرشدين المسلمين المتمرسين في علوم البحار، الذين تظاهروا بالنصرانية للهروب من محاكم التفتيش في إسبانيا "الموريسكيين"، فما إن وصلوا إلى البرازيل حتى بدءوا بإظهار بعض الشعائر الإسلامية ، إلى أن اكتشف أمرهم وأقيمت لهم محاكم تفتيش من قبل البرتغاليين في مدينة باهية 1594م .
إن رحلة "ماركس" الطويلة إلى الإسلام تذكرنا برحلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاقة والمضنية للوصول إلى الحقيقة , كرحلة أبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي رضي الله عنهما .
فهل يعي المسلمون بالولادة عظم الجوهرة والكنز العظيم الذي بين أيديهم ؟؟