أنت هنا

الثورة "المستحيلة"؟!
14 جمادى الثانية 1435
موقع المسلم

يعلم الجميع في الجزائر وفي الخارج، أن منصب رئيس الجمهورية في بلد المليون شهيد، ليس أكثر من قناع يتخفى وراءه الجنرالات الممسكون بمقاليد الأمور في السياسة كما في الاقتصاد والإعلام وسائر مناشط الحياة..

هذه الحقيقة التي لا يماري فيها إلا مكابر، أصبحت سائدة على الأقل منذ انقلاب الجنرالات الفرنكوفونيين على الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد مطلع عام 1992م..

 

فما سر تشبث الحاكمين الفعليين بالرئيس الحالي عبد العزيز بو تفليقة،  الذي تنخر جسده المتهدم جملة من الأمراض المزمنة، والذي مضى على رئاسته للجمهورية خمس عشرة سنة متصلة، ويواجه معارضة شديدة،  بالرغم من البطش الشرس إزاء كل الاحتجاجات المتفاقمة في أنحاء البلاد؟

 

من الضروري للحصول على تفسير معقول، الانطلاق من قراءة علاقاته بمراكز القوة في الجيش وأجهزة القمع، باعتبارها هي الحاكم الفعلي للجزائر.
وتقتضي القراءة الموضوعية ملاحظة الاستمرارية في حالة بو تفليقة، إلى حد نسف هيبة الدستور وتعديله قبل سنوات، لكي يترشح لفترة ثالثة، كان الدستور المفصل من قبل انقلابيي 1992 يمنعها!!

 

في المقابل، لم يحتمل جنرالات الدم والفساد محمد بو ضياف  رئيساً لمجلس رئاسي سوى بضعة أشهر –رتبوا غتياله في 29/6/1992-..
جاء علي كافي ليحل محله ثم يسلّم الموقع لليمين زروال 1994م الذي حكم فترة انتقالية قصيرة تلتها انتخابات كارثية في مستوى تزويرها لفائدته 1995..واضطر الحكام إلى التبكير في الانتخابات الرئاسية بعد عقدهم صفقة مع بو تفليقة الذي استدعوه من مكان إقامته في الإمارات!!

 

 فلم يسبق لجنرالات النفط والرز والسكر أن ارتاحوا إلى أي رئيس واجهة قبل بو تفليقة..  بو ضياف واحد من القادة التاريخيين الخمسة لجبهة التحرير، فلم يقبل الانحناء لجنرال مثل المجرم خالد نزار  ظل في جيش الاحتلال نصف مدة الثورة ( انضم إليها سنة 1958 وهي بدأت 1954 وانتهت 1962 بالاستقلال!!-.. وكافي وزروال من القادة العسكريين في حرب التحرير،  فكان لسيطرة نزار عليهما حدود لا تلائم هواه..

 

أما بو تفليقة فمدني وكان أداة في يد الطاغية هواري بو مدين، ثم انزوى بعد مهلك سيده إلى الهامش كسيراً، حتى إن الأجيال الشابة لم تسمع باسمه.. فهو ينتمي أصلاً إلى مدرسة الاستبداد التي عاش في كنفها، وتربى على قيمها الفاسدة المنحرفة.
إن استحضار تلك العناوين الرئيسية يجعل المشهد جلياً،  ويتيح فهم الإصرار المريب للعسكر المهيمنين على البلاد، على عهدة رابعة لبو تفليقة،  بالرغم من تدهور حالته الصحية، الأمر الذي جعله الجزائريون مادة خصبة للسخرية.
ومن المفارقات أن مدير حملته الانتخابية عبد المالك سلال-الذي تخلى عن منصب رئاسة الحكومة يتفرغ لهذه المهمة، أعلن مؤخراً أن بو تفليقة ينوي تطبيق إصلاحات دستورية لتعزيز الديمقراطية في البلد إذا فاز بالانتخابات.

 

موضحاً أن هذه الإصلاحات تشمل تحديد ولاية الرئيس ومنح صلاحيات واسعة لأحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان تتيح لها الطعن في التشريعات البرلمانية أمام المجلس الدستوري!!
ولأن الجزائريين واعون لطبيعة اللعبة المسرحية، لم يسأله أحد:وما الذي منع بو تفليقة من تطبيق تلك الإصلاحات على مدى 15 سنة مضت عليه في كرسيه؟ بل إن الأشد إثارة للضحك أن بو تفليقة يريد تحديد ولاية الرئيس، مع أنها كانت محددة، لكن العسكر غيّروها من أجله!!

 

ويكمل سلال دوره على المسرح فيتحدث عن صحة رئيسه قائلاً: وقال سلال "صوته بدأ يعود،  ويحتاج إلى مزيد من الوقت حتى يستأنف السير مرة أخرى. إنه ليس مريضا وإنما يتعافى".!!
وسيرة الرجل في حجب أنياب العسكر وراء ثياب مدنية شكلية، أكدت " حسن اختيارهم" ودقة فهمهم لشخصيته المناسبة لمصالحهم وانتماءاتهم الأجنبية.. فقد شهدت فترته الأولى مشاكل سياسية وقانونية ومشاكل مع الصحافة والحقوقيين،  وفضائح المال العام مع بنك الخليفة وسياسة المحاباة في الحقائب الوزارية والصفقات الدولية المشبوهة وكذلك التلاعب في المناقصات من أجل شركات الاتصالات للهواتف المحمولة!!
وازداد الفساد والقمع في فترتيه اللاحقتين، ولذلك كان في طليعة أعداء الشعب السوري عندما ثار على طاغوته بشار..

 

أفليس مزرياً في بلد نفطي وذي ثروات هائلة كالجزائر أن يهرب أبناؤه إلى الغرب بقوارب الموت المتهالكة؟
بالطبع، يظن القتلة المتحكمون بالبلد، أن دموية بشار سارت لفائدتهم،  فهي تكرار لسيناريو الذبح الجماعي الذي انتهجوه في التسعينيات وقتلوا خلاله 200 ألف جزائري.. لكن رهانهم الصامد حتى الآن،  لن يصمد طويلاً، سواء أكان بو تفليقة واجهتهم العليلة أم غيره من الأدوات.. فلصبر الشعوب أمد..