الخيار بين السيء والأسوأ
8 جمادى الثانية 1435
خالد مصطفى

مع مرور بلدان الربيع العربي بأزمات على الصعيد الأمني والاقتصادي بسبب شن مجموعات نافذة من الحرس القديم لثورات مضادة حفاظا على مصالحهم والمؤامرات التي تقوم بها بعض البلدان القريبة والبعيدة ضدهم مع وجود خلافات بين القائمين على الثورات وعدم اتفاق مشاربهم حيث أن ثورات الربيع العربي ضمت العديد من الفئات والطبقات والمجموعات السياسية مختلفة الفكر, بسبب كل ما مر وجدنا عودة مرة أخرة من أذناب الأنظمة القمعية في الإعلام والسياسة إلى النغمة التي كانت سائدة قبل اندلاع ثورات الربيع العربي وهي المفاضلة بين السيء والأسوأ....

 

فالكلام الذي يقال من الرموز الإعلامية والسياسية التي ركبت في البداية على أكتاف الثورات وداهنت الثوار طوال الأعوام الماضية رغم أنها كانت دائما في ركب الأنظمة الزائلة, هذا الكلام يتركز على العودة للأوضاع قبل الثورات لأن هذا أفضل مما نحن فيه الآن! ـ على حد قولهم ـ والملخص أن الخيار يعود مرة أخرى في الخطاب الموجه للشعوب بين السيء والأسوأ ..فلا شك أن الأوضاع قبل الثورات كان سيئا وإلا لما ضحى الآلاف من الشباب بأرواحهم وخرجوا طالبين الحرية والعيش الكريم وعندما خرج هؤلاء الشباب سودت الصحف كافة الحكومية منها  والخاصة بفضائح وفساد الأنظمة التي امتصت دماء الشعوب وسمعنا من نفس هؤلاء الأشخاص ما تشيب منه الولدان بشأن كيفية إدارة أمور الدولة والمحسوبية التي أدت إلى ازدياد معدلات الفقر وأدخلت البلاد نفقا مظلما بعد الآخر دون أن يبرق ضوء خافت ينير الأمل في نفوس الشباب الذين يشكلون عصب الحياة وأكثرية السكان...

 

لقد مرت عشرات الأعوام منذ أن تحررت معظم الدول العربية من الاحتلال الأجنبي ومع ذلك وباستثناء دول الخليج التي تتمتع بثروات نفطية كبيرة, فالدول العربية تعيش في ضنك من العيش وأزمات متلاحقة وكلما جاءت حكومة في أي دولة تعد بالرخاء والنهضة ثم تذهب وتأتي غيرها دون أن تحدث أي انفراجة...العجيب أن دولا حصلت على الاستقلال بعد كثير من الدول العربية تمكنت من عمل نهضة رائعة على جميع الأصعدة مثل ماليزيا التي حققت طفرة اقتصادية كبرى جعلتها تنضم إلى النمور الآسيوية كما استطاعت أن تحقق نهضة سياسية فأقامت حياة حزبية تتمتع بالحرية رغم أنها تضم عددا من القوميات والأديان المختلفة إلا أن الرغبة في تحقيق النجاح جعلتهم قادرين على فصل السلطات ووضع كل سلطة في مكانها الطبيعي وإبعاد الجيش تماما عن الحياة السياسة....

 

نفس الأمر حدث مع تركيا التي عانت من مر تدخل الجيش في السياسة لعقود طويلة وشهدت عدة انقلابات كانت دائما ما تتحجج بفساد النخبة السياسية حتى جاء حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب أردوغان واستطاع أن يحجمها ويغير الدستور الذي كان يساند تدخل المؤسسة العسكرية في السياسة...لا يمكن أن يكون الخيار الوحيد المتاح لمعظم دول العالم العربي هو إما القمع والأمن النسبي أو الحرية مع الفوضى فهذه ثنائية ظالمة وغير حقيقية يراد فرضها من أصحاب المصالح الذين استفادوا من وجود الأنظمة الاستبدادية طوال أكثر من 60 عاما...الشعوب العربية تستحق ما هو أفضل ولن تستطيع أن تصل لنهضة حقيقية طالما دارت في هذه الثنائية الوهمية...لماذا لا تختار الشعوب حكامها وتحترم جميع أجهزة الدولة هذا الخيار حتى لو خطأ وتقوم بدورها دون تكاسل وبحسم ودون تجاوز للقانون؟!...

 

إن الشعوب العربية مثلها مثل بقية شعوب العالم من حقها أن تختار وتتعلم من خطئها حتى تستطيع أن تصل لمرحلة النضج السياسي المطلوب وهو أمر يحتاج وقت ولكنه أقل بكثير من الوقت الذي تتطلبه الأنظمة الاستبدادية لتقتل الأمل في نفوس شعوبها...لماذا تعتقد اجهزة الأمن في معظم دولنا العربية أنها لا يمكن أن تقوم بدورها في ظل احترام الحريات وآدمية الإنسان....عندما قامت ثورات الربيع العربي رأينا كيف أن قوات الشرطة تقاعست عن حماية المواطنين لكي تعاقبهم على تغييرهم للأنظمة التي كانت تمنحهم الحرية لقتل الشعوب والتنكيل بهم ومع الأسف رأينا من يحمل الثورة وأصحابها جرم انعدام الأمن وهي بريئة من ذلك...

 

لا يمكن أن يعيش العالم العربي في ظل هذه الثنائية النكد 50 عاما أخرى فيزداد تأخرا وتضيع فرصة اللحاق بركب الحضارة والتقدم والرفاهية التي يعيش فيها الكثير من الشعوب الآن بعد أن أصروا على النضال من أجل مستقبل أفضل.