الانتخابات التركية في الميزان
4 جمادى الثانية 1435
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

الانتخابات التركية الاخيرة رغم أنها انتخابات محلية وليست برلمانية أو رئاسية إلا أنها حصلت على اهتمام إعلامي واسع داخل وخارج تركيا ..

 

ولعلها المرة الأولى التي تحصل فيها انتخابات في تركيا على مثل هذا الاهتمام الذي كان حاضرا في وسائل الإعلام العربية والغربية معا بمختلف مشاربها...

 

 

قد شاهدنا كيف كانت برامج الحوارات المسائية في الوطن العربي حافلة بالتعليق على الأوضاع في تركيا قبل إجراء الانتخابات وبعد إجرائها وسط مراهنات التيارات العلمانية على هزيمة ساحقة لحزب أردوغان تقضي على طموحات التيار الإسلامي في داعم رئيسي له في المنطقة, ومراهنات من جهة الإسلاميين على التجربة الرائدة لأردوغان كتجربة ذات طابع إسلامي منحازة لقضايا العرب والإسلام في سوريا وفلسطين وميانمار وغيرها من المناطق الساخنة حيث أعاد تركيا لمحيطها العربي والإسلامي بعد أكثر من 80 عاما من ابتعادها غربا عقب سقوط الخلافة الإسلامية على أيدي أتاتورك وإقامة تركيا العلمانية الخالصة المعادية للدين...

 

كانت الهوية هنا هي الفيصل إذن في متابعة هذه الانتخابات التي جاءت في وقت يموج فيه العالم العربي والإسلامي بالحراك السياسي والمطالب الشعبية والأفكار الداعية للحرية وتغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي...إن العلمانيين والقوميين العرب شعروا بالوحشة الشديدة إثر إظهار  الثورات العربية افتقادهم للشعبية و ضعف ثقة الشعوب في أطروحاتهم فاضطروا للتحالف مع الأنظمة الاستبدادية القديمة وانقلب معظمهم على الثورات ووجهوا لها الاتهامات المعلبة القديمة بالتآمر مع الغرب ضد الشعوب...

 

إن الانتخابات التركية فضحت عوار الإعلام العربي والعالمي الذي يتشدق بالمهنية والموضوعية ويزعم البعد عن الانحياز إلا لإرادة الشعوب ولكن طريقة تغطية الانتخابات التركية أبانت بما لا يدع مجالا للشك الأهداف التي كانت ترمي إليها معظم الأقلام والألسنة من وراء هجومها الضاري على أردوغان وحزبه...

 

الغرب لا يزال يصر على رفض انضمان تركيا للاتحاد الأوروبي بدعوى أن تركيا مسلمة وأن الاتحاد الأوروبي "نادي مسيحي" رغم الزعم أنهم ضد العنصرية والتفرقة بين الدول والشعوب على أساس الدين أو العرق ورغم الانجازات الكبيرة التي حققتها تركيا على الصعيد الاقتصادي والتي فشلت دول كثيرة ممن انضمت للاتحاد عن تحقيق ربعها...

 

لقد شنت معظم  الصحافة الغربية حملة على أردغان وروجت للاتهامات المتعلقة بالفساد وتكلمت عن أن هذه الانتخابات ستكون بداية لانهيار مستقبل أردوغان السياسي وأن حلم أردوغان بأن يصبح رئيسا قد تبخر, إلى آخر هذه الأقاويل التي أخذتها الصحافة والفضائيات  العربية لترددها بلا تمحيص أو تدقيق حتى أن إعلامي عربي معروف بانحيازه للأنظمة القديمة المستبدة والفاشلة سخر من إرهاق أردوغان قبل الانتخابات بعد المجهود الكبير الذي بذله في الحملة قائلا بشماتة بالغة وجهل فاضح: "هذه هي لعنة الفراعنة أصابت هذا الرجل", ووصف الإرهاق الذي أصاب الرجل المجتهد المكافح بأنه "بداية للسقوط المروع" ثم جاءت النتيجة لكي تقلب المائدة على جميع المروجين لسقوط الرجل ويتضح أنه تمكن من تحقيق فوز ساحق أكبر من أي انتخابات خاضها من قبل..

 

 

لقد تجاهل جميع المروجين لسقوط حزب أردوغان الشعبية الحقيقية التي صنعها الرجل على الأرض طوال سنوات طويلة والتحسن الواضح في معيشة المواطن التركي في ظل حكومة أردوغان بعد أن كانت الأوضاع الاقتصادية على وشك الانهيار....إن المواطن البسيط لا يحتاج إلى نظريات وكلمات منمقة وفضائح على مواقع الإنترنت لكي ينتخب هذا أو ذاك ولكنه يحتاج إلى عمل ومجهود وثمار يراها ويشعر بها, وهو على استعداد لتكذيب كل ماعاداها مهما كان الإلحاح الإعلامي البغيض....إن تجربة أردوغان لأنها نمت في وسط فيه حرية إلى حد ما وشهد حلقات متصلة من الفشل اليساري واليميني وتدرج رويدا رويدا تمكن من بلوغ المراد لكي يؤكد أن التجربة ذات الطابع الإسلامي يمكن أن تنجح لو أعطيت المجال...

 

إن الفشل الذي أصاب بعض التجارب ذات الطابع الإسلامي في عالمنا العربي ـ رغم ما ارتكبته من أخطاء ـ  جاء بفعل فاعل وتآمر وتربص ومناخ غاية في السوء لم يسمح بأن تأخذ التجربة مداها لأن نجاحها يهدد مصالح النخبة الفاسدة والمتحالفة معا لامتصاص دماء الشعوب...

 

إن تجربة أردوغان لم تأت عبر الكلمات والخطابات ولكنها جاءت عبر العمل الدؤوب والمنظم وهو درس للجميع.