مبادرات ملتقى "باحثات" الثاني.. عمل المرأة لا مزيد من التحديات
12 جمادى الثانية 1435
تقرير إخباري ـ محمد لافي

مع أن بيت المرأة هو ميدانها الأول فالأصل في عمل المرأة هو تربوي منزلي, مما يضعها أمام مسؤولية جليلة تُسأل عنها في الدنيا والآخرة، إلا أن الشريعة الإسلامية أباحت للمرأة مزاولة العمل الذي يتناسب مع طبيعتها ويراعي خصوصيتها ويحافظ على كرامتها ويؤمن لها حياة كريمة, وبذلك يكون لها دور فاعل في المجتمع بالإسهام في بنائه وتقدمه.

 

ولما كانت قضية عمل المرأة من القضايا ذات الأهمية البالغة لما للمرأة من خصوصية, كان لمعالجة ما يتعلق بهذه القضية بعيداً عن أصول الشريعة وضوابطها آثاره السلبية وأضراره الواضحة في حق المرأة والأسرة.

 

وفي هذا السياق, كان لمركز باحثات لدراسات المرأة في مدينة الرياض إسهامات رائدة في بحث قضية عمل المرأة من جوانب شتى وتقديم الدراسات والمشورات المتعلقة بها, ومن ذلك (ملتقى المرأة السعودية الثاني) والذي جاء تحت عنوان: (المرأة العاملة.. حقوق وواجبات والذي اختتمت فعالياته مؤخراً.

 

المؤتمر الذي عقد على مدى يومين بحضور ثلة من العلماء والمتخصصين من الجنسين، صرح القائمون عليه بأنه جاء من أجل توعية المجتمع بوجه عام والمرأة بوجه خاص، بحقوق المرأة العاملة التي تكفل بحفظها الدين الإسلامي, والتأكيد على ضرورة الالتفات وتلمس أماكن الخلل فيما يخص عمل المرأة, والسعي لإصلاحه سواء كان من صناع القرار أو من مؤسسات المجتمع المدني أو الأفراد.

 

ملتقى باحثات الأول
وجاء ملتقى المرأة العاملة حقوق وواجبات, بعد النجاح الذي حققه مؤتمر مركز باحثات الأول بعنوان (المرأة السعودية ما لها وما علها) من خلال الحضور اللافت والمشاركات الفاعلة والتوصيات التي خرج بها المشاركون في الملتقى والتي كان من أبرزها التوصية باعتبار ربة المنزل امرأة عاملة وصرف مخصص مالي شهري مناسب لها نظراً لما تقوم به من عمل جليل في حفظ استقرار الأسرة وتنمية المجتمع, وكذلك والدعوة إلى تضمين المناهج الدراسية منهجاً تعليمياً يتناول حقوق المرأة الشرعية والنظامية والتخلص من العادات والتقاليد التي تَحرِم المرأة من حقوقها الشرعية والنظامية، والحد من تعسف بعض الرجال في ممارسة حق الولاية أو القوامة.

 

إطلاق مشروع رؤية استراتيجية لعمل المرأة:
 ومن خلال الملتقى الذي تضمن عدداً من المناقشات وورش العمل وقدمت فيه العديد من الدراسات والإحصاءات, تم الإعلان عن إطلاق مشروع (رؤية إستراتيجية حول عمل المرأة) تشارك فيها فرق من ذوات الخبرات والاختصاص في مجالاتها كما تشارك فيها جهات حكومية بغية الخروج بمبادرة وطنية ومشروع متكامل يخص عمل المرأة ويطرح لمتخذي القرار.

 

وبحسب القائمين على الملتقى فإن الدراسة لن تقتصر فقط على المرأة العاملة خارج المنزل، بل المرأة داخل المنزل أيضا, كما أن الدراسة سوف تكون مبنية على أن مفهوم عمل المرأة الشامل لا يقتصر على الرؤية الغربية للتنمية التي تركز على الجانب الاقتصادي والمادي فقط، بل سوف يكون هناك مراعاة للجوانب الروحية والمعنوية ، ووظيفتها الأساسية ودورها الفعال في تربية النشء.

 

محاور المؤتمر وأوراق العمل:
وناقش الملتقى قضية حقوق المرأة العاملة وواجباتها من خلال ثلاثة محاور تناول الأول منها المرأة العاملة.. المفاهيم وتطوير اللوائح, أما الثاني فتناول موضوع المرأة العاملة والاتفاقيات الدولية فيما ناقش المحور الأخير قراءة في عمل المرأة المسلمة.

 

وأما أوراق العمل التي قدمت من خلال المؤتمر فناقشت اللوائح والقوانين المتعلقة بعمل المرأة, والعقود وحقوق المرأة العاملة وواجباتها، ومفهوم التحرش واختلاط المرأة العاملة، واللوائح المتعلقة بعمل المرأة في المنشآت الصحية والتجارية والتعليمية، وخصوصية المرأة العاملة في لوائح وعقود المنشآت، وحقوق المرأة المتقاعدة في نظامي وزارة الخدمة المدنية والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، والمرأة العاملة والاتفاقيات الدولية، ومسؤولية المرأة الأسرية دراسة شرعية، وعمل المرأة من منزلها بأجر.

 

العمل عن بعد:
احتلت قضية عمل المرأة من منزلها أو ما يسمى بالعمل عن بعد حيزاً بارزاً بين الموضوعات التي ناقشها المؤتمر, وقدمت فيه أربعة أوراق عمل, تناولت التعريف بمفهوم عمل المرأة عامة وعمل المرأة من المنزل خاصة, وأهميته في توفير بيئة عمل ملائمة للمرأة, كما استعرضت التجارب الناجحة للدول الكبرى في هذا المضمار, استعرضت مجالات عمل المرأة من منزلها, كما ناقشت سلبياته وإيجابياته وسبل تمكينه, ودور المؤسسات الحكومية والخاصة ووسائل الإعلام في تسهيل عمل المرأة من منزلها.

 

وخرجت تلك الأوراق بتوصيات مؤكدة على ضرورة توسيع مفهوم العمل عن بعد في القطاعين الحكومي والخاص، الأمر الذي يعزز الاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي للمرأة والأسرة, كما أكدت على ضرورة تنظيم مجالات بيئة العمل عن بعد وتحديد آليات وإعطائه الصفة القانونية التي تشعر العاملات فيه بالأمان وإيجاد برامج تدعم عمل المرأة من منزلها, وتشجيع النساء العاملات في هذا المضمار بتوفير الفرص لهن, وتسهيل حصولهن على الدعم المادي للعمل المنزلي.واتخاذ عقوبات صارمة لكل من يرتكب مخالفات أمنية أو فكرية تضر بعمل المرأة من المنزل, كما دعت إلى توظيف الإعلام لتوسيع آفاق المجتمع حول عمل المرأة من منزلها وبث الرسائل الإعلامية المشجعة له والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في التسويق لهذه الأعمال ومنتجاتها.

 

التحرش الجنسي في بيئة العمل المختلطة
أكدت أ. هند بنت خلف العمري في ورقتها "التحرش الجنسي بالمرأة العاملة في بيئة العمل المختلط" أن التحرش الجنسي بالمرأة العاملة في البيئة المختلطة يعد ظاهرة محلية عربية وعالمية تتزايد يوماً بعد يوم, حتى صارت كارثة اجتماعية لخطورتها ولما تخلفه من آثار سلبية على المعتدى عليها، كما أن التحرش في بيئة العمل يمثل ظاهرة عُنف ضد المرأة نابعة من الرغبة بالتسلط وفرض السلطة عليها. مضيفة أنه في جولة بسيطة لبعض دول العالم العربي يتبين مدى معاناة المرأة  العاملة من هذه الظاهرة لتصل إلى نسبة 68 في المائة من النسوة يتعرضن للتحرش الجنسي داخل محيط العمل سواء كان هذا التحرش لفظيا أو بدنيا.

 

وتبين ورقة د. العمري أن المجتمع السعودي يبقى له شأن مختلف , حيث المرأة أشبه ما تكون بالدرة المكنونة، لكن ورغم محافظة المجتمع إلا أن الانفتاح، وفي ظل استحداث وظائف للمرأة السعودية أجازت بعض الأنظمة الوظيفية عمل الرجال مع النساء كالوظائف في المصانع والشركات الأهلية و المراكز التجارية، وبالتالي الخروج للعمل المختلط في بعض المواقع سبب لها عيش معاناة التحرش الجنسي.

 

عمل المرأة خارج منزلها.
وفي ورقة له بعنوان "الآثار المترتبة على خروج المرأة للعمل" استعرض الدكتور خالد بن أحمد السعدي عدداً من الآثار السلبية والإيجابية لعمل المرأة خارج منزلها فمع وجود آثار إيجابية نفسية واجتماعية واقتصادية لعمل المرأة إضافة إلى كونه يسد ثغرات عدة في المجتمع لا يكفي الرجال لسدها مثل الطب والتعليم, إلا أن هناك الكثير من الآثار السلبية التي تنجم عن ترك المرأة لمنزلها للعمل.

 

ويستعرض الدكتور السعدي دراسات لعدد من الباحثين تؤكد تأثير عمل المرأة في هدر الطاقات، في صفوف الرجال وبالتالي شيوع البطالة لديهم, وكذلك صعوبة وفاء المرأة بالمسؤوليات الملقاة على عاتقها بين المنزل والزوج والأولاد والعمل, وما لذلك من تأثير مباشرة على حالتها الصحية والنفسية والأسرية نتيجة لانصرافها المادي والذهني والعصبي عن مشاغل الأمومة وعالم الأنوثة الحقيقي, وما يترتب على ذلك أيضاً من اضطرابات نفسية وعصبية لدى أطفالها وتأثيره سلبا على نشأتهم الاجتماعية والدراسية.

 

التوصيات:
وتمخضت الدراسات والمناقشات على عدد من التوصيات خرج بها المشاركون تمهداً لرفعها للجهات المختصة لوضعها في حيز التنفيذ وهي الدعوة لإنشاء هيئة وطنية تعني بحقوق وواجبات المرأة العاملة ومراجعة الأنظمة وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية وتمثيل المرأة أمام الجهات المختصة, وسن الأنظمة والتشريعات التي تجزم من يستغل أو يضر بالمرأة العاملة,  ونشر المفهوم الشرعي حول عمل المرأة وتصحيح مفاهيمه المغلوطة في الاتفاقات الدولية, كما دعت إلى توعية المرأة العاملة بواجباتها وحقوقها وآلية المطالبة بها

 

ومن التوصيات أيضاً وضع معايير لبيئات العمل الآمنة للمرأة تلتزم بها الجهات الحكومية والأهلية, وإعداد عقود عمل موحدة وملزمة تشمل جميع مجالات عمل المرأة تتضمن حقوقها وواجباتها, وتحقيق المطالب المجتمعية الملحة لإنشاء مشاريع عمل آمنة للمرأة كالمستشفيات والأسواق وغيرها.وتقديم برامج لتثقيف المرأة بمزايا العمل عن بعد والفرص المتاحة لها وتطوير مهاراتها في ذلك . وتبني الجهات الحكومية والأهلية لنظام يؤسس ويدعم عمل المرأة عن بعد والاعتراف بعمل المرأة داخل أسرتها ووضع الحوافز المادية والمعنوية لها باعتبار ذلك عملا وطنيا وتنمويا.كما دعا المشاركون غلى إعطاء الأولوية في فرص التوظيف للنساء المحتاجات, وحل مشكلات المعلمات اللاتي يعملن خارج مقر إقامتهن, تقديم البرامج والدورات لربات البيوت لتزويدهن بالمعارف والمهارات اللازمة لتحقيق الاستقرار الأسري.