الملكية الفكرية في مجالات العلوم الشرعية
26 جمادى الأول 1435
د. عبدالرحمن بن عبدالله السند

الملكية الفكرية في مجالات العلوم الشرعية (*)
إذا كانت الحقوق الفكرية محفوظة ولها حمايتها في الشريعة الإسلامية ولا يجوز الاعتداء عليها ، فإن مما دار فيه الخلاف بين بعض المعاصرين من الفقهاء حكم الملكية الفكرية والحقوق المتعلقة بها إذا كانت في مجال العلوم الشرعية والخلاف فيها من أثر الخلاف بين أهل العلم في أخذ العوض على تعليم القرآن وأمور الاعتقاد ، والحلال والحرام . والخلاف في المسألة على قولين(1):
القول الأول: جواز أخذ العوض ، بعلة الحاجة لعدم وجود متبرع به وهو قول جمهور أهل العلم من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وإليه ذهب متأخروا الحنفية .
القول الثاني : عدم جواز أخذ العوض ، وإليه ذهب الحنفية ، وفي رواية عن الإمام أحمد الكراهة .
وعليه فمن قال بثبوت حقوق الملكية الفكرية في مجال العلوم الشرعية استدل بأدلة منها :
1- أن هذا حق مملوك لصاحبه بحكم ملكه لتصرفه في فكره وتولد الإنتاج الفكري منه، وإعمال الفكر حق يستوي فيه المتأهلون له، لكن من سبق إلى الإنتاج بإعمال فكره وقلمه فهو من خالص حقوقه، وفي الحديث: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به)(2).
وهذا لا يتنافى مع وجود حق لله تعالى في الإنتاج الفكري المتعلق بالعلوم الشرعية من واجب البلاغ إلى الأمة، إذ الشريعة كاملة في الكتاب والسنة وفيهما العصمة، والوسائل إليهما من تأليف العلماء، وهي محلٌ للخطأ والصواب على قدر القرائح والفهوم.
2-حديث ابن عباس(3) رضي الله عنهما في الرقية ، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)(4)، وإذا جاز العوض في القرآن ففي السنة من باب أولى، وإذا جاز أخذ العوض على الوحيين ففيما تفرع عنهما من التأصيل، والاستنباط، وتقعيد القواعد، هو أولى بالجواز.
وعليه فيجوز أخذ العوض في الإنتاج الفكري المتعلق بالعلوم الشرعية.
3- حديث سهل بن سعد الساعدي(5) رضي الله عنه في قصة جعل القرآن صداقاً وجاء فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (قد زوجتكها بما معك من القرآن)(6).
فإذا جاز جعل تعليم القرآن عوضاً تستحل به الأبضاع ، فمن باب أولى أخذ العوض عليه لتعليمه ونشره ، وأولى منهما أخذ العوض على النتاج الفكري الذي يحمل المفاهيم من الكتاب والسنة.
4-أن النتاج الفكري عمل يد وفكر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده).(7)
إذا كان هذا في المباحات، فعمل اليد في تحصيل المسنونات ، وفروض الكفاية من أطيب الكسب ، وأنفعه ، وأكثره تعدياً .
5-النتاج الفكري في العلوم الشرعية منفعة متقومة ، فيعد مالاً ، والمال في الأصل لصانعه أو مكتسبه ، ولا يخصص هذا الأصل إلا بدليل صحيح صريح ، فلا ينقل عن الأصل إلا بناقل متيقن(8).
6-أن حفظ حقوق الإنتاج الفكري المتعلق بالعلوم الشرعية، فيه حفظ للشريعة، وذلك حتى تنقطع طائفة من المسلمين للعمل، وينشطوا فيه ويستمروا عليه، وما لا يتم المشروع إلا به فهو مشروع.
قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بشأن الحقوق المعنوية إن مجلس الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409هـ، الموافق10 – 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م . بعد الاطلاع على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع (الحقوق المعنوية) واستماعه للمناقشات التي دارت حوله قرر ما يأتي:
أولاً : الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار، هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العرف المعاصر قيمةً مالية معتبرة لتمول الناس لها، وهذه الحقوق يعتد بها شرعاً، فلا يجوز الاعتداء عليها.
ثانياً : يجوز التصرف في الاسم التجاري ، أو العنوان التجاري ، أو العلامة التجارية ، ونقل أي منها بعوض مالي ، إذا انتفى الغرر والتدليس والغش ، باعتبار أن ذلك أصبح حقاً مالياً.
ثالثاً : حقوق التأليف، والاختراع أو الابتكار مصونة شرعاً، ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها. والله أعلم .(9)
ـــــــــــــ
(*) من رسالة الدكتوراه للشيخ بعنوان: أحكام تقنية المعلومات.
(1) انظر: الكافي، عبدالله بن قدامة المقدسي، المكتب الإسلامي، بيروت – لبنان ، 1408هـ (2/304) ، وإعانة الطالبين للسيد البكري بن السيد محمد شطا الدمياطي، تحقيق/ زهير الشاويش، دار الفكر، بيروت-لبنان ، (3/124)، وحاشية البجيرمي لسليمان بن عمر البجيرمي، المكتبة الإسلامية تركيا، (3/344).
(2) رواه أبو داود في كتاب الإمارة (3/177)، قال عنه ابن الملقن: حديث غريب. (انظر: خلاصة البدر المنير).
(3) ابن عباس: عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم حبر الأمة، وترجمان القران، ولد بمكة سنة 3 قبل الهجرة، كف بصره في آخر عمره، وسكن الطائف، له في الصحيحين وغيرها نحو (1660) حديثاً، توفى بالطائف سنة 68هـ. (صفة الصفوة 1/314 والأعلام4/ 95 ).
(4) رواه البخاري في كتاب الإجارة ، باب : ما يُعطى في الرقية ( 4/529 ) ، ورواه ابن ماجه في كتاب التجارات (2/730) .
(5) سهل بن سعد الساعدي الخزرجي الأنصاري ، من بني ساعدة من مشاهير الصحابة ، من أهل المدينة عاش نحو مائة سنة ، له في كتب الحديث ( 188 ) حديثاً ، توفي سنة 91هـ . (انظر : الإصابة في تمييز الصحابة ، والأعلام 3/143) .
(6) رواه البخاري في فضائل القرآن ، باب : خيركم من تعلم القرآن وعلمه حديث رقم (5029) ، ورواه الترمذي في كتاب النكاح (4/72) ، وابن ماجه في كتاب النكاح (1/608) ، وأبو داود في كتاب النكاح (2/236).
(7) رواه البخاري من حديث المقدام بن معديكرب ، (4/259).
(8) فقه النوازل – بكر أبو زيد ( 2/170 ).
(9) مجلة مجمع الفقه الإسلامي ، العدد الخامس ، ج 3 ص 2267.