أنت هنا

إسلام أمريكاني
18 جمادى الأول 1435

حوار مع الدكتور صالح الحسّاب الغامدي

حول علاقة الصوفية بالغرب

عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001، اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الغرب موقفًا عدائيًّا من العالم الإسلامي على وجه العموم والحركات الإسلامية على وجه الخصوص، وظهر ذلك جليًّا في الممارسات المتحيزة ضد الإسلاميين.

 

ووجدنا استثناء من هذا التوجه، ذلك الذي يحكم علاقة الغرب بالطرق الصوفية، وهو الأمر الذي يطرح على مائدة البحث، أسئلة متعددة عن سر العلاقة التي تحكم الطرفين، وما الذي يراه الغرب ويؤمله في تلك الطرق، وما هو مدى استجابة تلك الطرق للنداءات الغربية.

 

ومعنا في هذا الحوار فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله الحساب الغامدي، الحاصل على درجة الماجستير عن رسالة بعنوان: "تقرير مؤسسة راند: إسلام حضاري ديموقراطي"، ورسالة دكتوراة بعنوان: "الدور الاستشراقي المعاصر لمراكز الأبحاث الأمريكية، موقفها من الصوفية أنموذجًا".

نص الحوار:

هل هناك توجيه للمؤسسات الفكرية بالغرب لدراسة الحالة الإسلامية خاصة الصوفية، منها على سبيل المثال مؤسسة راند؟ وما هو الدور المنوط بهذه المؤسسات؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الواقع أنه توجهٌ عام وليس توجيهًا، وهو توجه ينسجم تمامًا مع السياسة الخارجية للدول الغربية (وتحديدًا الأمريكية) يصل إلى حد التماهي في بعض الحالات، حتى ليظن المتابع أن ما تقوم بها بعض مراكز البحوث الأمريكية إنما هو بتوجيه مباشر من الحكومة.

 

وإذا اقتربنا أكثر من تلك المراكز نجدها ترفع شعار الاستقلال وعدم الربحية، بمعنى أنها لا تتبع الحكومة ولا تهدف للربح المادي، وذلك لإعطاء مخرجاتها من الأبحاث والتقارير والمؤتمرات وغير ذلك المزيد من المصداقية والموضوعية، هذا من جانب ومن جانب آخر يعفيها من دفع الضرائب للحكومة كونها مراكز غير ربحية.

 

وثمة أمرٌ آخر وهو أن بعض أبحاث تلك المراكز يكون بناءً على طلب من الحكومة الأمريكية، ولذلك يسمي الأكاديمي الأمريكي "دونالد أبلسون" تلك المراكز بمتعهدي الحكومة أو مقاولي الحكومة، ويأتي على رأسها بطبيعة الحال مؤسسة راند ومركز بروكنيجز ومعهد كارنيغي وغيرها، ولذلك فليس كل ما تنتجه تلك المراكز يكون قابلًا للتداول والنشر، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية، وليس أيضًا كل ما تنتجه يكون ذا مصداقية وموضوعية خاصة فيما يتعلق بالعالم الإسلامي.

 

وأما عن دراسة الحالة الإسلامية فإن العناية الغربية بدراسة العالم الإسلامي بتفاصيله بدأت منذ قرون عدة وتنامت وبرزت مع تنامي الرغبات الأوروبية التوسعية الاستعمارية، حتى باتت تلك العناية عِلمًا مستقلًا له مدارسه وعلماؤه وتلاميذه، وسمي بعلم الاستشراق (Orientalism) وحظي بالدعم الحكومي كونه يخدم الأهداف الغربية الاستعمارية بصورة مباشرة وغير مباشرة.

 

وقد ورثت هذا كله الولايات المتحدة الأمريكية من أوروبا التي انحسر دورها في العالم منذ منتصف القرن العشرين، واستمر الاستشراق على حاله وأهدافه وإن تغير في بعض مسمياته ومظاهره، فالمستشرق مثلًا بات يُسمى خبيرًا أو باحثًا في شؤون الشرق... وهكذا.

 

وأما التصوف تحديدًا فقد حظي بعناية ودعم المستشرقين الغربيين بشكل كبير منذ القرن التاسع عشر الميلادي، والناظر في التراث الصوفي المعاصر يجد فيه بصمات المستشرقين ظاهرة؛ سواءٌ بتحقيق كتب المتصوفة ونشرها أو التأليف في التصوف ورموزه، حتى إن آراء بعض المستشرقين المعتنين بالتصوف كالفرنسي "لويس ماسينيون" (ت1962م) والإنجليزي "رينولد نيكلسون" (ت1945م) لها أهميتها واعتبارها حتى عند المتصوفة أنفسهم، وتآليفهم شاهدة بذلك.

 

وقد اعتنى "ماسينيون" بالحلاج عناية فائقه ونشر كتابه (الطواسين) وحقق كثيرًا من أخباره، واختار أن يكون الحلاج موضوع رسالته لنيل درجة الدكتوراه من باريس، وبالفعل أنجزها وتُرجمت إلى العربية بعنوان (آلام الحلاج، شهيد التصوف الإسلامي) وهي تطبع اليوم وتوزع بدعم من وزارة الخارجية الفرنسية والسفارة الفرنسية بلبنان!

 

و"نيكلسون" حقق ونشر العديد من مصادر وتآليف التصوف ككتاب (اللمع) لأبي نصر السراج، و(كشف المحجوب) للهجويري، و(تذكرة الأولياء) لفريد الدين العطار، وديوان جلال الدين الرومي و(اللزوميات) للمعري، وله أيضًا تآليف عديدة في التصوف؛ من أبرزها كتاب (التصوف الإسلامي) ويقع في ثمانية مجلدات، وبهذا الكتاب – كما يقول العقيقي صاحب موسوعة المستشرقين - عُدَّ نيكلسون حجة في التصوف.

 

وكذلك المستشرق الانجليزي "أربري" (ت1905م) هو الذي حقق ونشر كتاب (التعرف لمذهب أهل التصوف) للكلاباذي، والأمثلة في هذا الجانب تطول.

 

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ركز الغرب نظراته إلى الأمة الإسلامية، وبدأ حربًا شعواء ضد كل ما هو إسلامي، وظهر المخطط الأمريكي الموسوم بمشروع "الشرق الأوسط الكبير" في محاولة لمحاربة التيارات الإسلامية تحت شعار محاربة الإرهاب، فلماذا لم يضع الغرب الطرق الصوفية في سلة الحركات الإسلامية؟

 

في الحقيقة أن العالم الإسلامي لم يغب عن نظر الغرب وكيده منذ قرون عديدة، وما سقوط الدولة العثمانية وتجزئة بلدان العالم الإسلامي إلى دول إلا ثمرة من ثمرات الكيد الغربي.

 

وما حدث بعد 11 سبتمبر إنما هو تغيير في التكتيك وطريقة التعامل مع العالم الإسلامي، فوظفت أمريكا كل إمكاناتها العسكرية والمالية والاستخباراتية لتطبيق ذلك التكتيك الجديد دون اعتبار لكرامة أحد، حتى سيادة الدول على أراضيها ناهيك عن شعوبها، وخلع الغرب (وتحديدًا أمريكا) لقب الإرهاب على كل ما يتعارض أو لا يتماشى مع مصلحته، أما ما يتماشى مع مصالحه فهو الصديق والحليف، وهو من يستحق الدعم منهم، ويبدو جليًا أن التصوف يقع ضمن النوع الثاني.

 

ولذلك يرى الغرب - كما يشهد بذلك تاريخهم الاستعماري - أن التصوف يمثل النموذج الإسلامي الذي يتوافق مع مصالحه، وقد شاب هذه القناعة بعض الفتور بعد تغير موازين القوى في القرن العشرين المنصرم، إذ كان الغرب بحاجة إلى إعطاء الإسلام الحق الفرصة لكي يقلل من تسلل الشيوعية إلى العالم الإسلامي، فضعفت الحاجة للتصوف وقتها، ولكن هذه القناعة بجدوى التصوف عادت إلى السطح مرة أخرى بعد 11 سبتمبر.

 

يقول الباحث الدكتور عبد الوهاب المسيري: "ومما له دلالته أن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام، يشجع الحركات الصوفية", فما هي صور دعم الغرب للصوفية في الداخل الإسلامي؟

 

كما ذكرت آنفًا أن الغرب يرى في التصوف النموذج المثالي للإسلام، ومن هنا جاءت كلمة الدكتور المسيري - رحمه الله - وأما التشجيع والدعم الغربي للتصوف فهو يختلف من دولة لأخرى ضمن خارطة العالم الإسلامي اليوم، فتشجيع الغرب مثلًا للتصوف في مصر يختلف عنه في السعودية، وهكذا.

 

ففي مصر- مثلًا - بات من المتعارف عليه حضور السفير الأمريكي السابق في القاهرة (ريتشاردوني) مولد البدوي، وهذا الأمر بطبيعة الحال له دلالاته التي لا تخفى، وأما في السعودية فلم تصل الأمور بعدُ إلى هذا الحد المتقدم، ولكن أمريكا في تقاريرها السنوية عن حرية الأديان تضع السعودية ضمن الدول التي تمارس قمعًا للحريات الدينية، ومعلوم تمامًا من المستفيد من مثل هذا الضغط السياسي.

 

وبعد 11 سبتمبر أوصت لجنة الكونجرس الخاصة بالحريات الدينية بأن تقوم الدول العربية بتشجيع التصوف، وأيضًا في عام 2007م خصصت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ذلك العام للاحتفال عالميًا بالمئوية الثامنة لميلاد جلال الدين الرومي وابتدعت ميدالية تكريمية أسمتها "ميدالية مولانا جلال الدين الرومي"!

 

وهنا حقيقية قد يطول الكلام في سرد الوقائع واستقصائها، ولكني أحيل على كتاب قيِّم في هذا الجانب للشيخ محمد المقدي، رصد فيه الكثير من وقائع الحراك الصوفي في العالم الإسلامي والدعم الغربي له بعد 11 سبتمبر، واسم ذلك الكتاب (التصوف بين المواجهة والتمكين).

 

وهل هناك دعم للطرق الصوفية في الغرب؟

 

إذا كان الغرب يدعم التصوف في العالم الإسلامي فمن البديهي جدًّا أن يدعمه فوق أرضه لا سيما وأن المسلمين يشكلون أعدادًا لا يستهان بها في الغرب، وأضرب لذلك مثلًا واحدًا مهمًّا وهو أن التصوف بات مادة تدرس في الجامعات الغربية التي تتناول الإسلام في دراساتها، وبين مفردات تلك المادة ستجد أسماء الحلاج وابن عربي والرومي وغيره، وقد تحدث عن هذا الأمر بالتفصيل الدكتور محمد وقيع الله في كتابه القيِّم (الإسلام في المناهج الغربية المعاصرة)، وأيضًا لا يخفى على أحد أن التصوف بمشايخه وطرقه ومريديه وخرافاته يتواجد بحرية في الغرب دونما أية تضييق أو متابعة لا قبل 11 سبتمبر ولا بعده.

 

وهل له من تأثير على المسلمين الجدد في ضوء ما يؤكده الباحث الفرنسي المختص بشؤون الحركات الإسلامية، ستيفن لاكروا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة "سيانس بو" من أن أغلب المسلمين الجدد في الغرب يتجهون ناحية التصوف؟

 

أنا لا أثبت هذا الادعاء ولا أنفيه، ولكن ثمة مؤشرات وعوامل تؤيده، ومن أبرزها المثال التعليمي في الجامعات الذي ذكرته قبل قليل، وكذلك تراجع دور المؤسسات الدعوية (وبخاصة المؤسسات السعودية) عن القيام بدورها الدعوي في الغرب، وذلك من جراء الضغوطات الهائلة التي تعرضت لها بعد 11 سبتمبر، وفي المقابل لم تتعرض المؤسسات والمراكز والمساجد ذات التوجه الشيعي أو الصوفي لمثل هذا التضييق، الأمر الذي أعطاها المزيد من الحضور والنشاط في الغرب، وعليه فلا غرابة إن صح ما أشار إليه المستشرق ستيفن لاكروا، والله المستعان.

 

نشرت مؤسسة "راند"، وثيقة عنوانها: "الإسلام المدني الديمقراطي: شركاء، موارد واستراتيجيات" من أهم ما ورد فيها أن قسمت العالم الإسلامي والتيارات السائدة فيه ثم خلصت إلى أنه يتعين مساعدة التقليديون والصوفيون, باعتبار أنهما الأقرب إلى تحقيق "التجانس" مع القيم الغربية. ما تعليقكم؟

 

الأمر الأول - حفظكم الله - أن عنوان التقرير كما جاء في النسخة العربية للتقرير والصادرة عن "مؤسسة راند" (إسلام حضاري ديمقراطي/ شركاء وموارد واستراتيجيات)، والأمر الآخر أن المؤسسة في تقريرها هذا قسمت العالم الإسلامي - باعتبار تمسكه بالإسلام - إلى أربع تيارات؛ الأصوليون والتقليديون والمجددون والعلمانيون، وخلصت فيه إلى أن تيار المجددين هو من ينبغي للغرب دعمه وليس التقليديين كما تفضلتم بذلك في السؤال.

 

وتيار التجديد بحسب ما ورد في التقرير هم "الذين يرغبون بأن يشكل العالم الإسلامي جزءًا من التجدد العالمي ويتمنون دخول الحداثة على الإسلام ليتطور تماشيًا مع عصره"، ويضيف التقرير بأن "المجددين في قيمهم وسياساتهم أقرب إلى الغرب".

 

والمقصود - بطبيعة الحال في أرض - ليس أتباع الشافعي أو عمر بن عبد العزيز أو محمد بن عبد الوهاب أو غيرهم من المجددين في تاريخ الأمة الإسلامية بل المقصود هم العقلانيون أو من يسمون أنفسهم بالتنويريين أو الإصلاحيين، وهم في الحقيقة –كما يشهد بذلك واقعهم وآراؤهم - أقرب إلى تمييع الدين الإسلامي من تجديده، وأقرب إلى تطويع العالم الإسلامي للغرب من تطويره ليضاهي الغرب.

 

وأما ما يتعلق بالصوفية فقد تحدث عنهم التقرير وقال إنهم أقرب إلى تيار التجديد ولذلك ينبغي على الغرب دعمهم، وأظن التقرير صدق في ذلك.

 

لماذا أوصت مؤسسة راند على أهمية دعم الصوفية وتقويتهم، ولماذا توجهت أمريكا والغرب إلى دعم الصوفية من بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001م؟

 

كما ذكرت آنفًا بأن مؤسسة راند ترى أن الصوفية أقرب إلى تيار التجديد، بمعنى أنهم أقرب إلى التيار الإسلامي الذي يتوافق تمامًا مع المصالح الغربية ويخدمها.

 

لفضيلتكم كتاب بعنوان "الإسلام الذي يريده الغرب"، تناولتم فيه تقرير راند، فهلا تطلعونا على أهم النقاط البارزة فيه وما استخلصتموه من التقرير؟

 

الكتاب تناول بالدراسة والتحليل والنقد تقرير مؤسسة راند "إسلام حضاري ديمقراطي، شركاء وموارد واستراتيجيات" والصادر عام 2004م، وهو من إعداد الباحثة الدكتورة "شيريل بينارد" زوجة أحد أبرز شخصيات حكومة جورج بوش الابن وهو زلماي خليل زاده.

 

وفكرة التقرير تقوم على طرح مشروع لتغيير العالم الإسلامي من داخله وبأيدٍ إسلامية، ولذلك - كما أشرت آنفًا - قسم العالم الإسلامي – كما يراه - إلى أربعة تيارات رئيسية، وأوصى بدعم تيار من سماهم بالمجددين، بالإضافة إلى الصوفية، لأنهما يحملان فهمًا وممارسة للإسلام لا تتعارض مع قيم الغرب الليبرالية ومصالحة في العالم الإسلامي.

 

وقد وضع التقرير خطوات عملية لتنفيذ التوصيات التي اقترحها، ومن أبرزها أيضًا مواجهة تياري من سماهم بالأصوليين والتقليديين، وإبراز المجددين بتكثيف حضورهم وتأثيرهم الاجتماعي وتأمين منبر إعلامي لهم ونشر كتبهم بأسعار رخيصة، وإدراج آرائهم في مناهج التربية الإسلامية... إلخ، ولكن اللافت للنظر أن التقرير الذي أطلق الأفكار تلو الأفكار لكيفية دعم المجددين بلا تحفظ أوصى بالحذر أثناء دعم العلمانيين، وذلك - كما يقول - لأن بعض العلمانيين العرب لا زال على ولائه السابق للمعسكر الشرقي (الشيوعي)!

 

وأما أبرز ما استخلصته من التقرير فهو أنه يحوي الكثير من المغالطات والجهالات عن الإسلام والمسلمين وبالتالي فهو يفتقد إلى الكثير من الموضوعية والمصداقية، شأنه في ذلك شأن الكثير من أبحاث ومؤلفات المستشرقين، وهذا الأمر لا يقلل من أهميته وخطورته على العكس من ذلك؛ لأنه لم يكتب ليسد ثغرة في مكتبة، بل كُتب ليكون سياسة متبعة من قبل قوة طاغية في هذا العصر، وقد بينت في الكتاب العديد من الدلائل والمؤشرات على أن هذه التوصيات الراندية باتت حيز التنفيذ في العالم الإسلامي، ومن أجلاها وأبينها دعم الصوفية، إذ لا يمكن القول أبدًا أن حال التصوف قبل 11 سبتمبر هو نفس حالهم اليوم.

 

هناك أمور محددة في الفكر الصوفي من أجلها سيركز الغرب على هذا التيار, فما هي؟

 

إجابة هذا السؤال بحاجة إلى شرح طويل قد لا يتناسب ومثل هذا الحوار، ولكن باختصار شديد أقول بأن مخرجات التصوف تتناسب جدًّا مع ما يفكر الغرب في أن يكون عليه المجتمع المسلم في هذه المرحلة، وسأضرب لك بعض الأمثلة:

 

الغرب (أمريكًا تحديدًا) يهتم جدًّا بمسألة وحدة الأديان، والتي تضمن له إطفاء أي عداوات دينية قد تنشأ بسبب توسعاته وأطماعه في العالم، وفكرة وحدة الوجود في الفكر الصوفي مؤداها وحدة الأديان، كما يقول ابن عربي:

 

لقد صار قلبي قابلًا كل صورة... فمرعى لغزلانٍ ودير لرهبان

وبيتٌ لأوثان وكعبة طائف... وألواح توراة ومصحف قرآن

أدين بدين الحب أنى توجهت... ركائبه فالحب ديني وإيمان

 

مثال آخر، اشتغال المتصوفة طوال حياتهم بتهذيب النفس والتزهيد في الدنيا وفي الدخول في معتركها يخدم الغرب في إنتاج مجتمع مسلم لا يرفض علمانية سياسية ولا رأسمالية اقتصادية، بل إن هذه الأمور لن تكون ضمن حساباته الدينية المنحصرة فقط في الجانب الروحي والأخلاقي.

 

وأيضًا الغرب بحاجة إلى مسلم مستسلم مهزوم أمام حضارته، ومخرجات الفكر الصوفي في جانب الإيمان بالقدر تؤمن له مثل هذا الاستسلام.. وهكذا الأمر ببساطة مؤلمة.

 

استضاف مركز نيكسون مؤتمر "فهم الصوفية والدور الذي ستلعبه في رسم السياسة الأمريكية" 2003م، وخرجوا بتوصيات منها: إعادة بناء الأضرحة للأولياء ومراكزهم التعليمية المرتبطة بهم، تشجيع نشر أعمال حول الصوفية ونشر ترجمات للنصوص الصوفية، تشجيع دمج القيم الصوفية مع قيم المجتمع المدني في المؤسسات التعليمية، نصح مختلف أمم آسيا الوسطى بتبني موقفًا منفتحًا تجاه إحياء النقشبندية على وجه الخصوص... ما رأيكم في هذا التوجيه؟

 

من وجهة نظري أن هذا المؤتمر كان أشبه بورشة عمل تم فيه استضافة العديد من الشخصيات المثيرة للجدل كالمستشرق اليهودي الأمريكي المعمِّر "برنارد لويس"، وشيخ الطريقة النقشبندية الحقانية في أمريكا "محمد هشام قباني" وغيرهما، وتم في تلك الورشة (المؤتمر) عمل عصف ذهني؛ وذلك لجمع أكبر عدد من الآراء والأفكار والمقترحات حول كيفية دعم وتنمية التصوف في أوساط المسلمين سواءٌ في العالم الإسلامي أو خارجه، وكان من تلك الأفكار التي طرحت ما تفضلتم بذكره في السؤال.

 

يقول المستشرق الأمريكي مايكل سالاس، الباحث في الفكر الإسلامي، والأستاذ بقسم الأديان في جامعة هارفورد الأمريكية، إن: "كل حضارة، وكل طائفة لها لغتها الخاصة، ولها نمط تفكيرها. أما في الفكر الصوفي، وفكر محيي الدين بن عربي، فالحق فوق كل صورة". فما دلالة انتشار مؤلفات محيي الدين بن عربي وأشعار جلال الدين الرومي في الغرب؟

 

انتشار مؤلفات ابن عربي والرومي في الغرب هي علامة إعجاب ورضًا بما تحمله تلك المؤلفات من قبول بكل دين ومعتقد، وذلك القبول نابع من فكرة وحدة الوجود والتي تعني باختصار "أن الله موجود في كل شيء بذاته" – تعالى الله عما يقول الظالمون -، وهذه الفكرة تبناها المتصوفة كابن عربي والرومي وألبسوها روحانية التصوف وخيالاته شعرًا ونثرًا، ومن هنا جاءت كلمة هذا المستشرق المادحة لابن عربي والرومي، وهي امتداد طبيعي لنظرة آبائه من المستشرقين، فعلى سبيل المثال يقول المستشرق "نيكلسون" في كتابه (في التصوف الإسلامي وتاريخه): «ومن لوازم مذهبهم في وحدة الوجود أيضًا: قولهم بصحة جميع العقائد الدينية أيًا كانت؛ فإن الحق كما يقول ابن عربي: لا تحصره عقيدة دون أخرى».

 

هنا يكمن سر الاحتفاء الغربي بالفكر الصوفي وبخاصة الوجودي منه، فوحدة الوجود الصوفية تلتقي مع دعوات وحدة الأديان الغربية، وقد ذكرت قبل قليل كيف أن اليونسكو جعلت من عام 2007م عام احتفال بالرومي، وقد ذكرت صحيفة الشرق الأوسط حينها أنه بيعت في انجلترا وحدها قرابة المليون نسخة من كتب جلال الدين الرومي المترجمة.

 

وأنصح هنا بمطالعة بحثٍ محكَّم بعنوان (وحدة الأديان في تأصيلات التصوف وتقريرات المتصوفة) للشيخ الدكتور لطف الله خوجه، وقد أجاد في بيان العلاقة بين فكرة وحدة الأديان وبين التصوف والذي يحمل العديد من الأفكار التي تنتج فكرة وحدة الأديان ومنها: وحدة الوجود والحب الأزلي والجبر وغير ذلك من الأفكار المشحون بها التصوف.

 

وتحسن الإشارة هنا إلى بعض من عناية المستشرقين بابن عربي والرومي، فقد وضع المستشرق الأسباني "بلاثيوس" (ت1944م) كتابًا بعنوان (ابن عربي حياته ومذهبه)، ولـلمستشرق "نيكلسون" كتاب آخر بعنوان (سيرة ابن عربي)، ونشر كذلك ديوانه (ترجمان الأشوق)، وترجم إلى الانجليزية كتاب (المثنوي) لجلال الدين الرومي، ونشر أيضًا قصائد مختاره من كتابه الآخر (شمس تبريز)، وقد قام شاعرٌ أمريكي معاصر اسمه "كولمان باركس" بترجمة جميع أعمال جلال الدين الرومي إلى اللغة الانجليزية.

 

هل هناك التقاء بين توجهات الغرب والفكر الصوفي، وما هي نقاط الالتقاء؟

 

توجهات الغرب نحو العالم الإسلامي توجهات مصلحية، بمعنى أنها تقوم على أساس المصلحة فقط، ولذلك تجد الغرب يوظف لتحقيق تلك المصلحة قدراته السياسية والاقتصادية والثقافية..إلخ، وألبسها مؤخرًا ثوب (العولمة)، وعلى أية حال فما يخدم تلك المصلحة فالغرب على استعداد لدعمه والتحالف معه، ومن ذلك التصوف، فمن مصلحة الغرب أن لا يكون لدى المسلمين ممانعة أو حتى حساسية من الغرب وثقافته وعلمانيته، وهذه يخدمها التصوف بما يحويه من انحرافات ومخالفات (عقدية وسلوكية) كما هو الحال في وحدة الوجود السابق ذكرها وكذلك في موضوع الإيمان بالقدر والذي يستلزم عند المتصوفة الرضا بالواقع أيًا كان، وهذا ما جرهم إلى التحالف مع المستمعر الغربي، وكذا في مسألة التوكل على الله والتي تتم عندهم بترك فعل الأسباب والنتيجة مسلم ضعيف مستهلك، ومسألة الولاء والبراء عند المسلم والتي تقتلها فكرة وحدة الوجود..إلخ، والخلاصة أن في الفكر الصوفي ما يخدم التوجهات الغربية.

 

هل فشل الغرب في القضاء على الإسلام الصحيح فاتجه إلى الصوفية في محاولة لهدمه من الداخل، كما حاول المستشرقون من قبل؟

 

من الصعب القول أن هناك وحدة فكرية في الغرب، بل هم كما قال الحق عن أهل الكتاب: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: 14]، ولكن منذ ما يُسمى بعصر النهضة الغربية (الأوروبية) إلى يومنا هذا والغرب يدور حول نقطة ارتكازية واحدة (تكاد تكون له دينًا) وهي المصلحة، وهذا أمر مقبول ومبرر إلى حد ما، ولكنه إذا وصل إلى ظلم الآخرين واستعمار بلادهم وممارسة كل الوسائل (الأخلاقية وغير الأخلاقية) في سبيل تحقيق المصالح فهنا يكمن الخطر، ويتأتى الرفض وتجب المقاومة.

 

وهذا ما وصلت إليه الحالة الأوروبية سابقًا تجاه العالم الإسلامي والحالة الأمريكية حاليًا، حتى بات الأمر بينهم وبين العالم الإسلامي - الغني بالموارد والخيرات - وكأنه صراع مع الإسلام لاجتثاثه! ولو كان الأمر كذلك لهان؛ لأنهم لم ولن يستطيعوا اجتثاثه {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8].

 

ولكنهم يسعون إلى البحث عن كل ما يمنع من عودة المسلمين إلى قوتهم الحضارية والتي ما قامت يومًا ما إلا على إيمان من شيدوها بعظم دينهم وعقيدتهم التي تحث على العلم والعمل، فالغرب يسعى إلى منع كل ما يدعو إلى هذه العودة وكبح كل من ينادي بها، ومن ذلك دعمهم للتصوف فهو يخدم بقاء الإسلام ضعيفًا مستهلكًا وتابعًا له سياسيًّا واقتصاديًّا.

 

هل ما يطلق عليه "روحانية" الطرق الصوفية التي امتدحها الغرب ترتبط في ذهنهم برهبانية النصارى وفصلهم الدين عن الحياة؟

 

نعم هي مرتبطة في أذهانهم بشكل كبير، ولذلك اعتبر كثير من المستشرقين - أثناء دراستهم للتصوف - أن النصرانية أحد مصادر التصوف، وساقوا لذلك العديد من الأدلة، منها على سبيل المثال: التشابه في المظهر فالمتصوفة يلبسون الخرقة وهي كالثوب الذي يضعه الرهبان على الكتفين، وكذلك التشابه في الموضوعات كالإغراق في محاسبة النفس، ويرون أن احتكاك المسلمين بالنصارى قديمًا في الحيرة ودمشق والكوفة ساعدت على مثل هذا التأثر.

 

ما هي ملامح الإسلام الذي يريده الغرب ويستخدم الصوفية للوصول إليه، والذي أطلق عليه [إسلام حضاري ديمقراطي]؟

 

هو الإسلام الذي ينسجم مع وجود المسجد والخمارة والشاطئ المتفسخ جنبًا إلى جنب دونما حرج، حيث لا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، وإنما هو إسلام فردي روحي لا أثر له في الواقع.

 

هو الإسلام الذي لا يرى فيه المسلم أنه متميز بعقيدة أو ثقافة أو لغة أو حتى ملبس.

 

هو الإسلام الخامل المستهلك لنتاج الغرب الاقتصادي دونما إحساس أو شعور بخطر.

 

هو الإسلام الذي الذي يتبرأ من عبارة "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله" نظريًا، ويطبقها عمليًا.

 

هذه بعض ملامح الإسلام الذي يريده الغرب ويخدمه التصوف –من حيث يشعر أو لا يشعر - في الوصول إليه.

 

كيف ينظر المواطن الغربي إلى الإسلام من خلال حشود ضاجة في الشوارع تسير خلف الرايات والطبول والاحتفالات التي تعج بكل ما هو منافي للآداب والأخلاق، فما أبعاد هذه الصورة للمشاهد الغربي وانعكاسها على رؤيتهم للإسلام؟

 

أتصور أن احتفالات الموالد البدعية وما نراه فيها من مخالفات شرعية لا يبني تصورًا سلبيًّا للمشاهد الغربي العادي فهي تندرج عنده تحت مسمى الفلكلور الشعبي وما إلى ذلك، ولكن المصيبة حينما يشاهد غير المسلم بعض طوائف المتصوفة الذي يعتمدون على ما يزعمونه كرامات وما هي إلا سحر ودجل؛ كإدخال الحديد في الجسد وإطلاق الرصاص الحي على المريد دون أن يقتل إلى غير ذلك من الشناعات التي يسمونها كرامات، هذه هي التي تكرس النظرة السلبية التى بناها المستشرقون الأوائل عن الإسلام وأهله وتؤكدها.

 

وهذه الممارسات أراها أحد القواسم المشتركة (العديدة) بين الصوفية والشيعة، فما يفعله الشيعة يوم عاشوراء، وما يفعله هؤلاء المتصوفة إنما هو صد عن الإسلام باسم الإسلام!

 

ما هو توجيهكم للأمة الإسلامية فيما يتعلق بالأبحاث والدراسات التي يقوم بها الغرب وتتعلق بالإسلام والمسلمين؟

 

أولًا لابد أن نعرف أن الغرب يقدر البحث العلمي وينفق عليه بسخاء، فنتائج الأبحاث هناك تترجم إلى قرارات وسياسات في كل المجالات، وليس الحال كما هو عندنا – للأسف -، ولهذا لابد من العناية بما يُكتب عنا من دراسات وأبحاث، لأنها قابلة وبشكل كبير لأن تكون مشاريع سياسية واقتصادية وإعلامية وثقافية تنفذ لتحقيق المصالح الغربية على حسابنا، فلا أقل من أن ندرك ماذا يراد بنا، هذا في أقل الأحوال، وإلا فالواجب أكبر من ذلك، لا سيما وأننا نملك في العالم الإسلامي من الأموال والعقول والإنصاف - وهذا الأصل - ما يمكننا من دحض ما يكتب عنا بأبحاث مماثلة ودراسات كاشفة، بالإضافة إلى ترجمة ما يُكتب عنا وتقديمها لأصحاب القرار والقائمين على مصالح المسلمين، فالله تعالى يقول: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 55]، ويقول أيضًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 71].

 

في الختام نريد من فضيلتكم كلمة لموقع الصوفية.

 

أقول لإخواني الكرام في موقع الصوفية: أولًا، جزاكم الله خيرًا على ما تبذلونه من جهد ووقت في سبيل توعية الناس بحقيقة التصوف وخطره على دين المسلمين ودنياهم، والذي هو عن الزهد الإسلامي الحقيقي أبعد، وإلى البدعة وتشويه حقيقة الإسلام أقرب.

 

وثانيًا، أقول إن القارئ لتاريخنا القريب يدرك حقًّا أن التصوف الذي ران على كثير من شعوب المسلمين يتحمل جزءًا كبيرًا من مسؤلية إضعاف المسلمين وإبعادهم عن دينهم وعن ركب الحضارة، ورضاهم بالاستبداد والظلم الداخلي ومن ثم بالاستعمار والطغيان الخارجي، في جانبه العسكري وفي جانبه الفكري كالعلمانية وغيرها.

 

ولذلك أراكم أيها الإخوة على ثغر مهم من ثغور المسلمين نفذت منه البدعة والخرافة ونفذ منه الانحراف في العقيدة وفي السلوك، بل بات التصوف في عالمنا اليوم حصان طروادة لخذلان الإسلام من داخله، فجزاكم الله خير الجزاء على تبصرة الناس بباطل القوم وكيف أنهم يلبسون الشر الكثير ببعض الحق.

 

وهذه شهادة من أحد الغربيين المهتمين بالتصوف أسوقها للاستدلال على خطورة التصوف الذي أنتم بصدد مقاومته؛ إذ يقول المستشرق الإنجليزي "نيكلسون" في كتابه (التصوف في الإسلام): «ولعله أن يقال: كيف لدين أقامه محمد [عليه الصلاة والسلام] على التوحيد الخالص المتشدد أن يصبر على هذه النحلة الجديدة، بل أن يكون معها على وفاق؟ وإنه ليبدو أن ليس في الوسع التوفيق بين "الشخصية الإلهية المنزهة" وبين الحقيقة الباطنة الموجودة في كل شيء التي هي العالم وروحه [يقصد وحدة الوجود]. وبرغم هذا فالصوفية بدل أن يطردوا من دائرة الإسلام قد تقبلوا فيها».
 

إن الزهد الحقيقي هو الذي ينتج قوة معنوية وحسية، كما كان حال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن اقتفى أثره من سادات المسلمين، والذين لم يمنعهم زهدهم في حطام الدنيا وكثرة وقوفهم بين يدي الله وشدة خوفهم منه لم يمنعهم كل ذلك من نصرة دين الله؛ بالجهاد بالمال والنفس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمطالبة بإقامة العدل وإحقاق الحق..إلخ، هذا هو ديننا الحق وهذه هو الزهد الحقيقي، وهذا ما أحسبكم تسعون في موقعكم المبارك إلى بيانه للناس وكشف من يُلبس على الناس غيره عبر لباس التصوف.

فأسأل الله لكم التوفيق والسداد.

محبكم/ صالح الحسّاب الغامدي
*******************************
 
هل نفذ الأمريكان ما فى هذا التقرير ... تقرير مؤسسة راند "الإسلام المدني ... ملخص التقر
(هذا ما يخططه أعداؤنا لنا) تقرير مؤسسة راند "الإسلام المدني ... ملخص التقرير

هذا التقرير كنت قد وجدته منذ سنة و ربما أكثر فى أحد المواقع و نشرته وقتها على منتدى عمرو خالد و قد نقله من المكان الذى نقلته منه و ربما من مواقع أخرى أخوة كثيرون فى منتديات أخرى ... المهم فلنسأل
أنفسنا الأن هل تحقق ما فى هذا التقرير و ما زال يتحقق .فاءن كان ذلك فهذه كارثة .. فالكارثة ليست فى ظهور هذا التقرير أو زعم أمريكا و مؤسساتها تنفيذه و لكن الكارثة تكمن فى اننا نعلم و ننشر هذا التقرير و يتداول بيننا و هو كما قلنا معروف لدى كثير منا و قد أعلنت عنه عده مصادر أخبارية كالجزيرة و العربية ثم بعد ذلك ينفذ فينا و نحن غافلين!!!!--------------------------------------------------------------------------------

تقرير مؤسسة راند "الإسلام المدني ... ملخص التقرير

قسم الترجمة والتحرير

بين يدي التقرير

كثرت وتنوعت الدراسات الغربية التي تتناول ظاهرة تنامي المد الإسلامي، وحضوره المتزايد *** مسرح الأحداث العالمية في السنين الأخيرة بشكل لافت للنظر، فلا تكاد تخلو وسيلة إعلام أو مطبوعة مركز أبحاث، أو إصدار دار نشر من معالجة للموضع بالطريقة التي يراد توجيه الأنظار إليها، ويبقى أهم تلك الدراسات أثراً، وأكثرها خطراً تلك التي تصدر عن معاهد أو مؤسسات لها صلة بدوائر اتخاذ القرار، وذلك لأن ما يعد أو ينشر ليس من قبيل الدراسة الأكاديمية البحتة، أو التناول الإعلامي للإثارة، وإنما الغرض توجيه أنظار صناع القرار إلى الوسيلة المثلى للتعامل مع هذه الظاهرة والتي أصبحت تمثل – حسب رصدهم وزعمهم – أهم تحد لمنظومة الغرب الحضارية.

تقرير مؤسسة راند "الإسلام المدني الديموقراطي: الشركاء والموارد والاستراتيجيات" والذي صدر في شهر فبراير الماضي يدخل ضمن هذا الإطار. فمؤسسة راند التي أنشئت عام 1948 كمؤسسة بحثية، خيرية «مستقلة» لها صلة بشركات إنتاج الأسلحة الأمريكية، وكثير من الشركات الخاصة، كما ولها صلة بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، وأصبحت تلعب دوراً بالغ الخطورة في بلادنا، وهي أنـها تتولى عملية إعادة النظر ثم صياغة مناهج التعليم في بعض البلدان مثل قطر، وليس مستبعداً البقية وخاصة السعودية.

من أجل هذا ولأهمية ما ورد في التقرير قمنا بترجمته والتعليق *** بعض ما ورد فيه من باب (ولتستبين سبيل المجرمين)، ولندرك بعد ذلك أن المعركة شاملة لا يحدد مصيرها السجال في ساحات الوغى فحسب؛ بل المناهج، والشباب والمرأة و طريقة فهم الدين كلها ميادين مفتوحة لمعركة طويلة الأمد، ومتعددة الجوانب والأبعاد. [التحرير]

التقرير

يقع التقرير في ثلاثة فصول مع تقديم، وملخص وأربعة ملاحق، بالإضافة إلى قائمة المراجع، وتعرف بالمصطلحات المستخدمة.

ملخص التقرير

ليس هناك شك من أن الإسلام المعاصر يعيش حالة من الاضطراب والغليان، وحالة من الصراعات الداخلية والخارجية حول قيمه، وهويته، ومكانته في العالم اليوم، وذلك بسبب وجود العديد من المذاهب المتنافسة التي تطمح للحصول *** الهيمنة الروحية والسياسية. ولذا فإن لهذا الصراع تكاليفه الباهظة والبالغة الخطورة، وتأثيراته المتعددة *** الجانب الاقتصادي، والاجتماعي والسياسي. ونتيجة لهذه التغيرات فإن الغرب يبذل، جهوداً كبيرة لفهم هذه الصراعات وبالتالي محاولة التأثير *** نتائجها.

وتتمنى الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الصناعية العظمى وكل المجتمع الدولي أن يكون العالم الإسلامي متماشياً مع باقي الأنظمة العالمية، بحيث يكون ديموقراطياً، محققاً للنمو اقتصادياً، مستقراً سياسياً، متقدماً اجتماعياً، ومتتبعاً لآليات وأنظمة المجتمع الدولي، كما أن هذه الأطراف تريد منع حدوث "صراع الحضارات" بكل ما تحمله هذه العبارة من معان؛ من صراعات بين الأقليات المسلمة ومواطني الدول الغربية، إلى تزايد التيارات الثورية في العالم الإسلامي، وما يترتب عليها من عدم الاستقرار و"الإرهاب".

لذلك لابد من تفعيل وتشجيع كل العوامل والطاقات الداخلية في العالم الإسلامي من ذوي الكفاءة والخبرة في السلام العالمي، ومن هم أصدقاء للديموقراطية والعصرنة. غير أنه من الصعوبة بمكان دائماً التعرف *** هذه العناصر في مثل هذه الحالات، وإيجاد الظروف المناسبة للتعاون معها.
إن الأزمة الحالية التي يعيشها الإسلام (العالم الإسلامي) لها مكونان رئيسيان وهما: "فشل في التقدم نحو الأمام وعدم قدرة *** الاتصال مع الاتجاه السائد في العالم الخارجي". فقد عاش العالم الإسلامي في تخلف لزمن طويل وهنت خلاله كل قواه. وقد جُربت حلول متعددة مثل: الوطنية، القومية العربية، الاشتراكية العربية، الثورة الإسلامية لكن من دون أن تكلل أي من هذه الحلول بنجاح، وهو ما أدى إلى حالة من الإحباط والغضب في الساحة العربية. وفي الوقت ذاته لم يستطع العالم الإسلامي مسايرة الثقافة العالمية المعاصرة، وهو أمر غير مناسب للطرفين.ولا يكاد يتفق المسلمون حول الأساليب الناجعة لمثل هذه المعضلات، أو بأي صبغة يمكن أن تكون عليها مجتمعاتـهم، وعليه فإنه يمكننا أن نفرق بين أربع رؤى أو توجهات لفئات مختلفة داخل الجسد الإسلامي:

*الأصوليون الذين يرفضون القيم الديموقراطية والثقافة الغربية المعاصرة، ويريدون في المقابل دولة سلطوية تعكس رؤاهم الإسلامية المتزمتة، كما أن هؤلاء مستعدون لاستعمال الوسائل المتقدمة من التكنولوجيا وغيرها في سبيل تحقيق أهدافهم.

*التقليديون: هؤلاء يريدون مجتمعاً محافظاً، ويقفون موقف الشك من العصرنة، والتجديد والتغيير.

*العصرانيون (الحداثيون): يريدون من العالم الإسلامي أن يكون جزءاً من العالم العصري، كما ويسعون إلى إحداث تغييرات في الإسلام وذلك بإدخال إصلاحات بطريقة يتعايش بـها مع العصر.

*العلمانيون: يريدون من العالم الإسلامي قبول مفهوم انفصال الدين عن الدولة *** غرار الدول الغربية الديموقراطية، مع حصر مظاهر التدين في الجانب الشخصي فقط.

هذه المجموعات لها مواقف متغايرة حيال قضايا حساسة ومهمة في العالم الإسلامي، من ضمنها؛ الحريات الشخصية والسياسية، والتعليم، وقضية المرأة، القوانين الجنائية، وشرعية الإصلاحات والتغيير، بالإضافة إلى مواقفها تجاه الغرب.

الأصوليون: لهم مواقف عدائية للغرب ولأمريكا *** وجه الخصوص، كما ويعملون، وبنسب متفاوتة، *** تخريب وهدم الديموقراطية والعصرنة. ولهذا فإن مساعدتـهم ليست بالخيار الصائب، اللهم إلا إذا كان ذلك لاعتبارات تكتيكية ومرحلية.[/COLOR]
[COLOR="red"]التقليدون: لهم رؤى معتدلة *** العموم، لكن هناك اختلافات كبيرة بين مجموعات مختلفة منهم؛ بعضهم قريب من الأصوليين، ولا يوجد منهم من يؤيد الديموقراطية العصرية والثقافة والقيم المتعلقة بالعصرنة بإخلاص، و*** أحسن الأحوال يمكن التوصل إلى سلام معهم ولكن بصعوبة.

العصرانيون والعلمانيون: هم أقرب إلى الغرب فيما يخص المبادئ والسياسات، لكنهم في موقف أضعف، عموماً، مقارنة بالمجموعات الأخرى، حيث أنـهم يفتقرون إلى من يؤيدهم، كما ويفتقرون إلى المصادر المالية، والبنية التحتية الفعالة، والبرنامج السياسي المقبول. إن العلمانيين إلى جانب كونـهم غير مقبولين كحلفاء في بعض الأحيان فإنـهم يعانون من مشكلة إيصال رسالتهم إلى القطاع التقليدي في المجتمع الإسلامي.

إن "الإسلام التقليدي" يتضمن عوامل ديموقراطية يمكن من خلالها مواجهة وصد سلطوية "الإسلام الأصولي"، لكنه لا يمثل وسيلة ملائمة أو دافع لتحقيق "الإسلام الديموقراطي". إن هذا الدور يقع كاهله *** الإسلاميين العصرانيين (الحداثيون)، الذين يعترض طريقهم وفعاليتهم عوائق وقيود تحد من تأثيرهم، وهو ما نحاول التعرض له في هذا التقرير.ولتشجيع التغيير الإيجابي في العالم الإسلامي تجاه الديموقراطية والعصرنة التي تواكب ما هو سائد في عالم اليوم،لابد لأمريكا والغرب من التمعن وبحذر شديد في العناصر، والاتجاهات والميول الإسلامية التي يراد تقويتها، كما ويتطلب الأمر تحديد أهداف وقيم الحلفاء المحتملين، وما هي الآثار العامة التي تترتب *** دعم أجندتـهم وتقويتها ودفعها نحو الأمام.إن اتباع منهج متنوع متكون من العناصر التالية ربما يكون أكثر فاعلية في هذا المضمار:

مساندة العصرانيين (الحداثيون) أولاً:

- نشر وتوزيع أعمالهم بأسعار مدعمة.

- تشجيعهم *** الكتابة للجماهير والشباب.

- إدراج آرائهم في المناهج الإسلامية التعليمية.

- العمل *** توفير الدعم الشعبي لهم.

- جعل آرائهم وأحكامهم التي تتعلق بشرح المسائل الشائكة والأساسية في الدين في متناول الجماهير، بحيث تنافس آراء وإصدارات الأصوليين والتقليديين، الذين لهم صفحات *** الإنترنت، دور نشر، مدارس ومعاهد ووسائل أخرى كثيرة لنشر أفكارهم.- وضع العلمانية والحداثة كخيار وجبهة ثقافية للشباب الإسلامي المحروم.- تسهيل وتشجيع الوعي بالثقافة وتاريخ ما قبل الإسلام في وسائل الإعلام ومناهج بعض الدول.

- المساعدة في تطوير منظمات مدنية مستقلة من أجل تشجيع ثقافة مدنية وإفساح المجال للمواطنين من أجل تعلم الإجراء السياسي ولتبادل الآراء.

تأييد ومساندة التقليديين ضد الأصوليين:

- نشر انتقادات التقليديين حيال الوسائل التي يستعملها الأصوليون من عنف وتشدد، وتشجيع الاختلاف بين التقليديين والأصوليين.

- عدم تشجيع ومساندة أي تحالفات بين التقليديين والأصوليين.

- تشجيع كل سبل التعاون بين العصرانيين (الحداثيون) والتقليديين القريبين من خط العصرانيين.

- تعليم التقليديين لتحسين وتطوير أدائهم في المناظرات ضد الأصوليين.

- زيادة حضور وتواجد في مؤسسات التقليديين.

- التفريق بين تيارات مختلفة في صفوف التقليديين، فيُشجع مثلاً الأقرب فالأقرب منهم للعصرنة، مثلاً مدرسة الأحناف ضد آخرين.

- تشجيعهم *** إصدار آراء دينية ونشرها في أوساط العامة لإضعاف سلطة "الوهابيين المتخلفين.

- دعم وتشجيع شعبية الصوفية، وتـهيئة الأرضية لتقبل أفكارهم.

مواجهة ومضادة الأصوليين ومعارضتهم:

- تحديهم في فهمهم وترجمتهم للإسلام مع عرض مواطن النقص عندهم.

- إفشاء علاقاتـهم بالجماعات غير الشرعية وأنشطتهم المشبوهة.

- نشر العواقب الوخيمة لأعمال العنف التي يقومون بـها.

- إظهار عدم قدرتـهم *** إدارة وسياسة شؤون بلادهم، من أجل تحقيق تطور إيجابي في مجتمعاتـهم ودولهم.

- توجيه هذه الرسائل خاصة للشباب، وللتقليديين المتدينين، وللأقليات المسلمة في الغرب وللنساء.

- الامتناع عن إظهار الإعجاب والاحترام لأعمال العنف التي يقوم بـها الإرهابيون والمتشددون، ووصفهم بأنـهم جبناء ومضطربون، وليسوا أبطالاً غاضبين.

- تشجيع الصحفيين للتحقيق في قضايا الفساد والخيانة والقضايا اللاأخلاقية في أوساط الأصوليين والإرهابيين.

- تشجيع الانقسامات فيما بين الأصوليين.

مساندة انتقائية للعلمانيين:

- تشجيع التعريف بالأصولية وبأنـها عدو مشترك، وعدم تشجيع أي تحالف علماني مع من يقفون ضد القوات الأمريكية، كالوطنيين واليساريين.
- مساندة فكرة فصل الدين عن الدولة وأنه يمكن تطبيقها في الإسلام كذلك، وأن هذا الأمر لا يشكل خطراً *** الدين، بل ربما يؤدي إلى تقويته.

مهما تكن الوسيلة المتبعة أو مجموعة الوسائل المتنوعة التي يقع عليها الاختيار فإننا نوصي بتوخي أقصى درجات الحيطة والحذر عند الشروع في التطبيق، مع إدراك الوزن الرمزي لبعض القضايا.
الفصل الأول: مقدمة عن الفكر والمعاصر في الإسلام:

إن حاجة العالم الخارجي إلى تشجيع إسلام ديموقراطي ومعتدل، مع ضرورة ترجمة الإسلام بشكل جديد ومطابق للعصر الحالي غدت أمراً ملحاً وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
إن هذا المنهج محل اتفاق عام. فكما هو معلوم أن الإسلام دين مهم، وله تأثير *** الجانب السياسي والاجتماعي، إذ يؤثر *** كثير من النظريات والسياسات المتخذة، بعضها لها أبعاد بالغة *** الاستقرار العالمي، لهذا أصبح من الضروري التمكين لإسلام ديموقراطي ومعتدل ومسالم.
والسؤال الذي يجب طرحه كيف يمكن تحقيق هذا؟ هذا التقرير يحدد اتجاهاً لذلك.

يبدأ التقرير بتناول النظريات المتضاربة والمنقسمة حول الإسلام والمجتمع، الفصل الثاني يحلل سلبيات وإيجابيات مساندة عوامل مختلفة في الإسلام. والفصل الأخير يتناول استراتيجية عملية.

اتجه الساسة الغربيون بعد أحداث الـ 11 من سبتمبر إلى تأكيد قناعاتـهم – في خطابات رسمية – من أن الإسلام ليس هو السبب المباشر وراء ما حدث، ومن أنه دين سلام وتسامح. وقد حدث ذلك من خلال خطب وكلمات ألقيت في مساجد وبحضور أئمة وخطباء. إن هذه التصريحات لم تقتصر *** الولايات المتحدة الأمريكية فحسب بل انتشرت في أوربا كذلك.

هذا الموقف تجاه الإسلام من طرف هؤلاء الزعماء يهدف، من جهة إلى منع أي أعمال عنف أو مواجهات ضد الأقليات المسلمة المتواجدة في الغرب. ومن جهة أخرى، كان الهدف ذا بعدين: الأول قصير الأمد والثاني بعيد. أما القصير فكان الهدف هو جعل الحكومات في العالم الإسلامي تدعم أي جهد ضد الإرهاب بتحييد وفصل قضية الإرهاب عن الإسلام. أما البعد الطويل الأمد فيريد زعماء الغرب تكوين صورة ونظرية من خلالها يتم دمج العوامل السياسية في الإسلام والدول الإسلامية تحت المنظومة العالمية المعاصرة.

وقد انضم إلى هذه الخطة كثير من الأكاديميين والمنظرين. ففي الوقت الذي كان العلماء الليبراليون داخل وخارج العالم الإسلامي يجمعون الأدلة والحجج التي تؤيد إسلاماً ليبرالياً ومتسامحاً، انبرى "الإرهابيون" كذلك إلى نفس العمل لكن وفق نظرياتـهم ومفاهيمهم المستمدة من الدين.

وقد أصبحت ضرورة منع الصراع إلى أن يتحول إلى (صراع الأديان والحضارات) والتشكيك في ترجمة وفهم المتشددين للإسلام وترجمته *** أرض الواقع من الأمور الملحة، لكن تحقيق هذا، ومعرفة العوامل التي ينبغي تأييدها والطرق المناسبة لتحقيق هذا لهو من الصعوبة بمكان.فليس من السهل كما هو معلوم، تغيير أو تحويل دين عالمي عظيم، فكما أن (بناء وطن) مهمة صعبة وشاقة، فما بالك (ببناء دين) إن الأمر في غاية الخطورة والتعقيد.وبدأ التقرير إسقاط بعض القضايا كالديموقراطية وحقوق الإنسان، تعدد الزوجات، الحدود، الأقليات، لباس المرأة وغيرها من القضايا *** الفئات التي تم تقسيمها من قبل: الأصوليون – التقليديون – العصرانيون (الحداثيون) والعلمانيون.

الديموقراطية وحقوق الإنسان:

إن موقف الأصوليين الراديكاليين من القضايا السياسية ونظرياتـهم في ذلك يمكن استشفافها من خلال مطبوعات لهم أو مواقع *** الشبكة العالمية (الإنترنت) كمنشورات حزب التحرير والحزب الإسلامي، كمثال لما يعتقده الحزب الإسلامي حيال البرلمانات والمؤسسات الديموقراطية الأخرى، نأخذ المقطع التالي:

«إنـها من مظاهر الشرك والكفر، ومن كبائر الذنوب التي لا تغفر، ومناهضة للهدف والقصد من الخلق ..» .

الهدف هو فرض النظام الصحيح، والمتمثل في الإسلام، *** الجميع.وكذلك بالنسبة لحزب التحرير الذي يعد نفسه (كحزب سياسي ونظريته هي الإسلام، فالسياسة هي عمله والإسلام هو نظريته ... لاستعادة الخلافة) وفيما يخص نظام الحكم، فلابد أن يكون الدستور والقوانين إسلامية ولا يجوز أن يكون: جمهوري، لأن النظام الجمهوري يرتكز *** الديموقراطية، التي هي نظام كفري ... يستمد الحكم في النظام الإسلامي من الشريعة وليس من الأمة. فالمشرع هو الله، ويحق للخليفة فقط الحكم بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله، لهذا لا يجوز القول بأن النظام في الإسلام جمهوري، ولا يصح أيضاً إطلاق عبارة جمهورية إسلامية.

تعدد الزوجات:

الأصوليون يقبلون مسألة التعدد، وقد أعيد تطبيق هذه المسألة في أفغانستان من طرف نظام طالبان، بعد أن كادت تنسى، وتتصل بمسألة التعدد قضية الزواج المبكر، وتنتشر هاتان الظاهرتان في مناطق تحت تسيير الأصوليين أو المحافظين التقليديين، وقد طبق نظام طالبان والقاعدة الزواج بالإكراه والذي يأتي في القرآن الكريم في سياق الحروب.

ولا يؤيد الإصلاحيون التقليديون ولا المحافظون التقليديون الذين يعيشون في الغرب أو في أماكن أخرى التي لا تؤيد التعدد العمل *** الانخراط في إحياء هذه المسألة، بعضهم يرفض فكرة التعدد لأنـهم يعتقدون بأن *** المسلمين احترام قوانين الدول التي يعيشون فيها، لكنهم لا يعترضون *** تطبيقها في حق الرجال الذين هاجروا وتركوا أزواجهم في بلادهم الأصلية؛ كالطلبة والعمال ... ولا يقبل التقليديون (الذين هم أقرب إلى العصرانيين) الفكرة *** العموم.

إلا إنه وبدون شك أن القرآن يجوز فكرة التعدد كما أن محمد وحكام المسلمين الأوائل طبقوها، وعليه فإن التقليديين لا يقدرون *** إلغاء الفكرة تماما وذلك لوجود العديد من الحجج والبراهين ومما يمكن ذكره من ذلك في تعليل القضية ما يلي:

- أشاروا إلى أن محمدا r لم يعدد خلال حياته مع زوجته الأولى خديجة وهي المرحلة الأولى من نزول الوحي عليه، وهذه هي الحالة المثالية التي يجب *** المسلمين التأسي بـها.

- يقولون إن هذه الزيجات بالنسبة لمحمد (r )كانت من أجل تكوين تحالفات وكانت إما لأهداف سياسية أو خيرية ولم تكن شخصية.

ويشير هؤلاء التقليديون أن بعض هذه الزيجات كانت بالاسم فقط، وكانت بـهدف تكوين تحالفات سياسية أو الاهتمام بأرملة صديق مثلاً.

ويقولون إن مسألة التعدد في المرحلة الأولى للمجتمع المسلم كانت عبارة عن مشروع خيري، وكحل لمعضلة نقصان أعداد الرجال بسبب الحرب، بما تسبب في زيادة أعداد النساء، ومن ضمنهن أرامل في حاجة ماسة لمن يحميهن ويجلب لهن مصدر رزق.

ويحتج الإصلاحيون التقليديون (مثل الأصوليين) أن التعدد أحياناً ينظر إليه من جانب ملائمته للنساء اللاتي يمكنهن الاشتراك في رعاية الأبناء وخدمة البيت ومن ثم التفرغ لأعمال واهتمامات أخرى.

ويؤكدون *** سمو هذه الممارسة مقارنة بما هو حاصل في الغرب، إذ أن ارتفاع نسب الطلاق في المجتمعات الغربية، إنما هو شكل من أشكال التعدد، فيما أن الأمر يتضمن التخلي عن النساء والأطفال مما ينتج عنه آثار سلبية للأسرة (في الغرب) يأتي الإسلام في المقابل ليسد حاجات هذه الزوجة المطلقة من ناحية الإنفاق المتساوي، والعدل من الناحية العاطفية وغيرها.

ويذهب بعض الإصلاحيين التقليديين – مثل أكبر أحمد في كتابه (إسلام اليوم) – إلى أن حقيقة القرآن الكريم وجوهره تعارض التعدد وتؤكد *** ضرورة الاكتفاء بواحدة وذلك في الآية التي تقول {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ويرى العصرانيون (الحداثيون) أن تغير الأزمنة يأتي بتغير العادات والأخلاقيات، فالذي كان مقبولاً قبل مئات السنين أصبح غير مقبول اليوم. وعوضاً عن التركيز *** جزئيات لم تعد مطابقة وموافقة للواقع، لابد من التركيز *** الأصل وهو الاقتداء بالرسول r في تعليمه وتربيته.

القوانين الجنائية في العدالة الإسلامية:

يقف الأصوليون وكثير من المحافظين التقليديين مع تطبيق الحدود والعقوبات الإسلامية ضد الجرائم والمخالفات، بخلاف الإصلاحيين التقليديين، الذين لا يستطيعون إنكار أو نقد هذه الأنظمة (الحدود)، بل بالعكس يلجأون إلى طرق أخرى لتفسيرها وتبريرها.

ففي مسألة السرقة مثلاً، بعضهم يعتذر عن هذه الجريمة الموجبة لإيقاع هذا الحد كون أكثر حالاتـها تقع خارج نطاق الشروط المحددة قضائياً للظروف والوقائع التي تستوجب الحد، فلو كان الفقر الحاجة المادية، أوالجوع والحاجة لمساعدة أو كفالة أسرة هي الدافع للسرقة، فإن السارق يبرأ، ويتهم المجتمع بسبب هذه الجريمة وليس الشخص المضطر والمدفوع لمثل هذا العمل بسبب الظروف القاسية والملحة.وكيفية تعامل الدول الإسلامية لحل هذه الإشكالات يعكس مدى نفوذ القوى في تلك المجتمعات، فباكستان مثلاً، هي مأوى وموطن لشريحة مهمة من الأصوليين، كما أنـها تحوي *** نسبة كبيرة من المواطنين التقليديين وتريد (باكستان) أن تصطف في محور المجتمع العالمي المتحضر. فكيف يمكن لهذه الدولة الجمع بين هذه الأهداف وبين مسألة تطبيق الحدود الإسلامية؟.

فالتخلي عن الشريعة سيؤدي إلى عزل الأصوليين وشريحة من التقلديين، وقطع الأيدي ورجم الزناة سيؤدي إلى استنكار وتنديد عالمي وسيؤدي إلى عزل العصرانيين المحليين وبعض التقليديين.

الحل هو فرض الحدود الشرعية دون تطبيقها.
وبخلاف قطع الأيدي، وفي حالة التعدي المتكرر تقطع الأرجل كذلك، تفرض الشريعة إيقاع القتل *** زنا (المحصنين) والجلد *** غير المحصنين. هذه المسألة ليست محل اختلاف بين الأصوليين والمحافظين التقليديين القريبين منهم.

والمخرج بالنسبة لهؤلاء الإصلاحيين والمحافظين التقليديين في مسألة الحدود يرجع إلى قواعد البينة والشهود، فلإقامة الحد *** زان محصن لابد من وجود أربعة شهود مسلمين، نص القرآن لا يحدد ما الذي يجب رؤيته من طرف هؤلاء الشهود، وينص العلماء والفقهاء *** أنه يجب رؤية الفعل بحد ذاته، وليس فقط الظروف التي أحاطت بالفعل.

لكن الأصوليين لا يحكمهم هذا الشرط (الشهود)، فمثلاً لم يكن هنالك شهود *** الإطلاق في قضية المرأة النيجرية التي حكم عليها مؤخراً بالإعدام في مسألة زنا. فالواقع، في قضيتها أنـها جاءت بولد مع أنـها لم تكن متزوجة كان هذا كافياً كدليل، فلا القرآن الكريم ولا آلاف من الأحاديث تذكر الحكم في هذه المسألة مع أن مثل هذه الحادثة يمكن أن تكون قد وقعت خلال تلك العهود.

الأقليات:

موقف القرآن من الأديان الأخرى بخصوص هذه المسألة متنوع ومختلف، فهناك آيات ونصوص تحمل العداء والكراهية لليهود والنصارى، ونصوص أخرى تحمل *** الألفة والصلح، وقد عللت هذه النصوص حسب الظروف والوقائع التاريخية التي نزلت فيها.

ويتمتع غير المسلمين تحت حكم المسلمين بحرية ممارسة شعائر دينهم بدون عوائق، ويسمح الرجال المسلمين لزوجاتـهم النصرانيات واليهوديات بممارسة عقائدهن وشعائر دينهن بحرية.

كما ويسمح لهذه الأقليات بإنشاء المحاكم الخاصة بـهم لتطبيق القوانين الخاصة بـهم في الأحوال الشخصية والمدنية.

إلا أن الأصوليين عزفوا عن تطبيق هذه الأحكام، بل *** العكس يمارسون ضغوطاً *** غير المسلمين الذين يعيشون تحت حكمهم. فمثلاً، هاجمت مجموعات إرهابية أصولية كنائس في باكستان، قتل *** إثرها عدد من المصلين، وفي السعودية لا يمكن للنصارى أو اليهود إنشاء دور عباداتـهم ولا يمكنهم الاحتفال بأعيادهم الدينية.

حركة طالبان التي اعتنقت مفاهيم المنهج الوهابي منعت حتى النساء العاملات في منظمات غير حكومية في أفغانستان من قيادة السيارات، كما وأخطرت الهندوس المقيمين هناك بتعليق بطاقات صفراء كهويات.

ويختلف التقليديون - رغم أن هدفهم هو التمكين لمجتمع إسلامي - في طريقتهم لتحقيق أهدافهم، فيلجأون إلى الاقناع عوضاً عن الإكراه في أسلوبـهم.

لباس المرأة:

لقد أصبحت قضية الحجاب ذات أهمية بادية للعيان، رغم أن القرآن لا يساندها، ورغم أن القرآن يحث الرجل والمرأة *** ارتداء لباس محتشم، إلا أنه لا يذكر ماهية أو خصوصية ذلك اللباس، لكنه يراعي الحالتين التاليتين: العادة المحكمة ومحل الإنسان في الحياة. مثلاً: محل شغله. أما مسألة تغطية المرأة لجسدها فقد جاءت في القرآن خاصة بنساء النبي r دون غيرهن من النساء‍‍!!.

أما بالنسبة للعصرانيين (الحداثيين) فيفسرون الآيات والأحاديث التي تخص قواعد اللباس بأن التواضع يعني اجتناب جلب الأنظار ولباس الشهرة. ويستدلون لرأيهم بآيتين أنه {لا إكراه في الدين} و {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسـر} فالضغط *** المرأة لارتداء نوع ما من اللباس الذي قد يعوقهن عن آداء عملهن أو يؤدي إلى كراهية وتمييز ضدهن ينافي مقاصد هذه النصوص.

وبالنسبة للأصوليين فإن قضية الحجاب عندهم مسألة مفروغ منها فالحجاب عندهم واجب.

مسألة ضرب الزوجات:

ليس للأصوليين في هذه المسألة غموض كذلك، فقضية الضرب تتطابق مع بقية الأنظمة التي يضعونـها لمراقبة تصرفات المجتمع أو ما يسمى الاحتساب.

المحافظون التقليديون يقرون كذلك هذه الممارسة، لكنهم يفرقون بين النية في الضرب قصد تربية وتقويم الزوجة وهذا لمصلحتها وبين العنف الممارس في البيوت بقصد الإيذاء والتعدي. وقد اختلف هؤلاء في أساليب الضرب بين مؤيد للضرب في كافة الجسد ما عدا الوجه وبين من يكتفي بالضرب بالسواك.

أما بالنسبة للعصرانيين (الحداثيين) فإن هذا الموضوع لا يمثل إشكالاً لديهم *** الإطلاق، فمثل العهد القديم، فإن القرآن الكريم يتضمن قضايا أصبحت لا تطابق العصر الحالي، ولا داعي للاجتهاد فيها. كما وأنـهم يشككون في حجية تلك السورة التي ذكر فيها الضرب إذ أنـها تناقض ما جاء عن الرسول r من سلوك ومواقف في سور وآيات أخرى من القرآن وكذلك الأحاديث التي تبين كيف يتعامل الزوج مع شريك حياته، كما أن الكثير من الأحاديث ترفض استعمال العنف وللأسف يعزف الأصوليون والمحافظون التقليديون عن تبيين هذا، وقد جاء في حديث أنه لا يجوز لمسلم ضرب زوجته ثم يأتيها آخر النهار، وقد اشتهر عن الرسول r وهو *** فراش الموت قوله: (استوصوا بالنساء خيراً) ...

واختتم التقرير بالتشكيك في مسألة جمع القرآن بعد وفاة النبي r حيث أدت عملية التجميع إلى إحداث نصوص قرآنية مختلفة عن آيات أخرى.

وقد ضاعت *** الأقل سورتان في عملية جمع القرآن، ويشير العصرانيون (الحداثيون) أن بعض الآيات قد تكون نقلت خطأ أو من غير تدقيق...
**********************************************
 
‫إسلام لكن على الطريقة الغربية ( تقرير )

أحمد الشجاع - عودة ودعوة

يقول جيرت فيلدرز زعيم حزب "الحرية" المتطرف الهولندي – في جوابه على سؤال حول الإسلام المعتدل -: "إطلاقاً، لا يوجد إسلام معتدل أصلاً، وأعتقد أن الإسلام أيديولوجية شمولية. فهو فكر أكثر مما هو دين، وأراه يقوم على أساس السيطرة والقمع ولا يمكن مقارنته بالشيوعية والفاشية. فالإسلام بات أكبر تهديد في الوقت الحاضر لأوروبا".

وعلى عكس فيلدرز هناك من الغربيين من يؤمن بوجود "إسلام معتدل". وهذا التصنيف يطرح – في ظاهره - صورة إيجابية عن الإسلام، لكنه يحمل في واقعه صورة سلبية لا تليق بديننا الإسلامي؛ حيث إن طرح مصطلح "إسلام معتدل" داخل المجتمع الغربي سيقابله – في أهان الناس – وجود "إسلام متطرف".. وكأن هناك دينان داخل الإسلام.. مع أن ديننا ليس فيه تطرف وغلو قط.

ومع أن المقصود بهذا التصنيف في الغالب هم المسلمون باعتبار تدينهم، لكن الذي سيرتبط بذهن الغربي هو الإسلام كدين بغض النظر عن أتباعه.

وهناك جانب سلبي آخر لمصطلح "الإسلام المعتدل" ألا وهي معايير الاعتدال عند الغرب.. هل تتوافق مع المعايير والضوابط التي وضعها ديننا الإسلامي؟، أم أنها تنطلق من ثقافة الغرب وقناعاته وتعاملاته التاريخية المتراكمة مع العالم الإسلامي؟.

الجواب هو أن الثقافة الغربية هي التي تحدد معايير "الإسلام المعتدل" الذي يريده الغرب وفق ملّتهم لا الذي نؤمن به نحن المسلمين.

وفي السطور التالية نظرة سريعة حول رؤية الغرب لمفهوم "الإسلام المعتدل"، من خلال ما طرحته بعض الدراسات الغربية عن الإسلام الذي يريده الغرب.

وصفة أمريكية لبناء شبكة "إسلاميين معتدلين"

تحت هذا العنوان يقول خليل العناني - في موقع (تقرير واشنطن) الأمريكي - لا يزال الغرب مسكوناً بهاجس التطرف الإسلامي، ولا تزال الكثير من مؤسسات ومراكز الأبحاث الأمريكية تقوم بالعديد من الدراسات والأبحاث حول كيفية تقويض والحد من المد الأصولي الذي تراها عنصراً رئيسياً في تهديد المصالح الغربية حول العالم.

ويعتقد البعض أن أحد الأدوات الرئيسية لمواجهة هذا المد المتصاعد تكمن في تقوية ما أطلق عليه تيارات "الإسلام المعتدل" باعتبارها حائط الدفاع الأول في مواجهة انتشار التطرف والتشدد في العالم الإسلامي.

ونقل عن  دراسة أعدتها شارلي بينارد - الباحثة بمؤسسة (راند) للدراسات ونُشرت عام 2004م-  تصنفيها "الإسلام السياسي" إلى أشكال متعددة، كان أهمها "الإسلام المعتدل".

وفي عام 2007م أصدرت مؤسسة (راند) دراسة شاملة حول "بناء شبكات من المسلمين المعتدلين في العالم الإسلامي" شارك فيها أربعة باحثين في مقدمتهم شارلي بينارد وأنجل رابسا ولويل شوارتز وبيتر سكيل.

وتنطلق الدراسة من فرضية أساسية مفادها أن الصراع مع العالم الإسلامي هو بالأساس "صراع أفكار"، وأن التحدي الرئيسي الذي يواجه الغرب يكمن فيما إذا كان العالم الإسلامي سوف يقف في مواجهة المد الجهادي الأصولي، أم أنه سيقع ضحية للعنف وعدم التسامح.

وقد قامت هذه الفرضية الغربية على عاملين أساسيين: "أولهما أنه على الرغم من ضآلة حجم الإسلاميين الراديكاليين في العالم الإسلامي، إلا أنهم الأكثر نفوذاً وتأثيراً ووصولاً لكل بقعة يسكنها الإسلام سواء في أوروبا أو أمريكا الشمالية. وثانيهما ضعف التيارات الإسلامية المعتدلة والليبرالية والتي لا يوجد لديها شبكات واسعة حول العالم كتلك التي يملكها الأصوليون".

وانطلاقاً من هذه الفرضية فإن الخيط الرئيسي في الدراسة يصب في "ضرورة قيام الولايات المتحدة بتوفير المساندة للإسلاميين المعتدلين من خلال بناء شبكات واسعة وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهم لبناء حائط صد في مواجهة الشبكات الأصولية".

وفي هذا الإطار – يقول العناني - تضع الدراسة ما تطلق عليه "خارطة طريق" يمكن للولايات المتحدة السير عليها من أجل خلق أجيال من الإسلاميين المعتدلين يمكن من خلالهم مواجهة التيارات الأصولية. وتوصي الدراسة بإمكانية الاستفادة في بناء هذه الشبكات من تجربة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق طيلة النصف الأخير من القرن الماضي.

وقالت الدراسة إن صناع السياسة في أمريكا يواجهون ثلاثة تحديات رئيسية تختلف كلياً عما كان عليه الحال إبان الحرب الباردة. أولها، يتعلق بصعوبة الاختيار بين إستراتيجيتي الدفاع أم الهجوم، فالبعض فضل اللجوء للإستراتيجية الهجومية من أجل خلخلة النظم الشيوعية في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي السابق، من خلال خلق شبكات داخلية لمهاجمة كافة الحكومات الشيوعية. في حين اعتقد البعض الأخر ضرورة اللجوء للإستراتيجية الدفاعية من خلال اعتماد إستراتيجية "الاحتواء" من خلال دعم الحكومات الديمقراطية في أوروبا الغربية وآسيا وأمريكا اللاتينية.

التحدي الثاني يتمثل في كيفية حفاظ الحلفاء المحليين علي مصداقيتهم أمام شعوبهم بسبب ارتباطهم بالولايات المتحدة، ولذا فقد حاولوا وضع مسافة واضحة بين أنشطتهم وعلاقتهم بواشنطن.

أما التحدي الثالث فيتمثل في شكل وبنية التحالف الذي يمكن بناؤه في مواجهة الشيوعية، وهل يتم من خلال العلاقة مع الاشتراكيين السابقين الذي تحولوا ضد الشيوعية، ولكنهم أيضا ينتقدون السياسة الخارجية الأمريكية، أم البحث عن شركاء آخرين؟ وفي النهاية لجأت الولايات المتحدة إلي بناء تحالف كبير يضم جميع من ينتقد الأيديولوجية الشيوعية، لذا تم تأسيس ما يطلق عليه "كونجرس الحرية الثقافية".

وتشير الدراسة إلى أن أهم الشركاء "المحتملين" في مواجهة من وصفته "الإسلام الراديكالي" هم المسلمون الليبراليون والعلمانيون الذين يؤمنون بقيم الليبرالية الغربية وأسلوب الحياة في المجتمعات الغربية الحديثة. "والذين يمكن من خلالهم محاربة الأيديولوجية الإسلامية المتشددة والراديكالية، ويمكن أن يكون لهم دور مؤثر في حرب الأفكار". إذاً هذه بعض صفات المسلمين المعتدلين حسب الرؤية الغربية "ليبراليون وعلمانيون"، ومعروف أن كلتا الصفتين جزء من الثقافة الغربية.

بيد أن الدراسة تؤكد علي أنه لابد من توفير كافة مصادر التمويل التي تمكن هؤلاء المعتدلين من نشر أفكارهم وحصد مؤيدين وأنصار لهم داخل المجتمعات الإسلامية، وتوفير الدعم السياسي من خلال الضغط على الحكومات السلطوية للسماح لهم بالتحرك بحرية ودون قيود.

ومن وسائل الدعم أيضاً توسع "برامج مكافحة الإرهاب لتشمل ليس فقط محاكمة ومقاضاة المتورطين في الأنشطة الإرهابية، وإنما أيضاً التعاطي مع المصادر الحقيقية والبعيدة للإرهاب، ممثلة في إعادة هيكلة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلدان التي تمثل مصدراً رئيسياً لظهور الإرهابيين"، وذلك علي حد وصف الدراسة. وهو ما ترجم عملياً في وثيقة (إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي) التي أصدرتها الإدارة الأمريكية في سبتمبر عام 2002، والتي تبنت فكرة نشر الديمقراطية والحرية خارج الحدود الأمريكية، أو ما أطلق عليها الرئيس بوش في خطابه الشهير أوائل عام 2002 "أجندة الحرية".

مواصفات "الإسلام المعتدل"

تشير الدراسة إلى أن نقطة البدء الرئيسية التي يجب علي الولايات المتحدة البدء بها في بناء شبكات من الإسلاميين المعتدلين تكمن في تعريف وتحديد هوية هؤلاء الإسلاميين. وفي هذا الصدد تشير الدراسة إلى أنه يمكن التغلب علي صعوبة تحديد ماهية هؤلاء المعتدلين من خلال اللجوء إلي التصنيفات التي وضعتها بعض الدراسات السابقة التي قام بها بعض باحثي معهد (راند) مثل دارسة شارلي بينارد "الإسلام المدني الديمقراطي"، ودراسة أنجل رابسا "العالم الإسلامي بعد أحداث 11 سبتمبر".

ولهذا الغرض فقد وضعت الدراسة بعض الملامح الرئيسية التي يمكن من خلالها تحديد ماهية "الإسلاميين المعتدلين"، حسب المعايير الغربية، أهمها ما يلي:

1- القبول بالديمقراطية: يعتبر قبول قيم الديمقراطية الغربية مؤشراً مهماً علي التعرف على "الإسلاميين المعتدلين"، فبعض الإسلاميين يقبل بالنسخة الغربية للديمقراطية، في حين أن البعض الأخر يقبل منها ما يتواءم مع المبادئ الإسلامية خصوصاً مبدأ "الشورى" ويرونه مرادفاً للديمقراطية.

كما أن الإيمان بالديمقراطية يعني في المقابل رفض فكرة الدولة الإسلامية التي يتحكم فيها رجال الدين، لذا يؤمن "الإسلاميون المعتدلون" بأن لا أحد يملك الحديث نيابة عن "الله".

2- القبول بالمصادر غير "المتعصبة" في تشريع القوانين: وهنا تشير الدراسة إلي أن أحد الفروق الرئيسية بين الإسلاميين "الراديكاليين" و"المعتدلين" هو الموقف من مسألة تطبيق الشريعة. فالتفسيرات التقليدية للشريعة لا تتناسب مع مبادئ الديمقراطية، ولا تحترم حقوق الإنسان، وتدلل الدراسة على ذلك من خلال مقال للكاتب السوداني عبد الله بن نعيم قال فيه إن الرجال والنساء والمؤمنين وغير المؤمنين لا يمتلكون حقوقاً متساوية في الشريعة الإسلامية.

3- "احترام حقوق النساء والأقليات الدينية": وفي هذا الصدد تشير الدراسة إلى أن "المعتدلين" أكثر قبولاً بالنساء والأقليات المختلفة دينياً، ويرون بأن الأوضاع التمييزية للنساء والأقليات في القرآن يجب إعادة النظر فيها؛ نظراً لاختلاف الظروف الراهنة عن تلك التي كانت موجودة إبان العصري النبوي الشريف. وهم يدافعون عن حق النساء والأقليات في الحصول علي كافة المزايا والحقوق في المجتمع.

4- "نبذ الإرهاب والعنف غير المشروع": وهنا تؤكد الدراسة على أن "الإسلاميين المعتدلين" يؤمنون، كما هو الحال في معظم الأديان، بفكرة "الحرب العادلة"، ولكن يجب تحديد الموقف من استخدام العنف، ومتي يكون مشروعاً أو غير مشروع؟.

وفي نهاية هذا الجزء تضع الدراسة مجموعة من التساؤلات، أشبه بمقياس للفرز بين "الإسلاميين المعتدلين"، وأولئك الذين "يتخفون وراء مقولات الاعتدال والديمقراطية كما هو الحال مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر"، على حد قول الدراسة.

هذه الأسئلة هي بمثابة اختبار لإثبات مدى اعتدال أي جماعة إسلامية من عدمه وتتمثل فيما يلي:

- هل الجماعة تتساهل مع "العنف" أو تمارسه؟، وإذا لم تكن تتساهل معه فهل مارسته في الماضي؟.

- هل الجماعة تؤيد الديمقراطية باعتبارها "حق" من حقوق الإنسان؟.

- هل تحترم الجماعة كافة القوانين والتشريعات الدولية لحماية حقوق الإنسان؟.

- هل لديها أية استثناءات في احترام حقوق الإنسان (مثل الحرية الدينية علي سبيل المثال)؟.

- هل تؤمن بأن تغيير الديانة أحد "حقوق الإنسان"؟.

- هل تؤمن بضرورة أن تطبق الدولة قانوناً جنائياً (الحدود) يتطابق مع الشريعة الإسلامية؟.

- هل تؤمن بضرورة أن تفرض الدولة قانوناً مدنياً متلائما مع الشريعة؟، وهل تؤمن بحق الآخرين في عدم الاحتكام بمثل هذا القانون والرغبة في العيش في كنف قانوني علماني؟.

- هل تؤمن بضرورة أن تحصل الأقليات الدينية على نفس "حقوق" الأغلبية؟.

- هل تؤمن "بحق" الأقليات الدينية في بناء دور العبادة الخاصة بهم في البلدان الإسلامية؟.

- هل تؤمن بأن يقوم النظام القانوني على مبادئ غير دينية؟.

حلفاء محتملون: علمانيون وليبراليون ومتصوفة

وتشير الدراسة إلى أن هناك ثلاثة قطاعات مهمة في العالم الإسلامي قد تمثل "نواة جيدة" لبناء شبكات من "الإسلاميين المعتدلين" من أجل مواجهة "المتطرفين الإسلاميين". وهذه القطاعات هي (العلمانيون والإسلاميون الليبراليون والمعتدلون التقليديون بما فيهم المتصوفة).

في ما يخص العلمانيين تشير الدراسة إلى أن التيار العلماني في العالم الإسلامي، خصوصاً في البلدان العربية، يعاني من الضعف والتهميش؛ نظراً للعلاقة الوثيقة التي نشأت بين العلمانية والنظم الشمولية. وتشير الدراسة إلى وجود ثلاثة أنواع من العلمانيين:

أولها العلمانيون الليبراليون وهم الذين يؤيدون تطبيق القوانين العلمانية في الدول الإسلامية. وهم يؤمنون بالقيم العلمانية الغربية التي تقوم على ما يسمى بـ"الدين المدني".

أما النوع الثاني من العلمانيين فتُطلِق عليه الدراسة اسم "الأتاتوركيين" نسبة إلى العلمانية التركية، التي تحرم أي مظاهر للدين في الحياة العامة كالمدارس أو الأماكن العامة. وهي أقرب ما تكون للنموذج الفرنسي والتونسي، وخير مثال على ذلك موقفهم من قضية الحجاب.

أما النوع الثالث فتطلق عليه الدراسة "العلمانيون السلطويون" وقائمتهم تشمل البعثيين والناصريين والشيوعيين الجدد.

وعلى الرغم من علمانيتهم الظاهرة إلا أن هؤلاء قد يتمسكون ببعض الرموز الدينية من الناحية الشكلية فقط من أجل كسب التعاطف الشعبي.

أما الإسلاميون الليبراليون، فعلى الرغم من أنهم يختلفون مع العلمانيين في أيديولوجيتهم السياسية، إلا أنهم يحملون أجندة فكرية وسياسية تتلاءم تماماً مع القيم الغربية، وهم يأتون من أوساط الإسلاميين التحديثين.

وترى الدراسة أن هؤلاء لديهم نموذج خاص من الليبرالية الإسلامية يتواءم مع الديمقراطية الليبرالية الغربية خصوصاً فيما يتعلق بالديمقراطية وشكل الدولة وحقوق الإنسان والتعددية السياسية.

بل الأكثر من ذلك أن موقفهم من مسألة تطبيق الشريعة "متقدم وبنّاء"، علي حد وصف الدراسة، حيث ينظرون إلى الشريعة باعتبارها منتج تاريخي وأن بعض أحكامها لم يعد يتناسب مع الوضع الراهن..

أما "الإسلاميون التقليديون" والصوفيون، تشير الدراسة إلى أنهم يشكلون الغالبية العظمى من سكان العالم الإسلامي، وهم يعبرون عن الإسلام المحافظ، ويؤكدون على السير على خطى السلف، والتمسك بالجانب الروحي للإسلام. وهم يعتمدون على المذاهب الأربعة في فهمهم للإسلام.

ووفقاً لهذه الدراسة فإن هؤلاء الإسلاميين من ألد أعداء الوهابيين والسلفيين الجهاديين.

هل يمكن دمج الإسلاميين؟

تشير الدراسة إلى الجدل المحتدم في الولايات المتحدة وأوروبا حول الموقف من دمج الإسلاميين في العملية السياسية، والتعامل معهم باعتبارهم شركاء. وتستعرض الدراسة وجهتي نظر مختلفتين حول هذه المسألة.

الأولي تتبنى الدمج وتقوم على ثلاث حجج، أولها أن الإسلاميين يمثلون البديل المحتمل للنظم الشمولية في العالم الإسلامي خصوصاً في العالم العربي.

ثانيها أن العديد من الجماعات الإسلامية تتبنى أجندة ديمقراطية تقوم على احترام التعددية وحقوق الأقليات كما هو الحال مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية.

ثالثها، أن هؤلاء الإسلاميين الأكثر قدرة على مواجهة "الخطر الراديكالي الذي يمارس العنف والإرهاب"، وهم أقدر على ذلك من رجال الدين التقليديين.

في حين تقوم وجهة النظر الأخرى التي تعارض دمج الإسلاميين ومعاملتهم كشركاء على ثلاث حجج، أولها عدم التأكد من أن خطاب الإسلاميين بشأن موقفهم من الديمقراطية يعبر عن موقف تكتيكي أم استراتيجي. وما إذا كانوا سيقبلون بمبدأ الفصل بين الدين والدولة، وما إذا كانت فكرة الدولة الإسلامية لا تزال تهيمن علي مخيلتهم أم لا؟.

ثانيها، إنه ربما يقوم هؤلاء الإسلاميين، على المدى القصير، بدور فعال في مواجهة الجهاديين، وهو ما قد يفقدهم المصداقية أمام الشعوب، وتكون مواجهتهم مرتفعة الثمن في المدى الطويل.

وثالثها، أن أفضل طريق للتعاطي مع هؤلاء الإسلاميين يكون فقط من خلال تقوية شبكاتهم وجعلهم نداً لغيرهم من الجماعات قبل الحديث عن شراكة وتحالف معهم.

وتخلص الدراسة في هذا الجزء إلى أن خمسة فئات يجب دعمها في العالم الإسلامي وهي، فئة الأكاديميين والمفكرين الليبراليين والعلمانيين، وفئة الشباب من رجال الدين وفئة نشطاء المجتمع المدني، وفئة الناشطين في مجال حقوق المرأة، وفئة الكتاب والصحفيين والإعلاميين.

توصيات الدراسة

في نهاية الدراسة يشير الباحثون إلى مجموعة من التوصيات التي يجب على الولايات المتحدة الالتفات إليها ويمكن إيجازها فيما يلي:

- أن تشرع الولايات المتحدة في بناء شبكات من "الإسلاميين المعتدلين"، وأن يكون ذلك جزءاً من الإستراتيجية الأمريكية الشاملة حول هذا الملف وهو ما يمكن تحقيقه من خلال وجود جهاز مؤسسي يقوم بهذا الجهد.

- يجب أن تهتم الإدارة الأمريكية من خلال مبادرة دعم الديمقراطية في الشرق الأوسط ببناء علاقات مع كل من العلمانيين ورجال الدين المعتدلين والمفكرين والصحفيين والناشطين في مجال المرأة.

- وضع برامج محددة في مجالات التعليم الديمقراطي، الإعلام، جمعيات الدفاع المدنية.

- عقد ورش عمل ودورات "للمعتدلين" والليبراليين والاستماع إلى أفكارهم.

- بناء شبكة دولية لربط الليبراليين و"المعتدلين الإسلاميين" حول العالم ووضع برنامج محدد لتطوير أدواتهم وإمكاناتهم.

هل تدعم أمريكا "تجديد الإسلام"؟

تحت عنوان (السياسة الخارجية الأمريكية والتجديد الإسلامي) أصدر (معهد السلام الدولي) – في 2006م- دراسة حول دور الولايات المتحدة في وضع إطار يساهم في تحديد طبيعة المناقشات والجدل الدائر الآن داخل المجتمعات الإسلامية بين ما يسمى بالتيارات "السلفية الأصولية"، و"تيار التجديد الإسلامي".

تحاول الدراسة لفت نظر واشنطن إلى أن الحركات الإسلامية المعتدلة في أنحاء العالم، أو ما سمي في البحث "حركة التجديد الإسلامي" تمثل تياراً كبيراً مقبولاً في المجتمعات الإسلامية. وتتمثل أهمية هذه الحركة بالنسبة للولايات المتحدة في امتلاكها عناصر القدرة على دفع عملية "الإصلاح والتطور"، إضافة إلى محو وكشف "التطرف الديني الذي ساعد على انتشار الكراهية والمشاعر السلبية داخل البلدان الإسلامية تجاه الثقافة الغربية بمجتمعاتها المختلفة".

وهنا أهم النقاط التي تضمنتها الدراسة – حسب موقع (تقرير واشنطن) - علاوة على التوصيات التي أعدها المؤلف لتحسين مضمون السياسة الأمريكية لمكافحة ما وصفه "التطرف الديني بالعالم الإسلامي".

التعريف الأمريكي لحركة "التجديد الإسلامي"

إذاً السؤال الذي يطرح نفسه هنا يتمحور حول ماهية تلك التيارات المعتدلة التي يتحدث عنها الكاتب وطبيعتها؟. طبقاً للدراسة تتكون حركه "التجديد الإسلامي" من الأفراد والمؤسسات التي تهدف إلى استعاده التراث الإسلامي من العلماء التقليديين التابعين للحكومات والأنظمة السياسة بالدول الإسلامية، وما أسمته الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تقتصر أهدافها على "رفع راية التعصب والعنف، والحركات الأصولية التي تحاول استغلال العملية الديمقراطية لإنشاء نظام سياسي غير حر مبني على مفاهيم ضيقة الأفق تحت شعار الإسلام وتطبيق شريعته فقط".

ورغم أن معظم الأفراد والمؤسسات المنسوبين إلى حركة التجديد لا تجمع بينهم أي رابطة تشمل من قريب أو بعيد بصلات رسمية مباشرة، إلا أننا نلاحظ – كما تقول الدراسة - تجمع جهودهم تحت حزمة أهداف واحدة، ومن أهمها تحديث المبادئ والقيم والمؤسسات الإسلامية لتتلاءم مع العالم الحديث، مع الاعتراف في الوقت نفسه بأهمية الإسلام كمرجع ثقافي ضروري. ولذا تحمل حركة التجديد الإسلامي أمل الإصلاح السياسي من خلال رؤية تحديثية إسلامية متسامحة ومتماشية مع تحديات العصر والتراث التاريخي الحي. وتحث الدراسة الولايات المتحدة على ألا تتجاهل في سياسيتها تجاه العالم الإسلامي هذا العنصر المهم المتمثل في الجماعات والاتجاهات الإسلامية "الإصلاحية المعتدلة"، حيث أن تحقيق أهداف السياسة الأمريكية يتمثل في ضرورة نجاح حركة التجديد الإسلامي ونصرها في المعركة ضد "التطرف والتعصب الديني والخمول السياسي".

التجديد الإسلامي وفرصة "قيّمة" للسياسة الأمريكية

تقول الدراسة إن حركة "التجديد الإسلامي" تحمل فرصة ذهبية لتحسين سمعة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي ووضعها في منطقة الشرق الأوسط، حيث أن دعم "الإصلاح" ومواجهة الفكر "المتطرف" عن طريق التعاون مع حركة "التجديد الإسلامي" يعطي جهود دعم الإصلاح التي تبذلها الولايات المتحدة مصداقية كبيرة. وتمثل هذه الخطة بديلاً مثالياً للخيارات الأخرى مثل سياسات تغيير الأنظمة، والتعاون الأمني مع الحكومات الاستبدادية، أو دعم الديمقراطية من خلال مفاهيم غربية علمانية غريبة على الثقافة السياسية بالعالم الإسلامي.

ويضيف كاتب الدراسة أنه لا شك في أن الترابط بين الإسلام والسياسة أمر واقع، يجب أن تتقبله الولايات المتحدة عاجلاً أو آجلاً. ولكن التساؤل يبقى، أي رؤية إسلامية ستنتصر في الصراع الجاري بين "التطرف والتحديث"، "رؤية التشدد والتعصب الديني أم رؤية التسامح والمساواة والتطور"؟، هذا صراع يمكن أن يحسم لصالح الرؤية الأخيرة إن ساندت السياسة الأمريكية مؤيدي التجديد الإسلامي.

توصيات لصناع القرار الأمريكي

وفي ضوء ما سبق، طرحت دراسة معهد السلام الدولي عدة توصيات لترميم السياسة الأمريكية تجاه العالم الإسلامي ومواجهة ما وصفته بخطر "التطرف الديني"، وتتمثل أهم نقاطها في:

1- إنشاء منظمة مستقلة تحت اسم (المؤسسة الإسلامية العالمية) لتعزيز السلام والتنمية والرخاء والانفتاح بالمجتمعات والدول الإسلامية.

2- توفير منح خاصة للجماعات الأمريكية لدعم البحوث والدراسات التي تبرز الأعمال والأفكار "الإسلامية التحديثية".

3- مشاركة الأحزاب الإسلامية على أساس معياري، وتركيز الحوار على القضايا السياسية المهمة مثل حرية الرأي والتعبير، حقوق المرأة والأقليات بدلاً من الانشغال الزائد بمسألة الانتخابات الحرة.

4- التأكيد على ضرورة الإصلاحات المعنية بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والدينية المهمة.

5- إعادة صياغة هيكل وجهود برامج كل من الدبلوماسية العامة ودعم الديمقراطية والمعونات لتحسين وضع حركة الإصلاح والتجديد الإسلامي.

6- النظر في دعم المؤسسات الخيرية ذات الهوية الدينية التي من الممكن أن تساعد على تقوية "الاعتدال الديني" بالعالم الإسلامي.

دراسة أمريكية: "الإسلام المعتدل" هو الحل الوحيد

وقريب من الطرح الذي جاءت به دراسة (راند) السابق ذكرها أصدر (معهد أمريكان إنتربرايز) الأمريكي المتطرف دراسة تحت عنوان (محاولة للبحث عن الإسلاميين المعتدلين) نُشرت في مجلة (كومنتري) الأمريكية في فبراير 2008م، وقد نشر موقع (تقرير واشنطن) ملخصاً لها:

ما هو الإسلام المعتدل وأين نجده؟

تشير كلمة "معتدل" إلى كمية أو درجة أقل من الشيء. فعلى سبيل المثال فإن اليساري المعتدل، ليس بعيد جداً عن اليسار. فهل "المسلم المعتدل" ليس مسلماً تقياً ورعاً؟.

أخذْ الأمر على هذا النحو يعني الإقرار بأن الإسلام يتناقض مع الغرب. وأن القضية هي الكراهية الشديدة. وبذلك يمكن أن نقبل ضمناً أن الإرهاب هو نتيجة طبيعية للولاء التام للعقائد الإسلامية وهو القياس الذي من المفترض أن نرفضه حسبما أشارت الدراسة.

وتحاول الدراسة النفاذ إلى فكرة "الإسلام المعتدل" عبر طرح قناعات جديدة لتثبيت المعايير الغربية لـ"الإسلام المعتدل" التي لا تختلف في الأصل عن المعايير التي وضعتها دراسة (راند)؛ كون هذه المعايير تنبع من مصدر فكري غربي واحد. حيث تقول الدراسة: "إذا كانت معركتنا ضد الإرهاب تقوم على أن المسلمين يجب أن يصبحوا أقل إيماناً وتقوى، فإن فرص النجاح ستكون ضئيلة وسيئة. ما نريده لا يتعلق بحماس المسلمين لقناعاتهم الدينية وإنما يتركز على أرضية قبول أو رفض التعددية".

وفي إطار الإجابة على تساؤل "أين نجد الإسلام المعتدل؟" أشارت الدراسة إلى أربعة مجموعات من المسلمين المعتدلين:

المجموعة الأولى:- تشمل المواطنين العاديين في البلدان الإسلامية الذين يمارسون شعائر دينهم دون أن تتمركز السياسة في حياتهم. ولا يشاركون في أعمال العنف، وفي الغالب لا يدعمونها.

المجموعة الثانية:- "المعتدلون" وتشمل الأنظمة، حيث يتضمن "الاعتدال" التحالف مع الغرب.

المجموعة الثالثة:- تضم ليبراليين علمانيين يتعاطفون مع القيم السياسية والثقافية للغرب..

المجموعة الرابعة:- تضم مجموعات متنوعة من الإسلاميين الذين يصفون أنفسهم بأنهم ضد العنف.

وترى الدراسة أنه على الرغم من أهمية المجموعتين الأولى والثانية فإنهما لا تلعبان دوراً مهماً في محاربة "الإرهاب". وربما يوجد بين المجموعتين الثالثة والرابعة مصادر قوة جديدة في هذه الحرب حيث يُعتبر الليبراليون العلمانيون المجموعة ذات الصلة الأكبر بالديمقراطية والقيم الغربية. وتضيف الدراسة أنه لسوء الحظ، لا تحظى وجهات نظرهم بالولاء، خصوصاً عندما تقف ضد قوة الحركات الإسلامية الصاعدة والمتزايدة بقوة. ويتضح ذلك في مصر وفي السلطة الوطنية الفلسطينية (خسارة فتح في انتخابات 2006م لصالح حماس).

دعوة أمريكية لدمج الإسلاميين

وفي عام 2007م أصدر (معهد السلام الأمريكي) دراسة حول "الإسلام المعتدل".

عنوان الدراسة (دمج الإسلاميين وتعزيز الديمقراطية. تقييم أولي). وهي عبارة عن محاولة أولية لتقييم الجهود الأمريكية المبذولة في إطار تعزيز ودعم الديمقراطية في البلدان العربية.

وهنا تقرر الدراسة ابتداءً أن معركة الولايات المتحدة مع تيارات العنف والتطرف لابد وأن تتم من خلال دعم وتقوية عمليات التحول الديمقراطي في العالم العربي، حتى وإن أدى ذلك إلى صعود الإسلاميين "المعتدلين"، بل تؤكد الدراسة على ضرورة دعم هؤلاء الإسلاميين باعتبارهم حائط الدفاع الأول في مواجهة المتطرفين والمتشددين. لذلك تطالب الدراسة بضرورة استمرار الولايات المتحدة في دعم الديمقراطية في الشرق الأوسط، وتعزيز دمج الإسلاميين في الحياة السياسية العربية. وهي بذلك تخالف الرؤية التي جاءت في دراسة مؤسسة (راند) التي تعارض فكرة دمج الإسلاميين في العمل السياسي.

ومن النظرية إلى التطبيق تتناول الدارسة ثلاث حالات عربية، ترى أن دعم الولايات المتحدة لتجاربها الديمقراطية سوف يكون له مردود كبير في المستقبل، وهى حالات المغرب والأردن واليمن، وهي "تمثل حالات واعدة يمكن للولايات المتحدة البناء عليها لكسب "معركة الأفكار" في العالم العربي".

أمريكا وحتمية دمج الإسلاميين

تخلص الدراسة إلى عدة نتائج، تتمثل في ضرورة إصرار الولايات المتحدة على دمج الإسلاميين في المعادلة السياسية، وفي هذا الإطار تحدد الدارسة النقاط التالية كاستخلاصات عامة:

- تزداد فرص دمج الإسلاميين كلما زادت درجة التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي، حيث يكون المناخ مفتوحاً أمام جميع القوي السياسية من مختلف التوجهات الإيديولوجية للمشاركة والتدافع السلمي.

- أنه في كل مرة تدعم الولايات المتحدة التحول الديمقراطية تزداد الشراكة بين داعمي الديمقراطية من مؤسسات ومنظمات أمريكية والفصيل الإسلامي في البلدان العربية، ما يعني ضرورة دعم الديمقراطية بشكل متواصل.

- تمثل الأحزاب الإسلامية "المعتدلة" عنصراً حاسماً في الإستراتيجية الأمريكية لنشر الديمقراطية في العالم العربي؛ نظراً لما تمتلكه هذه الأحزاب من حضور شعبي قوي، وبرامج سياسية واضحة ومؤثرة.

- إن أية إستراتيجية أمريكية لدمج الإسلاميين لابد وأن تراعي السياق السياسي والاجتماعي، ومعرفة دور الدين في حياة المجتمعات والشعوب.

ثم تختتم الدراسة بوضع توصيات لصانع القرار الأمريكي، تتمثل فيما يلي:

- ضرورة توفير أدوات بحثية واستقصائية لقياس درجة تطور الإسلاميين ومقدار تحولهم نحو "الاعتدال"، والتعرف على توجهاتهم الفكرية والسياسية.

- ضرورة دعم العمل المؤسسي والقانوني الذي يوفر بيئة "جيدة" لدمج الإسلاميين في الحياة السياسية.

- ضرورة مد مجالات دمج الإسلاميين كي تشمل الجوانب الاجتماعية ودعم شبكة العمل الخيري في النقابات والجمعيات الأهلية.

نكتفي بهذا القدر من الدراسات الأمريكية، ونستعرض فيما يلي بعض التحليلات والآراء حول الإسلام الذي تريده أمريكا والغرب.

الإسلام الليبرالي: لماذا تريده أمريكا الآن؟

يرى الكاتب محمد إبراهيم مبروك – من وكالة الأخبار الإسلامية – أنه منذ سقوط الاتحاد السوفيتي وتأهب أمريكا للسيطرة الكاملة على العالم رأى منظروها أن العقبة الأساسية التي تعترض هذه الخطة هي الإسلام؛ لأنه يملك الأيديولوجية الوحيدة التي تستطيع أن تتصدى للمنظومة الرأسمالية الليبرالية البراجماتية التي تقود أمريكا.

حيث يقولون إن مشكلة أمريكا هي مع الإسلام نفسه وليست فقط مع الجماعات المنطلقة منه أو على حد قول هنتنجتون في كتابه (صدام الحضارات): "أن المشكلة لا تتعلق فقط بالإسلاميين الأصوليين وإنما بالإسلام نفسه".

ويحدد فوكوياما هذه المشكلة في تصادم الإسلام مع مبدأ العلمانية الذي تحتم فرضه السيطرة العالمية للنظام الرأسمالي؛ وذلك لتفريغ المجتمعات من القيم الخاصة بها وهو الأمر الذي يتطلبه هذا النظام لتصبح قيم السوق النفعية هي القيم الوحيدة الحاكمة.

ويقول الكاتب: ومن ثم تمثل الحل الأمريكي إما في القوة العسكرية وإما في تأويل الإسلام بالطريقة التي تفرغه من مضمونه الذي يتناقض مع العلمانية، فالعلمانية في فحواها الأخير هي الاقتصار على العقل البشري وخبراته في تصور حقائق الوجود وتصريف شؤون الحياة وهو الأمر الذي يعني التصادم الحتمي مع الإسلام، حيث إن مرجعيته في النصوص المقدسة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم.

ومن ثم لزم تفريغ الإسلام من قواعده الأساسية ليتوافق مع هذه العلمانية تحت مسمى الإسلام الليبرالي، فالإسلام الليبرالي هو الإسلام المفتوح للتوافق مع كل المفاهيم والقيم الغربية، أي الإسلام المتوافق مع العلمانية والديمقراطية والعلاقات التحررية بين الرجل والمرأة وقواعد حقوق الإنسان الغربية والمصالح الأمريكية النفعية والذي يمكن أن يتوافق مع كل شيء في الوجود إلا مع حقائق الإسلام نفسه.

ولقد كانت الخطوات الأمريكية متقدمة في هذا الموضوع فقد أعلن عالم السياسة الأمريكي ليونارد بياندر نظريته عن الإسلام الليبرالي في كتابة (الليبرالية الإسلامية) عام 1988م: "بغير تيار الليبرالية الإسلامية فإن الليبرالية السياسية لن تنجح في الشرق الأوسط".

ثم جاء عالم السياسة الأمريكي وليم بايكر عام2003 م ليكتب عن الإسلاميين المستقلين الليبراليين تحت عنوان ذي مغزى هو (إسلام بلا خوف).

أما التنظير الأكبر في هذا الموضوع فيتمثل في التقرير الإستراتيجي لشيرلي برنار العامل بلجنة الأمن القومي بمؤسسة راند المعروفة بصلاتها بالمخابرات الأمريكية عن الإسلام المدني الديمقراطي عام 2003م.

ويرد بقوله: ومن السذاجة اعتقاد أن المخططات الأمريكية على قناعة بقدرة هؤلاء على إيجاد بديل للفكر الإسلامي الحقيقي متمثلاً في الإسلام الليبرالي، وإنما المقصود فقط هو صنع الخلخلة اللازمة لنفاذ الفكر العلماني البراجماتي الأمريكي إلى الجماهير ومن ثم فإن شخصيات الإسلام الليبرالي - التي كان يطلق عليها من قبل شخصيات الفكر الإسلامي المستنير - تستخدم من قبل المخططات الأمريكية كخيال يمكن الإشارة إليه على أنه تعدد الآراء في الإسلام ومن ثم إثارة البلبلة والفوضى التي يبنى عليها العلمانيون حجتهم في شرعية فرض أفكارهم برضى جميع الأطراف، وإن كان في الحقيقة ضد جميع الأطراف.

راند والإسلام .. دلائل الفشل الأمريكي

أما الكاتب وليد نور- من مفكرة الإسلام – فقد تحدث عن دراسة (راند) قائلاً إن الدراسة أثارت صخبًا واسعًا بين النخب الإسلامية، وسارع الكثيرون إلى دق ناقوس الخطر مما هو آتٍ من قِبل أمريكا.

وتساءل: هل تستحق تلك الدراسة كل هذه الضجة؟، أم أنها ليست سوى دليل آخر من دلائل الفشل الأمريكي في الحرب مع الإسلام.

ويخلص الكاتب إلى أن هدف الدراسة هو ما أخبرنا به الله ـ عز وجل ـ في كتابه الكريم حيث قال: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}.

إلى أن قال: هكذا لم يجد تقرير (راند) بُدًّاً من أنْ يكشف عن حقيقته، ويعلنها صراحةً أنّ الصراع مع العالم الإسلامي هو بالأساس "صراع أفكار".. هكذا سار تقرير مركز (راند) كاشفًاً عن أهدافه ومراميه، وإن كان البعض يذهب إلى التضخيم من الخطر الذي يحمله التقرير من توصيات؛ إلا أننا نُدركُ أنّ هذا الدين منصور بوعد الله ـ عز وجل ـ يقول تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.

الخلاصة

مما سبق ذكره وغيره كثير هو أن الغرب يدرك أن مواجهة الإسلام بشكل مباشر لا يكفي ولن ينجح؛ ولذلك سلك طرقاً أخرى لن يتوقف العمل عليها، بدأً بالتغلغل والغزو الفكري والثقافي، مروراً بمحاولات إيجاد صيغ أخرى أو نسخ أخرى لدين إسلامي يرضونه ولو في الظاهر.

ووضعوا لهذا الأمر معايير منهجية غربية أشبه بوحدات قياس أو وزن يحددون بموجبها من هو المسلم المقبول ومن هو مرفوض.

ويساعدهم على بل ويشجعهم هو وجود بعض المسلمين (وكذلك بعض الإسلاميين) من يتقبل هذه الأطروحات الغربية، ويبني على أساسها رؤيته الفكرية لأنشطته المختلفة.

ولا شك أن هذا التوجه سيقود إلى مزيد من الانشقاق والانقسام والصراع داخل المجتمعات الإسلامية نتيجة وجود مناهج جديدة وغريبة لا تتفق مع النهج الإسلامي.

وهذا بحد ذاته سيحقق للغرب مدخلاً آخر للغرب لبسط هيمنته على العالم الإسلامي.

ومقاومة ذلك تكون بالالتزام بالمنهج الإسلامي الصحيح كمعيار وحيد لمعرفة الحق من الباطل والغلو من الاعتدال.

................................

المصادر

- (وصفة أمريكية جديدة لبناء شبكات الإسلاميين "المعتدلين") – خليل العناني - تقرير واشنطن - العدد (103) 7 أبريل 2007م.

- (هل تدعم أمريكا تجديد الإسلام؟) - هشام سلام- - تقرير واشنطن - العدد (67) 15 يوليو 2006م.

- (دعوة أمريكية جديدة لدمج الإسلاميين) - خليل العناني - تقرير واشنطن- العدد (127) 22 سبتمبر 2007م.

- (الإسلام الليبرالي: لماذا تريده أمريكا الآن؟) - محمد إبراهيم مبروك- وكالة الأخبار الإسلامية.

- (راند والإسلام .. دلائل الفشل الأمريكي) - وليد نور- مفكرة الإسلام.

المصدر : http://www.awda-dawa.com/pages.php?ID=15873
إسم الموقع : مآساتنا و الحل عودة و دعوة
رابط الموقع : www.awda-dawa.com