سد النهضة والأمن القومي العربي
17 جمادى الأول 1435
خالد مصطفى

أعاد موضوع بناء أثيوبيا لسد النهضة وما يحمله ذلك من مخاطر عميقة على الأمن القومي المصري التي تعد قلب العالم العربي والإسلامي, الحديث مرة أخرى عن هذا الموضوع القديم والجديد في نفس الوقت والذي يتجدد الكلام حوله كلما حدث أمر جلل يهدد الأمن القومي العربي ...

 

القضية ليست مجرد بناء سد وتأثير ذلك على الحياة لأكثر من 90 مليون مواطن عربي ـ أي أكثر من ثلث العالم العربي ـ أكثر  من 95 في المائة منهم من المسلمين ولكن الأهم من ذلك  هو الموقف الذي تقفه السلطات الحالية تجاه الأزمة وموقف بقية الدول العربية والإسلامية منها....

 

لقد أعلنت أثيوبيا أنها انتهت من بناء أكثر من 32 في المائة من السد وتقوم أديس أبابا بالإعلان عن تطورات البناء بشكل واضح وصريح دون تردد أو تململ أو خوف من أي رد فعل من مصر أو من غيرها من الدول العربية رغم ما سيحمله المشروع من تهديد ضخم لحياة الملايين...

 

في حديث أولي عن مخاطر السد ذكر عدد من الخبراء أن آلاف من الأفدنة سيتم تبويرها في مصر التي ستفقد أكثر من ثلث مواردها المائية مما سيؤدي إلى دخولها في مرحلة الجفاف المائي, أضف إلى ذلك أن الكهرباء التي تنتج عن السد العالي ستنخفض بشكل كبير مما سؤثر على قطاع الكهرباء المصري والذي يعاني من أزمة طاحنة بسبب نقص الوقود وتزايد الاستهلاك..وأشار الخبراء إلى أن تأثر قطاع الكهرباء وقطاع الزراعة سيؤدي إلى انهيار اقتصادي حاد حيث يؤثر قطاع الزراعة على المحاصيل الأساسية التي يعتمد عليها السكان في غذائهم, كما تعتمد عليها الدولة في الحصول على العملة الأجنبية عن طريق التصدير,  بينما سيؤثر الانهيار في قطاع الكهرباء على الأنشطة التجارية والصناعية بشكل كبير حيث تعتمد المحلات التجارية والمصانع على الكهرباء في ممارسة نشاطها...

 

إن الأضرار المبدأية التي تحدث عنها الخبراء تثير الفزع وتهدد بانفجار اجتماعي واقتصادي في بلد يزداد فيها معدل الفقر بصورة كبيرة وتشهد توترا سياسيا ملحوظا ..يرجع موضوع بناء سد النهضة إلى ما قبل خلع الرئيس مبارك حيث كان مبارك قد قطع صلته بأفريقيا تقريبا بعد محاولة اغتياله في أثيوبيا وتوترت العلاقات بين الجانبين وترك المجال مفتوحا لدخول الكيان الصهيوني إلى أثيوبيا لإقامة مشاريع كبيرة هناك منها المساهمة ببناء السد وبعد سقوط مبارك جاء المجلس العسكري الذي ظلت يده مرتعشة بشأن القرارات الخارجية وتفرغ لإدارة شؤون البلاد والدخول في صراعات مع القوى السياسية ومحاولة كبح جماح التغيير الذي كان يريده الثوار...

 

وعندما جاء الرئيس مرسي شغلته المعارضة بالمظاهرات والاضطرابات وعملت الدولة العميقة على تعويق جميع خططه للنهوض بالدولة وعندما طلب من جميع القوى الجلوس للاتفاق على طريقة للحل تعرض للاستهزاء والسخرية وقامت المعارضة بإرسال وفد إلى أثيوبيا لإعلان أنها لاتتفق مع أي خطط يريدها النظام للتصعيد معها وهو ما شجعها على الاستمرار في البناء....

 

والآن البلاد تعيش مرحلة دقيقة مع سلطة مؤقتة أعلنت صراحة أنها فشلت في التوصل لحل مع أثيوبيا ووضح أنها لم تعد تجد أسلوبا ناجعا للتعامل مع الأزمة مما أثار غضب الشعب والتعليقات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي..الغريب أننا لم نر موقفا حاسما من الدول العربية التي لها استثمارات في أثيوبيا ولم نجد موقفا حاسما من الجامعة العربية, حتى السودان موقفها مضطرب وتميل إلى أثيوبيا أكثر وهو ما يثير الدهشة لكنه يلفت النظر لعمق الأزمة في العلاقات العربية ـ العربية من جهة والعلاقات العربية ـ الأفريقية من جهة أخرى....

 

إن التعامل مع قضية الأمن القومي العربي يتم بالقطعة ودون حسابات أو خطط أو استراتيجيات تنم عن فهم لعمق الموضوع حتى تم ترك القرن الأفريقي لأعداء العرب يعبثون فيه ويطلقون الغزوات تلو الغزوات ضدهم...إن التشتت العربي أغرى الدول حتى الصغير منها للتجاوز وعدم الاكتراث بردود أفعالهم وها نحن نرى دولة كانت مهملة في أفريقيا تناطح أكبر دولة عربية وأفريقية دون أن تكترث بالعواقب لأنها فيما يبدو تقتنع تماما بأنه لا توجد عواقب!