ماذا يحدث في موريتانيا؟!
4 جمادى الأول 1435
د. عامر الهوشان

الأحداث المتلاحقة التي تتوالى في أقصى الوطن العربي "موريتانيا" يثير كثيرا من التساؤلات وعلامات الاستفهام , فمنذ فترة ليست بالقصيرة ومحاولات المساس بهوية المسلمين لم تهدأ هناك , وحوادث النيل من مقدسات المسلمين ورموز دينهم تجري على قدم وساق , وخاصة في بداية هذا العام .
ولا شك أن وراء هذه الحوادث المتتالية أصابع تحركها وجهات تمولها وتدعمها , لا تريد الخير للإسلام , وتطمع بإثارة الشبهات حول هذا الدين ونشر بذور الإلحاد فيه , من خلال دفع بعض المأجورين أو المتهورين الجاهلين للتجرأ على الطعن برموز وثوابت هذا الدين .
وهو ما أكده الداعية الموريتاني الشيخ محمد ولد سيدي يحي – في محاضرة بثها التلفزيون الرسمي – حيث قال : "إن بعض المنزعجين من إقبال الناس على الله في البلد، باتوا يلجأون إلى أساليب قذرة من خلال استهداف الكتب داخل المساجد للتغطية على كفرهم والحادهم المرفوض من قبل الشعب الموريتاني" , كما أصدر بيانا حول جريمة تمزيق المصحف الأخيرة .
وبغض النظر عن حوادث الإساءة لمقدسات المسلمين خلال العامين الماضيين في موريتانيا , فإن الأيام الأولى من بداية هذا العام شهدت البلاد حادثة الإساءة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم , على يد شاب موريتاني يدعى "محمد ولد محمد الشيخ امخيطير" الذي نشر مقالا على الفيس بوك بعنوان : (الدين والتدين و المعلمين) أراد من خلاله إلصاق تهمة تهميش طبقته الإجتماعية الحرفية "المعلمين" إلى الدين الإسلامي , على الرغم من أن الإسلام جاء ليسوي بين جميع طبقات المجتمع , ولا أدل على ذلك من قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } الحجرات/13
بل إن دعوة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لاقت قبولا من ضعفاء أهل مكة في البداية , لكونها تسوي بين الغني والفقير والعبد والسيد والقوي والضعيف , فلا فرق في الإسلام بين بلال بن رباح وصهيب وبين عبد الرحمن وعثمان ررضي الله عنهم أجمعين , وقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر طوال مدة دعوته , وأكد عليه في نهاية حياته خلال خطبة حجة الوداع حيث قال : ( أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد إلا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى ) مسند الأمام أحمد بإسناد صحيح برقم 23536 .
وبدلا من كتابة مقال للعودة إلى تعاليم الدين الإسلامي الحنيف , والتمسك بسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف الصالح , لتخليص المجتمع من حالة الطبقية والتهميش التي تعيشها - التي يعتبر الابتعاد عن الإسلام سببها الرئيسي - تطالعنا مواقع التواصل الاجتماعي بمقال يهاجم الإسلام , ويتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بما لا يليق به , الأمر الذي يشير إلى وجود من يدفع أمثال هؤلاء الشباب لتبني أمثال تلك الأفكار المقلوبة والمغلوطة عن الإسلام .
ولم تكد تهدأ تداعيات نشر ذلك المقال على مواقع التواصل الاجتماعي , حتى فوجئ الشعب الموريتاني المسلم بما لم يحدث في تاريخه مطلقا من قبل , حيث نقلت تقارير إعلامية عن شهود عيان قيام أربعة أشخاص بدخول مسجد في حي تيارت بنواكشوط ، وتمزيقهم 4 مصاحف , ثم قاموا برميها في باحة المسجد وفي المكان المخصص للوضوء ، ما أثار موجة احتجاجات امتدت إلى مناطق مختلفة من العاصمة , وأدت إلى مقتل طالب جامعي إصابة آخرين بحروق جراء انفجار قنبلة غازية أطلقتها الشرطة على المتظاهرين الغاضبين .
وأوضح إمام المسجد - الذي تحدث لقناة شنقيط الفضائيية - : إن الجناة أربعة أوقفوا سيارتهم غير بعيد من المسجد ثم دخلوا , وكان أحدهم وهو أبيض البشرة هو من تولى تمزيق المصاحف وتدنيسها , فيما بقي الآخر وهو أسود البشرة يحرسه ويطلب منه أن يسرع في الخروج .
ومن خلال هذه التفاصيل يتبين أن الأمر مدبر , وأن هناك من يريد استمرار ظاهرة المساس بالمقدسات في موريتانيا , ونشر بذور الإلحاد في المجتمعات الإسلامية , من خلال تزايد أمثال هذه الحوادث التي تمهد لانتشاره , ناهيك عن المآرب السياسية والأيديولوجية التي يسعى البعض لتحقيقها مستغلين أمثال هذه الظروف , خاصة في ظل التوترات السياسية التي تشهدها كثير من الدول العربية والإسلامية .
وإذا كان واجب الدولة في موريتانيا ملاحقة الجناة والقبض عليهم وإنزال العقوبة الشرعية المستحقة عليهم , إضافة لمراجعة القوانين الخاصة بالمساس بالمقدسات الدينية , وإجراء التعديل المناسب على العقوبة فيها بما يناسب الحوادث المتلاحقة في البلاد , مما يكون رادعا لتكرار هذه الحوادث في المستقبل , وذلك قبل أن يستفحل الأمر ويخرج عن السيطرة , خاصة إذا علمنا أن الشعب الموريتاني بأكمله مسلم سني , ولا وجود لأي ديانة أخرى هناك .
فإن من واجب الدعاة والمفكرين المسلمين ليس في موريتانيا فحسب , بل في كل البلاد الإسلامية , توجيه الناس وتعليمهم أمور دينهم , وإزالة جميع الشبهات التي قد يثيرها أعداء الإسلام حول معتقداتهم , وذلك من خلال التركيز على ثوابت هذه الدين , وإثارة الفطرة الإنسانية السليمة التي أودعها الله في نفوسهم , في زمن أصبح شعار "حرية التعبير" بابا واسعا للنيل من مقدسات المسلمين ورموزهم .