المشي بالنعال في المقبرة
30 محرم 1437
د. أحمد الخليل

هذه المسألة تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : المشي على نفس القبور
والقسم الثاني : المشي بين القبور
والقسم الثالث : المشي في المقبرة ولكن ليس بين القبور
وفيما يلي حكم كلٍ منها :
القسم الأول : المشي على نفس القبور
وقد اختلف فيه الفقهاء كما يلي :
القول الأول:
أنه محرم وهو قول لبعض الشافعية.
واستدلوا بما يلي:
1ـ حديث جابر قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ) رواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح ، لكن الحديث أصله في مسلم بدون زيادة "وأن توطأ"
2ـ حديث أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه ، فتخلص إلى جلده ، خير له من أن يجلس على قبر) رواه مسلم.
فإذا نهي عن الجلوس عليها فكذلك الوطء لأن المعنى واحد وهو احترام أهل القبور.
3ـ حديث عقبة بن عامر قال : - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لأن أمشي على جمرة أو سيف أو أخصف نعلي برجلي أحب إلي من أن أمشي على قبر مسلم . وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق ) رواه ابن ماجه و رجاله ثقات وصححه المنذري والبصيري.
القول الثاني:
أنه مكروه وهو مذهب الأئمة الأربعة.
للأحاديث السابقة وحملوها على الكراهة.
القول الثالث:
الجواز.
وهو قول لبعض المالكية وهو غاية في الضعف لمصادمته للنصوص.
الراجح :
القول الأول.
القسم الثاني : المشي بين القبور
وقد اختلف فيه الفقهاء كما يلي:
القول الأول:
أنه مكروه وهو مذهب الحنابلة.
حديث بشير بن الخصاصية قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر على قبور المسلمين فقال لقد سبق هؤلاء شراً كثيراً ثم مر على قبور المشركين فقال لقد سبق هؤلاء خيراً كثيراً فحانت منه التفاتة فرأى رجلاً يمشي بين القبور في نعليه فقال يا صاحب السبتيتين ألقهما) وفي رواية أبي داود : (« يا صاحب السبتيتين ويحك ألق سبتيتيك ». فنظر الرجل فلما عرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلعهما فرمى بهما). أخرجه النسائي وأبو داود. وقال الإمام أحمد: (حديث بشير إسناده جيد أذهب إليه إلا من علة)
القول الثاني:
جائز وهو مذهب الحنفية والشافعية.
لحديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه فإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال انظر إلى مقعدك في النار أبدلك الله به مقعداً من الجنة ) . قال النبي صلى الله عليه وسلم ( فيراهما جميعا وأما الكافر أو المنافق فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس . فيقال لا دريت ولا تليت ثم يضرب بطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين ) متفق عليه
الجواب عليه:
- أن المقصود بالحديث المشي في المقبرة وليس على القبور أو بينها، قال في نيل الأوطار: ( سماع الميت لخفق النعال لا يستلزم أن يكون المشي على قبر أو بين القبور فلا معارضة).
- أو نقول الجمع بين الحديثين يقتضي أنه مكروه.
القول الثالث:
تحريم المشي بين القبور في النعال السبتية خاصة لحديث صاحب السبتيتين.
وهو مذهب ابن حزم وهو قول ضعيف جداً وفيه جمود.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: ( وأغرب ابن حزم فقال يحرم المشي بين القبور بالنعال السبتية دون غيرها وهو جمود شديد).
القول الرابع:
التحريم مطلقاً .
وهو مذهب الشوكاني.
لحديث صاحب السبتيتين.
الراجح :
القول لأول، والقول بالتحريم قوي لقوله في الحديث :(فرأى رجلاً يمشي بين القبور) .
لكن لم يذهب إلى هذا أحد من المتقدمين فالظاهر أن الإجماع قبل الشوكاني على خلافه.
القسم الثالث : المشي في المقبرة ولكن ليس بين القبور
هذا القسم لم أقف على من نص عليه من الفقهاء ولكن يفهم من كلام بعض أهل العلم كالحافظ في الفتح والشوكاني في النيل.
كما يدل عليه تصرف الفقهاء فهم يتكلمون عن صورتي المشي على القبور وبينها فقط فيفهم منه الصورة الثالثة وهي المشي في المقبرة بعيداً عن القبور.
وحكم هذه الصورة ظاهر إن شاء الله وهو الجواز لحديث أنس.
والله تعالى أعلم