أنت هنا

ومن ذا سيذكر الأقصى الآن؟!
29 ربيع الثاني 1435

مؤلم أشد الألم أن نطرح هذا السؤال.. فأكبر المصائب التي يبتلى بها المسلمون اليوم لا ينبغي أن تشغلهم عن الأقصى، لذا فإن مجرد طرح التساؤل هذا مزعج، لكن ماذا عسانا أن نفعل إذا كان هذا هو جوهر ما يدور في أذهان الصهاينة هذه الأيام وهم يناقشون ضرورة فرض السيادة "الإسرائيلية" على الأقصى بدلاً عن الأردنية!

 

القصة بدأت، لا بل تواصلت، بدعوة موشيه فيجلين النائب بالكنيست الصهيوني عن حزب الليكود إلى فرض السيادة "الإسرائيلية" على الأقصى وإلغاء السيادة الأردنية عليه.. الكنيست استجاب لنقاش مقترحه، وأخذ الأمر على محمل الجدية والاستعداد، ما حدا بالبرلمان الأردني إلى الدعوة إلى طرد السفير الصهيوني في عمان.

 

فيجلين قال: "إن الأقصى لليهود وعلى العرب الرحيل الى السعودية فهناك مكانهم الأصلي، والقبة الذهبية هي المعبد اليهودي، وليست للمسلمين"! ليست هذه ترهات متطرف، لكنها على ما يبدو توطئة لما هو أفدح؛ فقواعد السياسة تخبرنا أن الضعف المزري مغرٍ بمزيد من الاستنزاف للأمة وأن ما يحيط بالأمة من مجازر واضطرابات والحرب الشاملة على إسلامها، هويتها، وشعائرها لابد أن يشغلها عن آباد كبرى كالاعتداء المتدرج على الأقصى بغية هدمه وبناء الهيكل مكانه.

 

إن المسلمين الآن يتعرضون لأقسى مستويات القهر والتدجين التي مرت على تاريخهم، ويكابدون أشد حلقات التذويب والإضعاف في العقود الأخيرة، وما يجري في سوريا وقتل الآلاف بشكل دوري هو أشد حرمة عند الله من هدم الكعبة ذاتها وليس الأقصى فقط، وكذا ما يحصل فيما سواها من بلدان المسلمين، إفريقيا الوسطى، أراكان، العراق، وتحديات اليمن ومصر والبوسنة والقرم  وتركستان.. الخ، وما يحصل من هجمة تغريبية لا توفر حتى دول الخليج وقلب العالم الإسلامي.. كل هذه المعضلات والتحديات تقلل كثيراً من الاهتمام الشعبي والرسمي والنخبوي بالأقصى وما يدبر له بما يترجم على الفور بازدياد احتمالات مضي الكيان الصهيوني قدماً في مخططاته التي تمر الآن دون مقاومة تذكر.

 

ومن يود أن يقارن فدونه اندلاع انتفاضة الأقصى أوائل القرن الحالي إثر تدنيس الهالك شارون للمسجد في زيارة لا تفرق كثيراً عن تلك التي قام بها موشيه فيجلين وعصابته منتصف الشهر الماضي، ولا يكاد أحد يذكرها، وما تلاها من اعتداءات إلى حد منع المسلمين من أداء صلاة الجمعة مثلما قال نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل المحتل الشيخ كمال الخطيب: "بينما تم السماح للمستوطنين ورجال مخابرات الاحتلال بدخوله، بمعنى أنه يحرم علينا نحن دخوله بينما يباح ذلك للمستوطنين"، إذ الأمر يتعدى مجرد ذلك، على خطورته إلى مضاعفات مقبلة يحذر منها القيادي الإسلامي، حيث ينبه إلى "أن هناك جلسات ماراثونية متواصلة بين الجماعات المتطرفة الإسرائيلية والكنيست وقيادة شرطة الاحتلال من أجل تهيئة الظروف للاقتحام، ووجود حالة تنسيق وتواطؤ بين السلطة التنفيذية والتشريعية وهذه الجماعات"، محذراً من خطورة حصول ذلك بدءًا من "عيد الفصح" اليهودي منتصف الشهر القادم حيث يستعد اليهود لـ"اقتحام كبير له ما بعده" على حد وصفه..

 

هذه مخاطر محدقة، والمقلق أنها لم تحرك لأي منظمة إسلامية أو عربية جفناً، فلا دعوة لقمة طارئة ـ على الرغم من نتائجها المخيبة الدائمة ـ ولا تصريح قوي، اللهم إلا مسكنات يتغذى عليها العدوان أكثر مما تزعجه على وجه الحقيقة واليقين.