المعاوضة على الالتزام بالإقراض
17 جمادى الثانية 1436
عادل بن عبد الله با ريان

مقدمة البحث:

الحمدُ لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد: فهذا بحثٌ بعنوان: (المعاوضة على الالتزام بالإقراض) وبيان حقيقة هذا الالتزام، وحكم أخذ العوض عليه، وقد يُلاحظ القارئ إطالتي في تحرير المصطلحات، وهذا أمرٌ أرى – والله أعلم – أنه في غاية الأهمية بمكان في البحث العلمي لا سيما في النوازل وخاصةً المعاملات المصرفية المعاصرة، وقد جاء في كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنهما- ما يؤكد ضرورة الفهم للنازلة وهو ما أعنية بتحرير المصطلحات -حيثُ جاء فيه: ((أما بعد، فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم إذا أُدليَ إليك؛ فإنه لا ينفع تكلم بالحق لا نفاذ له…ثم الفهم الفهم فيما أدلي إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة ثم قايس الأمور عند ذلك، واعرف الأمثال ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق))[1].

 

يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ معلقاً وشارحاً هذا الكتاب بقوله: (ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم:
أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علماً.
والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع ثم يطبق أحدهما على الآخر؛ فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجراً … ومن تأمل الشريعة وقضايا الصحابة وجدها طافحةً بهذا، ومن سلك غير هذا أضاعَ على الناس حقوقهم، ونسبه إلى الشريعة التي بعث الله بها رسوله)[2].

 

و المعاملات المصرفية يُحتاج فيها أكثر من غيرها لتحرير المصطلحات فيها قبل الشروع في حكمها الشرعي، فالقروض المصرفية تُسمى بـ" الودائع البنكية "، والتحويلات المصرفية تُسمى بـ " الحوالة البنكية " وغير ذلك من المصطلحات...، وأسأل الله أن يغفرَ لي ولوالديَّ ومشايخي وكافة المسلمين، كما أسأل الرب تبارك وتعالى باسمه الأعظم أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشداً.
وصلى الله وسلمَّ على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

الباب الأول: الدراسة النظرية للمعاوضة على الالتزام بالإقراض

المبحث الأول: التعريف بمفردات البحث:[ المعاوضة - الالتزام - الإقراض ]

أولاً: " المعاوضة" ومعناها والمراد بها:

المعاوضة في اللغة: من العوض، وهو: الخلف، والبدل للشيء[3].
أما في الاصطلاح الفقهي: فتعني: المبادلة بين عوضين[4].
الألفاظ ذات الصلة بهذا المصطلح: 1 – الفائدة. 2 – الربح. 3 – المصاريف. 4 – التكسب. 5 – العمولة. 6 – المنفعة. 7 – الأجرة. 8 – التكلفة الفعلية. 9 – رسم الخدمة. 10 – الرسوم الإدارية.
وهذه المفردات يطول الحديث عنها، وبيان الفرق بين بعضها البعض، والتشابه في حقيقتها، وسوف أقتصر على توضيح ثلاث مصطلحات والتي أرى أنها من الأهمية بمكان لشيوعها ولاندراج غيرها معها:

 

أولاً: (التكلفة الفعلية)، و(الرسوم الإدارية):
يوجد بما تسميه بعض المصارف بـ " التكلفة الفعلية "؛ على عمليات القرض وغيره، والملاحظ أنها اتخذت ستاراً وحيلة لإباحة الربا المحرم الملعون فاعله ومتعاطيه.
قال الدكتور عبدالله بن محمد السعيدي: (وأما العمولة والمصاريف فغاية البنوك منها أن تجعلها رافداً للفائدة، وسبيلاً للكسب من خلال تبريرها بدعوى الجهد، والعمل والخدمة، وما شابه ذلك؛ وهي دعوى ينفيها الواقع، أو أكثرها).[5]
فالقرض من عقود الإرفاق التي لا يجوز أخذ العوض عليها، ولكن لجأت بعض المصارف والمؤسسات المالية لأخذ الربا حيلةً بما أسموه بـ " التكلفة الفعلية ".
وذلك أنَّ من المتقرر عند الفقهاء – رحمهم الله - أنَّ نفقات التسليم والوفاء في عقد القرض تكون على المقترض.
جاء في الشرح الكبير:" فمن اقترض إردباً[6]- مثلاً – فأجره كيله على المقترض، وإذا رده فأجرة كيله عليه بلا نزاع ".[7]
فأجازت المصارف أخذ المبالغ الطائلة لقاء عملية الإقراض والالتزام به، بحجة " التكلفة الفعلية " أو " الرسوم الإدارية ".

 

ولذلك عدَّ الدكتور أحمد سعيد حوى ما عليه الكثير من المصارف من أخذ المبالغ على الإقراض والالتزام به باسم التكاليف الفعلية لعملية الإقراض، فمن جملة كلامه – وفقه الله -: (ووجدتُ وجهة نظر تقول: إن الفوائد المأخوذة على القروض إنما هي في مقابل رسوم إدارية ونفقات وأجور موظفين وما إلى ذلك، فإذا تبين لنا أن الواقع على خلاف هذا الطرح فإن هذا الطرح يكون من باب التحايل على الربا بإطلاق أسماء على غير مسمياتها، أو بإطلاق التبريرات التي لا تصمد أمام البحث المنصف، ومن هنا فقد عددنا هذه المسألة من صور التحايل على الربا).[8]

 

حتى أصبحَ من يقول بجواز أخذ الربا على الإقراض بحجة التكاليف الفعلية، فصارَ البعض يحتج ويتذرع بأخذ الأرباح والأجور على الإقراض والالتزام به، وتنطلق هذه الشبهة من الفوارق بين المقرض في الماضي وهو الفرد وبين المقرض في العصر الحاضر وهو المصرف وبيانُ ذلك:
تلك المظاهر هي:
1- قيام أبنية خاصة تجمع فيها النقود.
2- جلب الموظفين الفنيين للقيام بعمليات البنوك وإدارتها...
3- البنوك تتحمل نفقات المكان من بناء أو أجر وإضاءة وملفات وسجلات...
4- دفع أجور الموظفين القائمين على إدارة البنك وتصريف أموره...".[9]

 

وجهة نظر أخرى في تسويغ المعاوضة على الإقراض: قالوا إن القرض بفائدة جائز، لأن البنك يحتاج إلى نفقات، وأن الفائدة التي يحصل عليها هي مقابل لتغطية تلك النفقات.[10]
هذا هو المنطلق الذي انطلق منه القائلون بجواز الفائدة على القروض على أنها رسوم إدارية أو نفقات ونحو ذلك.
وهذا كله من باب التحايل على تسويغ الربا والعياذ بالله، وقد صدرَ قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة على جواز أخذ التكلفة الفعلية، وأنَّ كل زيادة يأخذها المصرف غير التكلفة الفعلية فهي من الربا المحرم، ونصه:
" (أ) بخصوص أجور خدمات القرض في البنك الإسلامي للتنمية:
أولاً: يجوز أخذ أجور خدمات القروض على أن يكون ذلك في حدود النفقات الفعلية.
ثانياً: كل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة، لأنها من الربا المحرم شرعا".[11]
يقول الدكتور الصادق عبد الرحمن الغرياني – وفقه الله -: " الفائدة على القرض هي الربا بعينه وتسميتها فائدة من باب تسمية الشيء بغير اسمه تحايلا على التحريم، لتألف النفس الحرام ولا تنفر منه، فإن المسلم لا يقابل الربا ولا يطيق اسمه، فإذا تلطف إليه باستعمال كلمة فائدة أصغى ونظر في الأمر، فإذا قيل له بعد ذلك: إن الفائدة هي تغطية نفقات ومصاريف قرطاسية، وليست ربا، أقنع نفسه بالإقدام عليها، ولذلك نظائر، فقد سميت الخمر مشروبات روحية...وسمي الرقص والغناء وضرب المعازف فنا، وسميت الرشوة عمولة".[12]

 

" ولا يجوز للمسلم أن يبرر لنفسه أو للآخرين استحلال هذه الفائدة على أساس أنها مصاريف قرطاسية وخدمات، فإن ذلك من لون الخداع المتقد م في تسمية الأشياء بغير أسمائها، فإن طبيعة ما يفرضه المصرف على القروض تأبى أن تكون هذه الزيادة نفقات قرطاسية وخدمات، وحالتها تحتم تصنيفها في باب الفوائد الربوية".[13]

 

والسبب في أنه لا يمكن عد هذه الزيادة في مقابل النفقات والخدمات، عدة أمور فمن ذلك:
1- لو كان ما يأخذه المصرف نفقات قرطاسية أو أجوراً لكان مقداره واحداً لا يختلف باختلاف قيمة القرض أو مدته أو الغرض منه، ولكن الملاحظ أن المصرف يأخذ مبلغاً يزيد بزيادة القرض وينقص بنقصانه ويختلف تبعا للمدة والغرض.
2- الملاحظ أن المصرف يدفع فائدة على الودائع التي يتلقاها من العملاء تختلف عن الفائدة التي يأخذها عندما يدفع أموال هذه الوديعة للإقراض، بل إن الفائدة تختلف باختلاف العميل ومركزه ومدة القرض وضماناته، فالمصرف في الواقع إنما هو تاجر نقود يهدف إلى الكسب عن طريق الربا.
3- الفائدة التي يأخذها المصرف على القروض تتكرر كل عام مادام القرض لم يسدد، فإذا كانت هذه الفائدة في مقابل نفقات ومصاريف كان ينبغي أخذها للمرة الأولى فقط.
4- إذا تأخر العميل عن السداد زادت الفائدة بزيادة القسط الذي لم يسدد، فهل هذا إلا عين الربا؟.
ولهذه الحيثيات لا يمكن إلحاق الزيادة التي يتقاضاها المصرف بالنفقات والأجور وإنما هي من الفائدة الربوية.[14]

 

ثانياً: لفظ (العمولة):
من الألفاظ المشاعة لاستحلال الربا والتحايل عليه في مسائل الإقراض لفظ:(العمولة).
قال محيي الدين إسماعيل علم الدين: (والواقع أنَّ عمولة البنك قد تعتبر فائدة مستترة خاصة إذا كانت كبيرة).[15]
يقول الدكتور سامي حمود – رحمه الله -: "فإذا انتقلنا إلى نطاق الفكر الإسلامي فإننا نرى أن المدخل المقبول للعمولة كأجر معتبر هو ارتباطها بوجود خدمة فعلية، أو منفعة مقصودة ومتقومة في النظر الشرعي...على أن هذه النظرة في اعتبار العمولة أجراً لا يجب أن تؤخذ على إطلاقها، ما دام الأمر متصلاً بالإقراض المقصود،لئلا تكون العمولة مجرد ستاراً للربا تحت هذا الاسم أو ذاك"[16]
ثم قال – رحمه الله -: (" ثم إذا قيل بأن عمولة المصرف هي أجره المتفق عليه نظير قيامه بتنظيم العقود وفتح الحساب وعد النقود المدفوعة كقرض، فبماذا يمكن تبرير حق المصرف باستيفاء العمولة في السنة التالية حيث يكون العقد قد نظم وانتهى أمره، ويكون الحساب قد فتح، والمبلغ قد قبض؟.

 

إن المسألة لا تتحمل أي تبرير إلا أنها عائد الربا، ولو سميت عمولة وقيدت في سجلات المصرف كذلك".[17]
وأما قضية النسبة في العمولة فقد نقل الدكتور السالوس عن الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية عدم الجواز حيث جاء فيها: " كما أن استحقاق البنك للأجر نظير قيامه بأعمال إعداد العقد... ينبغي أن يكون على أساس مبلغ مقطوع، وليس على أساس نسبي من قيمة القرض، ذلك لأن الجهد الذي يبذله البنك في إعداد القرض لا يختلف باختلاف قيمة القرض"[18].
فإذا نظرنا إلى واقع العمل المصرفي في المصارف الربوية وكيفية تقاضي العمولة على القروض، وكيفية احتساب الفوائد على القروض، والتي يدخل في مكوناتها عنصر العمولة،أدركنا أن هذه التسميات التبريرات ما هي إلا نوع من التحايل على الربا الحرام[19]

 

ثالثاً: لفظ (الفائدة):
الفائدة: هي المبلغ الذي يدفعه مالك رأس المال إلى من اقترض منه، أو قيمة الخدمة التي يقدمها رأس المال خلال مدة معينة تدعى بشكل عام فائدة، أو هي مردود رأس المال المقرض، إذا للفائدة عناصر ثلاثة ترتبط بها: القرض ورأس المال والمردود.
وقد بينَّ الدكتور سامي حمود – رحمه الله - أنَّ هناك فارقاً بين العمولة والفائدة حيث قال: " تختلف العمولة مع الفائدة من ناحية ما تشتبه به مع الأجر ولا سيما أن المصارف تتقاضى عمولتها – في مجال الإقراض المقصود وبالنسبة للاعتماد المصرفي بالذات – بشكل مجرد عن استعمال القرض وسحب النقود كلها أو بعضها , فالمصرف عندما يتفق مع العميل على فتح الاعتماد لصالح الأخير فإنه يستوفي عمولة على كامل قيمة الاعتماد (وهي عادة قد تصل إلى 1% في المتوسط) سواء استعمال المقترض هذا الاعتماد، أم لم يستعمل منه شيئا، فإذا قام العميل بسحب أي مبلغ من أصل الاعتماد المفتوح له، فإن المصرف يستوفي عندئذ – عدا العمولة – الفائدة المتحققة على المبلغ المسحوب".[20]

 

وبناءً على سياق هذه المصطلحات أخلصُ إلى الآتي:
أولاً: القرض من عقود الإرفاق – كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى - فلا تجوز فيه الزيادة المشروطة، ولو سميت بغير اسم الربا؛ فالعبرة بالحقائق الشرعية لا بالخدع الشيطانية.

 

ثانياً: يجوز أخذ المقرض من المقترض نفقات الوفاء والتسليم.
ثالثاً: نظراً لكثرة التلاعب والتوسع بل والتحايل على الربا الصراح، فأرى توحيد فتوى جماعية في كل بلد لتوحيد التكلفة الفعلية والتي من شأنها أن لا يحصل المصرف على أرباح لقاء قيامه بعملية الإقراض، يقول الدكتور عبدالله العمراني – وفقه الله -: (وعلى ذلك فلا أرى أن يكون تحديد التكلفة الفعلية من قبل المصرف المصدر للبطاقة، وإنما على المؤسسات المالية الإسلامية أن تتبنى معيارا لتحديد التكلفة الفعلية يحد بشكل جماعي، أو من قبل جهة محايدة موثوقة، حتى لا يطرأ عليه شبهة الزيادة الربوية المستترة في التكلفة الفعلية).[21]

 

رابعاً: هناك أمور لا علاقة لها مطلقاً بالتكلفة الفعلية وإنما أُدرجت بها تحايلاً على الربا الصراح، ومن ذلك: تكاليف احتمال الديون المعدومة أو المتعثرة، أو تكاليف احتمال التزوير،احتمال المخاطرة، أو فقد إيراد الاستثمار البديل، ونحوها.
خامساً: بالنسبة للعمولة التي يأخذها البنك لقاء عملية الإقراض من المقترض إذا كانت من باب الإجارة فإنه لا يختلف بالنسبة لألف ريال عن مليون ريال، ولكن البنوك عادة تحدد النسبة للمبالغ وليس للمجهود، فإذا كان الأجر إنما هو للمجهود الذي بذل فهذا يمكن أن يكون حلالاً، أما إذا كان للمبلغ والتأجيل فإن هذا يدخل في الربا ".[22]

 

ثانياً: الالتزام، معناه والمراد به:
الالتزام لغةً: الالتزام والإلزام مصدرهما مادة واحدة "لزم" فالإلزام في اللغة بمعنى الثبوت والوجوب، فيقال لزم الشيء يلزم لزوما ثبت ودام، ويتعدى بالهمزة فيقال: ألزمته أي أثبته وأديته، ويقال ألزمه به. ولزمه المال وجب عليه.
ولزمه الطلاق وجب حكمه، وهو قطع الزوجية، وألزمته المال والعمل وغيره فالتزمه. وألزم فلانا الشيء: أوجبه عليه[23]. والالتزام في اللغة بمعنى إرادة شغل الذمة بشيء، التزم الشيء أو الأمر: أوجبه على نفسه، والتزمته اعتنقته فهو ملتزم. والتزمته بمعنى جعلته في عنقي[24].

 

أما عند الفقهاء:
فقد وردت لفظة (الالتزام) في كتب الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، وإن لم يوردوا تعريفاً لها[25].[26]
باستثناء الحطاب المالكي[27]حيث عرفها لغة ثم عرفها اصطلاحاً، فقال: " وأما في عرف الفقهاء: فهو إلزام الشخص نفسه شيئاً من المعروف مطلقاً أو معلقاً على شيء، بمعنى: العطية، وقد يطلق في العرف على ما هو أخص من ذلك،
وهو: التزام المعروف بلفظ الالتزام،وهو الغالب في عرف الناس اليوم".[28]
والمقصود بالمعروف هنا: هو الأمر الجائز شرعاً.[29]
وقد عرفه المتأخرون بتعريفاتٍ كثيرةٍ[30]يقرب بعضها من بعض، أختار منها تعريفاً واحداً هو: تعريف الزرقاء – رحمه الله – فقد عرفه بأنه:" كون الشخص مكلفاً شرعاً بعمل أو امتناع عن عمل لمصلحة غيره".[31]
ويمكن الخلوص بتعريف مختصر يحقق المقصود فنقول الالتزام هو:[ إيجاب المكلف المختار على نفسه شيئاً لم يكن قد وجبَ عليه ].[32]

 

الألفاظ ذات الصلة بمصطلح " الالتزام ":
1 – العقد.
2 – الوعد.

 

أولاً: مصطلح " العقد " والعلاقة بين " الالتزام " و" العقد ":
يمكننا معرفة الفرق بين " العقد " و" الالتزام " بعد تعريف العقد:
العقد في اللغة: قال ابن فارس: " العين والقاف والدال أصلٌ واحد يدل على شد وشدة وثوق، وإليه ترجع فروع الباب كلها ".[33]

 

العقد في الاصطلاح: له معنيان:
المعنى الأول: معنى عام: ويشمل جميع الالتزامات الشرعية، أو غير الشرعية كالبيع والإجارةمما كان نتيجة اتفاق بين طرفين كالبيع والإجارة ونحوهما، ويشمل كذلك ما كان نتيجة إرادة شخص واحد أراد أن يلزم نفسه بالتزام سواء كان شرعي كاليمين أو الوقف أو الإعتاق، أو غير شرعي كفعل أمرٍ من المباحات أو تركه.
ويمكن تعريف العقد بمعناه الشمولي فيقال: (التزام من طرف أم طرفين، وسواء أكان مع الله سبحانه وتعالى، أم مع الآدمي، وسواء كان بالقول أم بالفعل، وسواء أكان العقد مالياً أم غير مالي).[34]
وعرفه بعضهم مختصراً فقال: (كل تصرف قولي ينشأ عنه حكم شرعي، سواء أكان من طرفين أم من طرف واحد).[35]
وذلك لأنَّ العقد في أصله يدل على العزم على أمرٍ والالتزام به سواء أكان من طرف واحد أم من طرفين، ويؤيد ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)[المائدة: 1].

 

قال العلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله - في تفسيره على هذه الآية: (هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان بالوفاء بالعقود، أي: بإكمالها، وإتمامها، وعدم نقضها ونقصها. وهذا شامل للعقود التي بين العبد وبين ربه، من التزام عبوديته، والقيام بها أتم قيام، وعدم الانتقاص من حقوقها شيئا، والتي بينه وبين الرسول بطاعته وإتباعه، والتي بينه وبين الوالدين والأقارب، ببرهم وصلتهم، وعدم قطيعتهم.
والتي بينه وبين أصحابه من القيام بحقوق الصحبة في الغنى والفقر، واليسر والعسر، والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملات، كالبيع والإجارة، ونحوهما، وعقود التبرعات كالهبة ونحوها، بل والقيام بحقوق المسلمين التي عقدها الله بينهم في قوله: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } بالتناصر على الحق، والتعاون عليه والتآلف بين المسلمين وعدم التقاطع.
فهذا الأمر شامل لأصول الدين وفروعه، فكلها داخلة في العقود التي أمر الله بالقيام بها).[36]

 

المعنى الثاني: معنى خاص: وهو ما كان نتيجة اتفاق بين طرفين.
وقد عرفه الفقهاء – رحمهم الله – بعدة تعريفات، يطول ذكرها في هذه العجالة، ومما يحسن ذكره هنا هو ما جاء في مجلة الأحكام العدلية بأنه: (التزام المتعاقدين، وتعهدهما أمراً وهو عبارة عن ارتباط الإيجاب بالقبول).[37]
وبناءً على هذا لا يدخل في العقد بمعناه الخاص: التصرف الصادر عن إرادة واحدة كالطلاق، والإبراء من الدين، وعتق المال لعبده.

 

وبعد بيان المراد بـ " العقد " و" الالتزام " يمكننا المقارنة بينهما فيقال:
1 - العقد بمعناه العام وهو ما ألزم به المرء نفسه – مرادف للالتزام: لأن العقد بمعناه العام لا يشترط فيه ارتباط إرادتين، وإنما يمكن الاكتفاء بإرادة واحدة.
2 - العقد بمعناه الخاص – وهو: ارتباط إيجاب بقبول... الخ أخص من الالتزام: أن العقد بمعناه الخاص يشترط فيه وجود إرادتين، أما الالتزام فيوجد بإرادة أو إرادتين.[38]

 

فتلخصَّ مما تقدمَّ:
أنَّ الالتزام يرادف العقد بمعناه العام، ولكنه بالمعنى الخاص أعم من العقد، إذ يقتصر العقد بالمعنى الخاص على توافق إرادتين فقط، بخلاف الالتزام فيشمل ذلك، كما ويشمل ما نشأ عن إرادة واحدة.

 

ثانياً: مصطلح " الوعد " وعلاقته " بالالتزام ":
الوعد في اللغة يستعمل في الخير والشر: فيقال وعده الخير وبالخير وعداً وعدة، ويقال وعده بالعذاب وعيداً.[39]
والوعد في اصطلاح الفقهاء: الإخبار عن فعل المرء أمراً في المستقبل يتعلق بالغير، سواء أكان خيراً أم شراً: كمن وعد غير بقرض حسن، أو وعد غيره بإعانة على معصية.[40]

 

وجه الاختلاف بين " الوعد " وبين " الالتزام " و" العقد ":
يختلف الوعد عن الالتزام والعقد خصوصاً: أنَّ العقد وبمعناه الالتزام إذا وجد مستوفياً لأركانه وشروطه الشرعية ترتبت عليه آثاره في الحال، ووجب كل من المتعاقدين والعاقدين الوفاء بالتزامه قِبل الآخر بموجب العقد، وإلاَّ ألزمه القاضي الوفاء به.
أما الوعد فيتضمن إنشاء التزام في المستقبل.[41]
والوعد على الصحيح أنه ليس بعقد تترتب عليه آثار العقد من وجوب تسليم السلعة، وانتقال الثمن للبائع، ومع هذا يقال: بأنَّ إخلاف الوعد لا يجوز وهو من صفات المنافقين، لأنَّ الله تعالى يقول: (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون).
قال الأمين الشنقيطي – رحمه الله -: (وظاهر عمومه يشمل إخلاف الوعد، ولكن الواعد إذا امتنع من إنجاز الوعد لا يحكم عليه به، ولا يلزم به جبراً، بل يؤمر به، ولا يجبر عليه؛ لأنَّ أكثر علماء الأمة على أنه لا يجبر على الوفاء به؛ لأنه وعدٌ بمعروف محض، والعلم عند الله تعالى). انتهى.[42]

 

وهنا نخلص إلى ثلاث مسائل مهمة تتعلق بمصطلح " الوعد ":
المسألة الأولى: هل يجب الوفاء بالوعد، وهل يكونُ ملزماً.
تحرير محل النزاع في هذه المسألة:
أولاً: الوعد بشيءٍ محرّم لا يجوز الوفاء به إجماعاً.
ثانياً: الوعد بشيءٍ واجب على الواعد يجب عليه الوفاء به إجماعاً.
ثالثاً: من وعد بأمرٍ مباح فلا خلاف أنه يستحبّ الوفاء به.[43]

 

محل النزاع في هذه المسألة يتركزُّ في ثلاث نقاط:
أولاً:حكم الوفاء بالوعد على أمرٍ مباح ديانةً:
القول الأول: أن الوفاء بالوعد مستحبّ وليس بواجب ديانةً، وهو قول الحنفيّة، والشافعيّة، والحنابلة، والظاهريّة، والمالكيّة(فيما إذا كان الوعد مجرداً).[44]
القول الثاني: أن الوفاء بالوعد واجب بحيث يحرم إخلافه بلا عذر، وهو وجهٌ عند الحنابلة[45]، اختاره شيخ الإسلام ابن تيميّة[46]، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي.[47]
والذي يترجح – والعلم عندَ الله – هو القول الثاني لقوله _تعالى_:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ" (الصف:2)، فقد ذمَّ الله _تبارك وتعالى_ لمن يقول ما لا يفعل؛إذْ أخبر _سبحانه_ أنه يمقت ذلك، والمقت أعظم البغض، ولا يكون مثل ذلك إلا على ترك واجب أو فعل محرم، وإخلاف الوعد من قبيل هذا فيشمله الوعيد.

 

ثانياً: الوفاء بالوعد قضاءً:
المراد بهذه المسألة: الوعد الْمُنْشَؤُ تبرعاً في غير معاوضة، واختلف أهل العلم في هذه المسألة على أربعة أقوال:
القول الأول: الإلزام بذلك قضاءً بإطلاق، وهو قولٌ عند المالكيّة.[48]
القول الثاني: إنه لا يُلزم به قضاءً، وهو قولٌ عند المالكية[49]، ومذهب الشافعيّة[50]، والحنابلة[51]، والظاهريّة[52].
القول الثالث: إن الوعد إذا كان معلّقاً على شرط فيكون لازماً بحيث يُقضى به على الواعد، وهو مذهب الحنفيّة.[53]
القول الرابع: أن الوعد إذا وقع على سبب ودخل الموعود في شيءٍ بناءً على هذا الوعد فإنه يُلزم الواعد بتنفيذه قضاءً، وهو المشهور عند المالكيّة.[54]
والذي يترجحُّ والعلمُ عند الله هو القول الثاني؛ وذلك لأننا لو ألزمنا قضاءً بالوعد لنزلنا الوعد بمنزلة العقد.

 

ثالثاً: الإلزام بالوعد في عقود المعاوضات:
وهذا يسميه بعض الباحثين بـ (الوعد التجاري)، وقبل الشروع في بيان هذه المسألة ينبغي التنبيه على أن أقوال الفقهاء في المسألة السابقة خاصّةٌ بالوعد بالمعروف دون الوعد في المعاوضات وهو ظاهرٌ من خلال طرحهم للكلام في المسألة بل هو ظاهر من تعريفهم للوعد بأنه إخبارٌ عن إنشاء المُخْبِر معروفاً في المستقبل[55]، ولهذا فإن المالكية _رحمهم الله_ نصّوا على تسمية الوعد التجاري بالمواعدة تفريقاً بينه وبين الوعد بالمعروف؛جاء في إيضاح المسالك:"منع مالكٌ المواعدة في العدّة وعلى بيع الطعام قبل قبضه، ووقت نداء الجمعة، وعلى ما ليس عندك".[56]
وبناء على ما سبق فلا يستقيم حملُ أقوال الفقهاء في مسألة الإلزام بالوعد بالمعروف على هذه المسألة، بل يمكن اعتبارها مسألة جديدة مع الاستفادة مما ذكره الفقهاء في المسألة التي قبلها.[57]

 

اختلف المعاصرون في حكم الإلزام بالوفاء بالوعد التجاري على قولين:
القول الأول: جواز اشتراط أن تكون المواعدة ملزمةً للطرفين بحيث يُلزم كلٌّ منهما قضاءً، وهو رأي جماعةٍ من المعاصرين منهم: د.سامي حمود[58]، والشيخ يوسف القرضاوي[59]، واستدلوا بعدة أدلة أقواها ما يلي:
ومن أدلتهم: قوله _صلى الله عليه وسلم_:"لا ضرر ولا ضرار".[60] قالوا: وفي الإلزام بالمواعدة للطرفين منعٌ لضرر متحقق أو غالبِ التحقق على أحدهما، وأيضاً: فإنَّ في الإلزام بهذه المواعدة مصالح متعددة، منها: مصلحة العاقدين من جهة الاطمئنان إلى إتمام التعاقد، ومصلحة استقرار المعاملات وضبطها مما سيدفع الشقاق والاختلاف مع أنه لا محظور في القول بالإلزام.[61]
القول الثاني: أنه لا يجوز اشتراط الوعد التجاري ملزماً للطرفين، وهو رأي أكثر المعاصرين، وصدر به قرار مجمع الفقه الإسلامي[62]، وعليه فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.[63]
واستدلوا بأدلة أقواها: أن العبرة بحقائق العقود لا بالألفاظ، وإذا تم التواعد على كون الوعد ملزماً فإنه في الحقيقة تعاقد وإن سمي وعداً لأن الإلزام من أبرز خصائص العقد.[64]

 

القول المختار في هذه المسألة:
يظهر – والعلم عند الله - رجحان القول الثاني لقوة دليليه وبخاصة الدليل الثاني الذي يُلحق الوعد الملزم بالعقد.[65]
وبهذا يتبين أنَّ الوعد التجاري لا تنطبق عليه أحكام العقود في الفقه الإسلامي.
المسألة الثانية: حكم انعقاد عقود المعاوضات على وجه التعليق
البعض قد يلزم الوفاء بالوعد، بناءً على قول بعض أهل العلم – رحمهم الله – أخذاً بقولهم بجواز التعليق في عقود البيع، لذلك آثرتُ إيضاح هذه المسألة لعلاقتها بموضوع العقد، فكلاهما يقعان في المستقبل.
وصورة هذه المسألة: أن يقول البائع بعتك هذه العقارات إن وافق زيدٌ، أو أن يقول البائع للمشتري: إن نجحت في تجارتي بعتك كذا وكذا من الثمار.
ففي الصورة الأولى جاء التعليق بدلالة الكلام، وفي المثال والصورة الثانية جاء التعليق بأداة (إن) الشرطية.
اختلف العلماء – رحمهم الله – في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: قال به جمهور أهل العلم[66]، فقالوا: لا يصح تعليق الإيجاب بعقود المعاوضات.
قال ابن عابدين – رحمه الله -: (قوله " لا يصح تعليقه ": ليس المراد به بطلان نفس التعليق مع صحة المعلَّق؛ لأنَّ ما كان من التمليكات يفسد بالتعليق، بل المراد أنه لا يقبل التعليق بمعنى أنه يفسد به).[67]

 

أدلة الجمهور:
الدليل الأول: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الملامسة والمنابذة.[68]
فقالوا: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الملامسة والمنابذة؛ لوجود التعليق.
ونوقش: بأن علة التحريم ليست هي التعليق، وإنما العلة هي حصول الغرر الناشئ عن الجهالة بصفة المبيع.
الدليل الثاني: أنَّ البيع لا بدَّ فيه من الرضا، وهو إنما يكون مع الجزم، ولا جزم مع التعليق.[69]
ويناقش: بأنه لا منافاة بين التعليق للعقد، وبين الرضا، فالرضا موجود في العقد المعلق لكنه متوقف على حصول الشرط المعلق عليه.[70]
الدليل الثالث: أنَّ عقد المعاوضة يقتضي نقل الملك حال العقد، والشرط يمنعه.[71]
ويناقش: أنَّ العقد يقتضي نقل الملك حال العقد، لكن هذا إذا لم يعلق بشرط على حصوله.[72]
القول الثاني: رواية عن الإمام أحمد[73]، واختيار ابن تيمية[74]، وابن القيم[75].
فقالوا: يصح تعليق الإيجاب في عقود المعاوضات إذا كان في ذلك منفعة للناس، ولم يكن متضمناً لما نهى الله ورسوله عنه.

 

أدلتهم:
الدليل الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج).[76]
فقالوا: إنَّ حل النكاح قد يعلق على شرط، وقد أمر رسول الله بالوفاء به.[77]
الدليل الثاني: علقَّ أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه عقد المزارعة بالشرط، فكان يدفع أرضه إلى من يعمل عليها على أنه إن جاء عمر بالبذر فله كذا وإن جاء العامل بالبذر فله كذا، ذكره البخاري[78]، ولم يخالفه أحدٌ من الصحابة.[79]
الدليل الثالث: جواز تعليق الإمارات والولايات بالشرط، وهي أعظمُ شأناً من عقود البيوع والمعاوضات.
قال ابن القيم – رحمه الله -: (وقد علقَّ النبي صلى الله عليه وسلم ولاية الإمارة بالشرط، وهذا تنبيه على تعليق الحكم في كل ولاية، وعلى تعليق الوكالة الخاصة والعامة، وقد علق أبو بكر تولية عمر رضي الله عنه بالشرط، ووافقه عليه سائر الصحابة فلم ينكره منهم رجل واحد).[80]
الدليل الرابع: قال ابن عوف عن ابن سيرين قال قال رجل لكريه: ارحل ركابك فإن لم أرحل معك في يوم كذا وكذا فلك مائة درهم، فلم يخرج، فقال شريح: (من شرط على نفسه طائعاً غير مكره فهو عليه).[81]
الدليل الخامس: عن نافع بن عبد الحارث عامل عمر على مكة أنه اشترى من صفوان بن أمية دارا لعمر بن الخطاب بأربعة آلاف درهم، واشترط عليه نافع إن رضي عمر فالبيع له، وإن لم يرض فلصفوان أربع مائة درهم.[82]

 

الرأي المختار:
الذي يترجح في هذه المسألة – والعلم عند الله تعالى – هو القول بجواز تعليق العقود على الشرط، ولكن مع القول بالجواز فلا بد أن يكون التعليق مقيداً بزمنٍ معلوم؛ لئلا يفضي ذلك للنزاع، وحسماً لمادة الشقاق والخلاف بين البائع والمشتري.
وسبب ترجيح هذا القول عدة أمور:
الأمر الأول: قوة أدلة المجوزين.
الأمر الثاني: ضعف أدلة الجمهور، وإمكان مناقشتها والإجابة عنها.
الأمر الثالث: أنَّ تعليق العقود والفسوخ والتبرعات والالتزامات وغيرها بالشروط أمر قد تدعو إليه الضرورة أو الحاجة أو المصلحة؛ فلا يستغني عنه المكلف.[83]
الأمر الرابع: أنَّ الأصل في المعاملات الحل.
الأمر الخامس: أنه إذا جازَ التعليق في النكاح والولايات، فيجوز في عقود المعاوضات؛ لأنها أقل ضرراً من التعليق على النكاح وعلى الولايات، وكوننا نفرق بين عقد وعقد فهذا تناقض.[84]
الأمر السادس: أنَّ الجمهور من أهل العلم القائلين بعدم صحة البيع على الشرط المعلق، لم يطردوا هذا في جميع المسائل، بل استثنوا صوراً عدة، ومن ذلك:
أولاً: الأحناف:
قالوا: إن التعليق لا يخلو إما أن يكون بكلمة (إن) أو (على) فإن كان بـ (إن) فيفسد العقد مطلقاً، إلاَّ في صورة واحدة وهي أن يقول: بعت منك هذا إن رضي فلانٌ به، فإنه يجوز إذا وقته بثلاثة أيام، لأنه اشترط الخيار إلى أجنبي فهو جائز.
وإن كان التعليق بكلمة (على) فإن كان الشرط مما يقتضيه العقد، أو يلائمه أو جرى فيه التعامل كشرط تسليم المبيع أو الثمن أو التأجيل أو الخيار فيصح التعليق.[85]

 

ثانياً: المالكية، فاستثنوا صورتين:
الصورة الأولى: أن يعلق النكاح بتسليم الزوج للصداق، فيقول الزوج: إن لم آتِ بالصداق إلى أجل كذا وكذا فلا نكاح.[86]
الصورة الثانية: أن يوصي رجل فيقول: إن مت فقد زوجت ابنتي فلان، فيصح النكاح.[87]
ثالثاً: الحنابلة، فقد استثنوا ثلاث صور:
الصورة الأولى: بيع العربون – وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى -.[88]
الصورة الثانية: أن يقول البائع للمشتري: بعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث ليالٍ – مثلاً – وإلاَّ فلا بيع بيننا.[89]
الصورة الثالثة: تعليق الإيجاب بمشيئة الله، بأن يقول البائع: بعتك هذه السلعة بألف دينار إن شاء الله[90].[91]
وبهذا التقرير يتضح الفرق بين الوعد وبين تعليق البيع على شرط:
فهما يتفقان: أنهما يقعان في المستقبل.
ويختلفان: بأنَّ البيع المعلق يحصل فيه الإيجاب والقبول، لكن يتوقف حصول البيع على حدوث الشيء المعلق عليه.
بخلاف الوعد، فإنه ليس بعقد، ولا يقول الواعد بعتك، ولا يقول الآخر قبلت.

 

المسألة الثالثة: حكم انعقاد عقود المعاوضات بصيغة المضارع
لما كانت صيغة الفعل المضارع تشبه صيغة الوعد، والتي تخالف صيغة العقد وفي ذلك يقول أحد فقهاء المالكية: " إذ العقود إنما تحصل بالماضي دون المضارع؛ لأنَّ الأصل فيه الوعد، وفي الماضي اللزوم ".[92]
ولذلك اختلف الفقهاء –رحمهم الله – في انعقاد عقود المعاوضات بصيغة المضارع على قولين:
القول الأول: يصح إجراء العقود بصيغة المضارع إذا كان معها قرينة تدل على إرادة إنشاء العقد.
وهو قول جمهور الأحناف،[93] والمالكية،[94] والشافعية،[95] وهو الظاهر من مذهب الحنابلة.[96]
أدلتهم:
الدليل الأول: أن المطلوب في العقود حصول دلالة الرضا، ودلالة الرضا في صيغة المضارع محتملة في اللغة، فإذا قامت القرينة، أو شاع في العرف دلالة المضارع على الرضا بالعقد صحَّ إجراء العقد به.[97]
الدليل الثاني: أنَّ صيغة المضارع في الأصل موضوعة للحال، ولكن غلب استعمالها للاستقبال إما حقيقة أو مجازاً، فصحَّ العقد بها إذا صاحبتها قرينة؛ لأنها ترجه بذلك إلة أصل وضعها في اللغة.[98]
القول الثاني: لا يصح إجراء العقد بصيغة المضارع.
قالوا: لأنه لا يدل على الإرادة الجازمة في البيع وإنشاء العقد.
وهو قول بعض الأحناف.[99]
القول المختار في هذه المسألة:
الذي يترجح – والعلم عند الله تعالى – هو القول بصحة إجراء العقود بصيغة المضارعة إذا صاحبتها قرينة، أو شاع عرف على دلالة المضارع على الحال؛ وذلك لأنَّ العقود تنعقد بكل ما دلَّ على مقصودها من قول أو فعل، وبكل ما عده الناس بيعاً أو إجارة.
قال ابن تيمية – رحمه الله -: (ولا يجب على الناس التزام نوع معين من الاصطلاحات في المعاملات، ولا يحرم عليهم التعاقد بغير ما يتعاقد به غيرهم إذا كان ما تعاقدوا به دالاً على مقصودهم، وإن كان يستحب بعض الصفات).[100]
فـرعٌ:
اتفق القائلون بجواز إجراء العقود المعاوضات بصيغة المضارع إذا كانت دالة على الحال بالقرينة أو العرف أنَّ دلالتها تعدُّ من قبيل الكنايات.[101]
ومن الأدلة على ذلك:
الدليل الأول: أنَّ دلالة صيغة المضارع على الرضا بالعقد محتملة، فصارت من قبيل الكنايات.
الدليل الثاني: أنَّ استعمال صيغة المضارع للاستقبال أضعف من دلالتها على الحال، فأنزلها عن رتبة الصريح درجة لتكون من قبيل الكنايات.[102]

 

ثالثاً: الإقراض معناه والمراد به:
الإقراض لغة: مصدر أقرضَ، يقرضُ، إقراضاً، وهو يطلق على: القطع، يقال قرضَتُ الشيء أَقرِضُهُ بالكسر قَرضاً: إذا قطعتهُ، والقرضُ: ماتعطيه من المال لتُقضاهُ، واستقرضت من فلان، أي طلبت منه القرضَ فأقرَضني. وأقتَرضتُ منه: أي أخذت منه القَرضَ. والقرضُ أيضاً: ما سلّفتُ من إحسان ومن إساءة.
الإقراض اصطلاحاً: تكاثرت تعريفات الفقهاء – رحمهم الله – في تعريف الإقراض وتنوعت أساليبهم في ذلك، وأكتفي من هذه التعاريف ما يلي:
قيل بأن الإقراض هو: دفع المال رأفة وإرفاق لمن ينتفع به ويرد بدله.[103]
وقيل في تعريف الإقراض هو: دفع المال على وجه القربة لله تعالى لينتفع به آخِذُهُ ثم يردُ له مثله أو عينه.[104]
والملاحظ في هذين التعريفين للإقراض: أنه ذكر فيهما ميزة وخاصية عقد القرض وهو إسداء المعروف، بحيث تكون منفعة القرض عائدة على المقترض وحده فقط دون أن ينتفع المُقرض بأي شيء من القرض، كفائدة وغيرها من المنافع فليس له إلا قرضه، حيث يرجو فيه خالصاً رضاء الله وأجره ونيل ثوابه.[105]
وسوف يأتي – بإذن الله تعالى – بيانٌ لهذا الأمر في ثنايا البحث.

 

الألفاظ ذات الصلة بمصطلح " الإقراض ":
1-السلف: فيجيء السلف على معانٍ منها القرض والسلم، والسلف كل عمل قدمه العبد. يقال: أسلفته مالاً أي: أقرضته...وفي الحديث[106] أنه استسلف من رجل بكر، أي استقرض".[107]
2-الدين: يأتي الدين بمعنى القرض، يقال:"دنته: أقرضته، ودنته: استقرضت منه. وقوله تعالى: (إذا تداينتم بدين...)[108]، أي إذا تعاملتم بدين من سلم وغيره.
فثبت بالآية وبما تقدم أن الدين لغة هو القرض وثمن المبيع"[109].
والدين في الاصطلاح: قال ابن العربي المالكي –رحمه الله -:"حقيقة الدين: هو عبارة عن كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقداً ولآخر في الذمة نسيئة، فإن العين عند العرب ما كان حاضراً، والدين ما كان غائباً ".[110]

 

المبحث الثاني: حكم المعاوضة على الالتزامات:

حتى يتبينَّ الحكم في المعاوضة على الالتزامات لابدَّ أن نقسم أنواع العقود من حيث قبول العوض وغيره إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: المعاوضة على الالتزام في عقود المعاوضات
عقود المعاوضات: هي العقود التي تقوم على أساس المبادلة بين المتعاقدين، فيعطي كل منهما شيئاً ويعطي في مقابله شيئاً آخر.[111]
والمعاوضة على الالتزام في عقود المعاوضات هو الأصل؛ لأنَّ الأصل في عقود المعاوضات هو أخذ العوض.
وصورة هذه المسألة: هي أن يأخذ البائع عوضاً على أن يلتزم البائع أن يمسك السلعة للمشتري حين يحضر ثمن السلعة، على أنه إن تمَّ البيع فيكون الثمن المدفوع أولاً جزءً من ثمن السلعة، وإن لم يتم البيع فيكون الثمن للبائع.
وهذه المسألة يسميها الفقهاء – رحمهم الله – بـ (مسألة بيع العربون).
وقد تطرق العلماء إلى الكلام عنه من قديم الزمان، وقد ورد فيها بعض الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم.
ولذلك سيكون الحديث – بإذن الله - على حكم أخذ العربون في الالتزام على عقود المعاوضات المالية.
لا سيما وأنه ذاع التعامل به قديماً وحديثاً، وفي ذلك يقول الشيخ قال مصطفى الزرقا -رحمه الله -: (ومن المعلوم أنّ طريقة العربون هي وثيقة الارتباط العامّة في التعامل التجاريّ في العصور الحديثة وتعتمدها قوانين التجارة وعرفها وهي أساس لطريقة التعهّد بتعويض ضرر الغير عن التعطّل والانتظار).[112]
وأُلحق به صوراً عديدة، بعضها منه والأخر ليس منه.[113]

 

تعريف العربون والمراد منه:
لغةً: العُربونُ والعَرَبونُ والعُرْبانُ: الذي تسمِّيه العامة الرَبونُ. يقال منه: عَرْبَنْتُهُ إذا أعطيته ذلك.[114]
والعربون مأخوذ من الإِعْرابُ: وهو الإِبانَةُ والإِفْصاحُ عن الشيءِ، ومنه: إجْراءُ الفَرَسِ، و: مَعْرِفَتُك بالفَرَسِ العَرَبِيِّ من الهَجينِ إذا صَهَلَ، وأن يَصْهَلَ الفَرَسُ فَيُعْرَفَ عُتْقُهُ، عِتْقُهُ وسَلامَتُهُ من الهُجْنةِ، وهذه خَيْلٌ عِرابٌ وأَعْرُبٌ ومُعْرِبَةٌ، وإبِلٌ عِرابٌ، و: أن لا تَلْحَن في الكَلامِ، وأنْ يُولَدَ لَكَ ولَدٌ عَرَبِيُّ اللَّوْنِ، والفُحْشُ وقَبيحُ الكَلامِ، كالتَّعْريبِ والعِرَابَةِ والاسْتِعْرابِ، والرَّدُّ عن القبيح، ضِدُّ، والنِّكاحُ أو التَّعْريضُ به، وإعْطاءُ العَرَبونِ.[115]
وسمّي بيع العربون بذلك؛ لأنّ فيه إعراباً لعقد البيع أي إصلاحاً، وإزالة فساد، لئلاّ يملكه غيره باشترائه.[116]
شرعاً: هو أن يشتري السلعة فيدفع للبائع مالاً، على أنه إن أخذ السلعة احتسب به من الثمن، وإن لم يأخذها فذلك للبائع.[117]
وقال الإمام مالك رحمه الله: «أن يشتري الرجل العبد أو الوليدة أو يتكارى دابّة ثمّ يقول للذي اشترى منه أو تكارى منه: أعطيك ديناراً أو درهماً أو أكثر من ذلك أو أقلّ على أنّي إن أخذت السلعة أو ركبت ما تكاريت منك، فالذي أعطيتك هو من ثمن السلعة أو من كراء الدابّة، وإن تركت ابتياع السلعة أو كراء الدابّة فما أعطيتك لك باطل بغير شيء».[118]
وقال ابن ماجه – رحمه الله -: (العربان: أن يشتري دابة فيعطيه دينارين عربوناً، فيقول: إن لم أشترِ الدابة فالدنياران لك).[119]
ويستفاد من تعريف الإمام مالك – رحمه الله – أنه كما يكون العربون في البيع يكون كذلك في عقد الإجارة.
قال في تاج العروس: (فكما أنّه يكون في البيع يكون في الإجارة وكأنّه لَمّا كان الغالب إطلاقه في البيع اقتصروا عليه) اهـ.[120]

 

حكم بيع العربون:
اختلف العلماء في جواز هذا النوع من المعاملات؛والسبب في هذا الاختلاف: هو الخلاف في ثبوت الأحاديث أوضعفها الواردة في المنع من بيع العربون، ومجيء بعض الآثار عن الصحابة – رضوان الله عليهم – بالجواز.
وبناءً على ذلك اختلف الفقهاء – رحمهم الله – في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: قال جمهور أهل العلم – رحمهم الله – بمنعه وتحريمه.[121]

 

أدلتهم:
الدليل الأول: ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه: «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن العربان في البيع».[122]
ويناقش: بأنَّ الحديث ضعيف عند أهل الحديث.[123]

 

الدليل الثاني: أنه متردد بين الغنم والغرم، وعليه فهو داخل في الغرر الممنوع.
يناقش: الغرر هو أن يبيع له شيء غير معلوم الموصفات أو القدر، قال القرطبي – رحمه الله - في معنى الغرر: (وهو ما كان له ظاهر بيع يغر وباطن مجهول).[124]
وبيع العربون ليس فيه شيء من الجهالة؛ إنما هو بيع معلوم بسعر معلوم على سلعة معلومة، فببيع العربون يمنع وقوع الغرر من المشتري، ويضمن لصاحب السلعة حقه.[125]
يقول الدكتور سامي السويلم: (ليس كل ما تردد بين الغنم والغرم، أو بين الانتفاع وبين الخسارة يدخل في باب الغرر الممنوع، ففي بيع العربون يتردد المشتري بين أن يملك السلعة وينتفع بها، وبين أن يغرم إذا لم يشترها ويخسر العربون، وهو مع ذلك جائز عند الإمام أحمد وجمع من السلف، وذلك أن الهدف من العربون ليس المقامرة، وإنما الانتفاع بالسلعة، والتردد بين إمضاء الشراء وعدمه راجع للمشتري، وليس معتمداً على الحظ أو ما لا يتحقق غالباً.
وحقيقة الغرر المحرم: أنه معاوضة احتمالية نتيجتها انتفاع أحد الطرفين على حساب الآخر، فإن كانت المعاملة تحتمل انتفاع كلا الطرفين، وتحتمل مع ذلك انتفاع أحدهما وخسارة الآخر، أي أن المعاملة تحتمل الغرر وتحتمل عدمه، فينظر في احتمال كل واحد من الأمرين. فإن كان الغالب هو انتفاع الطرفين، وهذا هو مقصود المعاملة، فهي جائزة، ويغتفر ما فيها من الغرر، وهذا هو ضابط الغرر اليسير الذي نص عليه الفقهاء. أما إن كان احتمال انتفاع أحدهما وخسارة الآخر هو الغالب، وهو مقصود الطرفين، فهذا من الغرر الفاحش الذي لا يغتفر).[126]

 

الدليل الثالث: أن قبول البائع وأخذه للعربون هو من أكل أموال الناس بالباطل.
قال القرطبي- رحمه الله -: (ومن أكل أموال الناس بالباطل بيع العربان فهذا لا يصلح، ولا يجوز عند جماعة فقهاء الأمصار من الحجازيين والعراقيين لأنه من باب بيع القمار، والغرر، والمخاطرة، وأكل المال بالباطل بغير عوض ولا هبة، وذلك باطل بالإجماع).[127]
يناقش: بأنه إن تمت الصفقة فلا إشكال في اعتبار العربون جزءاً من الثمن، لكن الإشكال إن لم تتم الصفقة من قبل المشتري، فليس هذا من أكل أموال الناس بالباطل، وإنما هو مقابل انتظار البائع للمشتري. ولكي يصح استحقاق العربون ينبغي أن يكون وقت الانتظار لحين إتمام الصفقة محدداً بوقت معين لئلا تدخل في العقد الجهالة من حيث الوقت.[128]

 

القول الثاني: المشهور من مذهب الإمام أحمد جوازه، كما ذكر ذلك صاحب الإنصاف.[129]
وهو قول عمر بن الخطاب، وابنه ابن عمر – رضي الله عنها – ومن التابعين قال به ابن سيرين، ومجاهد بن جبر، وزيد بن أسلم، ونافع بن الحارث.[130]
أدلتهم:
الدليل الأول: أن نافع بن عبد الحارث اشترى داراً للسجن من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم، فإن رضي عمر فالبيع له، وإن عمر لم يرض فأربعمائة لصفوان.[131]
الدليل الثاني: عن زيد ابن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سئل عن بيع العربان فأحله).[132]
يناقش: بأنَّ الحديث مرسل.[133]
الرأي المختار: هو القول بجواز بيع العربون،على أن يحدد فيه زمن الانتظار؛ حتى لا يحصل الغرر والجهالة.
ومما يقوي القول بالجواز، عدة أمور:
الأمر الأول: ثبوت جوازه عن عمر بن الخطاب، وابنه، ولا يعلم لهما مخالف.
الأمر الثاني: أنَّ الأحاديث في منعه لا تقوم بها الحجة.
الأمر الثالث: ما جاء في صحيح البخاري في باب "ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار والشروط التي يتعارفها الناس بينهم وإذا قال مائة إلا واحدة أوثنتين":
قال ابن عون عن ابن سيرين: قال رجل لكريه أرحل ركابك فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم فلم يخرج فقال شريح: " من شرط على نفسه طائعا غير مكره فهو عليه ".[134]
الأمر الرابع: وجوب الوفاء بالشروط من حيث الأصل.
وهذا القول رجحه الشيخ ابن باز – رحمه الله – فقال: (لا حرج في أخذ العربون في أصح قولي العلماء إذا اتفق البائع والمشتري على ذلك ولم يتم البيع).[135]
وبه أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية، وبه صدرَ قرار مجمع الفقه الإسلامي، ونبَّه على ضرورة تحديد المدة والأجل،ونص القرار جاء فيه ما يلي:
إن مجلس مجمع الفقه الإِسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سيري باجوان، بروناي دار السلام من 1 إلى 7 محرم 1414 هـ الموافق 21-27 يونيو 1993م.
بعد إطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: "بيع العربون".
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله.
قررَّ ما يلي:
1- المراد ببيع العربون بيع السلعة مع دفع المشتري مبلغاً من المال إلى البائع على أنه إن أخذ السلعة احتسب المبلغ من الثمن وإن تركها فالمبلغ للبائع.
ويجري مجرى البيع الإجارة، لأنها بيع المنافع. ويستثنى من البيوع كل ما يشترط لصحته قبض أحد البدلين في مجلس العقد (السلم) أو قبض البدلين (مبادلة الأموال الربوية والصرف) ولا يجري في المراجعة للآمر بالشراء في مرحلة المواعدة ولكن يجري في مرحلة البيع التالية للمواعدة.
2- يجوز بيع العربون إذا قيدت فترة الانتظار بزمن محدود. ويحتسب العربون جزءاً من الثمن إذا تم الشراء، ويكون من حق البائع إذا عدل المشتري عن الشراء. انتهى.[136]

 

ولكن مع القول بجواز هذا البيع فالأولى رد العربون إذا نكل الطرف الآخر لاسيما إذا لم يتضرر البائع بحبس السلعة عنده، وذلك لأمرين:
الأمر الأول: أنَّ الرد إقالة عثرة، وقد حبب الشارع الحكيم إقالة العثرات، فقد ورد ٍعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ).[137]
الأمر الثاني: أنَّ في رد العربون إلى الناكل خروج من الخلاف وأخذ بالاحتياط وهو أسلم لدين المسلم.[138]

 

ثانياً: المعاوضة على الالتزام في عقود التبرعات
عقود التبرعات هي التي: تقوم على أساس التبرع والمنحة من أحد العاقدين للآخر من غير مقابل، فالمتبرع لا يطلب عوضاً عماَّ تبرعَّ به.[139]
وهي العقود الأصل في عقود التبرعات " كالهبة، والوقف، والوصية، والصدقة " وغيرها أن لا تقبل المعاوضة؛ لأنَّ المعاوضة فيها تنقلها عن موضوعها.
وصورة هذه المسألة: أن يقول الواهب " لا أهبك كذا وكذا إلاَّ بكذا وكذا "
وهذه التي يسميها الفقهاء – رحمهم الله – بـ " هبة الثواب ".
قال في مواهب الجليل: (وأما هبة الثواب فكالبيع قاله في المدونة).[140]
وقال أيضاً: (الهبة تجوز بشرط الثواب وسواء عين الواهب الثواب الذي يريد أم لا أما إذا عينه فقالوا إنها جائزة وهي حينئذ من البيوع، قال في التوضيح: كما لو قال: أهبها لك بمائة دينار ويشترط في ذلك شروط البيع) انتهى.[141]
فيتحصل مما سبق: أن المعاوضة إذا دخلت في عقود التبرعات فقد خرجت عن مقصودها، فلا تعدُّ حينئذٍ من عقود التبرعات، بل تنقلب إلى معاوضة، وتأخذ أحكامها سواءً بسواء.

 

ثالثاً: المعاوضة على الالتزام في عقود الإرفاق:
يمكن تعريف عقود الإرفاق بأن يقال: هي عقود تتضمن معنى التبرع ابتداءً، والمعاوضة انتهاءً.
ومن عقود الإرفاق: عقد القرض، وعقد الكفالة والضمان، وعقد الوديعة، وعقد العارية.
فإنَّ المقرض متبرع عند الإقراض لكنه عند رجوعه على المقترض بمثل ما أخذ يؤول إلى المعاوضة.
وأما حكم أخذ العوض على هذه العقود فيطول بسطه؛ نظراً لأمرين:
الأمر الأول: كثرة هذه العقود.
الأمر الثاني: أنه لا توجد قاعدة تجمع هذه العقود فيقال: بأنه لا تجوز المعاوضة في عقود الإرفاق على وجه العموم، بل الذي يظهر لي – والعلم عند الله تعالى – أنَّ كل عقد من هذه العقود له بحثه المستقل، الذي لا علاقة له بالآخر في أخذ العوض عليه، مع اشتراكها جميعاً في مسمى " عقود الإرفاق ".
والذي يهمنا من هذه العقود وهو محل هذا البحث هو: عقد القرض. وسوف يأتي – بإذن الله تعالى – بحثه في المبحث الثالث.

 

المبحث الثالث: بيان حقيقة عقد القرض وبيان المقصد منه:

اختلف الفقهاء – رحمهم الله - في حقيقة عقد القرض من باب التبرعات أو المعاوضات على ثلاثة أقوال:
القول الأول: القرض تبرع في الابتداء، ومعاوضة في الانتهاء.
وهذا قول الحنفية.[142]
قال المرغيناني – رحمه الله -: " القرض إعارة وصلة في الابتداء، ومعاوضة في الانتهاء ".[143]
القول الثاني: القرض عقد معاوضة غير محضة. وهذا قول جمهور المالكية[144]، والأصح عند الشافعية.[145]
القول الثالث: القرض من عقود التبرعات. وهذا قول بعض المالكية[146]، وبعض الشافعية[147]، ومذهب الحنابلة[148].

 

الرأي المختار:
الذي يترجح – والعلم عند الله – هو أنَّ عقد القرض من عقود التبرع في الابتداء، ويؤول أمره للمعاوضة في الانتهاء، وهذا الذي ذهب إليه الأحناف – رحمهم الله -، وكذلك يمكن القول بأنَّ القول الثاني وهو القائل بأنَّ عقد القرض عقد معاوضة غير محضة، فهو كأنه يشير إلى ما يؤول إليه حال القرض، فهو يخالف المعاوضة الصرفة؛ لكونه لا يقبل المنفعة، والفائدة؛ إذا كل قرضٍ جرَّ منفعةً فهو ربا.
وليس هو من عقود التبرعات المحضة؛ لأنَّ عقود التبرعات لا يجوز فيها الرجوع والعودة؛ وقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم العائد في هبته كالكلب.
فهو من عقود الإرفاق من حيث التقسيم الثلاثي للعقود – كما سبقَ بيانه – وهو في منزلة بين المنزلتين، ودرجة بين الدرجتين.
قال ابن رشد المالكي: " العقود تنقسم أولاً إلى قسمين: قسمٌ يكون بمعاوضة، وقسم يكون بغير معاوضة كالهبات والصدقات، والذي يكون يكون بمعاوضة ينقسم ثلاثة أقسام: أحدهما: يختص بقصد المغابنة والمكايسة وهي البيوع... والقسم الثاني: لا يختص بقصد المغابنة، وإنما يكون على جهة الرفق وهو القرض...".[149]
وقال عميرة الشافعي – رحمه الله -:" ليس سبيله سبيل المعاوضات ".[150]
وقال ابن قيم الجوزية – رحمه الله -:" القرض من جنس التبرع بالنافع كالعارية، وهذا من باب الإرفاق لا من باب المعاوضات ".[151]
وقال البهوتي – رحمه الله -:" ولا يثبت في القرض خيار، لأنه ليس بيعاً ولا في معناه وهو من المرافق ".[152]
وبهذه النقول عن هؤلاء العلماء – رحمهم الله – يتبين حقيقة عقد القرض، ولذلك جاءت النصوص بتحريم أخذ العوض على مجرد القرض، وعلى هذا فلا أحد من الفقهاء يرى أن عقد القرض عقد معاوضة محضة، أو أنه معاوضة في الابتداء والانتهاء.[153]

 

المبحث الرابع: المعاوضة على الالتزام بالإقراض

سبقَ في المبحث الثالث بيان حقيقة عقد القرض، وأنه عقدٌ من عقود الإرفاق التي لا يجوز اشتراط المنفعة فيها.
وبسط المسائل هنا يطول، ولكن حسبي أن أذكر بعضاً من الأدلة على أنَّ عقد القرض لا يجوز فيه المعاوضة، وأنه بمجرد اشتراط العوض يخرجُ عن بابه الذي جعله الشارعُ لذلك، وفي هذا المعنى يقول الرملي الشافعي – رحمه الله -: " القرض فيه شائبة تبرع... ولو كان معاوضة محضة لجاز للولي غير الحاكم قرض مال موليه من غير ضرورة...، والمعنى فيه – في خبر فضالة بن عبيد رضي الله عنه – أن موضوع القرض الإرفاق فإذا شرط فيه لنفسه حقاً خرج عن موضوعه فمنع صحته ".[154]

 

فمن الأدلة الدالة على تحريم المعاوضة على الإقراض:
1 – قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل قرض جرَّ منفعة فهو ربا)، لكن الحديث لا يصح مرفوعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم،[155] لكن حكمه مجمع عليه بين الصحابة – رضوان الله عليهم - في الجملة.[156]
وسبب كون الزيادة على القرض من أبواب الربا المجمع على تحريمه: هو أنَّ صورة القرض في الحقيقة هي صورة ربا النسيئة، لكن لما كان مبنى القرض التبرع، ومبنى البيع المعاوضة، غاير الشارع بينهما في الحكم، فإذا اشترطت الزيادة في القرض خرجَ عن موضوعه وهو التبرع والإرفاق إلى المعاوضة فجرى فيه ما يجري فيها، فتتقيد بما يتقيد به البيع فيها، وهذه القيود مذكورة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:[الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ][157].
2 - عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام رضي الله عنه فقال ألا تجيء فأطعمك سويقاً وتمراً وتدخل في بيت ثم قال إنك بأرض الربا بها فاشٍ إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا.[158]
فدلَّ هذا الأثر على تحريم قبول المقرض الهدية من المقترض قبل وفاء الدين.
3 – الإجماع: فقد حكى غير واحدٍ من أهل العلم – رحمهم الله – على تحريم اشتراط الزيادة في بدل القرض للمقرض، وذكروا أنَّ ذلك من الربا.

 

الباب الثاني: الدراسة التطبيقية للمعاوضة على الالتزام بالإقراض.

في هذا الباب سأحاول – بإذن الله تبارك وتعالى – دراسة بعض المسائل الواقعية المندرجة تحت موضوع هذا البحث وهو: المعاوضة على الالتزام بالإقراض، وسأكتفي بأهم المسائل في الجانب المصرفي:
المبحث الأول: الاعتماد البسيط.
المبحث الثاني: البطاقات الائتمانية.

 

المبحث الأول: الاعتماد البسيط

تمهيد:

فتح الاعتماد البسيط وسيلة من وسائل ترويج البنوك للائتمان "إقراض النقود" الذي هو أساس عملها، وهي من خلاله لا تنتظر أوان وقت حاجة المقترض للقرض، بل تسبقها حيث تبدي للعملاء أنها على أهبة الاستعداد لإقراضهم في أي وقت شاؤوا.
ويأخذ هذا الاستعداد صفة التعاقد بين البنك وعميله، فيجني البنك بحكم ذلك عمولة هي أجر ذلك الاستعداد، وإن لم يصنع شيئا، تليها عمولة أخرى، وعمولات عند تنفيذ ذلك الاستعداد، وبهذا يحقق البنك مكسبين: أحدهما: ترويج بضاعته التي هي الائتمان " إقراض النقود ".
وثانيهما: إيجاد مداخل يكسب من خلالها دونما مقابل حقيقي لذلك الكسب كما هو الشأن فيما يأخذه من عمولة، وما شاكلها لقاء استعداده لإقراض عميله، وإن لم يقرضه
هذا، وإن التجار الذي يجدون أنفسهم بين حين وآخر بحاجة إلى قرض كثيرا ما يدخلون في هذه المعاملة مع البنك ليضمنوا لأنفسهم الحصول على القرض عند حاجتهم إليه ,مما يقتضي بيان هذه المعاملة وأحكامها وهو ما عقد هذا الفصل لأجله.[159]

 

المطلب الأول: تعريف الاعتماد البسيط

هو: " اتفاق بين البنك وعميله يتعهد البنك بمقتضاه – لا بإعطاء مبلغ من النقود كما هو الحال في عقد القرض، بل وضع مبلغ من المال تحت تصرف العميل خلال مدة معينة، ويستفيد العميل من هذا المبلغ بقبضه كله أو بعضه خلال هذه المدة، أو بسحب شيكات عليه، أو بتحرير أوراق تجارية.... أو بأي كيفية أخرى يتفق عليها، وفي مقابل ذلك يتعهد برد المبالغ التي سحبها فعلاً وما قد يتفق عليه من فوائد ومصروفات ".[160]
وهذا التعريف وإن كان قد وصفَّ ماهية الاعتماد البسيط، لكن يُنتقد عليه الطول، ولذلك قد أختار هذا التعريف الموجز المختصر مع تأديته للمقصود من التعريف وهو توضيح الشيء المعرَّف فيقال في تعريفه بأنه: " عقدٌ يلتزم البنك بمقتضاه بأن يضع تحت تصرف عميله مبلغاً معيناً من النقود، بحيث يكون له الحق تناوله دفعة واحدة أو عدة دفعات خلال مدة معينة ".[161]

 

المطلب الثاني: آثار عقد الاعتماد البسيط:

أولاً: الآثار من جهة العميل:

1- استحقاق العميل سحب مبلغ الاعتماد كله، أو بعضه بطريق مباشر أو غير مباشر.
2- الالتزام بالعمولة: والعمولة هي المقابل الذي يتقاضاه البنك نظير قبوله فتح الاعتماد سواء استعمل العميل هذا الاعتماد، أم لم يستعمله.[162]
3- الالتزام بالفوائد: والفوائد غير العمولة إذ العمولة تستحق بمجرد التعهد كما تقدم آنفاً، " أما الفوائد فهي النسبة المتفق عليها لتسري على المبالغ التي تسحب فعلاً من الاعتماد المخصص بواسطة العميل، ولذلك يجب أن لا تزيد نسبة هذه الفوائد على 7% وذلك تطبيقاً لنص المادة 227 من المجموعة المدنية ".[163]
4- الالتزام برد أداة الائتمان التي استفاد من الاعتماد بطريقها، فإن كانت نقوداً لزمه ردها بالإضافة إلى ما تقدم بيانه من فائدة.

 

ثانياً: الآثار من جهة المصرف:

يلتزم المصرف بحكم عقد فتح الاعتماد البسيط أن يضع تحت تصرف العميل أداة الائتمان بالكيفية المتفق عليها من نقد، أو قبول أو خصم، أو ضمان، ونحوه[164].
وبمعنى آخر يلتزم البنك بتنفيذ هذا التعهد بالكيفية المتفق عليها.
وبهذا يتبين أنه – أي هذا العقد – ملزم للمصرف، وغير ملزم بالنسبة للعميل.

 

المطلب الرابع: التكييف الفقهي لعقد الاعتماد البسيط:

الذي يظهر والله أعلم في تكييف عقد " الاعتماد البسيط " هو أنه من قبيل القرض، فتجري عليه الأحكام المتعلقة بالقرض.[165]

 

المطلب الخامس: المعاوضة على الالتزام بالإقراض في " الاعتماد البسيط ":

المعاوضة الأولى: أخذ فائدة من العميل: وذلك بعد إقراضه، وهي من قبيل ربا الدين فإن المصرف يقرض العميل، وبعد مدة يسترد ما أقرضه وزيادة، وتلك الزيادة إنما هي بمقابلة الأجل فهي محرمة بتحريم الربا.
المعاوضة الثانية: عمولة للقيام بطلب العميل وتمكينه من الاعتماد.
وأما العمولة فإن البنوك تعمل على تبريرها من خلال دعوى أنها بمقابلة ما تبذله من جهد، وعمل، ومتابعة، وخدمة وما شاكل ذلك لكن النظر فيما عليه واقع العمولة يدحض تلك الدعاوى، أو أكثرها بيان ذلك:
1 -أن العمولة تكون متناسبة مع قيمة الاعتماد، وهي بهذا تبع لفكرة الفائدة الربوية التي تكون بنسبة مئوية من مقدار القرض.
2 - أنها تتكرر مع الزمن من ناحية ثانية.[166]
وفي هذا يقول الدكتور سامي حمود – رحمه الله -: " على أن هذه النظرة في اعتبار العمولة أجراً، لا يجب أن تؤخذ على إطلاقها ما دام الأمر متصلاً بالإقراض المقصود، لئلا تكون العمولة مجرد ستاراً للربا تحت هذا الاسم، أو ذاك.

 

فالربا كما أوضحنا أمره بالنسبة للديون هو كل زيادة تؤخذ اشتراطا فوق مقدار الدين مهما كان الاسم، أو التسمية، والعمولة التي يتقاضاها المصرف في الاعتماد بالحساب الجاري على وجه الخصوص هي عمولة نسبية من ناحية (5،% مثلا)، وهي عمولة متكررة مع الزمن من ناحية ثانية،وذلك بمعنى أنها تستوفى تكرارا في كل سنة دون أن يكون هناك مقابل من جهد أو منفعة معتبرة بالنسبة للمقترض".[167]

 

وقد بينَّ رزق الله أنطاكي الفكرة التي يقوم على أساسها احتساب ما تأخذه المصارف من عملائها بمقابلة الاعتمادات، وقد بينَّ أن ذلك المقابل قد احتسب به تجميد مال المصرف لدى العميل في فترة الاعتماد مما قد يجعل المصرف عاجزا عن تلبية طلبات المودعين استرداد أموالهم بعضها، أو كلها[168].
وقد يجعله كذلك عاجزا عن فتح اعتمادات لأشخاص آخرين مما قد يفقده عدد من العملاء.
كما احتسب به خطر ضياع مال المصرف إما بإعسار المدين، أو بظروف طارئة من كساد تجاري، وانهيار اقتصادي، ونحو ذلك[169].
ولهذا وذاك (أوجدت في كل مصرف شعبة خاصة هي شعبة الإخطار، أوشعبة الاستعلامات تكون مهمتها إجراء التحريات وجمع المعلومات اللازمة التي تعطي المصرف فكرة حقيقية عن وضع المؤسسة طالبة الاعتماد، وتقدم هذه الشعبة إلى إدارة المصرف تقريرا مفصلا عن نتائج تحرياتها، وعلى أساس هذا التقرير تتخذ الإدارة قرارها في الموضوع[170].

 

وللتعويض عن هذه الأخطار المصرفية،وغيرها كانت أنواع العائد متعددة ليقابل بها البنك تلك الأخطار، وقد بين رزق الله أنطاكي ذلك تحت عنوان " التعويض عن الأخطار المصرفية "فقال:" تقضي الاعتمادات التي يفتحها المصرف لعملائه وزبائنه والأخطار التي قد يتعرض لها نتيجة ذلك أن تكون هناك مكافأة على هذه الاعتمادات وتعويض – ولو بصورة جزئية محدودة – عن تلك الأخطار.
قال الدكتور عبدالله السعيدي معلقاً على كلام رزق الله أنطاكي: (فهذه شهادة من خبير بالبنوك التجارية إذ هو رئيس قسم القانون التجاري في كلية الحقوق بجامعة دمشق[171]، توضح أن ما تأخذه البنوك على الاعتماد من مقابل غير الفائدة لا يقابله في الحقيقة جهد، أو خدمة يقدمها البنك للعميل، وإنما هو خاضع لاعتبارات تجارية واقتصادية يقدرها البنك، وهو رافد للفائدة.
وإذا كانت كذلك فهي في حال تنفيذ الاعتماد الذي تقدم تخريجه على أنه قرض تكون ربا.
وفي حال عدم تنفيذ الاعتماد، والتي تقدم تخريجها على أنها وعد بالقرض تكون أكلاً للمال بالباطل إذ لا مقابل لها وكلٌ ممنوعٌ شرعاً، والله أعلم). انتهى.[172]

 

المبحث الثاني: (البطاقات الائتمانية):

المطلب الأول: تأريخ نشأة بطاقات الائتمان:

البطاقات البنكية لم تكن من ابتكارات المصارف التجارية، وإنما ابتكرتها الشركات التجارية والخدماتية، وقد مرت منذ نشأتها بعدة مراحل وهي:
المرحلة الأولى: مرحلة النشأة البسيطة: بدأ التفكير في بطاقة الائتمان في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. وأول ما ظهرت في إنجلترا، حيث قامت شركة المنسوجات والألبسة البريطانية بتقديم قسائم لعملائها تمكنهم من شراء ما يحتاجون إليه من حاجيات من عدد من المحلات التجارية مقابل تسليم هذه القسائم دون الحاجة إلى دفع ثمن هذه الحاجيات لهذه المحلات وكانت الشركة تدفع قيمة هذه الحاجيات لأصحاب المحلات ثم تقبض من عملائها ما دفعته عنهم.
وفي سنة (1924) أصدرت شركة في كاليفورنيا أول بطاقة ائتمان حقيقية توزع على الجمهور لدفع قيمة البنزين المباع لهم على أن تسدد المبالغ المترتبة عليهم في تواريخ لاحقة، وكان القصد منها تسهيل الإجراءات وتوفير الراحة للزبائن الممتازين والمباهاة بثقة الشركة المصدرة، لكن وجد الإعراض عن هذه البطاقات بسبب ارتفاع كلفتها وعدم السيطرة عليها، وعدم القدرة على إرادتها، وقد أدت الحرب العالمية الثانية إلى انخفاض تداولها حتى اندثرت كلياً بسبب قيود الحكومة عليها.

 

المرحلة الثانية: مرحلة وجود شركات متخصصة للبطاقة: في سنة (1950) وجدت شركة متخصصة لإصدار بطاقات الائتمان، وترجع فكرة تكوين هذه الشركات إلى مأزق طريف تعرض له كل من (فرانك مكنمارا) و(رالف شنيدر) حيث دخلا مطعما في منهاتن، وبعد أن انتهيا من تناول الطعام تبين لكل منهما أنه قد نسي محفظة نقوده، ودخلا مع صاحب المطعم في نقاشات وتبريرات طويلة محرجة، ففكرا في إنشاء شركة تضمن للمطاعم المشتركة فيها – مقابل عمولة معينة – دفع حساب العملاء المنضمين لتلك الشركة، ويتم ذلك بمقتضى بطاقة تصدرها الشركة للمنضمين إليها مقابل اشتراك معين يدفعه المنضم إلى الشركة، حيث يقوم حامل البطاقة بتقديمها إلى للمطعم، والتوقيع على فاتورة وجبة الطعام، ومن ثم يقوم المطعم بإرسالها إلى الشركة المعينة لاستيفاء قيمتها، ومن ثم محاسبة العملاء، وكانت خاصة بالمطاعم ولا تتعداها إلى غيرها. ثم توسعت هذه الشركة المتخصصة عدة محلات تجارية وفنادق ووكالات سياحية، ولاقت رواجا كبيرا، وإقبالا متزايدا، وحققت نجاحا ملحوظا في أمريكا، وقد دعاهم هذا النجاح إلى فتح فروع لها خارج أمريكا.

 

المرحلة الثالثة: مرحلة دخول المصارف التجارية مجال بطاقات الائتمان: لم تحقق بطاقات الائتمان انطلاقاتها الحقيقية إلا بعد أن دخلت المصارف التجارية هذا المجال. ففي سنة (1951) أصدر بنك (فرانكلين) في نيويورك بطاقة الائتمان، ثم انتقلت هذه الفكرة إلى كثير من البنوك والمصارف في أمريكا حتى وصل عدد البنوك التي تصدر هذه البطاقات إلى أكثر من مائة بنك.

 

المرحلة الرابعة: مرحلة تصدير البطاقات إلى العالم: في هذه المرحلة انطلقت بطاقات الائتمان الأمريكية لغزو بقية دول العالم.[173]

 

المطلب الثاني: التعريف بها:

تعريف البطاقة: البطاقة لغة: الورقة الصغيرة.
وفي الاصطلاح ً:" قطعة لدائنية مستطيلة مكتوب عليها بعض المعلومات التي تتعلق بالمصرف والعميل ".[174]
تعريف الائتمان: في اللغة: على وزن افتعال، وهو من الأمان والثقة.
وتسمية هذه البطاقة في اللغة العربية ببطاقة الائتمان مقبولة سائغة من باب التجوز بإطلاق السَّبَب على المسبَّب، حيث تأتمن الجهة المصدرة للبطاقة الشخص الممنوحة له على تأدية الحق الذي اؤتمن عليه.
وفي الاصطلاح: التزام يقطعه مصرف لمن يطلب منه أن يجيز له استعمال مال معيَّن نظراً للثقة التي يشعر بها نحوه.[175]
وعليه فلا حاجةَ لانتقاد تسمية بطاقات الائتمان بهذا الاسم، واقتراح تسميتها ببطاقة الإقراض، فالقرض نتيجة تابعة للائتمان، إذ معنى الائتمان مأخوذ من الثقة التي يمنحها المصرف لعميله.
ويؤيد ذلك التعريف الذي تقدمَّ ذكره للائتمان، فقد تمَّ تفسيره بأنه: التزام بالإقراض من المصرف لعميله.[176]

 

تعريف البطاقات الائتمانية:
تعددت تعريفات البطاقات الائتمانية، فبعضها لا يخلو من نقاش ولكني سأكتفي بأهمها:
أولاً: عرفها مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته السابعة بأنها: " مستند يعطيه مصدره (البنك المُصْدِر) لشخص طبيعي أو اعتباري بناءً على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع أو الخدمات ممن يعتمد المستند (التاجر) دون دفع الثمن حالاً لتضمنه التزام المصدر بالدفع، ويكون الدفع من حساب المصدر، ثم يعود على حاملها في مواعيد دروية، وبعضها يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع بعد مدة محددة من تاريخ المطالبة، وبعضها لا يفرض فوائد.[177]
وقد قال فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي – حفظه الله – بأنَّ هذا التعريف من أفضل من وضحَّ حقيقة عمل البطاقة الائتمانية.[178]
وهو كذلك، فهو من أجمع التعريفات التي وصفت حقيقة عمل البطاقة، وكذلك اشتملَ على أطراف البطاقة، وكيفية الدفع، بينما يلاحظ عليه الطول.
ويمكن تعريفُها مختصراً فيقال: (بطاقة، تمكن المستخدم من الشراء والخدمات، دون دفع ثمنٍ حال، لالتزام مصدره بالدفع).
وهذا التعريف مع اختصاره، فإنه أدى التصور العام لحقيقة البطاقة، وأبرز مميزاتها والغرض منها.

 

المطلب الثالث: إجراءات إصدار البطاقة والتعامل بها:

لتوضيح صورة البطاقة البنكية نذكر الإجراءات العملية لإصدار البطاقة والتعامل بها:
1- يقوم العميل بتقديم طلب للمصرف مصدر البطاقة، يطالب فيها إصدار بطاقة من نوع معين، وسقف ائتمان محدد، ويوقع على الطلب، ولا بد أن يكون المصرف مرخصاً له بإصدار البطاقة من قبل المنظمة العالمية.
2- يقوم المصرف من التحقق من صحة توقيع العميل، وكتابة رصيد العميل في حسابه في الطلب المقدم، ويتقاضى عمولة على ذلك، وإذا لم يكن للعميل حساب طالبه في الغالب بفتح حساب وإيداع مبلغ من المال فيه.
3- إذا تحقق المصرف من ذلك أصدر البطاقة للعميل وسلمها إليه، ويعتبر هذا التسليم بمثابة القبول في القانون الأمريكي، لأن الإيجاب هو تقديم الطلب من قبل العميل، في حين أن القانون الإنجليزي اعتبر تقديم الطلب قبولا، لأن الإيجاب هو عرض المصرف لخدمات البطاقة، والمصرف لا يعرض ذلك إلا بعد أن يتفق مع الجهة المشرفة على البطاقة، كما بينا في الإجراء الأول.
4- يقوم حامل البطاقة بشراء البضائع من المحلات التجارية التي تتعامل بالبطاقة بعوض مؤجل على أن يدفع عنه المصرف هذا العوض إلى التاجر عن طريق مصرف التاجر، وتتضمن هذه العملية فوائد تأجيل الدفع، وغرامة تأخير، ويوقع العميل على فاتورة الشراء. وتشمل البضاعة كل ما هو موجود في السوق من ملابس وأقمشة ومجوهرات ذهبية وفضية وخدمات وغير ذلك.
5- يقدم التاجر فاتورة الشراء إلى (مصرف التاجر) ويستوفي قيمة الفاتورة منه، بعد حسم عمولة (مصرف التاجر) المتفق عليه.
6- يقدم مصرف التاجر فواتير الشراء إلى منظمة البطاقة لاستيفاء قيمة البضاعة من المصرف المصدر.
7- يتم تحصيل قيمة الفاتورة من المصرف المصدر للبطاقة لصالح مصرف التاجر، حيث يحسم المبلغ من حساب المصرف المصدر، ويودع في حساب مصرف التاجر.
8- يقوم مصرف المصدر بحسم قيمة المشتريات من حساب العميل مع احتساب العمولة والفوائد وغير ذلك.

 

المطلب الرابع: عناصر بطاقة الائتمان:

من خلال تعريف البطاقة البنكية وتاريخها يظهر لنا أن البطاقة البنكية تتضمن العناصر التالية:
1- المصرف الذي يصرف البطاقة بالنيابة عن المؤسسة العالمية للبطاقة، وهو يقوم نيابة عن حاملها بتسديد قيمة المشتريات.
2- المنظمة العالمية الخاصة بإصدار البطاقات البنكية: مثل مؤسسة (ماستر كارد) و(فيزا كارد) وهي ترخص للبنوك بإصدار البطاقة مقابل عمولة محددة، وتقوم تلك المؤسسة بتقديم الخبرة الفنية والإدارية لإدارة البطاقة.
3- حامل البطاقة: وهو العميل الذي يطلب استصدار البطاقة من المنظمة العالمية عن طريق المصرف المحلي، ويلتزم بالوفاء بقيمة المشتريات للمصرف المحلي.
4- التاجر: الذي يقبل التعاون بالبطاقة البنكية، وهو الذي يوجد عنده جهاز خاص بمعرفة صلاحية البطاقة للتعامل، وإصدار فاتورة الشراء، ويتم الاتفاق بينه وبين المؤسسة العالمية على تقديم السلع والخدمات لحامل البطاقة واستيفاء ثمنها لاحقا.
5- مصرف التاجر: وهو الصرف الذي يتعامل معه التاجر، ويقوم باستيفاء قيمة السلع والخدمات لحساب التاجر من المصارف المصدرة للبطاقة عن طريق المنظمة العالمية مقابل عمولة مقررة يدفعها التاجر لهذا المصرف.
6- الائتمان الذي يستفيده حامل البطاقة: حيث تمنحه ثقة التاجر، فيعقد معه صفقة بالأجل دون أن يدفع العوض مباشرة.
7 - تسويق بضاعة التاجر: وهذا مما يزيد من بيع السلع والخدمات وبالتالي تزيد أرباحه.
8- العمولة وهي على أنواع:
أ – عمولة يدفعها المصرف المصدر للبطاقة للمنظمة العالمية.
ب – عمولة يدفعها العميل (حامل البطاقة) للمصرف الذي يصدر البطاقة، وهي عمولة إصدار، وعمولة تمديد المدة، وعمولة سحب نقدي (فائدة).
ج – عمولة يدفعها التاجر لمصرف التاجر الذي يقوم بتحصيل ثمن البضاعة التي تم بيعها عن طريق البطاقة.
د – عمولة يدفعها التاجر للمنظمة مقابل تسويق بضائعها بالبطاقة.
9- سقف الائتمان في البطاقة، الذي لا يجوز لحاملها تجاوزه عند شراء السلع والخدمات والسحب النقدي: مثل عشرين ألف ريال، أو خمسين ألف ريال.
10- مدة البطاقة البنكية، حيث تحدد صلاحية البطاقة بمدة معينة لا يجوز لحاملها استعمالها بعد انتهاء تلك المدة إلا إذا قام حاملها بتجديدها لمدة أخرى.[179]

 

المطلب السادس: تكييفها الشرعي:

كثرت التخريجات الفقهية للعلاقة بين مصدر البطاقة(المصرف)،وحاملها(العميل) وتشعبَّ النظر فيها داخل المجامع الفقهية، إلى عدة آراء وأقوال والذي يترجحُ والعلم عندَ الله هو أنها تتضمنُ قرضاً، وهذا التخريج ألصقُ بمقاصد بطاقة الائتمان التي غايتها الإقراض.
وقد يُقال: إنَّ العلاقة بينهما تتركب من عقدين: عقد الضمان وعقد القرض، فهي عقد ضمان يؤول إلى القرض في عمليات الشراء والاقتراض من غير مصدر البطاقة، وعقد وعد بالقرض يؤول إلى القرض في عملية السحب النقدي من مصدر البطاقة.[180]

 

المطلب السابع: المعاوضة على الالتزام بالإقراض في (البطاقات الائتمانية):

المعاوضة على الإقراض في بطاقة الائتمان له صور وأشكال متعددة، وأحاول في هذا المبحث دراسة هذه الرسوم والأموال التي تؤخذ من قبل العملاء لقاء عملية إقراضهم مبلغاً مالياً:
المعاوضة الأولى: رسوم الإصدار
لم تكن جهات إصدار البطاقات الائتمانية تفرض رسوماً على حامل البطاقة في مقابل الإصدار، إلا أنها اضطرت إلى ذلك بسبب قلة الأرباح، وسعت لترويج هذه البطاقات إلى ربط إصدارها ببعض الخدمات كالتأمين، وكثيراً ما خفَّضت هذه الرسوم بسبب التنافس، بل إن بعضها يصدر البطاقة بدون رسوم لترويجها لما تدره من أرباح بسبب فوائد الديون،[181] وأما بالنسبة لحكم أخذ رسوم الإصدار لهذه البطاقات فهو محل خلاف بين أهل العلم على أقوال:
القول الأول: يحرم أخذ الرسوم. وهذا رأي الدكتور محمد القري وهذا رأي الشيخ عبد الله بن بية والشيخ علي السالوس.[182]
قالوا: أن الائتمان الذي يقدمه المصدر شبيه بالقرض، فما يأخذه من رسوم فيه شبهة الربا باعتباره من المنفعة المشروطة في القرض.[183]
ونوقش: بأنه لا علاقة بين القرض وبين هذه الرسوم، إذ تُفرض ولو لم تستخدم البطاقة، وهي رسوم مقطوعة لا تتغير بتغير دين حامل البطاقة، ثم إن الرسوم تكون عند الإصدار أي قبل وجود القرض الذي لا يحصل إلا باستخدام المشترك للبطاقة.[184]

 

القول الثاني: جواز أخذ هذه الرسوم. وهذا رأي الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان والدكتور عبد الستار أبو غدة والشيخ عبد الله بن منيع[185]، قالوا: إنَّ إصدار هذه البطاقات تكلف البنك أعمالاً إدارية كثيرة كتجهيز البطاقة وإرسال الإشعار وإجراءات فتح الملف وتعريف الجهات التي قد يحتاج للتعامل معها وما يترتب على ذلك من أعمال مكتبية وموظفين واستئجار مواقع للأجهزة وإجراء اتصالات هاتفية وتكاليف الاشتراك في المنظمات، فهذه الرسوم في مقابل هذه التكاليف.[186]

 

الرأي المختار: الذي يترجح -والعلم عند الله- هو القول بجواز أخذ رسوم التكلفة الفعلية للبطاقة وما يتكبده المصرف من أعمال زائدة على عمله المعتاد.
وذلك لما سبقَ بيانه عندَ الحديث على التكلفة الفعلية وأنه لا يجوز أن تُجعل من التكلفة والرسوم الإدراية والأدوات المكتبية والقرطاسية ستراً وحجاباً على الربا الملعون فاعله ومتعاطيه.
وعلى المصارف الإسلامية التي تتقاضى رسوم الإصدار إجراء دراسات فنية دقيقة لتقدير التكاليف الفعلية لإصدار هذه البطاقات، بحيث لا يزيد الرسم عن هذه التكاليف، أما مع عدم ربط هذه الرسوم بالتكاليف الفعلية فهو الربا بعينه، إذ قد تكون أكثر من التكاليف بكثير خاصة مع كثرة البطاقات المُصْدَرة وارتفاع هذه الرسوم حيث يصل بعضها إلى ما يقرب من ألف ريال سعودي.[187]

 

ومن الأمور التي ينبغي ذكرها في هذا المقام: أنَّه على القول بجواز تحمل المقترض نفقات التسليم والوفاء – كما سبقَ بيانه – لا بدَّ أن يعلم أنَّ المصرف سيربح من نفقات الإصدار؛ لأنه هو الذي يتولى إصدارها، والذي أقترحه وأرى أنه أبعد عن الشبهة: أن يتولى إصدار البطاقات غير المصرف؛ لئلا يحصل المحذور الشرعي، يقول الدكتور عبدالله العمراني – وفقه الله -: (التكاليف التي نصَّ عليها الفقهاء: نفقات التسليم والوفاء في عقد القرض، والتي يتحملها المقترض، مثل كيل مال القرض أو وزنه، كانت قيمة التكلفة معروفة لا يتحكم في تحديدها المقرض، حيث كان ذلك متعارفاً عليه في سوق التعامل، أو أن المقترض يدفعها مباشرة للوازن، أو الناقل، دون أن يباشر ذلك المقرض، بينما الواقع في بطاقات الائتمان المعاصرة أنَّ تحديد التكلفة الفعلية يصدر من مصرف (المقرض) وهو الذي يتحكم فيها، بدليل أن التكلفة الفعلية قد تزيد من وقت لآخر، زيادة ليست يسيرة، من غير مبرر في السوق الاقتصادية – بسبب عوامل مؤثرة – وإنما يرجع ذلك إلى المصرف المصدر لها، وعلى ذلك فلا أرى أن يكون تحديد التكلفة الفعلية من قبل المصرف المصدر للبطاقة، وإنما على المؤسسات المالية الإسلامية أن تتبنى معياراً لتحديد التكلفة الفعلية يحد بشكل جماعي، أو من قبل جهة محايدة موثوقة، حتى لا يطرأ عليه شبهة الزيادة الربوية المستترة في التكلفة الفعلية).[188]

 

المعاوضة الثانية: اشتراط فتح حساب لدى المصرف المصدر للبطاقة:
ويمكن تقسيم هذه المسألة إلى ثلاث حالات:
الحال الأولى: اشتراط نجميد مبلغ معين دون أن يتصرف فيه المصرف.
وهذا يمكن أن يخرج على اشتراط توثيق الدين بالرهن، وهذا جائز، جاء في شرح منتهى الإرادات للبهوتي: (ويصح رهن كل ما يصح بيعه من الأعيان، لأنَّ المقصود منه الاستيثاق الموصل للدين، ولو كان الرهن نقداً).[189]
وجاء في عقد الجواهر لابن شاس: (وليس من شرط الدين أن يكون ثابتاً قبل الرهن به، ولا مقارناً له، بل لو قال: رهنتُ عندك عبدي هذا، على أن تقرضني غداً ألف درهم، أو على أن تبيعني هذا الثوب، ثم استقرضَّ أو ابتاع فإنّ الرهن يلزم ويجب تسليمه إليه).[190]

 

الحال الثانية: اشتراط تجميد مبلغ معين، ويتصرف فيه المصرف.
فهنا المصرف يقوم بالتصرف بالمبلغ وهذا الاشتراط من قبيل اشتراط عقد القرض في عقد القرض، بناءً على أنَّ حقيقة وتكييف الحساب الجاري هو القرض، وحقيقة السحب النقدي ببطاقة الائتمان: القرض أيضاً، واشتراط عقد القرض في عقد القرض لا يجوز، وهذا ما يسمى بمسألة: (أسلفني وأسلفك).

 

الحال الثالثة: اشتراط فتح حساب دون تجميد مبلغ معين.
وذلك بحيث يمكن لصاحب الحساب الجاري أن يسحب منه دون قيود، وهذه الصورة لا تجوز؛ وذلك؛ لأنه من باب اشتراط عقد قرض في قرض، لاسيما وأنَّ المصرف يستفيد من وجود المال في الحساب الجاري، وعليه فحكم هذه الصورة كسابقتها إلاَّ أنَّ الاختلاف بينهما هو: تمكين العميل من التصرف في حسابه في هذه الحال، بخلاف سابقتها فالحساب مجمد، وهذا الاختلاف بين الحالين لا يؤثر على الحكم الشرعي؛ لأنَّ العلة واحدة وهي وجود المعاوضة على الإقراض.
المعاوضة الثالثة: يقوم المصرف باشتراط نسبة معينة على تأخير السداد.
وهذا هو عين ربا الجاهلية، التي جاءت النصوص بمنعه وتحريمه، وذلك بقول الدائن للمدين: إما أن تقضي وإما أن تربي، ويقول المدين: أنظرني أزدك.

 

المعاوضة الرابعة: اشتراط دفع زيادة عند الاقتراض بأكثر من المبلغ المسموح به.
فيطلب المصرف زيادة مالية لزيادة القرض على المبلغ المسموح به في البطاقة.
وهذه الزيادة المالية الأصلُ فيها المنع إلاَّ إن تكبدَ المصرف مبلغاً زائداً على عمله ويحتاج لتكلفة فعلية وليست ربحية فيجوز له أخذ ذلك وإلاَّ فلا – وهذا سيتبين عند المعاوضة الخامسة -.

 

المعاوضة الخامسة: أخذ الرسوم على السحب النقدي بالبطاقات الائتمانية
يقوم المصرف بأخذ من العميل على كل عملية يقوم بها صاحب البطاقة مبلغاً من المال، غير المبلغ المقطوع في حين إصدار البطاقة.
أي أن الساحب لن يدفع المبلغ المسحوب إلا ومعه الفائدة، وهذه الرسوم من أهم موارد جهات الإصدار، وعادة ما تكون الفوائد على شكل نسبة مئوية من المبلغ المسحوب، وقد تكون مبلغاً مقطوعاً، وقد تجمع الاثنين معاً.[191]
وهذه المسألة اختلف فيها العلماء على أقوال:
القول الأول: أنه لا يجوز أخذ الرسوم مطلقاً سواءً أكانت في مقابل نفقات فعلية أم لم تكن.وهذا رأي الدكتور محمد القري؛[192]لأن هذه الرسوم من الربا المحرم لأنها من فوائد القروض.
القول الثاني: جواز أخذ الرسوم سواءً أكانت نسبة مئوية من المبلغ المسحوب أم كانت مبلغاً مقطوعاً. وهو رأي الدكتور عبد الستار أبو غدة والدكتور محمد مختار السلامي،[193] لأن رسوم السحب النقدي في مقابل خدمات يقدمها المصدر للعميل.
القول الثالث: أنه يجوز أخذ الرسوم بشرط أن تكون مبلغاً مقطوعاً لا نسبةً مئويةً، وهذا ما صدر بالأغلبية عن الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية،[194] وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات الإسلامية.[195]
القول الرابع: أنه يجوز أخذ الرسوم بشرط أن تكون مبلغاً مقطوعاً في مقابل النفقات الفعلية لعملية الإقراض، ولا يجوز الزيادة على التكلفة الفعلية. وهذا رأي مجمع الفقه الإسلامي،[196] وهو ترجيح فضيلة الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح حيث يقول:[فإذا كانت هذه الرسوم في مقابل الخدمات كمبالغ الاتصالات وأجور الموظفين ونحو ذلك بحيث أنَّ المصرف لا يأخذ زيادة في هذه الرسوم، فإنَّ هذا جائز ولا بأس به وإن كان على خلاف ذلك كأن تكون الرسوم فيها زيادة فنقول: إنَّ هذا محرم ولا يجوز؛ لأنه من القرض الذي جرَّ نفعاً ].[197]

 

التخريج المختار: الذي يترجح والعلم عند الله هو القول الرابع؛ وذلك لأنَّ السحب النقدي في حقيقته اقتراض من المسحوب منه، فما يأخذه المقرض من زيادة ربا محرم شرعاً، وهذا من ربا القروض، ويستثنى من ذلك التكلفة الفعلية للإقراض فهي غير داخلة في المنفعة المحرمة لما سبق، وهي من أجور خدمات القروض التي أجازها مجمع الفقه في دورته الثالثة بشرط أن تكون في حدود النفقات الفعلية، وما زاد فهو ذريعة لربا القروض وستار لإخفائه.[198]

 

المعاوضة السادسة: أخذ مبالغ مالية من العميل عند صرفه للعملات:
يستطيع حامل البطاقة استخدامها في معظم دول العالم، لشراء السلع والخدمات بعملات تلك البلاد،والتي تختلف عن عملة حساب العميل لدى المصرف المصدر لها.[199]
فالعميل يشتري السلعة في غير بلده ببطاقة الائتمان فتسدد من قبل بنك التاجر بعملة ذلك البلد، ثم يعود بنك التاجر إلى المنظمة العالمية التي تسدد له بالدولار،ثم تقوم المنظمة العالمية باستيفاء المبلغ من المصرف المصدر للبطاقة بالدولار، والمصرف المصدر يقوم بدوره باستيفائه للمبلغ من العميل حامل البطاقة بالعملة المحلية للمصرف المصدر للبطاقة.[200]
ويصاحب خطوات هذه العمليات رسوم، أو عمولات، وربح في فروق الأسعار في سعر الصرف، والملاحظ فيها أنه يوجد فيها عقدا: صرف، عندما يستوفي بنك التاجر من المنظمة العالمية.
والأخرى حين تستوفي المنظمة العالمية من البنك المصدر الذي يتوفي بدوره من العميل، إضافةً إلى عقد القرض الذي هو أساس بطاقة الائتمان.
وعقد القرض لا يجوز اجتماعه مع عقود المعاوضات ومن ذلك عقد الصرف الذي هو هنا من أنواع البيوع؛ لئلا يؤدي إلى المحاباة في سعر الصرف من أجل القرض.
والواقع يدل على أنَّ سعر الصرف في العمليات التي تجري ببطاقة الائتمان أعلى من سعر الصرف السائد في ذلك الوقت، في العمليات التي تجري بدونها.

 

المبحث الثالث: الأزمة المالية القادمة في سوق البطاقات الائتمانية:

تنبأ العديد من الاقتصاديين والمحللين الماليين بحدوث الأزمة المالية العالمية وحذروا من وقوعها وخاصة بعد الفضيحة التي لحقت ببنك بي إن بي باريبا الفرنسي وظهور إشاعات تفيد بتعثره في أسواق الرهن العقاري الأمريكي منذ ما يقرب من عام. واليوم بات في حكم المؤكد قرب انفجار أزمة مالية أخرى من توابع أزمة الرهن العقاري وهي سوق بطاقات الائتمان. وهو سوق كبير لمن لا يعرف حجمه الذي يتراوح اليوم بين 800 مليار وترليون دولار أمريكي، والمعضلة في مسألة سوق البطاقات الائتمانية هي قيام الشركات الائتمانية كما حدث في سوق الرهن العقاري ببيع ديونها لممولين آخرين على أساس أن السيولة المحصلة فوراً ستساعد على فتح أسواق أكبر ومزيد من الخدمات والسيولة للمستهلك. والمجتمع الأمريكي القائم على ثقافة الاستهلاك المرتفع استوعب بسرعة كبيرة زيادات تمويل الأفراد ولكن في النهاية لم يلبث العبء المالي الكبير لهذه الفقاعة أن انفجر، فالمستهلك في نهاية الأمر لم يتمكن من تسديد رهنه العقاري مما أضر بالاقتصاد والدورة المالية وتسبب في الأزمة التي نعايشها اليوم. وعدم قدرة المستهلك على تسديد ديونه يمتد اليوم إلى سوق البطاقات الائتمانية الكبير والذي يتوقع أن تضربه الأزمة في أي وقت قريب. ومؤخراً أعلن في الولايات المتحدة عن تحويل أمريكان إكس بريس عملاق البطاقات الائتمانية إلى بنك تجاري مما يمهد لها الحصول على ودائع وبالتالي على مساعدات حكومية على غرار ما حدث في خطة الإنقاذ المالي.[201]

 

ووفقاً لأرقام الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية (سمة)، فإن عدد بطاقات الائتمان في السعودية يتجاوز 2.8 مليون بطاقة، وتوضح الدراسات أن السوق المحلية لا تزال في بداياتها في إصدار البطاقات الائتمانية، ويبلغ إجمالي قروض الأفراد في المملكة بما فيها بطاقات الائتمان وقروض شركات التقسيط، أكثر من 257 بليون ريال، تشكل نحو 16 في المائة من الناتج المحلي.[202]

 

ومن أبرز أسباب حصول هذه الأزمة المالية المتوقعة ما يلي:
السبب الأول: التساهل في الإقراض والاقتراض.
وقد ذكرَ المختصون أنَّ من أبرز مساوئ بطاقات الائتمان: الإسراف في الاستهلاك، مما يؤدي إلى سوء استخدام البطاقة من قبل حاملها، من خلال تجاوز الحدود الائتمانية المقررة لها، وعدم الالتزام بسداد المديونيات بسببها.[203]
وقد تسارعت شركات الإقراض بالتسويق لهذه البطاقات، وكأنها سلعة تُباع وتشترى.
ومن أكبر أسباب الأزمة المالية السابقة والتي تسببت في أزمة الرهن العقاري في أمريكا، حيث قامت البنوك بإغراء الناس، ودفعهم للشراء بشتى الوسائل، ونشطَ الوسطاء في جلب الناس للبنوك وإقناعهم بجدوى العملية، حتى إذا جاء وقت السداد عجز الناس عن تسديد قروض الرهن العقاري فانهارت البنوك وتلتها الأسواق في الولايات المتحدة ثم في العالم بأسره.

 

السبب الثاني: المعاوضة على الإقراض في البطاقات الائتمانية، وهذا الأمر قد تمَّ شرحه وبيانه وتفصيله، فعقد الإقراض ليس محلاً للمعاوضة البتةَ، والربا في الديون يسبب أزمات مالية واقتصادية، كما حصلَ في الأزمة المالية السابقة، فنظام الفائدة المبني على النظام الرأسمالي تأريخه تأريخ أزمات كما هو معلوم عند أهل المعرفة والاختصاص.
يقول الرازي: (الربا وإن كان زيادة في الحال إلا إنه نقصان في الحقيقة)، ويقول المراغي: (إن عاقبة الربا الخرابُ والدمار، فكثيراً ما رأينا ناساً ذهبت أموالهم، وخربت بيوتهم بأكلهم الربا)، ويقول القاسمي: (المال الحاصل من الربا لا بركة له، لأنه حاصل من مخالفة الحق، فتكون عاقبته وخيمة).

 

الخاتمة:

مما سبق يتضحُّ عدم جواز المعاوضة على الإقراض والالتزام به؛ لأنَّ الالتزام في منزلة العقد، والبديل من هذه القروض المصرفية الربوية هو:القرض الحسن، بل هو الأصل في القرض أن يكون حسناً خلياً عارياً عن الربا، والتمويل بالإقراض الحسن يحتاج إلى توافر الموارد المالية اللازمة، كما يتضمن عدم أخذ فائدة ربوية، وهذا الأمر مخالف لنشاط المصارف الحقيقي التي أُنشئت من أجله، مما يتطلب هذا كله: أن تقوم الدولة بتوفير الإقراض بدون فائدة ليكون قرضاً حسناً، لا حيلة فيه لأخذ الربا بحجة " الرسوم القرطاسية " أو " التكلفة الفعلية "، ومما يعتبر وسيلة لإلغاء الربا في المصارف: تفعيل نظام المشاركة الإسلامية، فيمكن تقديم عقد شركة العنان كبديل للفائدة الربوية، والتفصيل في هذا الأمر يطول.

وحسبي أني اجتهدتُ في بذل الوسع، وأسأل الله العلم النافع والعمل المتقبل الصالح الخالص، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

_______________________

[1] أخرجـه البيهقي في السنن الكبرى رقم (20324) 10 / 15، وذكره ابن القيم في إعلام الموقعين 1 / 67 وقال: " هذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول ".
[2] إعلام الموقعين 1 / 69.
[3] - القاموس المحيط لفيروز أبادي ص 836. مادة (عوض).
[4] - حاشية ابن عابدين 4/ 502،، ومغني المحتاج للشربيني 2/2، وكشاف القناع للبهوتي 3/ 146.
[5] - الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة 1 / 684.
[6] - الإردب: مكيال ضخم، يضم أربعة وعشرين صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم.
[7] - الشرح الكبير للدردير (3/ 145)، وجاء في حاشية الدسوقي:" قوله فأجرة كيله على المقترض، أي لا على المقرض، لأنه فعل معروفا، وفاعل المعروف لا يغرم ".
[8] - صور التحايل على الربا، صـ 334، وما بعدها.
[9] - الهمشري، الأعمال المصرفبة 81.
[10] - انظر:الهمشري، الأعمال المصرفية 82.
[11] - قرارت وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي – جدة ص (29)، قرار رقم 13 (1/ 3).
[12] - الغرياني، المعاملات 154.
[13] - الغرياني، المعاملات 156.
[14] - الغرياني، المعملات 156، الهمشري الأعمال المصرفية 86.
[15] - موسوعة أعمال البنوك، 3 / 1451.
[16] - تطوير الأعمال المصرفية، 290.
[17] - تطوير الأعمال المصرفية، 290.
[18] - السالوس، معاملات البنوك 81.
[19] - التحايل على الربا، صـ 342.
[20] - حمود، تطوير الأعمال المصرفية 287، 288.
[21] - العقود المالية المركبة، د / عبدالله العمراني، صـ 364 وما بعدها.
[22] - السالوس في البيوع والبنوك 57.
[23] - المصباح المنير: 2: 93،، القاموس المحيط: 4: 175.
[24] - المرجع السابق.
[25] - انظر: المبسوط 20 / 3، الشرح الصغير مع بلغة السالك 2/ 665، روضة الطالبين 3/ 476، المغني 7 /71.
[26] - يقول الدكتور المكاشفي طه الكباشي في كتابه: " الذمة والحق والالتزام ":[لم يتعرض أحد من فقهاء المسلمين القدامى لتعريف الالتزام على حد ما اطلعت عليه كتب المذاهب قي الفقه الإسلامي باستثناء الفقيه الحطاب من فقهاء المالكية، فقد تعرض لتعريف الالتزام في رسالته المعروفة " تحرير الكلام في مسائل الالتزام " التي نقلها عنه الشيخ عليش في كتابه " فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه ". والسبب كما يبدو في عدم تعرضهم للالتزام أو الحق الشخصي أو في علاقة المديونية، وبيان طبيعتها وعناصرها المكونة لها أن الفقهاء عموما لم يعنوا بوضع النظريات في المعاملات، لأنهم وجهوا اهتمامهم إلى الفروع والمسائل، وذلك ظاهر من كتب الفقه على اختلاف المذاهب، وليس معنى ذلك أن التحليل كان الطريقة المثلى لدى الفقهاء، أو أنهم لم يعرفوا تأصيل المسائل، وإنما معناه أن تدوين الفقه وتناوله اتخذ هذه الطريقة منهاجا له، فكان الفقيه يفتي في المسألة، فيدونها تلاميذه وينشرونها ويتداولها الآخرون وهكذا...، فكان الاهتمام منصباً على الفروع والمسائل].
انظر: الذمة والحق والالتزام، صـ 283، سبب الالتزام وشرعيته في الفقه الإسلامي للدكتور جمال الدين محمد محمود: 159.
[27] - هو:أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الرعيني، المعروف بالحطاب، فقيه مالكي. ولد بمكة سنة 902 هـ. من أشهر كتبه، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، تحرير الكلام في مسائل الالتزام توفي في طرابلس الغرب سنة 954 هـ.
انظر في ترجمته: الأعلام 7 / 58.
[28] - تحرير الكلام في مسائل الالتزام ص: 68. للحطاب المالكي، بتحقيق عبدالسلام محمد الشريف. ط: دار الغرب.
[29] - انظر: نظرية الأجل في الالتزام ص: 30. للدكتور: عبدالناصر توفيق العطار. دار النهضة العربية.
وانظر كذلك: أسباب انحلال العقود لعبدالرحمن بن عايد العايد، صـ 35 وما بعدها.
[30] - انظر: الذمة والحق والالتزام، صـ 283، سبب الالتزام وشرعيته في الفقه الإسلامي للدكتور جمال الدين محمد محمود: 159
[31] - المدخل الفقهي العام 1/ 436، 3/ 281.
[32] - فائدة: الفرق بين الالتزام والإلزام:
الالتزام أثرٌ من آثار العقد – بالمعنى العام – حيث يترتب على العقد التزامات عديدة، فعقد البيع يترتب عليه نقل المبيع إلى المشتري، ونقل الثمن إلى البائع وتسليم المبيع إلى المشتري، وتسليم الثمن للبائع.
ويمكن القول بعد هذا بأنَّ الالتزام هو: ما أوجبه الإنسان على نفسه، سواء كان ذلك ناتجاً عن عقد بينه وبين آخر وأو كان نتيجة لإرادة منفردة.
والإلزام هو: ما يوجبه الشارع على الإنسان من واجبات، كالنفقة على القريب، وضمان المتلفات ونحو ذلك.
انظر / المدخل إلى فقه المعاملات المالية، د. محمد عثمان شبير صـ 203، والذمة والحق والالتزام للمكاشفي 295 وما بعدها.
[33] - مقاييس اللغة 4 / 86.
[34] - صيغ العقود في الفقه الإسلامي. صـ 30. د. صالح بن عبدالعزيز الغليقة. ط: كنوز اشبيليا.
[35] - ضوابط العقود، لعبدالحميد البعلي، صـ 44، وانظر كذلك: المدخل إلى فقه المعاملات المالية أ. د. محمد عثمان شبير.
[36] - تفسير السعدي - (ج 1 / ص 218).
[37] - مجلة الأحكام العدلية، مادة[ 103 ].
[38] - انظر: المدخل الفقهي العام 1/ 436، 3 / 81، المدخل في تعريفات بالفقه الإسلامي لمحمد شلبي ص: 413، وانظر كذلك: أسباب انحلال العقود المالية صـ 35.
[39] - المصباح المنير 2 / 758.
[40] - معجم المصطلحات الاقتصادية لنزيه حماد صـ 277.
[41] - المدخل إلى فقه المعاملات المالية، صـ 203، وما بعدها.
تنبيه: قال الشيخ عبدالله بن منيع – حفظه الله -:[ وأما الفرق بين ما يدل على الالتزام وما يدل على العِدَة فالمرجع فيه إنما هو إلى ما يفهم من سياق الكلام وقرائن الأحوال بحيث دل الكلام على الالتزام ولهذا قال الشيخ خليل في مختصره في باب الخلع ولزوم البينونة إن قال: إن أعطيتني ألفاً فارقتك أو أفارقك إن فهم الالتزام أو الوعد إن ورطها فالشرط في قوله إن ورطها راجع إلى الوعد قال في التوضيح كما لو باعت قماشاً أو كسرت حليها والله تعالى أعلم.
ولا يفرق بين العِدَة والالتزام بصيغة الماضي والمضارع كما قد يتبادر للفهم من كلام ابن رشد في رسم حلف من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، وسيأتي في الباب الثالث إن شاء الله تعالى ذكره بتمامه فإن الالتزام قد يكون بصيغة المضارع إذا دلت القرائن عليه كما يفهم من كلام الشيخ خليل الماضي في مسألة الخلع ومن كلام ابن رشد المتقدم قريباً ومن كلام أصبغ الآتي في الفرع بعد هذا، نعم صيغة الماضي دالة على الالتزام وإنفاذ العطية والظاهر من صيغة المضارع الوعد إلا أن تدل قرينة على الالتزام كما يفهم من كلام ابن رشد فتأمله والله تعالى أعلم] انتهى. بحوث في الاقتصاد الإسلامي، صـ 128. ط: المكتب الإسلامي.
[42] - أضواء البيان 3 / 328.
[43] - المحلى لابن حزم 8/29.
[44] - التمهيد لابن عبدالبر 3/207، الوفاء بالوعد لنزيه حماد ضمن بحوث مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 5 جزء 2 ص 832 ـ 833.، بيع التقسيط للتركي ص443 ـ 444.
أحكام القرآن للجصاص3/442، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص288، الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/90، ينظر: المبدع 9/345، الإنصاف 11/152. المحلى 8/28. وجاء في الفروق للقرافي 4/24ـ25:((قال مالكٌ إذا سألك أن تهب له ديناراً فقلت: نعم، ثمّ بدا لك لا يلزمك... قال سحنون:... أمّا مجرّد الوعد فلا يلزم الوفاء به بل الوفاء من مكارم الأخلاق....وقال أصبغ:... والذي لا يلزم من ذلك ـ يعني من الوفاء بالوعد عند المالكية ـ أن تَعِدَهُ من غير ذكر سبب؛فيقول لك أسلفني؛فتقول: نعم))، وينظر:الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 18/80.
[45] - المبدع 9/345، والإنصاف 11/152.
[46] - الاختيارات ص331.
[47] - أضواء البيان 4/304 ـ 305.
[48] - تحرير الكلام في مسائل الالتزام للحطاب ص 154.
[49] - تحرير الكلام للحطاب ص 154.
[50] - الأذكار للنووي مع شرحها الفتوحات الربانية 6/158.
[51] - المبدع 9/345، والإنصاف 11/152.
[52] - المحلى 8/28.
[53] - الأشباه والنظائر لابن نجيم ص288، مجلة الأحكام العدليّة مع شرحها درر الحكام المادة رقم 8 1/77..
[54] - الفروق للقرافي 4/25، تحرير الكلام للحطاب ص 155.
[55] - تحرير الكلام للحطاب ص 153.
[56] - إيضاح المسالك ص 99.
[57] - بيع التقسيط للتركي ص467.
[58] - بيع المرابحة للآمر بالشراء له ضمن بحوث مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 5 ج 2 ص 1092.
[59] - الوفاء بالوعد له ضمن بحوث مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 5 ج 2 ص 855.
[60] - أخرجه مالك بسندٍ صحيح في الموطأ2/745 قال في إرواء الغليل 3/408 وخلاصة ما ذكرفيه قوله:((فهذه طرقٌ كثيرة لهذا الحديث قد جاوزت العشر وهي وإن كانت ضعيفة مفرداتها فإن كثيراً منها لم يشتدّ ضعفها، فإذا ضمّ بعضها إلى بعض تقوى الحديث بها وارتقى إلى درجة الصحيح إن شاء الله تعالى)).
[61] - مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 5 ج 2 ص949.
[62] - مجلة المجمع عدد 5 ج 2 ص 1599.
[63] - مجلة البحوث الإسلامية عدد 7 ص 114.
[64] - المرابحة للضرير ضمن بحوث مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 5 ج 2 ص 1000.
[65] - وللاستزادة ينظر ما يلي: بيع التقسيط للتركي، وحكم الوفاء بالوعد للشيخ أحمد بن محمد الرزين، بحوث في الاقتصاد الإسلامي للشيخ عبدالله بن سليمان بن منيع صـ 103، مجلة مجمع الفقه الإسلامي ففيها عدد من البحوث في مسألة المرابحة.
[66] - سيأتي العزو لأقوالهم – بإذن الله – عند الترجيح في المسألة.
[67] - حاشية ابن عابدين 5 / 240.
[68] - صحيح البخاري مع الفتح 10 / 278، وصحيح مسلم 3 / 125.
[69] - الفروق للقرافي 1 / 229.
[70] - صيغ العقود في الفقه الإسلامي / صـ 72.
[71] - المبدع 4 / 59.
[72] - أجاب بعضهم على هذا الدليل بما ذكره ابن القيم – رحمه الله – من جواز تأخير تسليم المبيع، وأنه لا يوجد دليل في الكتاب ولا في السنة على وجوب التسليم بعد وحالة العقد مباشرة، فمن قوله – رحمه الله -: (فلا الشارع أوجب أن يكون كل مبيع مستحق التسليم عقيب العقد، ولا العاقدان التزما ذلك، بل تارة يعقدان العقد على هذا الوجه، وتارة يشترطان التأخير إما في الثمن وإما في المثمن، وقد يكون للبائع غرض صحيح ومصلحة في تأخير التسليم للمبيع، كما كان لجابر رضي الله عنه غرض صحيح في تأخير تسليم بعيره إلى المدينة، فكيف يمنعه الشارع ما فيه مصلحة له ولا ضرر على الآخرة فيها؟ إذ قد رضي بها كما { رضي النبي صلى الله عليه وسلم على جابر بتأخير تسليم البعير }، ولو لم ترد السنة بهذا لكان محض القياس يقتضي جوازه). انتهى.
إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 59).
وعليه فأرى أنه لا يمكن أن يحتج على دليل الجمهور وهو أنه يجب نقل الملك عند العقد والشرط يمنعه، بالنصوص الدالة على جواز تأخير التسليم؛ وذلك لأنَّ نقل الملك شيء، وتعجيل التسليم وتأخيره شيءٌ آخر.
[73] - الفروع 4 / 62، المبدع 4 / 59، الإنصاف 4 / 356.
[74] - مجموع الفتاوى 29 / 346، 350.
[75] - إعلام الموقعين 3 / 387.
[76] - متفق عليه، صحيح البخاري 9 / 217، صحيح مسلم 2 / 1053.
[77] - قال ابن القيم – رحمه الله – (وتعليق النكاح بالشرط في تزويج موسى بابنة صاحب مدين وهو من أصح نكاح على وجه الأرض، ولم يأت في شريعتنا ما ينسخه، بل أتت مقررة له كقوله صلى الله عليه وسلم: " إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج " فهذا صريح في أن حل الفروج بالنكاح قد يعلق على شرط، ونص الإمام أحمد على جواز تعليق النكاح بالشرط، وهذا هو الصحيح، كما يعلق الطلاق والجعالة والنذر وغيرها من العقود). إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 4 / ص 228).
[78] - في صحيحه، كتاب الحرث والمزارعة، برقم (2328).
[79] - إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 4 / ص 228).
[80] - إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 4 / ص 228).
[81] - صحيح البخاري 5 / 354،
[82] - علقه البخاري في صحيحه في الخصومات، ووصله ابن أبي شيبه 5 / 392، وابن حجر في تغليق التعليق 3 / 326.
[83] - إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 4 / ص 227).
[84] - الممتع لابن عثيمين – رحمه الله – 8 / 254.
[85] - حاشية ابن عابدين 5 / 242، البحر الرائق 6 / 179.
[86] - اختلف المالكية في استثناء هذه الصورة، انظر المواهب 3 / 445.
[87] - قال أصبغ: (إنه مجمع على إجازته، وهو من وصايا المسلمين، ولولا الإجماع لمنع المالكية هذا العقد؛ لأن القياس يقتضي منعه؛ لأنَّ المرض قد يطول فيتأخر القبول عن الإيجاب). مواهب الجليل 3 / 422.
[88] - كشاف القناع 3 / 195.
[89] - المبدع 4 / 60.
[90] - لتفصيل هذه الصور انظر: صيغ العقود في الفقه الإسلامي، صـ 69.
[91] - كشاف القناع 3 / 195.
[92] - حاشية الدسوقي 2 / 221.
[93] - بدائع الصنائع 5 / 133.
[94] - مواهب الجليل 4 / 231.
[95] - نهاية المحتاج 3 / 378.
[96] - فقد نص الحنابلة – رحمهم الله – على جواز إجراء العقد بالكناية إذا كانت هناك نية أو قرينة، أما إذا كانت صيغة المضارع مجردة من النية والقرينة فلا تصلح لإنشاء العقود. انظر في ذلك: كشاف القناع 3 / 147، الإنصاف 4 / 261.
[97] - حاشية الدسوقي 3 / 4.
[98] - بدائع الصنائع 5 / 133.
[99] - العناية 6 / 249.
[100] - القواعد النورانية صـ 127.
[101] - بدائع الصنائع 5 / 133، مواهب الجليل 4 / 231، نهاية المحتاج 3 / 378.
[102] - فائدة:
استثنى من ذلك المالكية: عقد النكاح، إذا كان بلفظ الإنكاح والتزويج، فجعلوا في هذا الحال دلالته صريحة كالماضي.
انظر / مواهب الجليل 3 / 419.
وردَّ بعض المالكية هذا الاستثناء فقالوا: " فيه نظر؛ إذ العقود إنما تحصل بالماضي دون المضارع؛ لأنَّ الأصل فيه الوعد، وفي الماضي اللزوم ". حاشية الدسوقي 2 / 221.
وللاستزادة في هذه المسألة وما قبلها أحيل على كتاب صيغ العقود في الفقه الإسلامي، للدكتور: صالح الغليقة، صـ 136.
[103] كشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي، دار الفكر، بيروت، 1982، ج3، ص298، الإنصاف، بن سليمان المرداوي الحنبلي، تصحيح وتحقيق: محمد الفقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1956، ج5، ص123.
[104] كفاية الطالب الرباني، القيرواني، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ج2، ص 455.
[105] - أثر القرض الحسن المقدم من المصارف الإسلامية في تنمية المجتمع، صـ 8 وما بعدها. ت / سيف هاشم.
[106] - حديث أبي رافع – رضي الله عنه-: " أنه صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكر..."، أخرجه مسلم، الحديث رقم (1600)، صحيح مسلم 3/ 1224.
[107] - لابن منظور 9/ 158 مادة (السلف).
[108] - سورة البقرة، من الآية: 282.
[109] - لسان العرب لابن منظور 13 / 167، مادة (الدين).
[110] - أحكام القرآن، لابن عربي 1/ 337.
[111] - الفروق للقرافي 1 / 150، إعلام الموقعين 2 / 28.
[112] - المدخل الفقهيّ العامّ للشيخ مصطفى الزرقا (1/495).
[113] - للمزيد: انظر بيع العربون وبعض المسائل المستحدثة فيه، للدكتور: رفيق المصري. دار المكتبي – دمشق.
[114] - الصحاح في اللغة - (ج 1 / ص 456).
[115] - القاموس المحيط - (ج 1 / ص 96).
[116] - النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (3/202).
[117] - فقه البيع والاستيثاق والتطبيق المعاصر، أ. د. علي السالوس: 1 / 268.
[118] - الموطأ للإمام مالك كتاب البيوع باب العربان (4/ 57) من كتاب المنتقى للباجي.
[119] - سنن ابن ماجه 2 / 739.
[120] - تاج العروس للزبيدي (1/372).
[121] - انظر: فتاوى السفدي الحنفي: 1/467،473، التمهيد: 24/178،179، المجموع شرح المهذب: 9/317.
[122] - رواه أبو داود في سننه تحت رقم 3502، وابن ماجه في سننه تحت رقم 2193، والبيهقي في سننه الكبرى (5/342)،.
[123] - انظر التلخيص الحبير لابن حجر العسقلاني (3/17)، ومعالم السنن للخطابي (5/143)، والمجموع شرح المهذّب للنووي (9/407). وضعفه الألباني في " ضعيف ابن ماجه " (1473).
[124] - في تفسره (4/392).
[125] - بيع العربان في ضوء الشريعة الإسلامية، د. أبو حسام الدين الطرفاوي، صـ 45.
[126] - ضمن إجابة على فتوى بعنوان: (بطاقة التخفيض)، بموقع الإسلام اليوم.
[127] - في تفسيره (5 / 150).
[128] - مجلة المجتمع، العدد 1697، بتأريخ: 15 / 4 / 2600، فتوى للدكتور عجيل النشمي.
فائدة: وعلى هذا فيكون تكييف بيع العربون إن لم يحصل شراء، فيكون ما أخذه البائع من المشتري إنما هو للانتظار، ولحبس السلعة للمشتري، ولالتزامه بإمساكها له.
وهناك من قال: بأنه من باب الشرط الجزائي، ولكنه ضعيف ولا يصح؛ للفرق بينهما من عدة أوجه.
وللمزيد انظر: بحث العربون، للشيخ عبدالله بن منيع، ضمن كتابه: بحوث في الإقتصاد الإسلامي صـ 32، وانظر كذلك الشرط الجزائي وأثره في العقود المعاصرة، صـ 156، وما بعدها.
[129] - قال المرداوي في (الإنصاف: 4/357):[ الصحيح من المذهب: أن بيع العربون صحيح، وعليه أكثر الأصحاب، ونص عليه، وجزم به في الوجيز وغيره، وقدمه في المحرر والتلخيص والشرح والفروع والمستوعب وغيرهم.
وهو من مفردات المذهب.
وعند أبي الخطاب: لا يصح، وهو رواية عن أحمد.
قال المصنف: وهو القياس، وأطلقهما في الخلاصة والرعايتين، لكن قال في الرعاية الكبرى: المنصوص الصحة في العقد طاعة قوله: وهو أن يشتري شيئا ويعطي البائع درهما ويقول إن أخذته وإلا فالدرهم لك.
الصحيح من المذهب أن هذه صفة بيع العربون، ذكره الأصحاب، وسواء وقت أو لم يوقت، جزم به في المغني والشرح والمستوعب وغيرهم وقدمه في الفروع
وقيل العربون: أن يقول إن أخذت المبيع وجئت بالباقي وقت كذا وإلا فهو لك جزم به في الرعايتين. أ ـ هـ
[130] - انظر هذه الآثار في مصنف ابن أبي شيبة، برقم: (23195) وما بعده، وانظر كذلك الأحاديث في البيوع المنهي عنها رواية ودراية، للباتلي، صـ 122 وما بعدها.
[131] - رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (5 / 392)، وعلقه البخاري (الفتح 5 / 91)، ورواه الأثرم في سننه، من طريق ابن عيينة عن عمرو - هو ابن دينار - عن عبد الرحمن بن فروخ، وفي إسناده عبد الرحمن بن فروخ العدوي مولاهم، قال الحافظ في التقريب ص348: مقبول، من الثالثة، ولم يصرح البخاري بذكره.ا.هـ
وقال الألباني في مختصر البخاري (2 / 137): إن عبد الرحمن هذا أشار الذهبي إلى أنه مجهول، لم يرو عنه غير عمرو بن دينار.
وذكر الحافظ في الفتح (5 / 91،92) أن عمر بن شبة رواه في أخبار مكة من طريق ابن جريج: أن نافع بن عبد الحارث.. فذكره، فأسقط عبد الرحمن، والصحيح أن ابن جريج يرويه عن عبد الرحمن أيضاً، كما روى ذلك عبد الرزاق في مصنفه (5 / 147،148).
ومع هذا فإن الظاهر والله أعلم أن هذا الأثر مما يحتج به، خاصة أن عمرو بن دينار كان يفتي به، ويحتج به، وكذلك كان الإمام أحمد يحتج به، فذكره في معرض الاستدلال على جواز بيع العربون كما نقله عنه ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير (4 / 59) قالا: قال الأثرم: قلت لأحمد: تذهب إليه؟ قال: أي شيء أقول؟ هذا عمر - رضي الله عنه -، وذكر الأثرم هذا الحديث بإسناده.
ومما يقوي هذا الحديث أيضاً أن قصة شراء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - داراً للسجن بمكة من صفوان بن أمية قد اشتهرت بين أهل العلم، وبين من كتب في تاريخ مكة مثل: الأزرقي، والفاكهي، وابن شبة، حتى إنها كانت موجودة في عصر الفاكهي، وكانت لا تزال سجن مكة، فليراجع، والله أعلم.
للمزيد انظر / بحث في بيع العربون، للباحث: عدنان بن علي الأحمدي.
[132] - مصنف ابن أبي شيبة، برقم: (23195).
[133] - نيل الأوطار 5/173.
[134] - ذكره البخاري معلقاً بصيغة الجزم، وقال في فتح الباري لابن حجر - (ج 8 / ص 287):[ ووجهه بعضهم بأن العادة أن صاحب الجمال يرسلها إلى المرعى، فإذا اتفق مع التاجر على يوم بعينه فأحضر له الإبل فلم يتهيأ للتاجر السفر أضر ذلك بحال الجمال لما يحتاج إليه من العلف، فوقع بينهم التعارف على مال معين يشترطه التاجر على نفسه إذا أخلف ليستعين به الجمال على العلف. وقال الجمهور: هي عدة فلا يلزم الوفاء بها، والله أعلم ].
والذي يظهر – والعلم عند الله – أنَّ هذا ليس من الوعد، لكنه من باب العقد والالتزام، ولذلك قضى عليه شريح بوجوب الوفاء، ويكون من باب تعليق عقود المعاوضة على الشرط، والتعليق هنا ظاهر، ولذلك ذكره البخاري – رحمه الله – في باب الشروط.
ولذلك احتجَّ بهذا الأثر ابن القيم – رحمه الله – في إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 4 / ص 230).
إلاَّ أن يقال بوجوب تسليم الثمن في بيع العربون، ولا يجوز تأخيره، وإلاَّ لا يكون عربوناً. والله تعالى أعلم.
فائدة: هناك مسائل عدها بعض أهل العلم ليست من العربون على اختلاف المذاهب الفقهية، يطول بسطها، انظر للمزيد: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للضرير، صـ 123 وما بعدها.
[135] - " فتاوى إسلامية " (2 / 384).
[136] - " مجمع الفقه الإسلامي " الدورة الثامنة / قرار (76 / 3 / 85).
[137] - صحيح: أخرجه أبو داود (3460)، وابن ماجه (2199) والبيهقي (6/27) وغيرهم.
[138] - انظر: حكم بيع العربون، للدكتور: ماجد أبو رخية، وانظر كذلك الخروج من خلاف الفقهاء في المعاملات للدكتور الشاذلي، صـ 76 وما بعدها.
[139] - الفروق للقرافي 1 / 150.
[140] - مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل - (ج 13 / ص 282).
[141] - مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل - (ج 16 / ص 453).
[142] - فتح القدير لابن همام 6/ 484، وحاشية ابن عابدين 5/ 167.
[143] - الهداية 3/ 60.
[144] - حاشية الدسوقي 3/ 223، وبلغة السالك للصاوي 2/ 106.
[145] - قال الرملي في نهاية المحتاج 4/ 223: " وضع القرض أنه تمليك الشيء برد مثله فساوى البيع... وكون القرض فيه شائبة تيرع كما يأتي لا ينافي ذلك، لأن المعاوضة فيه هي مقصودة. والقائل بأنه غير معاوضة هو مقابل الأصح ". وقال 4/ 224: "لأن القرض فيه شائبة تبرع... ولو كان معاوضة محضة لجاز للولي غير الحاكم قرض مال موليه من غير ضرورة ". وقوله: " لأن المعاوضة فيه هي المقصودة " لا يتلاءم مع قوله بعد ذلك 4/ 230:" والمعنى فيه – في خبر فضالة بن عبيد رضي الله عنه – أن موضوع القرض الإرفاق فإذا شرط فيه لنفسه حقا خرج عن موضوعه فمنع صحته "، مغني المحتاج للشربيني 2/ 117 – 119.
[146] - جاء في المنتقى للباجي 5/ 29 – في معرض كلامه عن القرض -:" ليس من عقود المعاوضة، وإنما هو من عقود البر والكرامة ".
[147] - المهذب للشيرازي 1/ 303، وشرح المحلى وحاشية القليوبي عليه 2/ 258.
[148] - الهداية لأبي الخطاب 1/ 149 والمغني لابن قدامة 6/ 436، وشرح منتهى الإرادات للبهوتي 2/ 99، 102.
[149] - بداية المجتهد 2/ 126.
[150] - حاشيته على الشرح المحلى على منهاج الطالبين 2/ 258.
[151] - إعلام الموقعين 1/ 481.
[152] - كشاف القناع 3/ 312.
[153] - انظر كتاب المنفعة في القر للعمراني، صـ 32.
[154] - نهاية المحتاج 4/ 223.
[155] - قال الألباني: الحديث (ضعيف) انظر حديث رقم: 4244 في ضعيف الجامع.
[156] - انظر أثر فضالة بن عبيد بنحوه، وقد أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5 / 350، وعن التابعين انظر مصنف ابن أبي شيبة 8 / 145.
[157] صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب المساقاة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً، حديث رقم(4039)،ج11/16.
[158] - صحيح البخاري - (ج 12 / ص 182).
[159] - الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة، ج 1 / صـ 355.
[160] - الأعمال المصرفية والإسلام، للهمشري، صـ 165 وما بعدها.
[161] - الحسابات والاعتمادات المصرفية، رزق الله أنطاكي، دار الفكر، 1969 م، ص 353.
[162] - وهذا وجه الفرق بين العمولة عن الفائدة، إذ الفائدة لا تكون إلا بمقابلة ما يقرضه البنك للعميل من مال.
[163] - الموجز، سميحة القليوبي، 1/ 270.
[164]- انظر: عمليات البنوك من الوجهه القانونية، ص 445. الموجز، سميحة القليوبي 1/ 271.
[165] - وهناك أقوال أخرى بعيدة عن الصواب – فيما أرى والله أعلم -، انظر في ذلك: القرض المصرفي، صـ 504، والربا والمعاملات المصرفية، صـ 374، ج1.
[166] - الربا والمعاملات المصرفية، صـ 360.
[167] - تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية، ص 289 وما بعدها.
[168] - انظر الحسابات والاعتمادات المصرفية ص، 237.
[169]- انظر المرجع السابق، ص 237 -241.
[170]- المرجع نفسه، ص 242 وما بعدها.
[171] - هذه المعلومة مدونة على غلاف كتابه الذي رجعت إليه، وتاريخ ذلك الكتاب يعود لعام 1969 م أي قبل ستة وعشرين عاما من كتابة هذه السطور، فالله أعلم بما هو عليه اليوم – من كلام الدكتور الدكتور السعيدي-.
[172] - الربا في المعاملات المعاصرة، 1 / 374 وما بعدها.
[173] - المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي، شبير، صـ 174 وما بعدها- بتصرف -.
[174] - البطاقات اللدائنية للدكتور محمد العصيمي: ص95.
[175] - بطاقات الائتمان غير المغطاة (بحث للدكتور محمد القري ضمن مجلة مجمع الفقه): ع12ج3ص530.
[176] - وقال هؤلاء بأنَّ هناك فروق كثيرة بين الائتمان والقرض، منها ما يلي:
1ـ أن المقترض يُعْطى المال مباشرة، وفي الائتمان يُعطى الشخص القدرة على قضاء حوائجه دون دفع الثمن ثقةً فيه على أن يسدد في وقت لاحق.
2ـ أن مبلغ القرض يثبت في ذمة المقترض كاملاً حين قبضه، أما في الائتمان فإنه لا يثبت من المبلغ في ذمة من مُنح الائتمان إلا ما تم صرفه فعلاً.
3ـ يقابل القرض في الإنجليزية (Loan)، ويقابل الائتمان Credit)).
انظر: البطاقات البنكية للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان (ص23)، والبطاقات المصرفية لعبد الرحمن الحجي (رسالة ماجستير): ص39، وهذه الفروق التي ذكروها ليست حقيقية، وإنما هي من تلفيق وتدوير الكلام، وتغيير المسميات لا يغير من الحقائق شيئاً.
[177] - مجلة مجمع الفقه: ع12ج3ص676.
[178] - شرحه – حفظه الله – على متن زاد المستقنع، وهو مسجل.
[179] - انظر هذه الفقرة وما قبلها من كتاب المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي، شبير، صـ 180 وما بعدها.
[180]- البطاقات المصرفية للحجي: ص156.
[181]- البطاقات اللدائنية: ص209.
[182]- مجلة المجمع: ع7ج1ص390، ع8ج2ص596، ع12ج3ص642،648،664.
[183]- بحث القري: المجلة ع7ج1ص397.
[184]- البطاقات البنكية: ص222، وتعقيب العثماني: مجلة المجمع: ع7ج1ص674.
[185]- البطاقات البنكية: ص150، ومجلة المجمع: ع7ج1ص362،410، ع12ج3ص509،657.
[186]- مجلة المجمع: ع12ج3ص482،509.
[187]- بحث القري في المجلة: ع7ح1ص381.
[188] - العقود المالية المركبة، صـ 364.
[189] - 2 / 104.
[190] - 2 / 582.
[191]- البطاقات اللدائنية: ص203،204.
[192]- بحث القري في مجلة المجمع: ع7ج1ص393.
[193]- المصدر السابق: ع7ج1ص667، ع12ج3ص489.
[194]- انظر القرار رقم (463) في السنة الثالثةـالدورة الثالثة 19/3/1422هـ، وانظر الشرط 4 من المرفق 1 (شروط وأحكام إصدار بطاقة الراجحي الائتمانية)، وكذلك القرار رقم (466) في نفس التاريخ.
[195]- جاء ذلك في ص24 من المعيار في المادة 4/5.
[196]- قرار المجمع: ع12ج3ص676.
[197] - فقه المعاملات المالية – دورة علمية بجامع الراجحي ببريدة – مسجل.
[198]- بحث د. نزيه حماد: ع12ج3ص521، وقرار المجمع: ع12ج3ص676.
[199] - مجلة مجمع الفقه الإسلامي ع 12، ج2 /518.
[200] - العقود المالية المركبة، صـ 370.
[201] - http://www.alwatan.com.sa/news/alwatanop2.asp?issueno=2966&id=3883
[202] - http://lojainiat.com/?action=dnews&mid=12994
[203] - البطاقات اللدائنية، محمد العصيمي ص/220-229، الخدمات المصرفية وموقف الشريعة الإسلامية منها، علاء الدين زعتري، ص/570.