28 رجب 1435

السؤال

السلام عليكم.. أنا شاب أبلغ من العمر ٢٧ سنة.. أردت الزواج وكنت حريصا في الاختيار حيث اخترت فتاة رأيت فيها الخلق والدين، وكنت أخاف أن أختار فتاة فيها الصفات التي أكرهها من معرفة الشباب ونحو ذلك، أو أن تكون غير بكر؛ فكلمتها بأني أريد الزواج بها فوافقت، فأردت اختبارها أكثر من مرة.. إلى أن جاء يوم ووافقت وطلبت مقابلتي في شقتي فتعجبت.. وكنت أتمني ألا تحضر حتى يخيب ظني، ثم كانت الفاجعة الأولي أنني والعياذ بالله وقعت معها في الذنب بسبب الشهوة والشيطان! ثم كانت الفاجعة الأخرى اكتشافي أنها غير بكر.. فجن جنوني!
ثم بعدها بدأت تكرر طلب اللقاء وأحسست أنها تريد كذلك أن تورطني في الزواج بها.. وتلح وتقول: كيف ستتركني؟ سأقتل نفسي... وهكذا.
ثم أخبرت أهلها، بل وتركت الدراسة بدعوى أنها تريد أن تكون زوجة لي فقط! فأحسست أنها تحاصرني من كل الجهات!
ومن جهتي.. استغفرت وتبت توبة نصوحا وسألتها بالله ألا تأتي إلي مرة أخرى وأني أريد الحلال والعفاف وأخاف من هذه المعصية.. وقد تعبت من التفكير، وكذلك لما واجهتها بعدم بكارتها أنكرت في البدء.. ثم اعترفت بأن ذلك بسبب لهوها مع ابن عمها وهي صغيرة! فوددت لو أني مت قبل أن أعرفها! لكني في نفس الوقت فكرت في الستر عليها بالزواج، وبالفعل خطبتها ككفارة لذنبي بأني دعوتها لشقتي والذنب الذي وقعنا فيه مع أنه بقبولها ورغبتها، لكني لم أجد الراحة وأعيش في جحيم، ودائما ما أشك فيها في أي تصرف، كما أنها لا تقبل أبدا بأي تصور لتركها؛ فأخاف أن أظلمها بفسخ خطوبتي وتركها.
أعينوني رفقا بي.. جزاكم الله خيرا.. فأنا في حال لا يعلم بها إلا ربي!

أجاب عنها:
خالد عبداللطيف

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
أخي المستشير..
قبل أن أشير عليك فيما تسأل عنه.. لابد من وقفات مع هذه القضية الشائكة المركبة التي تختلط فيها الأمور اختلاطا شديدا!
فأنت أخي (غفر الله لك وتقبل توبتك وهداك للحق والسداد) تتحدث عن نفسك بأنك حريص على اختيار الزوجة الصالحة.. ثم تتحدث عن طريقتك الخاصة في التحقق من ذلك بأنك تختبر الفتاة بمراودتها عن نفسها!!
سبحانك ربي هذا انحراف عظيم!!
وتصور بنفسك لو أن هذا المنطق ساد بين الناس.. كيف يمكن أن يكون الحال؟!
بل دعني أسألك (كما سأل النبي صلى الله عليه وسلم الشاب الذي جاءه يستأذن في الزنا).. فأقول لك بشأن ما فعلت: هل ترضاه لأختك أو لبنتك أو لأي من محارمك؟!
وها أنت الآن – أخي - بعد أن أوردت نفسك هذا المورد تطلب الرفق بك.. فهلا رفقت بنفسك وبيوت الناس وحرماتهم قبل ذلك؟!
أخي.. لا تستغرب من قسوة هذه العبارات.. بعد أن قسوت أنت على فتاة لم تتحمل هذا المكر والتلاعب بعواطفها ومشاعرها.. فانساقت لاستدراجك الذي زيّنه الشيطان لك بدعوى الاختبار؛ لتتورطا جميعا في هذا المأزق المشين!
أما وقد وقع ما وقع.. وأظهرت الندم الشديد والتوبة النصوح من هذا المسلك الشيطاني الذي أدى لفعلك الفاحشة؛ فأكثر من الاستغفار والدعاء للعليم الحكيم أن يعفو عنك ويلهمك الهدى والسداد، فهو جل وعلا يقبل التوبة عن عباده ويأخذ بأيديهم ويعينهم متى صدقوا في الإنابة واللجوء إليه.
والذي أشير به عليك الآن:
أن تديم نفسك على التوبة من ذنبك الكبير، وتندم بقلبك من فعله، وتصلح ما فات، وتعود إلى الله بقلبك وعملك.
ويجب عليها هي أيضا أن تدرك أن التوبة واجبة لازمة عليها من ذنبها الكبير، وأن الندم والإصلاح هما لازمان لذلك.
وأرى أن تستعين بالله وتستخيره في إتمام الزواج بهذه الفتاة، خصوصا أنك وصفتها في الأساس بالخلق والدين، ومن ثم فهي ليست معروفة بالفساد والرذيلة. وأما وقوع الخطيئة بينكما فعليك الكفل الأكبر منه بسعيك المشين في استدراجها بدعوى اختبارها. كما أن تأنيب الضمير سيلاحقك لا محالة ويكدّر حياتك إن تركتها بعد أن سلكت هذا المسلك معها.
واعلم أخي أنه يلزمكما لعقد هذا الزواج التوبة النصوح لكليكما مما جرى، ومن ثم بناء زواجكما على الصلاح والعفاف، والصدق والاستقامة.
ثم أوصيك بعد الزواج.. أن تتجنب الجور في الشك من غير ريبة، مع حقك في حفظ بيتك وزوجتك من أسباب الفتن والاختلاط، والحرص على الطاعات والصالحات، بما لك من قوامة، وفي ظلال من التفاهم والعشرة بالمعروف، واحذر كل الحذر أن تعيّرها يوما أو تشعرها بشيء مما سلف وكان!
ولعلك أخي بعد ذلك ترى من حالها واستقامتها ما ينشرح له صدرك ويستقر به أمرك ويصلح به بيتك؛ أو - لا قدر الله - إن بدر شأن آخر فيكون ما يناسبه بعد التثبت وطلب المشورة، بعد أن تكون قد أعذرت إليها بالستر والزواج.
أسأل الله أن يهديكما سواء السبيل ويمنّ عليكما بالتوبة النصوح والهدى والتقى والعفاف والغنى.