التهجير الديني الممنهج لمسلمي إفريقيا الوسطى
8 ربيع الثاني 1435
د. عامر الهوشان

رغم التحذيرات الكثيرة التي أطلقها كثير من العلماء والمفكرين منذ عقود من الزمان عن حقيقة المعركة القائمة بين الغرب والمسلمين , وأنها في المقام الأول حرب عقدية دينية على الإسلام والمسلمين قبل أن تكون معركة سياسية أو اقتصادية فحسب كما يريد الغرب تصويرها , إلا أن الكثير لم يأخذوا هذه التحذيرات على محمل الجد .
وعلى الرغم من وضوح هذه الحقيقة في أكثر من مشهد وواقعة عبر التاريخ الإسلامي الحديث , بدءا من هدم الخلافة العثمانية , مرورا بوعد بلفور وتوطين اليهود في فلسطين المحتلة , وليس انتهاء بتآمر الغرب في كل مكان يضطهد فيه المسلمون , إما بالسكوت والتغافل عن الجرائم التي تمارس بحقهم , وإما بالتخطيط والمشاركة والتنفيذ في أماكن أخرى - كما يحدث الآن في إفريقيا الوسطى وغيرها - إلا أن البعض ما زال مخدوعا بشعارات الغرب الكاذبة حول الحياد الديني الذي يزعمه و يدعيه .
وإذا كان الغرب يخفي دوافعه الدينية الحاقدة على الإسلام والمسلمين في تآمره ضدهم سابقا , فإنه منذ فترة ليست بالقصيرة بدا وكأنه تخلى عن ذلك القناع , ليعلن تارة عن تلك الدوافع الدينية بوضوح تام – كما فعل بوش الإبن في حربه على العراق – ثم يعود لمحاولة إخفائها تارة أخرى – رغم ظهورها بوضوح – في تنكيله بالمسلمين في إفريقيا الوسطى وغيرها من خلال الاختفاء بدعاوى منع الحرب الأهلية مثلا .
لقد تناقلت وسائل الإعلام الغربية - قبل العربية - عن جرائم الإبادة التي تشنها مليشيات مسيحية بحق مسلمي إفريقيا الوسطى , والسياسة الممنهجة لتهجيرهم قسرا عن بيوتهم وبلادهم بدوافع دينية , فذكرت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية أن عشرات الآلاف من المسلمين يفرون الى الدول المجاورة هربا من الهجمات الوحشية التي تشنها الميليشيات المسيحية ضدهم .
ونقلت الصحيفة روايات شهود العيان في العصمة بانغي وباقي المدن والقرى المجاورة لها , التي تتحدث عن المليشيات المسيحية التي تحمل المناجل - في إشارة لمليشيات تدعى الدفاع الذاتي المسيحية "مناهضو السواطير" – وتقتل العشرات من المسلمين , إضافة لنهب بيوتهم ومساجدهم وحرقها بعد ذلك .
كما ذكر شهود العيان أن آلاف المسلمين اكتظوا في شاحنات في العاصمة للفرار من المدينة , و أن شخصا سقط من إحدى الشاحنات فقتله حشد من "المسيحيين" الذين مثلوا بجثته , لتقوم هذه الحشود التي تجمعت على طول الطريق بالهتاف مهللين برحيل مجموعة من المسلمين خارج المدينة .
فهل يمكن وصف أمثال هذه الأعمال الوحشية بغير حقيقتها الظاهرة للعيان , ألا وهي الحرب الدينية المعلنة على المسلمين هناك ؟!! وهل يمكن إطلاق تعبير آخر غير التهجير القسري الديني الممنهج بحق المسلمين على ما يجري في إفريقيا الوسطى الآن ؟!!
وبينما ذكرت صحيفة الواشنطن بوست أن أكثر من 60 ألفا من المسلمين اضطروا للفرار من بلدهم باتجاه الدول المجاورة – تشاد والكاميرون ونيجيريا والنيجر والسودان – منذ بداية ديسمبر الماضي , تقول بعض المصادر : إن عمليات العنف خلفت مئات القتلى وأسفرت عن تشريد ما لا يقل عن حوالي 400 ألف مسلم , من بلد لا يتجاوز عدد سكانه أكثر من 5 مليون نسمة .
ورغم أن سياسة اضطهاد مسلمي إفريقيا الوسطى ليست وليدة اليوم أو الأمس , وإنما هي سياسة متبعة منذ استقلال هذا البلد عن المستعمر الفرنسي , من خلال استبعاد المسلمين عن أي استحقاق رئاسي أو سياسي - بدعوى أنهم أقلية في البلاد بينما الحقيقة لا تشير لذلك أبدا - إلا أن وصول أول مسلم إلى سدة الحكم في البلاد " ميشال دجوتوديا" من خلال انقلاب عسكري في مارس الماضي , حرك كوامن الحقد الدفين على المسلمين , كما أنه حرك الجيوش الغربية من خلال آلاف الجنود الفرنسيين , الذين قاموا بنزع أسلحة المسلمين "سيليكا" وتغاضوا عن أسلحة المليشيات المسيحية .
وعلى الرغم من استقالة "ميشال" عن الحكم بضغوط غربية واضحة لتجنيب البلاد الفوضى والحرب الأهلية كما ادعت الدول الغربية , إلا أن الذي حصل كان عكس ذلك تماما , فقد زادت حالة العنف بشكل غير مسبوق في البلاد , وكأنها إشارة إلى النتيجة الحتمية لوصول مسلم إلى سدة الحكم لأسابيع أو أيام في المستعمرة الفرنسية , رغم سكوت الغرب بل وتواطؤه ورعايته لكثير من الإنقلابات التي حصلت من قبل في إفريقيا الوسطى .
إن ما ذكره كثير من شهود العيان حسب صحيفة الواشنطن بوست وغيرها من وسائل الإعلام عن : الذبح بالسكاكين والسواطير , ونهب البيوت والممتلكات , وحرق المساجد والاعتداء عليها , وعمليات التعذيب والتهجير القسري الممنهج لمسلمي إفريقيا الوسطى من قبل المليشيات المسيحية , يؤكد بما لا يدع مجالا للشك طبيعة الحرب والمعركة التي تدور هناك , وأنها في المقام الأول حرب عقدية دينية على الإسلام والمسلمين , وليست حربا أهلية كما يدعي الغرب .
فمتى سيدرك المسلمون هذه الحقيقة ليعملوا على مواجهتها ومقاومتها ؟؟!!