تونس" حكومة مهدي جمعة الخطاب وردود الأفعال
30 ربيع الأول 1435
عبد الباقي خليفة

منح المجلس الوطني التأسيسي يوم الاربعاء 29 يناير الثقة لحكومة مهدي جمعة بعد التصويت عليها بأغلبية 149 صوتا فيما عارضها 20 وأبدى 24 تحفظهم.


أهم ما جاء في خطاب مهدي:
وقال رئيس الوزراء المعين مهدي جمعة في كلمته أمام المجلس التأسيسي "الهدف الأسمى للحكومة هو السير بتونس نحو انتخابات عامّة حرّة ونزيهة لا يرتقي إليها أيّ تشكيك" وأن " الإنتخابات المقبلة تتطلّب التركيز على دعامتين أساسيتين تتمثلان في نشر الأمن والطمأنينة ومعالجة الوضع الإقتصادي والمالي" وتهد جمعة" بتوفير المناخ الملائم للتنافس الشريف من خلال تحييد الولاة { المحافظين} ومراجعة التعيينات في كلّ الوظائف التي لها علاقة بالانتخابات على أساس الحيادية والكفاءة" وأن "الحكومة ستعمل على التصدي لكل مظاهر العنف والانفلات والإرهاب وفرض سلطة القانون" مشيرا إلى أن" للثورة دولة تحميها ولا مكان للإرهاب في بلادنا". وأوضح بأن "مقاومة الفساد ورفض الإقصاء والتهميش ورد الاعتبار للجهات المحرومة على رأس أولويات الحكومة" وخاطب النواب والشعب من ورائهم "نحن اليوم مطالبون بانتهاج الحلول التي تمكن من استرجاع قيمة العمل ودفع عجلة الاقتصاد وخلق مواطن الشغل وتعزيز التنمية بالجهات الداخلية وضمان توازنها فضلا عن ترشيد منظومة الدعم وتطوير منظومة التغطية الاجتماعية والصحية وإنعاش المالية العمومية ختم الدستور والانتهاء من المرحلة الانتقالية كفيل بالارتقاء باقتصادنا الوطني ودعم مصداقيتنا على الصعيد الدولي". كما شدد على أنه"لا مجال للتسامح مع الفوضى أو مظاهر العنف والانفلات مع الحرص على توفير كافة ضمانات التظاهر السلمي". وثمن أهمية الوئام المدني"تونس في حاجة إلى كافة ابنائها وبناتها بالخارج والحرص على تعزيز مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية "

اعتراضات على بعض الوزراء: كانت جهات عديدة قد أبدت تحفظها على بعض الوزراء ، كما صدرت من بعضهم تصريحات يخشى أن توتر العلاقة بينهم وبين الرئيس محمد منصف المرزوقي ، على غرار تصريحات وزير الخاردية التي تحدث فيها عن تحسين العلاقات مع جميع الدول بما في ذلك النظام السوري. أو الجدل الذي لا يزال مستمرا حول وزيرة السياحة المتهمة بالتطبيع مع الكيان الصهيوني . وكان رئيس الحكومة المكلف مهدي جمعة تعهّد خلال مداخلته في الجلسة المسائية يوم الاربعاء  للمجلس التأسيسي بمزيد التحري في التشكيلة الوزارية التي قدمها بعد نيل الثقة وبإدخال تعديلات عليها، في حال ثبت عدم استجابة أحد الوزراء لمعايير الاستقلالية والكفاءة ونظافة اليد وذلك بعد انتقادات وجهت من النواب لوزراء ،السياحة والشؤون الدينية والتجارة والداخلية والنقل والعدل والتربية. ومن الوزراء الذين اسالوا الحبر في حكومة مهدي جمعة وزيرة السياحة آمال كربول التي اتهمها بعض النواب بزيارة اسرائيل وطالبوا بمعرفة أسباب الزيارة ودوافعها مما اضطر من رئيس الحكومة المكلف مهدي جمعة الى عقد اجتماع مع المرشحة في احد مكاتب المجلس التأسيسي. وخلال مداخلته في الجلسة المسائية ، قال رئيس الحكومة المكلف المهدي جمعة إنّه قام باستجواب المرشحة على راس وزارة السياحة امال كربول عن زيارتها لإسرائيل، موضحا انها قامت بزيارة الى تل ابيب سنة 2006 في اطار برنامج ممول من الامم المتحدة لتكوين شباب فلسطيني، مشيرا الى انّها بقيت هناك يوما واحدا و تعرّضت الى معاملة مهينة لأنها تونسية مسلمة وهو ما جعلها ترفض اكمال البرنامج. لكن جمعة لم يتحدث عن معطيات جديدة تتحدث عن وزيرة السياحة التي تقول مصادر اعلامية ألمانية أنها كانت راقصة شرقية في ألمانيا؟.

 

ردود الأفعال :  وقال محمود لبارودي (التحالف الديمقراطي)" الخطاب لم يكن مفصلا وحمل الخطوط العريض وقد احترم خارطة الطريق وكان يجب علينا أن نستفسر عن أمور أخرى مثل تحييد الإدارة والمساجد وحل رابطات حماية الثورة وهي مسائل يجب أن تكون واضحة"

وقال، لزهر بالي (حزب الأمان)" الخطاب ليس لرئيس حكومة سيمسك الحكم لسنة، كان من المفروض أن يكون أكثر واقعية وأكثر وضوحا، ويضع برنامجا قابلا للتطبيق في الفترة المحددة لأن الحكومة الدائمة هي التي ستضع البرامج العميقة والاستراتيجية"
وقال نوفل الزيادي (الحزب الاشتراكي)"الخطاب فيه إرادة جدية لقول حقيقة الأوضاع والمهم أن الخطاب وجه رسالة بأن الدولة هي من ستحمي المسار الديمقراطي"
أماالنائبة عن حركة النهضة سعاد عبد الرحيم فقد أشارت إلى أن " هناك بعض الاحترازات عن بعض الشخصيات الموجودة في التشكيلة الحكومية لمهدي جمعة رغم كفاءتهم"

في حين طالب رئيس كتلة وفاء بالمجلس التأسيسي عبد الرؤوف العيادي من جمعة أ، يكشف ملفات الماضي" من الأجدر لرئيس الحكومة المكلف مهدي جمعة ان يكشف ملفات الماضي التي بواسطتها تم بناء الديكتاتورية عكس ما قامت به حكومة علي العريض المستقيلة"
بينما انتقد النائب عن حزب المسار سمير الطيب  حكومة مهدى جمعة التي وصفها بأنها حكومة سقطت في المحاصصة فيما يتعلق بوزارات استراتيجية كالنقل والشؤون الدينية مبدئيا عدم رضاه عن المنهجية المعتمدة في اختيار الحكومة. وأعرب سمير الطيب } يساري } عن استيائه من الحفاظ على لطفي بن جدو وزيرا للداخلية وذلك قصد ارضاء النقابات الأمنية موجها اللوم لمهدي جمعة فيما يتعلق في منهجية اختياره للوزراء .

 

وسائل الاعلام التونسية لم تختلف كثيرا في تقييم خطاب جمعة أمام نواب الشعب المنتخبين إذ رأى البعض أن مهدي جمعة بدى واقعيا على اعتبار أنه لم يتبن خطابا سياسيا وإنما كان خطابه علميا تقنيا غير أن نجاحه رهين جهد مشترك من قبل الجميع كما اعتبرالبعض المعركة الحاسمة أصعب من الدستور، هي معركة القانون الانتخابي بالنظر الى أن صياغته من شأنها أن تحسم الانتخابات القادمة لصالح أطراف معينة . وقالت جهات أخرى أن هناك عبارات يمكن أن تصنف على أنها كلمات مفاتيح في خطاب مهدي جمعة، ولكن العبارة الأبلغ والتي ترقى الى مرتبة بيت القصيد في هذا الخطاب فهي تلكك التي يقول فيها إن تونس بحاجة الى هدوء اجتماعي ودعم الأشقاء والأصدقاء ومؤسسات التمويل الدولية حتى يتد عود المسار الانتقالي ولا يسقط صريع الاكراهات الاقتصادية والمالية والاجتماعية.. وبلم تخل بعض التقييمات من القساوة "خطاب أمل تنقصه الواقعية" حيث قسم خطابه الى قسمين يتعلق القسم الأول بالمرحلة الانتقالية وما تتطلبه من خلق جو مناسب لانتخابات نزيهة وما يترتب عن ذلك من مقاومة العنف السياسي ومراجعة التعيينات ونشر الأمن والثقة في أجهزة الدولة ويمكن القول أن هذا الجزء من الخطاب قد حمل من الواقعية ما يجعله قابلا للتحقق فيما تبقى من المرحلة الانتقالية، أما الجزء الآخر من الخطاب والذي يوحي بإمكانية إقلاع اقتصادي وترشيد الأسعار فهو غير واضح لأنه يعطي فسحة من الأمل للمواطنين في حين أنها غير قابلة للتحقيق الا في وضع دائم لحكومة لها برنامج متكامل وخطة قابلة للتنفيذ ينخرط فيها الشعب عموما . كما كانت هناك تقييمات قريبة مما سبق، " بيان مهدي جمعة لم يخرج عن تقديم خطوط عامة لبرنامج شامل مع التأكيد أن الهدف الأسمى لحكومته هو السير بتونس نحو الانتخابات لا يرتقي اليها أي تشكيك" وقد لجأ مهدي جمعة في خطابه الى اعتماد رسائل مشفرة في كل الاتجاهات ولم يسم الأشياء بمسمياتها ويفصح عما سيعتزم اتخاذه من قرارات فبدأ يراوح بين مختلف الانتظارات في نقلات سريعة بين التلميح بالاستجابة لبعض المطالب وبين التنبيه الى بعض المواقف مع بيان حرصه على ترضية الجميع قولا في التصريح بمبادئ عامة توافقية لذلك تعتبر هذه الانطلاقة بدت لعموم المتابعين غير مقنعة ولم تخلق الرجة المرجوة لحصد التأييد الكبير. لكن الرجة حدثت داخل ما يسمى بجبهة الانقاذ التي تزاصل تفككها وخلافاتها بما في ذلك الموقف من حكومة جمعة، وبرز ذلك بوضوح مباشرة بعد كلمة رئيس الحكومة المكلف حيث أبدى كل من المسار الاجتماعي، والحزب الجمهوري، وكذلك الجبهة الشعبية تحفظاتهم إزاء هذه التشكيلة الحكومية في حين أبدى حزب حركة نداء تونس موافقته عليها حيث ناد بقبول الأمر الواقع منذ إعلان التشكيلة الحكومية باعتبار أن الأهم خلال هذه المرحلة الدقيقة هو الوصول الى الانتخابات، وتعليقا على ذلك صرحت سلمى بكار أنه من الصعب أن يقع توحيد المواقف في جبهة الانقاذ في ظل هذه الظروف وتسارع النسق بين المصادقة على الدستور. لكن السؤال الذي ينتظر الجميع الاجابة عنه هو كيف سيكون المشهد السياسي القادم؟  وهل يمكن للنهضة التي قادت المرحلة بكل سلبياتها وإيجابياتها أن تكون الطرف الوحيد الذي استطاع المحافظة على هيكله وتماسكه، بل قد يكون كسب المزيد ،وما أضفاه على خروجه هذا من هالة تضحية في سبيل الوطن وتنازل على السلطة من أجل الصالح العام بما يمكن من استرجاع صورة المظلومية التي أكسبته الكثير خلال انتخابات 23 أكتوبر الفارط.وهو ما أكده  النائب بالمجلس الوطني التأسيسي عن حزب التكتل المولدي الرياحى" سيذكر التاريخ حكومة علي العريض لاستقالتها بصفة طوعية" وقد حمل ذلك بشائر فتح خزائن الخليج والغرب لتونس لتخرج من أزمتها مما يؤكد بأن الواقع جزءا هاما من الحكم في النوازل ولا سيما في مجال السياسة الشرعية التي يحكم عليها تغليب المصلحة فيما ليس فيه نص، وتوفر نصاب وشروط التنزيل الصحيح للنصوص أحكاما ومقاصدا.