سؤال للتقوى .. !
28 ربيع الأول 1435
د. خالد رُوشه

يحتار المرء في حل مشكلته التي يعبر عنها بكونه يشعر بوحشه بينه وبين نفسه وغربه شخصية ممن حوله , وعودة إلى الذنب متكررة , ومعصية بعد طاعة , حتى إنه ليخشى أن يأتيه الموت وهو على حالة لا ترضى الله , إنها مشكلة مكرورة وسؤال دائم يكاد أن يشكو به كل أحد .

مشكلة علم الله سبحانه وتعالى بشكوى الناس حولها فتتابعت ألفاظ التشريع الكريم في حلها , والنصح في طريقة تناولها ووصف الخطوات لتخفيف حدتها , فكانت كالتالي:
اولا : " إن الحسنات يذهبن السيئات "

إنها آية كريمة , تدعو إلى المسارعة في الحسنة بعد السيئة , وكذا منطوق حديث النبي صلى الله عليه وسلم ونصحه لمن ارتكب اثما , أو وقع في ذنب أو زلت به قدمه في معصية , فينصحه النبي صلى الله عليه وسلم ويأمره أن يسارع فيقول : وأتبع السيئه الحسنة تمحها ..

إنه العلاج الأنجع بعد ارتكاب الاثم والشعور بالندم من الولوغ فيه , أن يستجمع المرء قواة , فيبتدئ بالحسنة بعد المعصية.

وقد نصح العلماء بأن تكون الحسنة تلك هي الاستغفار عملا بقوله تعالى " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم " , إنها محاولة تطهير فورية لما ألمّ بالقلب من دنس المعصية ونكت الذنب .

ثانيا : " ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه "
منطوق حديث قدسي , يعلمنا فيه أن الصلاة ونوافل العبادات ملجأ آخر , وكهف يحتمي الصالحون به من الوحشة والغربة .

هي نصيحة صريحة لكل من استشعر الوحشة في قلبه , والغربة في نفسه أن يلجأ إلى نوافل الصلوات , فيكثر منها قدر ما يستطيع بحسب سنة النبي صلى الله عليه وسلم , ونوافل العبادات كذلك , فإنها تقرب من محبة الله سبحانه وتعالى وتملأ القلب بحب الله عز وجل , وتلين جوانبه وترقق أركانه .

فمن أحب الله سبحانه وتعالى أخلص له , ومن أحبه الله سبحانه وتعالى لا يبأس أبدا ولا ييأس أبدا ولا يستوحش أبدا .

ثالثا : "أنا عند ظن عبدي بي "
منطوق حديث قدسي آخر يعلمنا أن حسن الظن بالله سبحانه سبب عظيم من أسباب الرحمة والستر والغفران , عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : يقول الله تعالى : ( أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم ، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ) رواه البخاري ومسلم .

إنه من أحاديث الرجاء العظيمة التي تدعو لحسن الظن بالله جل وعلا ، والإكثار من ذكره ، وبيان قرب الله من عبده إذا تقرب إليه العبد بأنواع الطاعات .

لقد بدأ الحديث بدعوة إلى حسن الظن بالله فبين أنه عند ظن عبده به ، أي أنه يعامله على حسب ظنه به ، ويفعل به ما يتوقعه منه من خير أو شر ، فكلما كان العبد حسن الظن بالله ، حسن الرجاء فيما عنده ، فإن الله لا يخيب أمله ولا يضيع عمله ، فإذا دعا الله عز وجل ظن أن الله سيجيب دعاءه ، وإذا أذنب وتاب واستغفر ظن أن الله سيقبل توبته ويقيل عثرته ويغفر ذنبه ، وإذا عمل صالحاً ظن أن الله سيقبل عمله ويجازيه عليه أحسن الجزاء

فليظن كل امرء بربه ما يشاء فالصالحون يظنون في ربهم أنه سيغفر لهم ذنوبهم ويستر عيوبهم , ويتول أمرهم ويزيل وحشه قلوبهم , ويهديهم إليه صراطا مستقيما , والله سبحانه يستجيب الدعوات ويغفر الزلات ويرفع الدرجات .