سوقُ عُكَاظٍ في مونترو
23 ربيع الأول 1435
د. محمد بسام يوسف

ذهب الائتلاف الوطنيّ السوريّ إلى مؤتمر جنيف2، بعد عملية تلاعبٍ تنظيمية، تلاعبت خلالها أقلية ممّن أحكموا سيطرتهم على مفاصل الائتلاف.. تلاعبت بميثاقه بشكلٍ بشع.. هذه الأقلية، التي فُرِضَت على الائتلاف من خلال عملياتٍ سابقةٍ لتوسعته.. كانت تـُمهِّد -من خلال اختطاف قرار الائتلاف- لإغراق المعارضة في مستنقع جنيف، ما يُفضي إلى إجهاض الثورة، بعد تمييع ثوابتها، تمهيداً للالتفاف عليها وإنهائها.. وهي عملية مُحكَمَة تُنجزها هذه الفئة السورية التي تدّعي الديمقراطية، ويسوقها عرّاب إجهاض الثورة السورية، الأميركيّ (روبرت فورد): الرئيس الرسميّ (الخفيّ) للائتلاف.

 

الائتلاف ذهب إلى جنيف2 بموافقة أقل من نصف أعضائه، تحت الضغط، بعد أن (لـَحَسَ) شروطَه كلها، التي بنى عليها موقفَه من المؤتمر في قرارٍ سابقٍ رسميٍّ، كان قد حدّد فيه رؤيته الشاملة للذهاب إلى جنيف.

الائتلاف ذهب إلى جنيف2، وكان بإمكانه –إن لم يكن قادراً على الالتزام بموقفه الرسميّ- أن يتمسّك قبل الذهاب، ولو ببعض ما اشترطه لحضور المؤتمر، أي بشرطٍ أو ببعض الشروط الإنسانية البسيطة، من مثل: الإفراج عن الأطفال.. أو النساء.. أو المرضى، وفك الحصار، ولو عن أشد المناطق المحاصرة معاناةً فحسب، ووقف القصف الجويّ على أقل تقدير.. لكنه لم يفعل، وذهب إلى جنيف2 بأوامر فورد وكيري: لا شروطاً مسبقة!

 

الائتلاف الوطنيّ السوريّ، ذهب إلى مؤتمر جنيف2، بعد مسرحيةٍ تراجيديةٍ انخرط فيها، ربما دون أن يعلم، من صُنع الأخضر الإبراهيمي، لدعوة إيران إلى المؤتمر، وصَبّ هو (أي الائتلاف) ومَن ساقوه إلى جنيف.. جَام فذلكته السياسية، للحيلولة دون حضور إيران، وذلك بحجة عدم موافقتها على بيان جنيف1، وهذا حق.. لكنه تجاهل حقيقة دعوة عصابة بشار إلى جنيف، من غير أن توافق هذه العصابة على جنيف1!! مع ملاحظة، أنّ بيان جنيف1 الذي اعتبره الائتلافُ المرجعيةَ الوحيدة! يحتوي من المطبّات والطامّات والغموض، ما يجعل الحليم حيران.
*     *     *

 

لقد ظهر بشكلٍ جلي، أنّ (سوق عكاظٍ) الذي افتُتِح في مونترو، كان استمراراً لـ (المهرجانات) الخطابية التي عُقِدَت على مدار ثلاث سنواتٍ من نكبة الشعب السوريّ، دون تقديم أيّ حلٍ دوليٍّ ناجعٍ لوقف جرائم العصابة البشارية عملياً، ولا حتى للتخفيف منها.. ما يعني أنه مجرّد (صَفّ كلامٍ) و(علاكٍ)، كانا يُمارَسَان في قاعة الاجتماع، وذلك عند الساعة نفسها، التي كانت العصابة الأسدية المجرمة تقتل خلالها (39) سورياً بالسلاح الروسيّ، وتجرح العشرات، وتُنَكِّل قواتها على الأرض بأطفال سورية ونسائها، بإلقاء البراميل الإيرانية المتفجِّرة –عشوائياً- فوق رؤوس السوريين!!.. الفرق في هذا (المهرجان) الخطابيّ هذه المرة، هو أنّ صرخة السيد (أحمد الجربا) كان لها وَقع إعلاميّ نفسيّ، لكن بلا أيّ انعكاسٍ على الأرض التي يقترف عليها بشار وأوغادُه، جرائمَ حربٍ بحق شعبنا السوريّ، الذي لم يحاول (العلاّكون) حتى اللحظة هذه، إدخالَ رغيف خبزٍ أو حبة دواءٍ أو زجاجة لقاحٍ.. لأطفاله، في المناطق المحاصَرة التي ما تزال تُرتَكَب فيها هذه الجرائم الشنيعة، من قِبَلِ العصابة الطائفية، وحلفائها الطائفيين من المجوس والصفويين.

 

مؤتمر جنيف2 هذا، لن يؤدي إلى أيّ شيء، سوى تحقيق مصالح الدول التي جَرّت الائتلاف من أذنيه إلى مونترو.. إذ هل يُعقل أنّ استماتة، نعم استماتة هذه الدول (لشحط) الائتلاف إلى جنيف2، هي بدافع تحقيق مصلحة سورية وشعبها؟.. مَن يعتقد ذلك، فهو إما مغفّل، أو غائب عن الوعي، أو نائم قرير العين بعد أن تعب من السهر، في التحضير للاستعراضات الخطابية الكلامية لسوق عكاظ في مونترو.
*     *     *

 

مؤتمر جنيف2 ليس حلاً للقضية السورية.. قضية القرن، بل هو تمييع لها، مع حرص الدول الراعية للمؤتمر، على إشعار المعارضة وممثليها بالنصر، وذلك من خلال تدثيرها بريش الطواويس، وحقنها بخرافات الانتصارات الوهمية الكلامية العظيمة!.. فيما عصابة بشار، وعصابات الحرس الثوريّ المجوسيّ، وحزب خامنئي اللبنانيّ، والمالكيّ الفارسيّ الصفويّ.. تعيث فساداً على أرض الشام بشكلٍ عمليٍّ مطلق، دون أيّ رادعٍ أو حِسٍّ أخلاقيٍّ أو وخزِ ضميرٍ بشريّ.. حتى هذه اللحظة، من أولئك (العلاّكين) الدوليين المجتمعين في جنيف.

*     *     *