هل فشل المخطط العلماني بتونس؟
9 ربيع الأول 1435
خالد مصطفى

قدم رئيس الوزراء التونسي المنتمي لحركة النهضة الإسلامية علي العريض استقالته أمس إلى الرئيس المنصف المرزوقي تمهيدا لتكليف وزير الصناعة السابق المهدي جمعة بتشكيل الحكومة الجديدة, بحسب الاتفاق الذي تم مع المعارضة العلمانية خلال الحوار الوطني؛ من أجل الخروج من حالة الاحتقان السياسي التي يفتعلها العلمانيون لإجهاض محاولات حكومة النهضة للسير قدما بالبلاد..

 

ولكن يا ترى هل انتهت القضية عند هذا الحد؟ وهل ستمضي التجربة الثورية التونسية إلى منتهاها؟..

 

إن المدقق في مجريات الأمور يعلم جيدا أن المعارضة العلمانية في تونس لن تقبل أي نتيجة للانتخابات القادمة تأتي بحركة النهضة للحكم مرة أخرى وستشكك في نتيجة الانتخابات مهما كانت نزاهتها وستشعل الأوضاع في البلاد التي تتلمس طريقا للنجاة عقب الثورة التي أطاحت بنظام بن علي وما تبعها من توتر وتدهور أمني واقتصادي طبيعي أن يحدث بعد كل الثورات ولكن غير الطبيعي هو ان تحاول قوى تزعم الثورية تعطيل المسار الديمقراطي لمجرد أنها غير راضية عن نتائجه!...

 

إن الشعوب التي عانت بشدة من نير الظلم والاضطهاد والفقر والبطالة تسعى إلى حلول سريعة لمشاكلها وهذا من حقها ولكن بعض النخب تحاول أن تستغل هذه الحالة من الإحباط لإعادة عقارب الساعة للوراء وإفشال أي تجربة إسلامية لا تتناسب مع معتقداتها الفكرية ولو على حساب مصلحة الأوطان وعودة الأنظمة المستبدة...إن المعارضة العلمانية في تونس لا تملك التنظيم أوالشعبية التي تؤهلها لقيادة البلاد في اللحظة الراهنة وبدلا من أن تسعى من أجل اكتساب هذه الأمور عن طريق الآليات المعروفة والتي تتطلب وقتا وجهدا وعملا وبناء للهياكل التنظيمية والإدارية والنزول للشارع بقوة فإنها تسعى للتخريب والتعطيل حتى تطيح بمن في الحكم رغم أنها مثلها مثل المعارضة العلمانية في أكثر من دولة إسلامية وعربية فاشلة ولا تملك سوى نظريات وحناجر ومنافذ إعلامية صاخبة أما عندما يجد الجد فهي لا تملك شيئا من الموهبة أو الخيال لحل أزمات الشعب...

 

لا يمكن أن يدعي حزب أو اتجاه معين في جميع البلدان العربية التي قامت فيها ثورات أنه يستطيع إصلاح البلاد وحده دون دعم من كافة الاتجاهات لأن المشاكل والمصاعب جمة وهي حصيلة لتراكم فساد عشرات السنين ومن الظلم أن تتحملها جهة واحدة مهما عظمت قدراتها, وهذه حقيقة بالغة الوضوح مثلها مثل أن من السهولة بمكان أن تنتقد وتتحدث عن حلول للأزمات والمشاكل ما دمت خارج دائرة الحكم وعندما تأتي إلى سدة الحكم تجد نفسك غارقا أكثر ممن كنت تنتقده وهو ما رأيناه في مصر من جبهة الإنقاذ التي فشلت فشلا ذريعا في حكم البلاد رغم الدعم الأمني الذي حصلت عليه ولم يكن متاحا لحكومة الرئيس محد مرسي...

 

إن الرهان على عدم صبر الشعوب وضعف ذاكرتها من التيارات العلمانية قد يجعلهم يحققون انتصارا وقتيا هزيلا ولكن في المستقبل ستنكشف الحقائق وسيقول التاريخ كلمته..لقد أراد الإسلاميون في تونس إنقاذ البلاد من سيناريو بغيض قد يؤدي إلى تدخل الجيش في السياسة وعودة نظام بن علي بالتدريج وقدموا تنازلات عديدة من أجل تهدئة الأجواء سواء عند كتابة الدستور أو بالنسبة للتنازل عن الحكم وتشكيل حكومة جديدة ومع ذلك تجد فئة من العلمانيين لا يعجبها كل ذلك وتصر على التهييج والإثارة ولا تريد إلا الإقصاء التام للإسلاميين ولو غرقت البلاد في حمام من الدماء...

 

لقد أثبتت التجارب بعد الثورات العربية كذب دعاوى العلمانيين عن الإيمان بالآخر والحرية واحترام "الديمقراطية" وفضحتهم أمام الشعوب والعالم الخارجي على حد سواء ولم يبق سوى أن تستيقظ الشعوب لهم وتضعهم في مكانهم الحقيقي...لقد ظهر جليا أن أكثر المؤمنين بحرية التعبير والرأي الآخر والتظاهر السلمي وإرادة الشعوب الحقيقية هم الإسلاميون الذين كانت دائما توجه لهم اتهامات بأنهم إذا وصلوا للحكم سيكسرون "السلم" الذي وصلوا به إلى الحكم حتى لا يصعد غيرهم إليه, والآن في بعض البلدان التي تسلط فيها العلمانيون وجدنا أن جميع "السلالم" قد كتب عليها "محظور وإرهابي".