أدونيس يلتحق ببثينة
5 ربيع الأول 1435
إياد عيسى

هذه مقالة قوية من كاتب غير إسلامي يفضح فيها تجار العلمنة من رموز "الثقافة" الزائفين  المفروضين على الناس بالقوة من أدونيس وأمثاله، وتشارك صحف يملكها سعوديون في تلميعهم.. نعيد نشر المقالة بالرغم من تحفظاتنا على بعض ألفاظها..

*******

 

لم يعد مفهوم الوطنية لدى السوريين المُعتمد من نظام المقاومة والممانعة على حاله، دفنه غالبيتهم إلى غير رجعة ليستعيدوا مفهوماً آخر، الوطنية هي الكرامة المدفونة تحت الأنقاض، المُختطفة في أقبية المعتقلات، المُبعثرة في أزقة النزوح داخل الوطن المنتهك، وفي خيام اللجوء والمنافي القسرية خارجه.

 

الوطنية ليست حفنة تراب أو خارطة سياسية لطالما تبرع نظام الصمود بأجزاء منها مرة فوق الطاولة لتركيا، ومرات من تحتها لإسرائيل.

 

الوطنية تجاوزت أكاذيب الشعارات الجوفاء عن وطن العمال والفلاحين، عن المعارك الوهمية التي لا تنتهي للبناء والتحرير.

 

أول من أسقط الوطنية الكاذبة بالضربة القاضية هو شعار (الأسد أو نحرق البلد)، الذي طبعه جيش القاتل علناً على أجساد الأطفال المغدورين قبل أن يفعل على جدران المدن المهدمة فوق رؤوس أهاليها بصواريخ وقذائف وبراميل التصدي للمؤامرة الكونية.

 

ما الذي تبقى أصلاً من وطنٍ، ماانفك حُمَاتُه المفترضون يستبيحون كراماته وأعراضه وأرزاقه أرضاً وبحراً وجواً منذ سنتين ونصف؟ لم يتبق سوى خرقة بالية ملونة تسمى علَماً، ونشيد حماة الديار عليكم اللعنة والعار، ورئيس متمسك بكرسي السلطة حتى آخر صاروخ كيميائي يملكه، وآخر طفل أخطأته رصاصة قناص أو قذيفة هاون بالمصادفة، أو ربما حتى آخر مثقف مُزَور دفن ضميره وابتلع صوته، لم تزكم أنفه رائحة الغازات السامة، لكن استنهضت مشاعره القومجية جعجعة الأساطيل الغربية، يبدو أنها شوشت على صفاء ذهنه وصواب رؤيته قبل أن يُنهي طقوس استخارته حول الثورة الحقيقة، أو يفرُغ من تقليبها وتفسيرها في معجمه الطبقي.

 

يعجز البسطاء عن إقناع شاعر بمستوى أدونيس أن ثورتهم انطلقت انتصاراً لكرامتهم الإنسانية، وبالمقابل يصعب على الشاعر الأممي أن يبكي أطفال سوريا بقصيدة أو حوار واضح اللون والنكهة، ولن يفعل على اعتبار أن موقفه ترفاً  -كذا والصواب :ترفٌ- لا يليق سوى بالنخب، والضحايا الذين يُصلى عليهم بالجوامع قبل الكيماوي وبعده إنما يدنسون القداسة العلمانية لشاعر ومفكر وإمام لا قبلة له إلا قم الثورة الإيرانية وجائزة نوبل، يسجل أدونيس في يوميات مدارته في صحيفة الحياة أول أمس اكتشافاً مذهلاً شبيهاً بهذيانات بثينة شعبان حول أطفال الغوطة، يقول: سارين العقول والنفوس أشد فتكاً من سارين الحاويات والصواريخ، يستحق شاعرنا نوبل [اثنين بواحد] للأخلاق والكيمياء، يبقى أن يستخدم الأسد الممانع سلاحاً بيولوجياً درءاً لمؤامرة الأمركة كما يحاول أدونيس الإيحاء في هلوساته لنقلد الشاعر لقب أدونيس الجرثومي، ألا يستحِ –كذا والصحيح: يستحيي-هذا الكائن على شيبته؟.

 

مريدو أدونيس المُعلنين والمُستترين-المعلنون والمستترون- ، لجأوا إلى ذات التقية والتذاكي، كلمة على حافر النظام، وثلاثة أمثالها على نافر ثورة مجهولة المرجعية الفكرية بحسب رؤاهم، مركز انطلاق مظاهراتها المساجد، كأن الأسد العلماني فتح لهم الملاعب الرياضية وصالات الديسكو للتجمع، ولم يفكك ساحات التظاهر الحضاري في مختلف المدن بالحديد والنار.

 

شهور طويلة من السلمية الخالصة بلون الدم، مرت على طلاب الحرية، توارى خلالها شعراء ومثقفون وصحفيون خلف الصمت المطبق اتجاه وحشية النظام، ما إن تسلحت الثورة تحت ضغط القمع المرعب حتى خرج علينا هؤلاء شاهرين ألسنتهم، مرتدين لباس النبلاء الخائفين على سوريا الوطن المتنوع.

 

الشاعر عادل محمود لطيف المعشر، ناعم، أنيق الملبس، ذنب الثورة الوحيد انها لا تملك رومانسيته، ذرف أنهاراً من الدموع على تمثال أبي العلاء المعري، وأبي تمام، وزع عواطفه على تماثيل بوذا في أفغانستان، نسي أن يدخر دمعة لمئة ألف قتيل سوري ليسوا شعراءً ولا فلاسفة، كتب في صفحته.. الشاعر هو كاذب يقول الحقيقة دائماً، للأسف لم ينطقها كما يتوجب على الفرسان.

 

صالح علماني، أكثر من ألف عمل ترجمها بنفسه عن الإسبانية، واضح أن البطولة لديه، لا يمكن أن تهرب من خيال الرواية والأشعار إلى أرض الواقع، كل الأساطير الموثقة بالصوت والصورة لأطفال وشباب وشيوخ سوريا مجرد مؤامرة، برأيه الشعب الذي يستعين بالعدو الخارجي لينال حريته لا يستحقها، كنا ننتظر أن يدلو-يدلي- بدلوه حول قائد يستورد خلطة ميليشيات من الخارج لتقتل شعبه، يبدو أن العظمة تتمحور في ذهنه حول جنرالات رواياته المترجمة، لا فرق سواء أكانوا في عزلة أم متاهة، أم ليس لديهم من يكاتبونه، رفعَهُ أحد النقاد في صحيفة الدستور الأردنية إلى ترجمان برتبة كولونيل، رتبة تليق به ويليق بها، رحم الله محمود درويش، كان سيحار في كيفية تجريده من وصفِهِ لهُ ذات يوم: هذا الرجل ثروة وطنية ينبغي تأميمها.

 

نبيل الملحم.. صحافي، كاتب، محلل، سيناريست، وفوقها روائي، قوة خمس روايات بسنة واحدة، المفارقة أنها كانت الأصعب في تاريخ سوريا، إنجاز يبرر الغياب الكامل للموقف المعلن من الصرخات السلمية للكرامة والحرية والشعب الواحد. فجأة.. مع أول رصاصة تُطلَق دفاعاَ عن النفس، افتتح الرجل دكان صفحته على كورنيش الفيسبوك مع تصدير مقالات هنا وهناك، عارضاً بضاعته عن ثورة المتطرفين، وأصابع المؤامرة، ولحية القرضاوي، يغمز من طرف السلطة الراضية المبتسمة، ويفتح النار على ثورة ارتكست إلى مستوى اللجوء للناتو، ومعارضات تصفق لقوات الاحتلال، صديقي الملحم لماح، المشكلة أنه لم يصادف حواجز الحرس الثوري في ريف دمشق، لم يصل إلى مسامعه خطبة المسؤول الايراني عن سوريا الولاية الايرانية، ولا خطابات نصرالله، ولا تصريحات قاسم سليماني، ولا الدوي المفجع للأسلحة الروسية، ولا استغاثات سكان القصير.

 

الحقيقة دكان الملحم، كانت لطيفة وحديثة شبيهة بالميني ماركت، على عكس دكاكين أخرى لصحفيين مرتزقة، ارتدوا ياقات أمن الدولة، نزلوا لتفريق مظاهرات جامع الرفاعي، فيما تصدى آخرون لتدبيج المقالات في الصحف الرسمية والتابعة، أو لإدارة مواقع انترنيت تمهد للقتل الجماعي وتبرره، البعض إن لم تقتله العنجهية الثقافية الكاذبة، ستخنقه إما رائحة البايب الطائفي، أو ذقن أطول من لحية ماركس استطالت مابين مسلسلات مكاسب السلطة و(قوس قزح) شرف المعارضة.

 

في زحمة الموت، تاهت الوطنية عن الدرب الذي يحفظه "الرفاق" المثقفون بصماً، لم تنتظر خروجهم من جحورهم، ولا من خلف متاريسهم واصطفافاتهم، انقلب الجيش الباسل إلى قوات احتلال، وقاتل الشعب تحت أي ذريعة إلى خائن، ما عاد سقف الوطن هو السيد الرئيس، صار المذبوحون بسكين التواطؤ الصامت يبحثون عن مُخلص، لا يهم لو جاء من المريخ بلحية أفغانية أو بطاقية راعي بقر.

 

أيها السادة، نفهم أن الحياة غالية، وإلا لما وصلتم إلى أرذل العمر. هاهي الوطنية التي تعرفون تقف على زاوية شارع الدعارة الثقافية كمومس متقاعدة وحيدة قبيحة، وعارية تماماً كما خُلقنا.