عمل المرأة عن بعد .. الآفاق الواسعة في بيئة آمنة
12 رجب 1435
تقرير إخباري ـ محمد لافي

لا تزال قضية التوسع في توظيف المرأة في السعودية دون مراعاة توفير البيئة الآمنة لها والتي تتوائم مع طبيعتها وخصوصيتها تثير قلق الكثيرين خاصة بعد إصرار وزارة العمل على المضي في قراراتها بإلزام تأنيث محلات المستلزمات النسائية وما تبع ذلك من فتح مجالات جديدة لعمل المرأة كالعمل في المطابخ والمطاعم, ومحلات بيع الحلويات والمصانع.

وعلى الرغم من الجهود المتوالية التي بذلها المصلحون والغيورون للتصدي لهذه القرارات والحد من تأثيرها وزيارتهم لوزير العمل مرات لمواجته بتبعات قراراته والتأكيد على خطورتها والتأكيد على أهمية توفير البيئة الآمنة للمرأة في محل عملها, وتقديمهم لمجموعة من البدائل التي توفر عملاً كريماً لها كالأسواق والمستشفيات النسائية ونظام العمل عن بعد, إلا أن الوزارة لا تزال تصر على المضي في مخططها في إخراج المرأة من منزلها بحجة تقليص البطالة في المجتمع السعودي.

وبالنظر إلى حاجة المرأة في أحيان عدة للعمل الشريف الذي أباحته الشريعة الإسلامية لها لتكفي به نفسها وأحيانا أسرتها ومن تعولهم, كان لزاماً البحث عن وسائل بديلة لعمل الذي يستوجب خروجها من منزلها وذلك بطريقة تصون بها كرامتها وتبقها بعيدة عن البيئات المختلطة وظروف العمل القاسية,ومن أبرز تلك الوسائل توظيف المرأة من منزلها أو ما يسمى العمل عن بعد.

وعلى الرغم من إقرار مجلس الوزراء لعمل المرأة عن بُعد وسماح وزارة العمل مؤخراً و بشكل تجريبي لست شركات في توظيف النساء عن بعد ضمن برنامج مشترك مع صندوق تنمية الموارد البشرية, إلا أن هذه المبادرة لا تزال تتصف بالحذر, ولا يمكن اعتبراها انفراجا في موقف الوزارة المصرّ, على إخراج المرأة من منزلها, خاصة بعد رفض مجلس الشورى  تمرير توصية بتفعيل قرارات تتعلق بتسهيل عمل المرأة عن بُعد على إثر معارضة بعض أعضائه ذلك.

لكن فكرة العمل من المنزل أو العمل عن بعد كبديل آمن للمرأة يكفل لها بقاءها في بيئة عمل شرعية ويحقق لها كفاية نفسها وتنمية مجتمعها كانت وراء إطلاق عدد من الدراسات والمبادرات الوطنية التي ساهمت في تحديد معالم هذه الفكرة ووضع الخطوط العريضة والتفصيلية لها وجعلتها أقرب للتطبيق.

فقد قدم مجموعة من النسوة السعوديات مشروعاً متكاملاً من شأنه إتاحة الفرصة لعمل النساء في القطاعين الحكومي والاستثماري بطريقة "التوظيف عن بعد" حيث تم من خلاله العمل على ترسيخ الكيان القانوني والفعلي للأعمال التي تنفذ عن بعد وتم تقديم هذا المشروع لكافة الجهات المختصة,

وحرصت فكرة المشروع الذي تقدم به المجلس التنفيذي لشابات الأعمال في السعودية تقليص البطالة النسائية من جانب وعدم اختلاط النساء بالرجال في العمل, كما تتيح للنساء وذوي الاحتياجات الخاصة، الحصول على فرصة وظيفية مناسبة دون اختلاط بالرجال أو تحمل عناء المواصلات، وبما لا يخل بواجباتها الوظيفية.

وفي منتدى "العمل عن بعد الفرص والتحديات" الذي أقيم في منطقة القصيم قدمت مديرة إدارة برامج التدريب المشترك في المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني الدكتورة حنان الجويعد لائحة مقترحة لتنظيم العمل عن بعد اشتملت على 13 فصلاً و58 مادة ، وشكلت لها لجان وتم دراستها ورفعها للمقام السامي في انتظار إقرارها

وفي ندوة "البيئة التنظيمية  للعمل الجزئي والعمل عن بعد في السعودية" دعت المشاركات إلى تنمية ثقافة الوعي بمفهوم العمل عن بعد وأهمية تطبيقه ووضع التنظيمات الرسمية التي تنظم العمل عن بعد والإفادة من دراسات وقوانين الدول الأخرى في ذلك بما يتوافق مع تعاليم شريعتنا الإسلامية السمحاء

كما دعت المشاركات في الندوة التي نظمها كرسي عبدالرحمن الراجحي في مجال أبحاث المرأة السعودية ودورها في تنمية المجتمع إلى إنشاء هيئة وطنية مستقلة تتكون من الجهات ذات العلاقة كوزارة العمل ووزارة الخدمة المدنية وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وشركات الاتصالات؛ لتطوير آلية وأنظمة العمل المرن (العمل عن بعد ، العمل الجزئي ، العمل من المنزل )  في المملكة.

تجارب ناجحة:
وعلى الرغم من أن فكرة عمل المرأة عن بعد, تعد أكثر ملائمة للمجتمعات المسلمة لما فيه من صون للمرأة وضمان عدم خروجها واختلاطها بالرجال إلا أن هذه التجربة قد سبق العمل بها على نطاق واسع في العديد من المجتمعات وخاصة في اليابان والولايات المتحدة والدول الأوروبية.

فقد أشارت دراسات غربية إلى النمو الكبير في اعتماد الشركات والمؤسسات والجمعيات والإدارات الحكومية على نموذج ''العمل عن بعد'' خلال العقد الماضي وذلك لتحقيق فوائد عديدة مثل تقليص التكاليف، توفير وقت الموظف الذي يمضيه في وسائل النقل و استقطاب موظفين في مناطق أخرى، زيادة سرعة وكفاءة فرق العمل وغيرها من المزايا.
و ذكر تقرير صادر عن الأمم المتحدة عن القيمة الاقتصادية لعمل المرأة في البيت أن النساء الآن في المجتمعات الصناعية يساهمن بأكثر من 25% إلى 40% من منتجات الدخل القومي بأعمالهن المنزلية .

وقد تصدرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الدول الأخرى في تطبيق هذا النظام وإخضاعه لقوانين العمل القائمة وتحمل جهات العمل كافة النفقات التي يتطلبها العمل عن بعد وخضوع الموظف لأنظمة التأمين المتبعة في حالة إصابات العمل.

كما أن التجربة الهولندية تعتبر نموذجا في تطبيق نظام العمل الجزئي والذي حقق لها ارتفاعاً في مستوى الإنتاجية وانخفاضاً في نسبة البطالة. ومن التجارب العربية: تجربة دولة الإمارات العربية في تنظيمها للعمل الجزئي ، وذلك في لائحة تنفيذية صدرت عام 2008م

مجالات واسعة
ومما ساعد في ترسيخ فكرة أن يكون العمل عن بعد بديلاً أمنا لخروج المرأة من منزلها تعدد وتنوع المجالات التي يمكن المرأة  تنفيذها من المنزل, فقد أظهرت استطلاعات سعودية عدة, حجماً وتنوعاً كبيرين في تلك الأعمال : من ضمنها التسويق ، وإدارة المواقع والمنتديات الالكترونية ، والتصميم ، وكذلك ممارسة مهام الصحافة الالكترونية ، وممارسة أعمال الحاسب الآلي ، والإعلانات ، وطباعة الأبحاث ، النشر الالكتروني ، أعمال الترجمة ، والبرمجة ، والمحاسبة ، والأعمال البنكية ، وإدخال البيانات ، وممارسة الأعمال الإدارية ، وتقديم الاستشارات القانونية ، والأسرية ، والاجتماعية ، والتدقيق اللغوي ، وكافة الأعمال المكتبية. إضافة إلى مهن التجميل وفروعه, والصناعات المنزلية,

اشتراطات أساسية
وتؤكد دراسات إلى ضرورة توافر عوامل أساسية لإنجاح هذا النظام أهمها تطوير التقنية اللازمة ونشر ثقافة العمل عن بعد على كافة المستويات, وتوفير حوافز خاصة بأصحاب الأعمال تساعدهم في استيفاء متطلبات العمل عن بعد, ومن ذلك أيضاً إيجاد آليات منظمة ومحكمة جدا للتعامل مع المعاملين في هذا المجال. وضرورة التعامل مع العاملين عن بعد مثل زملائهم بمقر المؤسسة فيما يخص النظم الخاصة بالعاملين من حيث حقوقهم في الأجازات والحوافز والترقيات وغيرها مما يتطلب علي المؤسسات تفويض إدارة جيدة لإدارة الموارد البشرية للقيام بذلك.

إن فكرة عمل المرأة عن بعد تبقى الفكرة المثالية بالنسبة للمجتمع السعودي وكذلك المجتمعات المسلمة لمزاياها المتعددة وأثارها الإيجابية على المرأة العاملة وأسرتها وعلى التنمية الاقتصادية للبلد مما يستوجب ضرورة الإسراع في تشجيعها ودعمها من قبل المؤسسات الحكومية ومجتمع الأعمال ومنظمات المجتمع المدني.