أردوغان بين المتربصين والشامتين
29 صفر 1435
خالد مصطفى

يتعرض رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لمؤامرة  داخلية وخارجية على حكومته التي حققت انجازات في تركيا لم تعرفها على مدار تاريخها الحديث..وبدأت القضية بعد القبض على عدد من أبناء الوزراء في حكومة العدالة والتنمية التي يتزعمها أردوغان بتهمة التورط في قضية فساد ولم تتضح ملابسات القضية وتفاصيلها حتى الآن ولكن أردوغان وحكومته تعرضا لهجمات شرسة من المعارضة العلمانية ومطالبات بالاستقالة ومحاولة لإشعال الشارع التركي للانتفاض وهو ما أفشله غالبية المواطنين الذين خرجوا محتشدين لاستقبال أردوغان لإعلان تأييده في مواجهة المخطط العلماني..

 

إن ما يحدث مع أردوغان في تركيا الآن هو حلقة من حلقات الصراع الدائر في المنطقة بين التيار الإسلامي  والتيار العلماني والمعركة محتدمة إلى أقصى درجة ويستخدم فيها العلمانيون جميع الأسلحة المشروعة وغير المشروعة واستباحوا في سبيل ذلك جميع أنواع الاغتيال المعنوي والجسدي ضد أبناء التيار الإسلامي وهو ما ينذر بحرائق لا نهاية لها وتنامي العنف والعنف المضاد...

 

المؤامرة على أردوغان بالتحديد ليست جديدة فقد حاول العلمانيون المتطرفون المنتشرون في الجيش والشرطة والإعلام منذ بروز التيار الإسلامي في تركيا لوأد تجربته السياسية في الحكم في مهدها ونجحوا مع نجم الدين أربكان ولكنهم فشلوا أيما فشل حتى الآن مع رجب أردوغان؛ فلقد حاولوا تنفيذ أكثر من محاولة انقلابية ضد حكومته إلا أنه نجح في اكتشافها وقدم المتورطين فيها للمحكمة ومن بينهم عناصر قيادية في الجيش وتحصن أردوغان في معركته ضد العلمانيين الأتاتوركيين الكارهين للإسلام وشريعته بانجازات اقتصادية رائعة جعلت الشعب التركي يتجمع حوله كزعيم استثنائي...لكن المحاولات المستمية للعلمانيين لم تنته واستمرت وكان من بينها مظاهرات ميدان تقسيم التي تذرع فيها العلمانيون بالمحافظة على البيئة رغم أن خلفياتها كانت معارضة لقرارات اتخذتها حكومة أردوغان ضد بيع وشرب الخمور وعندما فشلت هذه المحاولة أخرجوا له قضية فساد أبناء الوزراء التي تم العمل عليها من قبل قائد شرطة اسطنبول ومجموعة من رجال الشرطة دون تنسيق مع وزير الداخلية وهو ما أكد  اختراق جهاز الشرطة من قبل المتآمرين..إن أردوغان أعلن بحسم أنه لن يتستر على فساد مهما كان حجمه أو المسؤول عنه ولكنه أكد أن رائحة كريهة تزكم الأنوف مشيرا إلى جهات خارجية وداخلية تسعى لإفشال تجربة تركيا الاقتصادية الرائدة..

 

إن حكومة العدالة والتنمية لم تقف عند هذا الإعلان الصريح ضد الفساد ولكن قام الوزراء الثلاثة بالاستقالة من أجل إفساح المجال أمام التحقيقات وكان منظر استلام الوزراء الجدد للحقائب الوزارية من الوزراء المستقيلين فريدا من نوعه حيث ظهر الابتهاج والفرحة على الجميع في رسالة واضحة بأن الوزارة مسؤولية وليست تشريفا كما أوضحت الصورة مدى ثقة الوزراء القدامى في نزاهتهم وعمل حزب العدالة كمجموعة مترابطة لها هدف واحد هو خدمة الشعب...

 

الغريب في الأمر هو كيف رأى القضية بعض الفاشلين من العلمانين العرب الذي يصيبهم ذكر اسم أردوغان بالحساسية فلقد رأيت حديثا لأحد المسؤولين العلمانيين العرب الذي يتولى منصبا قياديا في بلد تعاني أشد المعاناة من أجل تدبير احتياجات شعبها الضرورية, رأيته منتفخا كالطاووس يلقي دروسا في العمل السياسي على أردوغان وكيف أن عليه الرحيل من منصبه, ولم يستح أن يسأل نفسه سؤالا يبدوا وجيها: إذا كان أردوغان ينبغي عليه الرحيل وقد رفع دخل الفرد في بلاده من 2000 دولار في السنة إلى 10 آلاف دولار وسدد جميع ديون تركيا الخارجية؛ فماذا عليه هو ومن معه في الحكومة الفاشلة التي تعيش على المساعدات الخارجية ويعشش الفساد في أركان الكثير من هيئاتها أن يفعلوا؟! لقد استقال وزراء أردوغان من مناصبهم بعد شبهات لا تتعلق بهم ولكن بأولادهم فماذا بشأن قضايا الفساد المتراكمة على الوزراء في حكومة بلاده والتي لا يجرؤ أي جهاز رقابي في الاقتراب منها...صحيح إذا لم تستح فاصنع ما شئت.