5 صفر 1436

السؤال

قبل ثلاثة أشهر كنت محافظاً على الصلاة، وأنا ولله الحمد ملتحي، وأميل للالتزام والتدين، لكن في يوم من الأيام، ذهبت إلى المستشفى بزوجة عمي، التي تبلغ من العمر عشرين عاماً، وأنا أيضا عمري عشرون عامًا، وعمي عمره في الخمسينيات وهو متزوج من أربع نسوة، طلق ثلاثًا سابقاً، وبسبب طول الطريق إلى المشفى، أصبحت أتبادل معها أطراف الحديث، ويوماً بعد يوم أحببتها، وأصبحت أتوق للذهاب بها، وفي الشهر الثاني صارحتني بحبها لي، وكرهها لعمي، وفي الشهر الثالث شفيت من مرضها، لكنها لا زالت تدعي المرض للخروج معي، والحقيقة أنها وقعت في حبي، ووقعت في حبها، لكن المشكلة أنها متزوجة من عمي، وأخشى أن يعلم بعلاقتنا، وللأسف علم بعلاقتي معها، فسحبها و سجنها في غرفتها بسببي، وقد أصبحت شديد الحزن لدرجة أنني حاولت الانتحار.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه...
أخي الفاضل: أشكرك على ثقتك بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منَّا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
أخي الكريم: فهمت من خلال عرضك لمشكلتك، أنَّك شاب عزب وملتزم بدينك، وأنك بسبب احتكاكك بزوجة عمك المريضة، وأخذك لها عدة مرات للمشفى، وقعت في حبها، ووقعت هي أيضًا بحبك، وعندما كشف عمك الموضوع، قام بسجن زوجته في غرفتها، فشعرت أنت بالندم على فعلتك، حتى وصل بك الأمر إلى أنك تفكر بالانتحار، خفف على نفسك أخي، فقد وصلت إلى بر الأمان، فلن تعدم من إخوانك في موقع المسلم أن يمنحوك الرأي السديد، ويرشدوك للتصرف الرشيد، ويمكن حصر إجابتنا على استشارك من خلال النِّقاط الآتية:
أولاً: اثنان ثالثهما الشيطان.
الخلوة المحرمة: هي أن ينفرد رجل بامرأة أجنبية عنه، لا يكون معهما ثالث، بحيث يحتجبان عن الأنظار، وقد جاءت الأحاديث النبوية الصحيحة الصريحة، بالتحذير من ذلك، من ذلك ما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم ). وقال صلى الله عليه وسلم: ( ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ) رواه أحمد والترمذي.
فأنت نتيجة ارتكابك للمحرم، وقعت لك هذه الفضيحة النكراء، ومن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه، فسن العشرين الذي أنت وزوجة عمك فيه خطير، فكان عليك ألا تركب معها في سيارة واحدة لوحدكما، بل كان عليك أن تأخذ معك أختك أو أمك، ولكن قدر الله وما شاء فعل.
ثانيًا: المخطئ يعتذر.
أنت أخطأت بحق ربك ثم بحق نفسك ثم بحق عمك ثم بحق زوجة عمك، فحق ربك عليك أن تستغفره وتتوب إليه توبة نصوحا، وحق نفسك أن تعالج مرض قلبك، بغض طرفك عن الحرام، وكف لسانك عن قول المنكر، وحفظ جميع جوارحك أن تقع فيما يغضب الله، وحق عمك أن تعتذر منه، وتطلب منه السماح والصفح، وتشعره بأنك كنت السبب في استمالة قلب زوجته منك، بذهابك معها إلى المستشفى لوحدكما، وحق زوجة عمك أن تعتذر منها أيضًا وتقطع صلتك بها تمامًا، فلا تلتقي معها لوحدكما أبدًا، وتحاول ألا تكلمها إلا لضرورة ملحة، وإن استطعت الانقطاع بشكل كامل فهو أحسن وأفضل.
ثالثًا: الانتحار خسارة الدنيا والآخرة.
الصبر مفتاح الفرج، والمفروض فيك وأنت مسلم ملتزم بدينك أن تواجه الحياة برباطة جأش، وبنفس قوية، وإرادة حديدية، وأن تكون أقوى من الأحداث، بتوكلك على الله، واستمساكك بعراه، واعتصامك بحبله، كلنا يخطئ، ويقع في الخطأ، ولكن يجب ألا يصل بنا الندم إلى حد كره الحياة، والتفكير بالانتحار، كن واثقًا بالله عز وجل، وأن الغد سيكون لك، وأن بعد الليل فجرًا، وأن مع العسر يسرًا، فدوام الحال من المحال، وأنَّ كلَّ مشكلة ولها حل، ومشكلتك حلُّها وعلاجها بالاعتذار ممن أسأت لهم، وتعهدك أمامهم بأنك لن تعود لمثلها أبداً، والتوبة والندم عما حدث منك لربك جل وعز.
رابعاً: علاج الشهوة الزواج أو الصوم.
سنُّ العشرين تصل فيه شهوة الشاب إلى الذروة، والإسلام وضع لك علاجًا ناجعًا لها، بيَّن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: (يا معشرَ الشباب، من استطاع الباءَةَ فليتزوج، فإنَّهُ أًغَضُّ للبصر، وَأَحْصَنُ للفرجِ، ومن لم يستطعْ فعليه بالصومِ فإنّهُ له وجاءٌ ). فهذا الطريق الصحيح لتفريغ الشهوة، بالإضافة له غض البصر، وتجنب الجلوس مع النساء الأجنبيات إلا مع ذي محرم لهن، اطلب من أمك أن تبحث لك عن زوجة صالحة، وخذ الأمر بجدية تامة، وسيعينك الله على تكاليف الزواج ومؤنته.
خامسًا: الزنا دين، وفاؤه من عرضك وشرفك، فاحذر تسلم!!.
أدعوك أخي للتأمل بأبيات من الشعر، من شعر الإمام الشافعي رحمه الله:
عفوا تعف نساءكم في المحْرَمِ **** وتجنبـوا مـالا يليق بمسلـم
إن الزنـا دين إذا أقرضــته **** كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
من يزنِ في قوم بألفي درهم **** في أهله يُـزنى بربـع الدرهم
من يزنِ يُزنَ به ولو بجـداره **** إن كنت يا هذا لبيباً فـافهـم
ياهاتكا حُـرَمَ الرجال وتابعـا**** طرق الفسـاد عشت غيرَ مكرم
لو كنت حُراً من سلالة ماجـدٍ**** ما كنت هتـّـاكاً لحرمة مسلمِ
سادسًا: قلبك بيد ربك.
الله تعالى بيده مقاليد السماوات والأرض، وبيده سعادتك ونجاتك في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: ( وأنه هو أضحك وأبكى ) النجم: 43. فالتجئ إلى الله في قضاء حاجتك، وحل مشكلتك، ووكله جل وعلا في أمورك كلها، فهو نعم المولى ونعم النصير، ولا تنس أن تطلع من تثق به من أهلك وخاصة أبوك وأمك، فهما خير معين وناصح مشفق لك، ولا تعدم منهما برأي سديد وحل رشيد لمشكلتك، والله أسأل أن يعينك ويسددك في القول والفعل.
سابعا : الانتحار كبيرة من ابشع الكبائر وأفظعها , يقول الشيخ ابن باز رحمه الله : " الانتحار من أكبر الكبائر، وقد قال الله -جل وعلا-: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا[النساء: 29-30] وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة) فالانتحار من أقبح الكبائر، وإن كان عند أهل السنة والجماعة ليس بكافر، إذا كان مسلماً يصلي معروف بالإسلام موحداً لله -عز وجل- ومؤمناً به -سبحانه- وبما أخبر به،... بل يكون تحت مشيئة الله -سبحانه وتعالى- ...، إن شاء الله عفا عنه ، وإن شاء ربنا عذبه "
فاحذر إذن تسويل الشيطان لك في هذا الباب , فهذا ليس حلا للمشكلة بل هو زيادة لها وخسران في الدنيا والآخرة , فالجا إلى الله بتوبة واستغفار فهو التواب الرحيم