تونس في الذكرى الثالثة للثورة
14 صفر 1435
عبد الباقي خليفة

تعيش تونس هذه الأيام أجواء الذكرى الثالثة للثورة {17 ديسمبر/ 14 يناير} وسط العديد من التحديات والمطبات، والتي أثبتت المسارات وجود قوتين في البلاد أثبتت الأولى قدرتها على التدمير، وأثبتت الثانية صلابة منقطعة النظير واستعصاءً على الانكسار وحكمة في إدارة الصراع .

ففي جعبة الأولى عقود من الخبرة في إدارة الشأن العام ، وظلت في مواقعها بعد الثورة وقد عملت على تحقيق هدفين، الأول تحصين مواقعها من خلال بعث نقابات مهنية في كل مكان للحيلولة دون استبدالهم أوالاستغناء عنهم، والثاني العمل على إفشال مشاريع الثورة. في حين تمكنت القوى الثورية من الصمود في السلطة ، وأفشلت مخططات الانقلابيين في وأد الثورة والعودة بالبلاد إلى مربع الاستبداد والديكتاتورية .

 

 ولئن نجحت القوى الثورية في ابقاء أهداف الثورة قائمة، وتمكنت مؤخرا من تحريك المسار الحكومي باعلان مهدي جمعة رئيسا توافقيا بين 9 أحزاب وامتناع 7 عن التصويت ، وهو ما يمثل نجاحا وانتصارا على قوى الانقلاب الضعيفة وخطوة مهمة من أجل انجاح المسار الدستوري { اعداد الدستور} والانتخابي { تشكيل هيئة الانتخابات وتحديد موعد التصويت }، فإن قوى الثورة المضادة والانقلاب نجحت هي الأخرى في تعطيل الانتاج ووقف المسار الانتقالي لفترات متزامنة ، بل وتهديده في أكثر من مناسبة، ولا سيما بعد اغتيال القياديين في المعارضة شكري بلعيد اليساري، ومحمد البراهمي القومي . لكنها اليوم باتت أكثر عجزا مما سبق، لأن القوة التي استند إليها الانقلاب وهي الاتحاد العام التونسي للشغل، بعد سقوط فرضية العسكر، تخلى كما يبدو، عن دور مخلب القط الذي استخدمته المعارضة منذ نجاح الثورة . ولا يعرف ما إذا تخليه عن لعب هذا الدور جاء بقناعة شخصية،بعد ادراكه لحجم الخراب الذي تسبب فيه والخسائر الهائلة التي تكبدها الاقتصاد التونسي بسبب المناكفات الآيديولوجية والحسابات السياسية ، والارتماء في أحضان المقامرين والسماسرة في الداخل والخارج، أو بضغط داخلي أو دولي، أو وجود ملفات تم تهديده بها ، وكل ذلك ممكن ؟

 

تدمير ممنهج:  تعرضت التنمية والمسار الديمقراطي في تونس  لعملية افشال ممنهجة ، انخرط فيها الاتحاد والمعارضة الايديولوجية،لأن نجاح الترويكة يعني بقاءها في الحكم ، لذلك كان الخيار تدمير الوطن حتى لا تنجح النهضة وحتى يكون لهم حظوظ في الانتخابات القادمة.

 

 وكان ثالوث المال والاعلام والادارة معاول هدم في مشروع تصفية المشاريع وافشالها، من ذلك وقف انتاج الفوسفات ، وتنظيم  35 ألف اضراب، وتعكير الوضع السياسي لمنع الاستثمار الاجنبي، ولاسيما في المناطق الداخلية سليانة قفصة بوزيد القصرين،ساهم في عدم انجاز الكثير من المشاريع المبرمجة منذ 2011 و2012 و2013 م وبالطبع لم ير الشباب شيئا فينفجر الجهال منهم لم نر شيئا ويتهمون الحكومة ..الادارة تؤخر المشاريع ، والاعلام الموجه ينفخ في الحاجيات ، وغياب المشاريع ،والمال السياسي يغطي الخسائر الفردية للمقامرين بمصالح الشعب..الشعب نفسه انخرط في ايذاء نفسه ..بائع الخضر يزيد في الاسعار ويشتكي منها ويتهم الحكومة، الجزارون ، النجارون ، تجارالمواد المختلفة، كل يضع السعر الذي يناسبه وسجل على الحكومة..المهربون ، السوق السوداء، المضاربون، والمحتكرون، السياسيون الذين وتروا الاوضاع وساهموا بطرق مختلفة في تفشي ظاهرة الارهاب الذي نشأ في ظل الاحتقان السياسي الذي وفر له بيئة مناسبة..المحسوبية والزبونية القائمة بين أعوان وموظفي المؤسسات العمومية صحة وأمن وقضاء أغرق البلاد في اللادولة ثم يترحم الفاسدون على دولة الفساد.

 

كانت هناك اتهامات بأن الترويكة لم تنجز الدستور، ولكنهم كانوا من أخر انجازه من خلال رفض بعض المصطلحات التي اشتموا منها رائحة الاسلامية .أوالمضامين الاسلامية ، كالتدافع ، والتكامل ، والتأسيس على ثوابت الاسلام . كما كان حضور المعارضة الانقلابية { هناك معارضة وطنية } ضعيفا فأفضل مستوى للحضور كان 13 في المائة ، ومع ذلك يلقون باللائمة على الترويكة في عدم انجاز الدستور. وظل أكثر من 50 نائبا من أصل 240 نائبا في المجلس التأسيسي مضربين عن الحضور لمدة ثلاثة أشهر بزعم الاحتجاج على مقتل البراهمي . وأمضوا وقتا طويلا في استدعاء الوزراء للمجلس التأسيسي للتحقيق في بعض الوقائع والاحداث ولذلك تأخر انجاز الدستور. ويتساءل كثيرون ماذا بقي من وطنية لدى هذه المعارضة التي ضحت بالوطن من أجل اسقاط النهضة ، فالاستقرار ، والاستثمار، والأمن ، لا يخدم أجندة المعارضة ، فعندما يكون كل ذلك  يعني لديها {آليا }إعادة انتخاب النهضة مجددا ، وما يجري منذ انتخابات 23 أكتوبر داخل كواليس ومنصات المعارضة يسير في هذا الاتجاه  .. لذلك عندما سئل الرحوي { يسار } ما تقومون به يخدم النهضة أجاب ، الاستقرار والامن والاستثمار تم ضربهم فكيف ستستفيد النهضة من سياستنا؟

 

وعلى الصعيد الاقتصادي عملت الادارة { الدولة العميقة }على تجميد تنفيذ المشاريع المصادق عليها في ميزانيات السنوات الماضية من الثورة 2011 و2012 و2013 م الجارية وبعض المشاريع لم تنجز بسبب تباطؤ الادارة البيروقراطية والمنخرطة في الثورة المضادة في انجاز الاجراءات والبحث عن مقاولين ، بل هناك مشاريع رهن الادراج والتعلات جاهزة باستمرار.

 

نجاح نهائي : بعد اختيار رئيس الوزراء الجديد والذي في ظل حكومته سينجز الدستور وتجرى الانتخابات وهو هدف الثوريين من كل الاتجاهات ،ستدخل البلاد مرحلة استقرار لن تؤثر فيه أحزاب حاضرة في الاعلام غائبة في الشارع ، فحزب العمل حاصل على 1،4 في المائة وحزب الوطنيين الديمقراطيين الذي كان يقوده شكري بلعيد حاصل على 0.75 في المائة ، وحركة الشعب التي ينتمي إليها البراهمي حاصلة على 0.74 في المائة ، وحزب البعث حاصل على 0.24 في المائة ، والنضال التقدمي حاصل على 0.22 في المائة والحزب الشعبي حاصل على 0.19 في المائة وحزب يسمي نفسه تونس الخضراء حاصل على 0.16 في المائة ، وهي الأحزاب التي تعترض على تسمية مهدي جمعة ، ونتائجها لم تشهد تقدما في عمليات سبر الآراء وبالتالي هي صفر على الشمال رغم ارتفاع أصواتها في وسائل الاعلام ، وبعد تخلي اتحاد الشغل عنها وانخراطه في تهدئة الاوضاع تعتبر من الموات ..

 

 أما في هذه المرحلة فليس هناك حكم ومعارضة ،، هناك قدر من التوافق الوطني ، وهناك معارضة للتوافق الوطني لأسباب آيديولوجية وحزبية علاوة على الارتباطات الداخلية والخارجية .. النهضة ستبقى في الحكم من خلال المجلس الوطني التأسيسي ، والمعارضة في الحكم لأن الحكومة مشكلة من تكنوقراط ولها تأثير معنوي عليها مثل الترويكة .. الجميع في الحكم والجميع في المعارضة بأقدار متفاوتة، وهناك أمل في أن تحتفل تونس بالذكرى الرابعة للثورة في ظل استقرار تام .