22 ربيع الأول 1435

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ عمري 16 عامًا، أدرس في الصف الأول الثانوي، أكره المدرسة كرهًا شديدًا، وأشعر بالكآبة عندما أذهب للمدرسة، السبب لا يوجد لي أي أصدقاء، هذا شيء لا يهمني، بس أحس بالملل، لأنه لا أحد يسليني أو يضحك معي، وحيد في المدرسة، ولاتتوقعوا أني انطوائي أو خجول.. لا.
وقت البريك ليس لي أحد، وأتضايق عندما أرى مجموعه أصحاب، أو شخص معه صديق وأنا لحالي، وفي وقت البريك أختبئ حتى لا ألفت نظر الناس أنني وحيد، وأتقى تحرش وإزعاج ومضايقة الطلاب.
صرت لا أثق في أي طالب، لأن الكل يحكي من وراي، بعد ما اكتشتف أن صديقي السابق يحكي من وراي، قد تقولون لماذا لا تذهب للمشرف أو الإدارة تخبرهم؟ فأنا لا أحب أن أعمل مشاكل مع أحد، فأنا حساس، ولا أريد أن أضر أو أزعج أحداً.
المشكلة الكبيرة جدًا وقت النوم أفكر كثيرًا: ماذا سيحدث لي غدًا؟، ماذا سأشاهد غدًا من إزعاج أو من كلام جارح؟، خوف شديد، ودقات قلب سريعة، والآن اقترحت على أهلي أن أدرس في المنزل وأذهب وقت الامتحانات فقط للمدرسة، وفي انتظار موافقه المدرسة في أقرب وقت. أرجو منكم الدعاء والمساعدة وشكرًا لموقعكم الرائع.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

ولدي الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ وآبائك في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
بداية أحييك على اهتمامك بمشكلتك، واتجاهك للبحث عن حل لها، فهذا يدل على وعيك بالمشكلة، وإدراكك لأهميتها، كما سعدت بقدرتك على تحديد وشرح المشكلة في أقل عدد من الكلمات، وأود أن أوضح لك في البداية عددًا من النقاط الأساسية، وهي:
1) أن الله عز وجل، الذي خلقنا، ويعلم ما طبائعنا وخصائصنا، ويعلم ما يضرنا وما ينفعنا، والقائل في كتابه الكريم: (أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك- 14]، فطرنا على حب الاجتماع، والتعارف والتكامل، فقال جل شأنه في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات- 13].
2) أن سنة الله في خلقه اقتضت أن يتعايش الناس فيما بينهم، وفقًا للدوائر الآتية، دائرة الأسرة (الأب والأم والأولاد)، دائرة العائلة (الأسر التي تربطها علاقة قرابة ورحم)، دائرة الجيرة (مع الجيران في السكن)، دائرة الزمالة (مع زملاء الدراسة أو العمل أو..)، دائرة التجارة (مع الشركاء أو العمال)، دائرة الصداقة (أقرب الناس إليك من زملائك أو جيرانك أو أقاربك أو ...إلخ).
3) أن الإنسان اجتماعي بطبعه، لا يعيش في العالم بمفرده، وإنما يعيش مع الناس، يأكل معهم، ويلعب معهم، يدرس معهم، يسافر معهم، ينام معهم، كلٌ بحسب درجته منه، وقربه إليه، وهذا لا ينقص من شخصيته، ولا يقلل من مكانته.
4) كل إنسان في مقتبل العمر، ومنذ خروجه للحياة يجد نفسه – دون اختياره- يعيش بين جمع من الناس، أهمهم بالنسبة له أمه، ثم أبوه، ثم إخوته، ثم .... إلخ وهكذا تتناقص الأهمية.
5) وعندما يكبر قليلاً، يلتحق بالمدرسة، يعيش في مجتمع في أول مجتمع خارجي، ألا وهو مجتمع الدراسة، مع جمع من المعلمين والإداريين والزملاء، ومن بين زملائه بالمدرسة من هم أصغر منه سنًا ومنهم من هم نظرائه ومنهم من هم أكبر منه. ولا شك أن هذا المجتمع الجديد هو نقطة البداية للتعايش مع الناس، خاصة من خارج الدائرة الأقرب له وهي الأسرة الصغيرة، حيث يتعرف على بعض زملائه ويميل إليهم ويستريح لهم. ومن ثم فإنه يقع على الأبوين الدور الأكبر اختيار أنسب المدارس وأفضلها من الناحية التربوية والتعليمية كلما أمكن وخاصة في مرحلتها التمهيدية (الحضانة) لأنها ستؤثر بدرجة كبيرة على تشكيل وعيه وحبه للمدرسة من عدمه.
6) وعندما يكبر ويصيرغلاما في المرحلة الإعدادية، يدخل إلى فترة جديدة من حياته، ألا وهي فترة المراهقة، التي تقع بين فترتي الطفولة والشباب، حيث تنتابه بعض التغيرات الفسيولوجية، وهي فترة صعبة يحتاج فيها الغلام إلى مساعدة المقربين منه، وخاصة الأبوين، والإخوة الكبار، والمعلمين والمربين المحيطين به، ليتمكن من "العبور الآمن" من هذه المرحلة الحرجة، والتي تمتد في جزئها الثاني إلى المرحلة الثانوية، حيث يبدأ في اختيار وانتقاء الأصحاب والأصدقاء المقربين، والذين يكونوا في الغالب من المتوافقين معه نفسيًا، ممن ينتمون إلى نفس الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه.
ولدي الحبيب:
وبخصوص مشكلتك فإنني أنصحك باللجوء إلى الله، والتقرب إليه، وذلك من خلال الأمور التالية:
1- حافظ على الصلوات الخمس في وقتها، وفي المسجد كلما تيسر لك ذلك، وفي الجماعة الأولى كلما أمكنك، فإن في الحفاظ على الصلاة نور وبركة. فضلاً عن كونها الفريضة الأم، والركن الركين في حياة المسلم، وسيكون لها بإذن الله الأثر الكبير في حل الكثير من مشاكلك التي تعاني منها. قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) [النساء/103] . وقال أيضًا: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ) [البقرة/238].
2- حافظ على قراءة ورد يومي من القرآن الكريم، وذلك حسب جهدك ووقتك، اقرأ جزءًا أو حزبًا أو ربًعًا، ولا تهجره فإنه نور سيضيئ حياتك، وكنز من الحسنات لا بنفد. فعن أبي ذر رضي الله عنه قال قلت: يا رسول الله أوصني. قال: «عليك بتقوى الله؛ فإنه رأس الأمرِ كلِّه». قلت: يا رسول الله زدني. قال: «عليك بتلاوة القرآن؛ فإنه نور لك في الأرض، وذخر لك في السماء».
3- الزم الاستغفار فإن من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا ورزقه من حيث لم يحتسب، وهناك صيغ كثيرة للاستغفار أسهلها (أستغفر الله) وأفضلها (سيد الاستغفار) وهو ما رواه شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللَّه عنْهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ: «سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ. منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا، فَماتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ » رواه البخاري.
4- انتق أصحابك: فإن "الصاحب ساحب" كما يقولون، واختر أصدقاءك من الشباب الصالحين، من حفظة القرآن، من المحافظين على الصلاة، من المتفوقين دراسيًا، من المتميزين أخلاقيًا، وأفضل مكان يمكن ان تنتقي أصحابك منه هو المسجد. وقد أوضح لنا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: "مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير". رواه البخاري ومسلم. وفي حديث آخر. رواه أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".
5- أكثر من زيارة أهلك وأرحامك، مع والدك ووالدتك وإخوتك، فإن ذلك مما يوثق علاقات القربى، ووشائج الأرحام، فضلا عن الأجر الكبير الذي أعده الله لواصلي الرحم، فعن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "مَن أحبَّ أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليَصل رحِمه". متفق عليه.
6- شارك زملاءك في المدرسة أو جيرانك في الحي أو أقاربك في العائلة في بعض الأعمال المفيدة، والرحلات الترفيهية، والنشاطات الثقافية، والألعاب الرياضية، فإن هذه الأمور منا يساعدك على الخروج من الدائرة الضيفة التي تضربها حول نفسك، ولا تستسلم لشيطانك، اكسر الدائرة، واخرج للمجتمع، تعامل مع الناس.
7- ساعد والدك ووالدتك في قضاء بعض الأمور المنزلية، أو شراء بعض الأشياء المطلوبة من الأسواق والمحلات، أو قضاء بعض الحاجيات المطلوبة، وكن عضوًا فاعلاً في الأسرة وفي المدرسة وفي الحي، وساهم بأدائك هذا في رسم ملامح شخصيتك التي ستعيش فيها طيلة حياتك.
8- حب مدرستك، واحرص على الذهاب إليها، وطلق الكسل، واقتل الخوف، وتلبس بالشجاعة والإقدام، وأقبل على دروسك، واجتهد في علومك لتتفوق، وخطط لمستقبلك، وارسم لنفسك صورة جميلة تتمنى الوصول إليها في الممستقبل، طبيب بارع، أو مهندس ناجح، أو محامي فذ، أو عالم جهبذ، أو داعية مرموق، أو إعلامي لامع، أو.....إلخ.
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يتقبل منك نيتك الطيبة، وأن يثيبك عنها خيرًا، وأن يصلح لك نفسك، وأن يعينك على تخطي هذه المرحلة الدقيقة من حياتك، وأن يختار لك الخير، ويقدره لك، كما نسأله سبحانه أن يصرف عنك كيد الشيطان ومكره.. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.