19 شوال 1436

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبي عمره خمسون سنة ذو شخصية عصبية يصعب علينا أن نتناقش معه، أو أن نصل إلى حلِّ مناسب لأي موضوع نطرحه، فهو مدرس دين، ويقول لي: لا تناقشني في الدين؛ لأني أدرِّس الدين، وأنت في رحم أمك، وعندما أقول له: لماذا لا تطبق الدين الذي تدرسه، يقول: أنا كما ترى رضيت أم لم ترض، ويشرب المسكر والحشيش المخدر، وكم نصحته وطلبت منه أن يرجع إلى الله، يستهزئ بي ويشبهني بالسديس، ويقول: جزاك الله خيرًا.. أقم الصلاة.. وكلمات أخرى من باب الاستهزاء، ويطلع الشارع ويسبب لي مشاكل بألفاظ نابية، وخارجة عن الكلام المتعارف عليه ممن هو في سن 50 سنة، وأحاول تهدئته، وأقول له: نحن في الشارع، ويأتي للناس ويحاول أن يستفزهم بكلامه السيئ، أو يرفع صوته بحديثه، كقوله: "وش عندك، ما علي من أحد" لا يرى أحدًا أمامه أفضل منه، صاحبه إذا لم يوافقه الرأي في موضوع، يسب الله والملائكة والعياذ بالله - إذا غضب ـ وقد نصحته كثيرًا دون جدوى، بل ويستهزئ بي ويتندر علي وينتقصني، وكان يعاملني وإخوتي ونحن صغار بسوء، ولا يناديني باسمي بل يقول: يا بول!! يا غائط!! يا براز!!، ويسب ويلعن ويشتم أخوالي، ولقد حاولت نصحه كثيرًا في ذلك، ورده إلى الخير والاستقامة، ولكنه معرض ومستكبر ومستهزئ، وإذا حصلت بينه وبين أحد مشكلة، يصفه ويسبه بأسوأ الصفات والشتائم.
حصلت بيني وبينه مشاكل قوية، ضربني وأهانني وآذاني كثيرًا، ولكني لا أمد يدي عليه لأنه أبي، ويفعل الكبائر كالزنا، ويعاكس الحريم في التلفون، وأعتقد أنَّ سبب نكسته مكالماته ومعاكساته للنساء، وقبل قليل حصلت مشكلة في الشارع بسببه، فقد سب شخصًا بكلام فاحش، وأتى بأقربائه ووصلت للمضاربة للأسف.
راتبه: 10000 ريال، ولا يأتي بأغراض البيت ولوازمه، لا ندري أين يذهب بالراتب، وعندما نسأله عن ضياع الراتب، يظهر استغرابه من ضياعه ونفاده، جدتي – والدته - تعبت منه ومن مشاكله ولسانه القذر، وهي ساكنة معنا في نفس البيت، وأصبحت تخاف أن يضربها، وهو يرى نفسه أنظف شخص، ولا يوجد أحد أفضل منه، وعندما نقول له: أنت مريض، يقول: أنا أصح منك ويكابر.
أمي - شفاها الله – مريضة، وعندها انفصام في الشخصية من قبل 10 سنوات تقريبًا، خرجت من البيت إلى بيت والدها، ولم أرها أنا وإخوتي إلا قبل أربعة شهور منذ ست سنوات، وأخوالي لا أعرفهم إلا بالاسم.
عشت حياة مريرة، وذقت قسوة الحياة، أتظاهر بأنني طيب وليس عندي مشاكل، ولكنني لست كذلك، وأصبح عندي تصورات خاطئة وغريبة، كالخوف من الأشخاص والعدوانية ضدهم.
أريد أن أرجع إلى دين الله، ولا أدري ماذا افعل ؟. جدتي هي الوحيدة القريبة لي من بعد الله، لقد ربتني وأنا طالب ثانوي، ولا أعلم ماذا سيحصل لي من بعدها إذا كتب الله عليها الموت، أسأل الله أن يطيل في عمرها، وجدتي تنصحه كثيراً، لكن لا حياة لمن تنادي، أتمنى أن تكون استشارتي لكم سرية بيني وبينكم، جزاكم الله عنا كل خير.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه...
أخي الفاضل: أشكرك على ثقتك بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منَّا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
أخي الكريم: فهمت من خلال عرضك لمشكلتك، أنَّك تعاني من سوء خلق أبيك، ومعاملته السيئة لك ولإخوتك وجدتك ومن يلوذ بك، وأيضًا سوء معاملته لجيرانه وأصحابه ومن له علاقة به، وتذكر أنه واقع في بعض الكبائر كالزنا وشرب الخمر، وهو مهمل تمامًا لكم، ويهدر راتبه فيما لا فائدة ترتجى منه، بل في المعاصي والذنوب والكبائر، كما تذكر مرض والدتك بانفصام الشخصية، وتركها لبيت والدك والتحاقها ببيت أهلها، وسوء معاملة والدك لها ولأخوالك، مع كون والدك مدرس تربية إسلامية ويا للأسف، أبشر أخي بما يسرك ويعطيك الرأي السديد الحصيف لحل مشكلتك، ألخِّصُ لك أخي جواب استشارتك من خلال النِّقاط الآتية:
أولاً: ابحث عن السَّبب الحقيقي لعصبية أبيك.
العصبية من الطباع السيئة التي أصبحت سمة الكثيرين منا، كبارًا أو صغارًا، رجالاً أو نساء، ملتزمين أو غير ملتزمين، ومن أهم أسبابها ضعف الشخصية، أو عدم الصبر وعدم الرضا أو الشعور بعدم التحكم في زمام الأمور باختلاف أنواعها صغيرها أو كبيرها..
وما تأصل هذا الطبع فينا إلا لبعد قلوبنا عن الله سبحانه وتعالى رغم أن جوارحنا تبدي غير ذلك!! وألسنتنا تؤكد لنا ولمن حولنا العكس!! فمتى ما اقتربنا حقًّا من الله قلبًا وقالبًا استقرت قلوبنا وهدأت أنفسنا وتوكلنا على الله سينعكس ذلك على تصرفاتنا وعلاقاتنا الاجتماعية.
فابحث أخي عن السبب الحقيقي في عصبية أبيك، وركز جهدك واهتمامك في معالجته، ولو استعنت بمن هو أكبر منك سنًا، وأكثر خبرة من أقربائك العارفين بخلقه وسلوكه، فلا تعدم من ناصح خبير مشفق منهم بإذن الله.
ثانيًا: ابحث لأبيك عن زوجة صالحة.
أبوك فاقد حنان، يحتاج لزوجة صالحة تملأ حياته، وتشبع رغبته وغريزته، وتهدأ باله وعقله، أشعره بأنك تحبه وتخاف عليه وتشفق على حاله بدون زوجة ترعاه وتخدمه، وتقوم على شؤونه الخاصة به، فالشخص العصبي عادة ما يفتقد الثقة في نفسه، وقد يفتقد الحب أو والحنان، وقد يعتقد أن من حوله يتعمدون إهانته، لذا فهو بحاجة للحب والاهتمام والاحترام والتقدير والثناء، ولا يشبع هذا إلا زوجة صالحة تقية نقية، فاحرص على تزويجه واستعن بجدتك في البحث له عن زوجة صالحة.
ثالثًا: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
البرّ بالوالدُ شئ، وسبُّ الله والملائكة باب آخر، خاصة وهو يعلم ما يعني سب الله، فهو مدرس دين، فلا بد من وضع حدٍّ مانعٍ لهذا التجاوز، فلا مجاملة ولا مداهنة في حدود الله، فعليك أن تقف كالطود العظيم في مواجهته، وتستخدم كل الأساليب الرادعة له، مبتدئًا بالأخف فالأعلى منه، ولو وصلت في ردعه لرفع دعوى عليه في المحكمة بأنه يسب الله والملائكة – بعد تهديده برفعها – فلا تقصر، فلا خير في مؤمن يسمع سبَّ ربه وملائكته ولا يغضب، ومن استغضب ولم يغضب فهو حمار وحيوان.
رابعًا: ادع لأبيك بالهداية.
قلب أبيك بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبه كيف يشاء، فتوجه إلى الله تعالى بالدعاء له بالهداية والالتزام وهدوء الحال والبال، ولو قمت بأداء عمرة، وبجوار بيت الله العتيق، وعند الملتزم
تحديدًا، توجَّهت إلى الله بالدعاء لأبيك، فلن يخزيك الله أبدًا، وسيستجاب دعاؤك.
خامسًا: ابحث عن المؤثِّرين على والدك.
لا شك أنَّ لوالدك أصدقاء ومقرَّبون، توجَّه للمؤثِّر على أبيك منهم، وفاتحه بتصرفات أبيك وسلوكه، واطلب منه المساعدة في إصلاح خلق أبيك، واطلب من خطيب المسجد الذي يصلي فيه أبوك أن يتكلم في خطبة الجمعة عن خطورة سب الله والملائكة، والتحذير من شرب الخمر والزنا وعقوبة كل منهما في الدنيا والآخرة.
سادسًا: واصل أمك وأرحامك من جهتها.
بر الأم مقدم على بر الأب، فلا تقصر في مواصلة أمك وأرحامك بطرفها، وإذا كان ذلك يزعج أباك، فصلها بدون علمه، فحقها عليك عظيم، وفضلها عليك كبير، وكذلك حثَّ إخوتك على التواصل معها، ولا تقاطعوها فتأثموا، واصلوها بالزيارة والاتصال، خاصة وكونها مريضة ومحتاجة لعطفكم وحنانكم.
أعانك ربي على صلاح خلق أبيك، وشفا أمك وعافاها، وأبقى لك جدتك وأطال عمرها بالصحة والعافية والطاعة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.