معارك الغلاة مع ثوار سوريا
22 محرم 1435
أحمد عبد العزيز القايدي

معارك الغلاة في سوريا حتى الآن مع فصائل من الجيش الحر وليست مع فصائل إسلامية، وقد خاض الغلاة حروبا مع ثوار من قرية الدانة في الشمال السوري وهي أول حروبهم تقريبا وكانت في شهر شعبان 1434هـ، ثم خاضوا بعد ذلك معارك مع "عاصفة الشمال" و "أحفاد الرسول" وفصائل من حزانو ودير الزور، وأخر هذه الحروب حصلت قبل أيام مع كتيبة "الهجرة إلى الله" في اللاذقية، واشتباك في حلب مع فصيل "فاستقم كما أمرت".

يدعي الغلاة أن هذه الفصائل تتآمر على قتالهم مع قوى أجنبية وقوى إسلامية خارج سوريا لأنها لا تريد المجاهدين أو لا تريد إقامة الشريعة لذلك دخلوا معها في حروب مفتوحة.

 

وفي الحقيقة هذا الإدعاء كاذب ولا دليل عليه، وكثيرا ما يوجه الغلاة تهمة العمالة لمن يعلن ويسر رفضه لقتالهم؛ فهو اتهام يطلقونه على كل مخالف تقريبا، ولا علاقة له بالقتال أو بغيره، وأيضا هو ساقط وواهي لعدة اعتبارات :

أولا : هذه الفصائل محلية بسيطة ولا تحمل منظومة فكرية تعادي بها الشريعة إلى درجة قتال أنصارها، فهي لاتؤمن بأفكار علمانية أيا كانت بل هي مجموعات يغلب عليها أنها ذات معرفة بسيطة.

ثانيا : هذه الفصائل تحل نزاعاتها في المحاكم الشرعية حتى نزاعها مع الغلاة، وتعلن رغبتها في إقامة الشريعة، وتحمل شعارات إسلامية وإن كان فيها فساق، بل وبعضها أعلن رفضه للديمقراطية والمشروع العلماني في سوريا.

ثالثا : هذه الفصائل تفتح مقراتها للدعاة من المهاجرين وغيرهم، وتقبل بحل قضاة الفصائل الإسلامية لمشكلاتها الداخلية والمحلية، ومن قبل بقضاء الشرع وسلم قراره لفصائل إسلامية لا يمكن أن يتآمر مع أجنبي على قتال بعضها لأجل ذلك !

رابعا : لا يوجد ارتباط تنظيمي حقيقي بين هذه الفصائل، مما يعني أنها لم تتفق وفق خطط معينة على قتالهم كما يدعي الغلاة، فهذا الصراع مجرد ردة فعل وليس مخططات تتوافق عليها فصائل.

 

خامسا : هذه الصراعات وقعت في أوقات متباعدة، ولو كان هناك اتفاق بينها لتم في وقت واحد خصوصا مع استصحاب اتهام العمالة والداعم الواحد.

سادسا : هذه الفصائل صغيرة جداً فلا يمكن سياسيا أن تأتي قوى عالمية وتضع يدها مع هؤلاء، فالقوى العالمية تبحث عن القوى الفاعلة على الأرض، وليس مجموعات هامشية على المشهد أو لا دور لها تستطيع من خلاله تنفيذ مخططات الغرب.

سابعا : هذه الفصائل الصغيرة غير قادرة عسكريا على مواجهة الغلاة؛ لذلك الغلاة ربحوا كل المعارك معها حتى الآن، والقوى العالمية أذكى من أن تتعاون مع عاجز في مواجهة قوي خصوصا إذا تكررت خسارته أمام ذاك القوي.

ثامنا : القوى العالمية ما زالت تفتح سوريا للغلاة وغيرهم ولو أرادت حربهم لأوقفت دعمهم أو أوقفتهم في المطارات وعلى الحدود التركية، ولكن هذا لم يحدث حتى الآن.

تاسعا : لو كانت هذه الفصائل تتلقى دعما من قوى عالمية لقتال الغلاة لرأيناها تقاتلهم بأحدث الأسلحة أو الذي يحمل جنسية ذاك البلد أو القوي الفاعل منها، ولكن هذا لم يحدث فكلهم يقاتل الغلاة بسلاح خفيف غنمه من النظام أو اشتراه من السوق السوداء.

عاشرا : الأشخاص الذين يُتهمون بدعم هذه الفصائل وتحريضها لقتال الغلاة يدرك المتابع للساحة السورية أنهم ليسوا خياره في الدعم، ولا طريق له إليهم.

 

حادي عشر : بعض هذه الفصائل مع ضعفها وقلة عدتها وعددها لها جبهة مع النظام؛ فلا يمكن أن تفتح مختارة جبهة ثانية في خطوطها الخلفية.

ثاني عشر : بعض هذه الفصائل فتح داره للغلاة وشارك معهم في محاربة النظام ومازال يفعل، فلو كان يريد قتالهم لقاتلهم وهم مشغولين بقتال النظام، خصوصا مع استصحاب أن بعضهم كان يقف في خطوط الغلاة الخلفية.

ثالث عشر : هناك تقصير من هذه الفصائل في قتال النظام خارج مناطقها خوفا وتحزبا لأرضها؛ فلا يمكن أن ترحل لقتال من هو أقل خطرا عليها خارج مناطقها.

رابع عشر : كل هذا الاقتتال وقع في مناطق الثوار المحلية مما يعني أن الغلاة جاؤوا إليهم ولم يذهبوا هم لطلب الغلاة.

 

خامس عشر : بعض هؤلاء وإن كان فاسقا إلا أنه عروبي ! لا يقبل أن يكون خائنا عميلا، ولو كان في ذلك حتفه أو خسارته وقد جرب على بعضهم هذا.

سادس عشر : بعض هذه الفصائل يقبل بالوسطاء قبل وقوع الاقتتال وبعده ويلتزم بقرارهم ولو كان يعمل ضمن أجندة لما قبل بذلك وما التزم، ولسارع إلى القتال.

 

وأحيانا يوجه الغلاة ادعاء أخر لسبب هذا القتال وهو قولهم : أن هذه الفصائل هي من بدأنا بالقتال فدفعنا عدوانها بقتالها ولم نبدأها قصدا.

وفي الحقيقة لا يمكن التحقق من مصداقية هذا الإدعاء، وطرف الغلاة ضعيف فيه؛ لأن القتال يجري دائما في مقرات هذه الفصائل وقراهم، وأيضا هذه الفصائل كما سبق لا طاقة لها بقتال الغلاة خصوصا مع الرعب الذي يفرضه الغلاة في نفوس الناس، ويغلب على هؤلاء الخوف أو التورع من إراقة الدماء، فأكثرهم كان يستفتي في حكم الجندي السني الذي يقاتل مع النظام وحكم قتاله، ويتحرج بعضهم من قتله بعد أسره، فدعوى أنهم يبدأون الغلاة بقتال غير متسقة مع حالهم، وهي دعوى أحد طرفي الصراع، فلا يمكن قبولها بمجرد ادعائها.

وعلى التسليم بصحة هذه الدعوى؛ فإن الغلاة لم يتوقفوا عند دفع الصائل الذي سمحت الشريعة بقتاله بما يدفع صولته، بل في كل هذه الحروب تجاوزوا ذلك، وذهبوا يلاحقون من يزعمون أنه صائل عليهم، ودخلوا مقراته، وسلبوها وسلبوا سلاحه، وقتلوا أسيره الذي سلم نفسه إليهم، بل خرقوا اتفاقات الصلح مع بعض الفصائل واستأنفوا القتال، كل هذا وغيره يدل على أن الأمر تجاوز حدود دفع الصائل كما يدعون إلى تشريع القتال.
 

 

كما سبق هذه الأسباب التي قدمها الغلاة ليست متماسكة وليست حقيقية، وعليه ما سبب هذا الاحتراب المتكرر بين فصائل محلية والغلاة ؟!

 أولا: استحلال أو تساهل الغلاة في الدم المسلم الحرام الذي تكرر منهم في سوريا وغيرها.

ثانيا : يتصرف الغلاة كدولة في مناطق هذه الفصائل؛ فينصبون الحواجز، ويصدرون القرارات ويعتقلون ويقسمون ... الخ، هذه التصرفات تقود إلى اعتداء أو استبداد ينازعه أهل المكان فيقع الاقتتال؛ فالاقتتال بين فصائل الحر والغلاة سببه دفع صائل مستبد أو قتال فتنة وليس قتال عمالة أو فساق.

وهذا هو سبب الفتنة الحقيقي، وهو أساس المشكلة الميدانية مع الغلاة في سوريا، رغبتهم في التوسع وبسط نفوذهم على الأرض، والسيطرة على القرى والمواقع والسلاح، والتصديق بأنهم دولة وتعاملهم مع الآخرين بناء على ذلك، لذا إذا لم يتراجعوا عن هذه الممارسات؛ فإن الصراع سوف يزيد والمشكلات سوف تتكرر للأسف.

 

هذه الحروب إذا استمرت سوف تصنع رأي شعبي عفوي ليس ضد الغلاة فقط بل ضد المجاهدين.

ما زالت الفصائل المحلية تحب أو تحترم أو تخاف أو لا تملك موقف سلبي ضد الفصائل الإسلامية، لذا لابد أن نحسن إليهم ولاندفعهم باتجاه العدو، فهؤلاء هم أمتنا ونحن بالله ثم بهم؛ معاداتهم أو افتراض السوء فيهم أو قمعهم لن يكون في صالح الشريعة ولا في صالحهم.

 

هذه الصراعات هي بداية مشروعات الغلاة وفي المستقبل سنراهم يقاتلون من يسمونهم الصحوات "الفصائل الإسلامية"، وفي كل يوم يتأخر الفاعلين في حل مشكلة الغلاة بعيدا عن المجاملات والزيارات السويسرية يدخلنا الغلاة في نفق الفتنة والاقتتال الأكبر ... ذاك الاقتتال الذي تنتهي عنده كل الأحلام والمشروعات ولا ينجو منه أحد ( ولا تنازعوا فتفشلوا ...).