14 رجب 1437

السؤال

السلام عليكم.. تزوجت منذ سنة ونصف ورزقني الله بولد، وأعيش حياة مستقرة والحمد لله، ومشكلتي أن زوجي تغير كثيرا منذ فترة وأصبح شحيحا معي في عواطفه ومشاعره، وباءت كل محاولاتي بالفشل لتحسين العلاقة بيننا، فزوجي لا يقبل الحوار على الرغم من أنني أختار الوقت والكلام المناسبين لمناقشته، إلا أنه سريع الغضب ولا يرغب في التواصل معي. وما يحز في نفسي أنني حين أقترب منه وأحاول ملاطفته يصدني بحجة مختلفة في كل مرة، كما أنه لا يمدحني ولا يثني علي، ولا على مجهودي في البيت، وتسلَّل الفتور لعلاقتنا وأصبحنا نعيش كغريبين، لا نتناقش ولا نتحاور، ولا يجمعنا إلا طفلي الصغير، وللإشارة فإن زوجي يعاني من مشكلة عدم سداد ديونه، ومن جهة أخرى مكان عملي بعيد عن المنطقة التي نقطن بها، مما يضطرنا لتحمل أعباء السفر مرتين في الأسبوع، هل يكون لهذه الضغوطات دور في هذا التغير؟؟..

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أختي السائلة الكريمة، بداية أشكرك على رسالتك، وعلى ثقتك بموقع المسلم، أما بالنسبة لمشكلتك فألخصها في مسألة هامة هي: معاناتك من فتور زوجك بدون سب مقنع، وضعف العلاقة العاطفية بينكما، وانقطاع أسباب التواصل بينكما..
وهذه الحالة أختي الكريمة، تعاني منها كثير من الزوجات بسبب ضغوط الحياة اليومية والوظيفية، أو بسبب بُعْد أزواجهم عن الله تعالى، وأسباب أخرى متعلقة بالصحة النفسية وعدم استقرارها لدى الزوج، وأسباب مرتبطة بخلفياته الاجتماعية، والأسرية، والتربوية التي توقعه في براثن التفسخ العاطفي، وسوء المعاملة، وضعف التواصل، وشكل الحوار والخطاب الأسري، مما قد ينتج عنه توسيع الفجوة بين الزوجين يوما بعد يوم، حتى يصل بهما الحال إلى البرود العاطفي، وانقطاع تيار التواصل بينهما بشكل نهائي، أو حتى هجر فراش الزوجية، وهذا مؤشر خطير صار يهدد العلاقات الزوجية داخل مجتمعاتنا..
وهذه بعض النصائح والإرشادات التي أقدمها لك أختي الكريمة:
أولا: صحِّحي أختي الكريمة علاقتك بالله، وراقِبي نفسك في السِّرِّ والعلن، واسْتشْعري رقابة الله، وتحرَّكي بفكرة إيمانية وجوهرية وهي:
ـ أنك لم تُخلقي في الدنيا هَملاً ولا عبثا، ولكن لعبادة من بيده مقاليد السموات والأرض، وهذا سيحثُّكِ على الإكثار من الطاعات، وتوثيقِ عُرَى أسبابِ مرضاتِه، وكسبِ محبته قولا وفعلا، وسلوكا ومعاملة، من خلال إقبالِك على أعمال الخير، والمواظبة على قراءة القرآن، وأذكار الصباح والمساء، والتزام الاستغفار، والمحافظة على الصلوات المفروضة، واغتنام الأجر في إحياء السُّنن والنوافل المنسِيَّة..
فعلاقة المخلوقين تتأثر سلبًا وإيجابًا بعلاقتهم بالخالق، فإذا صَحَّ ما بينكِ وبين الله، صحَّ ما بينكِ وبين أهلِك، وزملائِك، وكلَّ المحيطين بك، بما فيهم زوجك، بل ستجدين حلاوة لم تتذوقي طعمها من قبل، وهي حلاوة التحرُّك في الدنيا بأقدار الله، ومشيئته، ورضاه، وحلاوة طمأنينة النفس وسكينتها، وحلاوة الاستغناء بالله عن بقية خلقِه، والشعور بالثقة والتوكُّلِ على الله، والأمل فيما عند الله من رحمة، ومن كرم، ويقين إيماني مُشْبِع للروح وللجسد.. وكل هذا سيشحذ همَّتكِ، وسيغير نظرتك لنفسك، ولزوجك، ولحياتك بالكامل، وسيهوِّن عليك أسبابَ معاناتك..
ثانيا: ألحِّي على الله بالدعاء، فهو سلاح المؤمن وحِصْنُهُ الحَصين الذي به يشدُّ أزرَه وساعده، وبه يستدِلُّ على الخير، فارفعي يديك إلى من بيده أن يكفيكِ ما هَمَّكِ من أمر الدنيا والآخرة، واطْلُبي منه التوفيق والسَّداد، وأن يفرِّج كربتك، ويمُدَّك بالعون والقوة، ويسدِّد ديون زوجك، ويهديه إلى سواء السبيل، ويؤلف ما بينكما..
ـ فاغْتنمي تكرار الدعاء في صلواتِك وخَلواتِك، وفي أفضل مواطن استجابة الدعاء، كالثلث الأخير من الليل، وعند السجود، وبين الآذان والإقامة..
ـ واسْْتَشْعِري معنى القُرب من الحق سبحانه، والافتقار والتذلُّل إليه بعينٍ تذرف الدَّمعَ سخيًّا بين يديه، ومعنى الخشوع واستحضار القلب، والنية، وكل الجوارح مهابةً، ورهبةً، ورغبة فيما عند الله من كرم ومن رحمة، وتأكَّدي بيقين إيماني كبير بأنكِ متى أدركت هذه المعاني وهذا الشعورَ الرَّبَّاني، وصَدَق افتقارُكِ، وقَوِيَ رجاؤُكِ فيما عند الله، وحَسُن ظَنُّكِ به، فلن يَرُدُّكِ خائبةً ولن يخذلكِ أبدا..
ثالثا: أغلب الأزواج يبحثون عن امرأة مثالية، واستثنائية، ومختلفة تماما عن بقية النساء، فيها الأم والحبيبة، وفيها الزوجة الصديقة ورفيقة العمر، وفيها شهامة، وإحسان، وعطاء لا ينضب معينه، وفيها السكن، والدفء، والاحتواء الكامل، وكأنها الوطن الذي يعود إليه الزوج من غربته وهجرته الطويلة، فيجد حلاوة اللقاء، والأمان والسلام النفسي، ولذة الحياة وحلاوتها..
وزوجك كبقية الأزواج يبحث فيكِ عن هذه المشاعر المختلفة، وعن هذه الأحاسيس المُفْعمَة بالجاذبية التي تخفِّف عنه همومه ومشاكله اليومية، ومعاناة ضغط العمل والديون، وضغط الأعصاب، ويكسر أسباب التوتُّر النفسي والعاطفي..
ـ فكوني له أختي الكريمة الزوجة الصالحة والقدوة الحسنة التي تعينه على طاعة الله ومرضاته، وسانديه كي ينجح في حياته وعمله، بما تمدِّينه من طاقة نفسية وعاطفية، وبالنصيحة، والمشورة، والموعظة الحسنة في وقتها ومكانها المناسب، بأسلوب الرفق، واللِّين، والكلمة الطيبة والرقيقة، والمحبَّبة لقلبه حتى تنجحي في امتلاكِ قلبه، واسْتجابَتِه والتأثير عليه..
ـ وبقدر ما تمنحين زوجك من الأمان والحب والاحتواء، سيمنحكِ أكثر مما كنت ترغبينه، وستجدي منه تفاعُلاً إيجابيا، وحصادا غضًّا، وثمارا مشتركة تجعل الحياة الزوجية طيبة وكريمة ومباركة..
رابعا: ابُعثي في حياتك شمعة منيرة، وأملا جديدا، وفكرة مختلفة، وفورةَ التجديد بتغييرِ نظرتِك لزوجِك كمتَّهمٍ أوَّل في فساد العلاقة بينكما، وانْظُري لمشاعِرك ولطريقَةِ تفكيرِك، ولقدرِ الوقت المخصَّص لزوجك، ولأسلوبِ حديثِك معه، ومظهَرِك الخارجي وطريقةِ لباسك، بمعنى: هل أنتِ هي الزوجة التي اختارها في البداية وارتبط بها، وهل أنتِ ما زلتِ تحتفظينَ بجاذبيَّتِك وتأثيرِ رونَقِك ومواطنِ جمالِك؟؟..
ـ حاولي أن تكتشفي بنفسك عيوبك وأخطاءك، خاصة أن أغلب الأزواج لا يصارحون زوجاتهم بكل تصوُّراتهم وخلفِيَّاتهِم السَّيِّئة حول زوجاتهم، حِفظًا لاستمرار العلاقة الزوجية، أو تجنُّبًا للوقوع في مشاحنات أو تصادُمات أو جدلا عقيما..
فلعلَّ زوجك يشكو من شيء ما أنتِ تجهلينهُ في نفسِك، أو لا يقدر أن يخبركِ بما يؤرِّقه أو يتعبه، أو ما يكرهه في شكلك ومظهرك مثلا، أو سلوكِك اليومي، أو طريقة تفكيرك ومنطقك، ومعاملَتكِ، أو أسلوب استقبالك له وجلوسك معه، أو سياق حوارك، وحديثك..
ـ وضعي أمامك كل الاحتمالات أولا، ثم باشري بالتغيير وتصحيح الأخطاء التي ترتكبينها ولو بغير قصد، وسدِّ مواطنِ الخلل ما استطعتِ لذلك سبيلا، فهذا من شأنِه أن يبعث وَصْل الكهرباء المنقطع بينكما، ويجدِّد إن شاء الله مجرى شريان الحياة، ويبثُّ استقراراً داخل حياتكما معا..
خامسا: اجتهدي في تغيير نظام عملِك ومكانه لو تيسَّر لكِ ذلك، حتى تتفرَّغي لبيتك وابنك، وحياتك الأسرية والزوجية، وتأكَّدي بأننا في الحياة علينا أن نختار ما هو أَوْلى وأَفْضَل لاستقرارِ حياتِنا، وهدوئِنا النفسي، واستمرارِ الحياة في أجواء من السعادة والفرح..
ولا قيمة لأيِّ عمل أو وظيفة، أو منصب، أو مردود مادي، إن كان على حساب حياتنا الأسرية، أو على حسابِ تفسُّخِ علاقاتنا الزوجية، أو يتسبَّب في حرمانِنا من إحساسِ الأمومة الحقيقية والاحتواء الكامل لأبنائنا..
فلعل طبيعة عملِك الذي يجبركِ على التنقُّل والسفر أختي الكريمة يساهم بشكل أو بآخر في توثُّر العلاقة بينك وبين زوجك، ويعرِّضك لضغوط مضاعفة تؤثر سلبيا عليكِ وعلى حياتك الزوجية وهدوئها..
ـ لهذا أنصحك بأن تغيِّري وظيفتك، أو أن تتفرَّغي لزوجك وابنك وبيتك، إلا إذا كنت ملزمة بمساعدته في المصاريف وتسديد ديونه، كما تستطيعين في بيتك أن تباشري بعض الأعمال اليدوية والفنية المدِرَّة لأرباح مادية، وتدعِّمينه كذلك نفسيا وعاطفيا، وتحسِّني مزاجه وعاداته، وتخطِّّطي معَه للخروج من هذه الأزمة، وقضاء أوقات جميلة ومُميزة تعيد إليه الشعور بالأمان والثقة..
ـ وركِّزي كل اهتمامك على إسعاده، والتَّوَدُّدِ إليه، والإصْغَاء إلى مشاكله وهُمُومه اليومية، وتَفاعلي معه بكل حواسك، وأَشْعِريه بالدِّفء الأسري، وبالشبع العاطفي..
وثقي بأن ما تزرعينه اليوم وتمنحيه بسخاء ستحصدينه خيرا إن شاء الله مع الصبر الجميل والمجاهدة..
وأخيرا وهذا الأهم:
ـ غيِّري أختي الكريمة من روتين الحياة الزوجية والأسرية، وتخلصي من أجواء العمل والوظيفة وضغوطها، وطريقة التواصل الروتينية والمعتادة في علاقتكما..
ـ واجْعَلي التواصل الزوجي بينكما بالشكل الذي يحبه زوجك، وبالقدر الذي يناسب مزاجه العصبي والنفسي والعاطفي، ويلبي رغباته ما دامت في طاعة الله..
ـ وحقِّقي له أكبر قدر من الاحتواء الروحي والجسدي، وابعثي الدفء من جديد في العلاقة بينكما بطقوس تشُدُّ انتباهه، وتقرِّبه منكِ أكثر، وتبعث في داخله جاذبيَّتكِ الأولى، واظْهِري أنوثتك التي قد تكون بهتت وتلاشى وهجُ بريقها وسط ركام الأعمال والأعباء التي على كاهلِك داخل البيت وخارجه، ووسط مباشرة أمومتك، ومشاغل الحياة اليومية وضغوطاتها، وكوني متجددة دائما ومحَبَّبة إلى قلبه، وروحه، وعقله، ووجدانه..
أسأل الله العلي القدير أن يلهمك أختي الكريمة الصبر والثبات على القول والرأي السديد والحكيم، وأن يهدي بصيرتك للحق ورشادِ الفكر، ويهدي زوجك للخير ويدله عليه، وأن يزرع بينكما التآلف والمودة والرحمة، ويجعل حياتكم الزوجية حياة كريمة يغمرها الأفراح والمسرات..