الموقف السعودي من مجلس الأمن
18 ذو الحجه 1434
خالد مصطفى

فجر الموقف السعودي الأخير من مجلس الأمن بعد أن رفضت الرياض عضوية المجلس, أصداءً واسعة في مختلف أنحاء العالم وأعاد مرة أخرى الحديث عن فوائد المؤسسات الدولية الحالية ومدى نفعها وضرورة تطويرها بعد أن عجزت عن رأب الصدع والخلافات التي تندلع في الكثير من المناطق دون أن يكون لها دور حقيقي في السيطرة عليها أو الوقوف في وجه الظالم والدفاع عن المظلوم...

 

تعددت الدعوات على مدار السنوات الماضية من أجل إصلاح المؤسسات الدولية وعلى رأسها مجلس الامن ولكن دائما ما تواجه هذه الدعوات بتحفظ ورفض من القوى العظمى التي لها حق الفيتو والتي نظمت هذه المؤسسات للدفاع عن مصالحها في المقام الأول أما مبادئ حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات فهي مثل حصان "طروادة" تستخدم فقط في الأماكن التي تريد هذه الدول القفز إليها والسيطرة على خيراتها والتي تكون خارج نطاق نفوذها؛ لذا نرى دائما تناقضات وازدواجية في طريقة التعامل مع القضايا المختلفة بشكل يثير الشكوك والشبهات...

 

إن أمريكا مثلا تحركت ضد نظام صدام حسين في العراق بدعوى وجود أسلحة نووية وحاولت أن تستخدم وكالة الطاقة الدولية كغطاء ثم تبين أن لا وجود لمثل هذه الأسلحة بينما توجد مشروعات نووية إيرانية مثيرة للجدل وأسلحة نووية في كوريا الشمالية بشكل علني دون اتخاذ أي إجراءات تجاه هذه الدول مشابهة لما حدث في العراق الذي قتل فيه أكثر من نصف مليون مواطن وتم تفكيك جيشه وخرج من معادلة القوة في المنطقة وتركها خالية أمام إيران وأفسح لها المجال للتغلغل في أكثر من دولة دون رادع....

 

السعودية اعتمدت في موقفها على الفشل الواضح للمؤسسات الدولية في قضايا هامة ما زالت ماثلة للأعين مثل القضية السورية المتواصلة منذ 3 سنوات حيث تركت هذه المؤسسات نظام الأسد يفتك بشعبه ويستخدم في ذلك  شتى أنواع الأسلحة وتخرج كل يوم للتنديد والتأكيد على تورط الاسد في المجازر ثم بعد ذلك تمنحه الفرصة تلو الفرصة من أجل البقاء في الحكم وتختبئ خلف مؤتمرات فاشلة كجنيف 1 وجنيف 2 ....إن رائحة الصفقات المشبوهة أصبحت تزكم الأنوف في طريقة تعامل الغرب والمؤسسات الدولية التي يتحكم فيها تجاه ثورة الشعب السوري كما هي واضحة كذلك منذ عشرات السنين تجاه الشعب الفلسطيني الذي تم طرده من أرضه  بالقوة العسكرية من قبل عصابات اليهود ومع ذلك لم تتحرك هذه المؤسسات من أجل إجبار الصهاينة على إعادة الحق لأصحابه بل لم تتجرأ حتى على الحفاظ على أراواح الفلسطينيين داخل المناطق التي يسكنون بها وهو ما يتجلى في الحصار الصهيوني المفروض على غزة منذ عدة سنوات....ما زاد الطين بلة هو هذا التقارب المفاجئ بين الدول لغربية المسيطرة على المؤسسات الدولية وإيران رغم أن اختراقها للقوانين الدولية لا يخفى على القاصي والداني من تدخلها لحماية نظام الاسد إلى دورها المشبوه في لبنان والعراق مرورا بمحاولة التدخل في شؤون دول الخليج  وبرنامجها النووي, ومع ذلك تفتح أمريكا معها صفحة جديدة مع وصلة غزل ومديح غير مسبوقة ودون أي تنسيق مع دول الخليج التي طالما أكدت واشنطن أنها "صديقة لها"...

 

لقد وجد الموقف السعودي ترحيبا واسعا من أغلبية الدول لعربية والإسلامية  بعد أن طفح الكيل من استبداد الدول دائمة العضوية واعتبار أن بقية دول العالم لا دور لهم سوى خدمة مصالح الدول الكبرى والسير في ركابها ...إن الموقف السعودي الأخير بالاعتذار عن عضوية مجلس الأمن سبقه عدة مواقف تشير إلى الغضب السعودي والعربي والإسلامي من هذه المؤسسات "الديكورية" ؛ فقد امتنعت السعودية عن إلقاء كلمتها في الأمم المتحدة نهاية سبتمبر الماضي؛ «احتجاجا على عدم تحرك المجلس في الشأن السوري والأراضي الفلسطينية», كما أشار خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز في افتتاح مهرجان الجنادرية، إلى عدم الارتياح لموقف الامم المتحدة مما يحدث في العالم وقال: «كنا نعتقد أن الأمم المتحدة تنصف..

 

ما حدث لا يبشر بالخير، ثقة العالم بالأمم المتحدة اهتزت». وأضاف مبررا هذا الموقف، «أنه لا يصلح أن تحكم عدة دول العالم، وأنه يجب أن يحكم العالم العقل والأخلاق والإنصاف من المعتدي»...الموقف السعودي يحتاج إلى مواقف عربية وإسلامية أخرى في هذا الاتجاه من أجل الضغط لإصلاح وإعادة هيكلة هذه المؤسسات الدولية الضعيفة وحشد ضغط دولي ضد الدول الكبرى التي تتحدى العالم دفاعا عن مصالحها.