صفقة التبادل الخاسرة سورياً
18 ذو الحجه 1434
تقرير إخباري ـ المسلم

لم تكن صفقة التبادل الأخيرة للمختطفين اللبنانيين التسعة في شمال سوريا من قبل (لواء عاصفة الشمال) التابع للجيش السوري الحرمنذ مايو 2012م موفقة وناجحة كسابقتها في ريف دمشق وغيرها , بل إنه لا ينطبق عليها حتى اسم صفقة تبادل , لأنه وببساطة شديدة لم يكن للأسيرات السوريات وجود فعلي في هذه الصفقة , وبدا وكأنهن على الهامش منها , بينما المفروض أن يكن في صلب هذه الصفقة وجوهرها , نظرا لكون الجيش السوري الحر طرف أساسي في عملية التبادل , ولكون بنود الاتفاق تنص على إطلاق بعض الأسيرات السوريات في سجون نظام بشار .
وبينما استطاع الجيش السوري الحر سابقا من تحرير أكثر من 2126 معتقلا سوريا و4 أترك في بداية هذا العام , مقابل إطلاق 48 إيرانيا اختطفوا منتصف عام 2012م في ريف دمشق من قبل (لواء البراء) التابع للجيش الحر , لم يستطع هذه المرة – حتى الآن – من إطلاق مئات من المعتقلات السوريات مقابل تسعة لبنانيين كانوا في قبضة يده , بل تمت المبادلة بين هؤلاء التسعة وطيارين تركيين اختطفوا في لبنان منذ أغسطس الماضي , لتصطبغ عملية التبادل بصبغة تركية لبنانية , وليخرج الجانب السوري الخاسر الوحيد من هذه الصفقة .
فقد أعلن لواء عاصفة الشمال مساء أمس الاثنين أن النظام السوري لم يفرج بعد عن المعتقلات السوريات اللائي كان يفترض إطلاق سراحهن مقابل اللبنانيين التسعة الذين كانوا محتجزين في إعزاز بريف حلب , مطالبا الطرفين التركي والقطري بالالتزام بإتمام صفقة التبادل الضامنين لها .
وقال اللواء في بيان نُشر على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك : إنه تم إرسال موفدين عن اللواء بحضور السفير القطري في تركيا في مطار أضنة، لكن لم يصل أي من المعتقلات أو المعتقلين إلى المطار .
وأكد البيان - الذي صدر بعد أقل من يومين من وصول اللبنانيين المفرج عنهم بوساطة قطرية إلى مطار بيروت الدولي - على ضرورة السعي من كل الأطراف للإفراج الفوري عن الأسيرات وفق بنود الاتفاق الموقع بين اللواء والوسيط القطري.
كما ذكر البيان أن لواء عاصفة الشمال وافق منتصف هذا الشهر بحضور قائد لواء التوحيد عبد القادر صالح على إجراء عملية التبادل على مرحلتين : الأولى كانت ستشهد الإفراج عن 111 من المعتقلات السوريات في سجون النظام مقابل ثلاثة من اللبنانيين التسعة وعن الطيارين التركيين بصورة متزامنة , على أن يطلق في المرحلة الثانية 212 معتقلا سوريا مقابل اللبنانيين الستة الآخرين .
لكن البيان أوضح أن التنظيم اضطر لتسريع عملية التبادل وإطلاق اللبنانيين التسعة دفعة واحدة بسبب سيطرة ما يعرف بالدولة الإسلامية في العراق والشام على مقاره في إعزاز , وخوفه مما وصفها بتصرفات محتملة غير مسؤولة من أطراف قد تسعى إلى إجهاض العملية, مشيرا إلى أنه حصل في مقابل ذلك على ضمانة من تركيا بتنفيذ الاتفاق .
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أثر الخلافات بين الفصائل السورية المقاتلة ضد بشار وأعوانه على الأرض , وانعكاساتها السلبية المباشرة على صفقة التبادل الأخيرة , فضلا عن تسببها في إطالة عمر النظام السوري , الذي يعمل على تقوية هذا الخلاف و استثماره لصالحه .
وبينما كان مطارا بيروت واسطنبول يعج بالمستقبلن والمستبشرين بالمفرج عنهم - لبنانيون كانوا أم أتراك - مساء السبت , كان ذووا المعتقلات السوريات يتجرعن آلام الحسرة والانتظار للأسيرات السوريات اللواتي لم يفرج عنهن إلى الآن .
ورغم تأكيد وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية مروان شربل لصحيفة الجمهورية اللبنانية أن عدم خروج السجينات السوريات من المعتقل لا يعني أنّ السوريات المعتقلات خارج الصفقة أو ما جرى التفاهم بشأنه , معربا عن اعتقاده أن الأمور ستكون منتهية في خلال الـ 24 أو الـ 48 ساعة المقبلة , وأن السوريين – المقصود الحكومة السورية - لا يمكن أن لا ينفذوا الاتفاق .
إلا أن نفس الصحيفة كشفت عن مصادر مطلعة أن الشروط السورية وضعت السجينات السوريات خارج صفقة التبادل ، فتحوّلت من ثلاثية الأطراف الى ثنائية ما بين تركيا وبيروت , وهكذا أقلعت طائرتا بيروت وصبيحة في الوقت عينه تقريبا , وباتت السجينات السوريات خارج هذه المرحلة الأولى من الصفقة ، لكنّها ستستكمل بإجراءات سوريّة أحادية كما تقول تلك الصحيفة .
ورغم نفي لواء عاصفة الشمال بشدة ما تناقلته وسائل إعلامية لبنانية عن استلامه مبلغا ماديا مقابل الصفقة يقدر بمئة وخمسين مليون دولار أمريكي , مؤكدا أنه رفض عروضا بمساعدات مادية ولوجستية , وأنه وضع الإفراج عن السجينات فوق كل اعتبار , إلا أنه يلام على النتائج التي جعلت من الأسيرات السوريات في هامش الصفقة وذيلها , بينما المفروض أن يكن في صلبها وجوهرها .
إن الدول الصديقة والحليفة للثورة السورية لن تقدم مصالح السوريين على مصالح مواطنيها على أي حال , فإذا وجد من يهتم بأمر اللبنانيين الشيعة المختطفين في سوريا طوال هذه المدة , كما وجد من يهتم بأمر الطياريين التركيين المختطفين منذ شهر ونيف فقط , فإنه من الأولى أن نهتم – كسوريين - بأمر الأسيرات والمعتقلين السوريين القابعين في زنزانات النظام السوري منذ أشهر وسنوات , وأن نقدم مسألة خروجهم وإطلاق سراحهم على أي اعتبار آخر , وإلا فإن هذه الصفقة ستكون خاسرة سورياً .