سياسة "كرة القدم"
14 ذو الحجه 1434
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

لعبة كرة القدم لعبة رياضية واسعة الانتشار في العالم وتعد اللعبة الشعبية الأولى ولها جماهيرية كبيرة ليس في العالم العربي وحده ولكن في جميع أنحاء العالم ولها متعصبوها أيضا, ولكن ليس هذا هو موضوعنا اليوم إنما موضوعنا هو كيف تعامل العرب وحكامهم مع هذه اللعبة طوال عشرات السنين الفائتة التي شهدت انتشارا واسعا لهذه اللعبة في عالمنا العربي..

 

كان يمكن التعامل مع هذه اللعبة كغيرها من الألعاب كتقوية للبدن وترويح عن النفس وهو أمر تحتاجه المجتمعات كافة في طريقها للنهضة والتقدم دون وهي كذلك في مختلف الدول المتطورة اقتصاديا وسياسيا رغم وجود مبالغات أحيانا هنا أو هناك ولكن تظل لعبة فقط لا غير ولا تستخدم أبعد من ذلك وإذا حدث يقابل الأمر بالرفض التام...أما نحن في عالمنا العربي فقد جعلناها ترويجا للأنظمة خصوصا القمعية منها وأمجادا قومية؛ فإذا فاز فريق دولة ما رفع العلم وصورة الزعيم أو الرئيس ودق النشيد الوطني وكأنه انتصار على العدو في ساحة القتال, وإذا خسر الفريق فاللاعبون والمدرب هم السبب وعم الحزن والهم أرجاء البلاد كأنها خسارة عسكرية من عدو ..

 

الاهتمام الذي يوليه بعض الحكام في عالمنا العربي للرياضة وخصوصا كرة القدم وتكريم لاعبيها والإنفاق على فرقها بالملايين والحشد الاعلامي ليس من باب تشجيع الرياضة لما لها من أثر إيجابي على أخلاق وصحة الشباب فهناك أمور أكثر خطورة من الرياضة مثل التربية و الصحة والتعليم لا تجد مثل هذا الاهتمام المادي والمعنوي من الدولة رغم عظم أهميتها وتأثيرها الأكبر على المجتمع كله ونهضته ولكن لأن الرياضة تلهي الشباب وتغرقه في حالة من التعصب الأعمى وتصنع بطولات زائفة فهي تساعد بشكل أو آخر على تغييب الوعي وهو ما يحتاجه الحكام الذين أدمنوا السلطة ويخشون من ضياعها..لقد كانت بعض الشعوب لا تجد قوت يومها ومع ذلك تقطع مسافات طويلة لتتابع مباريات الكرة وتدفع آخر ما في جيوبها من أجل مشاهدتها وتحزن أشد الحزن عند هزيمة فريقها..

 

وشجعت الأنظمة بإعلامها من صحف وتلفاز وإذاعة هذا الهوس المجنون وأطلقت البرامج ومنحت مقدميها مبالغ طائلة من أجل تهييج وإثارة الجماهير ولعلنا نذكر مباراة مصر والجزائر في كرة القدم منذ سنوات قليلة وكيف انتهت إلى أزمة بين الشعبين وتبادل للسباب والشتائم وانضم لكل دولة مناصرين من الدول الأخرى وشعرنا وكأن حربا عربية عربية ستندلع, واتضح بعدها أن حكومات وأنظمة وأجهزة أمنية متورطة في هذه المهزلة التي تهدم روابط الأخوة بين المسلمين من أجل مصالح ضيقة لحكام مستبدين يريدون أن يغطوا فشلهم في تحقيق انجاز سياسي واقتصادي يرضي شعوبهم بهدف يحرزه لاعب بقدمه في مرمى فريق آخر فيقيمون الأفراح والاحتفالات ويذهبون إلى المطارات لاستقبال الأبطال الذين رجعوا "بالكأس" في حين أن الفقراء يبحثون عن لقمة تسد جوعهم في صناديق القمامة والاراضي العربية محتلة من قبل الأعداء منذ 60 عاما دون أن يتحرك أحد لتحريرها أو الدفاع عن الأنفس والأعراض التي تستباح يوميا على أيدي الصهاينة بل يوقعون الاتفاقيات في السر والعلن معهم..

 

إن كرة القدم أصبحت وسيلة سياسية من أجل حشد الشعوب لنظام ما وتعلية أسهمه عن طريق تحقيق انتصارات في مجال لا يعتمد فقط على الجهد والجد والعمل بل على التوفيق والمهارة الفردية لبعض الافراد وهو ما لا يمكن أن ننسبه لنظام ما على الإطلاق..

 

العجيب أنه عند الهزيمة نبدأ في الاستماع للكلام العاقل من نوعية أن الرياضة فوز وهزيمة وأن النظام لا يتحمل مسؤولية هزيمة 11 لاعبا لم يوفقوا في مباراة.. إلخ, وهو كلام ما كنا لنستمع إليه إذا جاء الفوز في حالة من الازدواجية والنفاق منقطعة النظير..إن أعظم بلد في كرة القدم وهي البرازيل كانت تفوز بكأس العالم الذي يعد أهم بطولة في هذا المجال ولكنها كانت ترزخ تحت أنظمة قمعية وفساد اقتصادي وسياسي ولم تغنها كرة القدم أو تطعم شعبها وعندما حدثت طفرة اقتصادية لم يسأل الشعب أين ذهبت الانتصارات في كرة القدم فهناك ما هو أهم في حياة الشعوب وهو ما يجب على شعوبنا أن تفطن له قبل فوات الاوان.