غلاة التيار الجهادي (2)
9 ذو الحجه 1434
أحمد عبد العزيز القايدي

الغلاة في مواجهة المجاهدين

من الجزء الأول ...

هكذا يقول أبو مصعب السوري ( ص 37 ) عن حالة داخل المجاهدين في كتابه ( مختصر شهادتي على الجهاد في الجزائر 1988 - 1996 ) – الكتاب هو مصدر كل النصوص في هذه الورقة - هذا الكتاب يعد شهادة مشارك في واحده من أكثر التجارب الجهادية فتنة ودموية في الداخل الجهادي وفي الخارج الشعبي والإسلامي، وقد نقل أبو مصعب جانباً من ذلك بالتفصيل والتحليل، وقد وصف الشيخ سليمان العلوان هذا الكتاب بأنه عظيم النفع، وكثيرا ما يوصي بقراءته، ويعد أبو مصعب السوري في الداخل الجهادي والخارجي الأجنبي واحداً من أكثر العقول التي نظرت للمجموعات الجهادية المعاصرة، لذا فقد أعلنت الحكومة الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عن جائزة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يسلم الرجل.

هنا تبدأ رحلة جديدة مع التجربة الجزائرية على مركب أبي مصعب ...

 

مبررات قتل المجاهدين

في الجزائر مجموعة من الغلاة قتلت عددا كبيرا من المجاهدين ولاحقت آخرين وعذبت آخرين كما يقول أبو مصعب، وهو أمر اشتهر واعترفت بذلك الجماعة المسلحة في بيانات نشرت في نوافذ إعلامية تمثلها، وقد قدمت عدد من المبررات لقتلهم.

ينقل أبو مصعب مبرراتهم لقتل المجاهدين في الجزائر فيقول

( أواخر سنة (1995).. تجرأ  أبو عبد الرحمن أمين وقياداته المنحرفة التي تدرجت في الإجرام على اغتيال الشيخ محمد السعيد و المجاهد عبد الوهاب العمارة وغيرهما من المجاهدين المنتمين لجماعة الطلبة والذين كانوا قد دخلوا بموجب الوحدة في الجماعة ... فقتلهم أبو عبد الرحمن أمين بدعوى تحضيرهم للانقلاب على قيادته .وبدعوى الحفاظ على الهوية السلفية للجماعة بزعمهم .. ومن هناك بدأت حقيقة الانحرافات عن مسار الجماعة تتكشف.) ص 17

 

و يقول أيضا

( وزعمت أنهم كانوا بصدد انقلاب واتصالات بالحكومة للعودة إلى المسار الديمقراطي , وتهم أخرى في المنهج والبدع ..و..و . ) ص 33

و في موضع آخر يصف ما كانت تنشره بعض الواجهات الإعلامية للغلاة من مبررات لقتل المجاهدين و قادتهم فيقول

( و ما حملته من أنباء قتل الأبرياء , تحت ذريعة معاونة الطاغوت ! وقُتل المجاهدين من جماعة جبل الأربعاء , وهم تلاميذ محمد السعيد تحت مسمى المبتدعة ! وقتل غيرهم من المجاهدين في غرب الجزائر بدعوى خروجهم عن طاعة الأمير! وغير ذلك من الفظائع , ونقل نشرة الأنصار كل ذلك, وبكل المباهاة والتبجح ) ص 36

 

وبعد خروج بيانات رافضة لفعل الغلاة في الجزائر كان هناك صوت للغلو في لندن أصر على دعم تلك الأفعال يقول عنه أبو مصعب

( وفي الموعد المنتظر تلقى الجهاديون في لندن جميعا صفعة أشد من بيان الجماعة الذي تبنت فيه تلك الجريمة بقتل السعيد وإخوانه . فقد خرجت الأنصار وهي تحوي مقالة أبي قتادة  تبرر وتسوغ  قتل الشيخ (محمد السعيد) ! وتعطي أمراء الجماعة الحق في قتل من يعبث بالراية والمنهج السلفي ! حتى ولو كان على قدر أمثال الشيخ محمد السعيد.!. إلى آخر تلك التسويغات الحمقاء غير الشرعية ) ص 34

بعد مرور سنوات تكرر نفس المشهد في بلد آخر، ففي العراق قُدم بعض هذه المبررات مرة أخرى عندما دخلت "دولة العراق الإسلامية" في قتال مع الفصائل الجهادية، بل قدمت مبرر أسوء، فقد ذهب الغلاة إلى أبعد من ذلك بتكفير بعض الفصائل وتخوينها يقول أبو حمزة المهاجر وزير الحرب في "دولة العراق الإسلامية"

( ونعترف بمرارة أننا خسرنا كثيرا من الأماكن بعد عمالة وردة الجماعات المشكلة للمجلس السياسي للمقاومة .... ) الدولة النبوية ص 38

 

يتشكل المجلس السياسي للمقاومة العراقية من الفصائل :

الجيش الإسلامي في العراق
جماعة أنصار السنة – الهيئة الشرعية
الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية ( جامع )
حركة المقاومة الإسلامية ( حماس – العراق )

 

وفي الوقت الذي قضت فيه "دولة العراق الإسلامية" بعمالة وردة المجلس أصدر الأخير عملا مرئيا فيه عدد كبير من عمليات المجاهدين التي استهدفت القوات الأمريكية في العراق !

بالنسبة لسوريا فإنه لا يوجد فصيل فيها إلا وجمعه مجلس مع ممثلين عن الأتراك أو العرب ومقصده من ذلك تقوية المجاهدين والبحث عن موارد للجهاد، وهي ممارسة سياسية مشروعة، هل سوف نسمع يوما عن جواز قتالهم لأنهم تفاوضوا مع أنظمة عميلة لأمريكا بمعنى أنهم عملاء لأمريكا ومرتدين؟! خصوصا وأن بعض المنتسبين إلى الدولة في سوريا يطلق هذا الحكم على عدد من الفصائل في سوريا.

وهنا مستويان من الخلل الأول : تفسير ذلك على أنه خيانة وعمالة وانحراف، والمستوى الثاني :جعل ذاك التفسير سببا لقتال الفصائل الأخرى، وإهدار دماء المسلمين المعصومة وفقا لتفسيرات واهية وظنون كاذبة، وهما شكل من أشكال الغلو التي تؤدي إلى إسقاط المشروع الجهادي.

 

ينقل أبو مصعب مبررات الغلاة في الجزائر لقتل المجاهدين من مصدر أخر وهي مجموعات من المجاهدين هربت من عدوان الجماعة المسلحة في الجزائر فيقول

 ( وفي نفس الوقت وصل بعض الفارين من أعضاء الجماعة المسلحة ذاتها إلى بعض دول أوربا فارين من قيادتهم المجرمة.. واكتملت الأدلة.  وتأكدنا مما توصلنا إليه استنتاجا . وما جمعنا من أخبار أهوالهم.. وعلمنا الحقيقة .
لقد قتلت قيادة الجماعة المسلحة وعصابة أبو عبد الرحمن أمين الشيخ محمد السعيد غيلة , لا محاكمة ولا هم يحزنون , مع عشرات من مرافقيه لأنه جاء يناقشهم في مصائبهم وضلالهم , كما قتلوا من قدروا عليه من المجاهدين الأفغان العرب وغيرهم بدعوى البدعة وتبني الفكر وعدم صحة العقيدة السلفية ! ولمعارضتهم إياهم في أعمالهم .. , كما قتلوا معظم المجاهدين الليبيين غدرا بدعوى بدعتهم وبيعتهم لجماعتهم وأميرهم رغم وجودهم في سلطان الجماعة وأميرها الشرعي ) ص 53

 

الناصح يقتل، والمخالف في المنهج يقتل، والمعارض يقتل، والذي عنده بيعة لأمير آخر يقتل.

أما الاتهام في المنهج والتبديع، فهذا تكرر في العراق باتهام بعض الفصائل بأنها إخوانية وصوفية، واليوم يتكرر المشهد في سوريا باتهام بعض الفصائل بأنها ألبانية إرجائية.

أما البيعة لأمير آخر فهذه القصة الجارية في الدهاليز السورية الآن ...

 

فبعد أن أصدر الجولاني بيانه الذي أعلن فيه مبايعته للظواهري دخل البغدادي إلى سوريا، وأهدر دم الجولاني ودم مسؤوله الشرعي القحطاني، ودبر محاولة اغتيال للقحطاني نجا منها وقتل فيها شاب من السعودية – أشيع أنه شهيد قتله النظام ! – و سطا البغدادي بقوة السلاح على مقرات ومستودعات الجولاني، وفي بعضها وقع إطلاق نار ودم – ولولا امتناع الجولاني عن مواجهته لأريق بشكل أكبر – وأحيانا يستخدم أسلوب الترغيب للحصول على ولاء المقاتلين والكتائب بعرض المناصب الشرعية للجاهلين بالشريعة، و القيادة العسكرية والإدارية لأجهل الناس بهما، وشرط ذلك مبايعته فقط ! وبذلك وبغيره سيطر حتى الآن على أكثر قوات جبهة النصرة، وانتقل منذ أيام إلى الاعتداء على فصائل أخرى ومنشقين عن النظام، وعين ولاة له على المحافظات السورية وعين معهم مفتين أيضا، وهو يدل على أن الرجل يظن نفسه إماما له ولاية عامة تجب طاعته فيها !

 

وكل هذه المعلومات محترقة ومتداولة في الأوساط الجهادية التي مع الجولاني أو غيرها من الفصائل الأخرى، لا ينكرها متابع منهم، ونذكر من يظن أنه قادر على التعمية عليها أن سوريا ليست العراق، فثورة الاتصالات والمعلومات في ربيع سوريا ليست نفسها في جحيم العراق، فلم يعد هناك شيء بهذا الحجم يمكن تغطيته !

هذا بعض تعامل دولة البغدادي مع صاحبها والقريب منها في المنهج لأنه بايع قائدا أعلى من البغدادي، فكيف سيكون الحال مع فصائل أخرى تختلف مع الدولة في المنهج والممارسة، ولها بيعة لأشخاص آخرين ؟! ولها سيطرة على مناطق عين الرجل ولاته عليها !

 

عودا على مبررات غلاة الجزائر لقتل المجاهدين نلخصها :
 
لأنهم مجموعات بدعية تخالف المنهج السلفي كما يدعي الغلاة
لأن المجاهدين أعانوا الطاغوت !
لأن المجاهدين قرروا المشاركة في عملية سياسية
لأن المجاهدين خرجوا عن بيعة الأمير وطاعته
لأن المجاهدين عندهم بيعة لأمير آخر
لأن المجاهدين لهم رؤية سياسية مختلفة ومعارضة لرؤية الغلاة
لأن المجاهدين دبروا محاولة انقلاب على فصيل الغلاة !

احفظ هذه المبررات جيدا لأن بعضها أطلق وبعضها ربما يعلن عنه مرة ثالثة في المشهد السوري ... اللهم احفظ دماء المجاهدين من بغي هؤلاء.

 

مبرر لقتل الناس عند الغلاة

يقول أبو مصعب عن عمليات المقاتلين في الجزائر أنها ( وصلت إلى قتل المصلين في رمضان وهم ينصرفون من أبواب المساجد بدعوى أنهم كانوا قد شاركوا في الانتخابات فارتدوا بذلك ) ص 18

 

الحاضنة الشعبية في مواجهة الغلاة

وهو أمر كثيرا ما يُحذر أبو مصعب من الوصول إليه، وكم من المشاريع الجهادية فشلت بسببه وبسبب بغي الغلاة الذي قاد إليه، وأكد في كتبه مرارا على أهمية الحاضنة الشعبية للمشروع الجهادي يقول في خلاصة أهم دروس التجربة الجزائرية

( أثبتت تجربة الجهاد في الجزائر وغيرها , القاعدة الذهبية في حروب المستضعفين , وفي كل مواجهة مع الطواغيت الحاكمين أو مع القوات الغازية . وهي أن التلاحم بين المجاهدين وشعبهم وأمتهم هو السند الأول لهم في عالم الأسباب –  بعد توفيق الله – في هذه المواجهات . وأنهم غالبا ما يخسرون تلك المواجهات عندما يخسرون ذلك السند . ) ص 71

 

 و يلخص أبو مصعب سبب انقلاب الحاضنة الشعبية والشرعية على المقاتلين في الجزائر فيقول :

( ولقد بنى موقفه الذي نشره في الأنصار على تخيلاته وأحلامه بأن الصفوف قد تمايزت في الجزائر , صف أهل الإيمان الذي يحمل راية السلف والسلفية بقيادة ( أبو عبد الرحمن أمين ) , وصف الحكومة ومن أيدها إجمالا والذي يمثل راية المرتدين، وصف الإنقاذيين ومن يريدون العودة للبرلمان , وقد صرح وكتب جهارا بأنه يكفرهم عن بكرة أبيهم !  ونشر في إحدى مقالاته في الأنصار , وقال بأن المدن والقرى الجزائرية قد تمايزت أيضا , فهي في هذا المعسكر أو ذاك . وقد أهدر بموجب ذلك دماء كل مكونات معسكر الردة ولاسيما الميليشيات القروية المسلحة من قبل الحكومة والتي تبين فيما بعد أن أكثرهم قد حمل السلاح ليدافع عن نفسه وعرضه ضد عدوان عصابات أمين وهجمات الإستخبارات والجيش باسمهم ! ) ص 30

إنه درس في طريقة صناعة الصحوات ! وهو أحد الأسباب التي دفعت تلك الأعداد الكبيرة من أبناء القبائل في العراق إلى الالتحاق بالصحوات دفاعا عن بغي الدولة واستبدادها، واليوم يكرر البغدادي نفس المشهد عندما يتحضر لقتال الجيش الحر، وعندما يعتدي على بعض قياداته المنشقة عن النظام، وكأنه يدفع هؤلاء رغما عنهم في اتجاه المشروع الأمريكي الطامح إلى تشكيل الصحوات من عناصر انشقت عن النظام ! ثم يطلق بعد ذلك كذبته التي أطلقها في العراق : الفصائل المقاتلة والمشايخ هم من شكل الصحوات وهو الأمر الذي يعلنه الآن في سوريا من خلال بعض قنواته الإعلامية !

 

الغلو في خدمة العدو

يعتقد أبو مصعب أن تجاوزات اتجاه الغلاة تخدم الأنظمة والعدو الأجنبي بشكل أو بآخر، من خلال جر الساحة الجهادية إلى قتال داخلي، أو مواجهة مع حاضنتها الشعبية، وهو الأمر الذي سيوفر على العدو قتالهم، ويخسر معه المجاهدين أقوى سبب مادي لبقائهم، يقول أبو مصعب واصفا مخطط الأعداء

( وهكذا تفتقت عقولهم المجرمة عن "سيناريو" يتضمن تحويل فصائل من المجاهدين  من استهداف السلطة الطاغوتية وأجهزة قمعها, ليستهدفوا  بالقتل شرائح من الشعب عامة , و يبذروا  بذور الفتنة والخلاف والتقاتل الداخلي بين المجاهدين أنفسهم .) 68

 

ويسقط مخططهم على التجربة الجزائرية فيقول

( كان هذا أحد أهم مصائد النظام الجزائري ومقاصده في أن يجر الفصائل المجاهدة له للإقتتال . وما أفتى به الشيخ العتيد يشكل فضلا عن شططه الشرعي , منتهى أمل العدو وما يسعى إليه , وليس هذا من السياسة الشرعية في شيء , بل هو منتهى الجهل والحمق وخدمة العدو من حيث لم يدر كما أفترض وأحسن الظن . والله تعالى أعلم ) ص 39

لقد دخلت المقاومة العراقية في حالة خمول عندما قاتلها الغلاة و عندما استهدفوا حاضنتها الشعبية، واستطاع الاحتلال أن يقيم حكومته، ويحرم المجاهدين من استثمار تفوقهم العسكري عليه سياسيا.

ولقد استفاد النظام السوري سياسيا من بيان البغدادي، فهل سيستفيد هو وغيره إذا قرر البغدادي الدخول في مواجهة مع فصائل أخرى؟! وبالتالي يكفيها الدخول في صراع مع الفصائل ويوفر على القوى الأجنبية مصاريف الطائرات والمعدات التي ستنهي بها قوة الفصائل وقادتها ؟!

 

الأمير

يتوهم بعض الغلاة أن الأمير بمجرد إعلانه عن نفسه صار صاحب ولاية شرعية، وإن لم يتحقق فيه شرط واحد من شروطها، وبالتالي فإن له حق معاقبة كل من يخالفه، وبذلك تبرر عمليات القتل ضد المجاهدين

فقد برر أحد الغلاة عمليات التصفية التي كانت تجري في الجزائر لقادة المجاهدين بأن فاعلها إمام له حق إقامة الحدود والتعزيرات ! يعبر أبو مصعب عن تعجبه من هذا التبرير فيقول (  فما أدري كيف صار أمين إماما يعزر ويقتل؟! ) ص 42

 

فقهاء الأمير

في المشهد الجهادي هناك طالب العلم الصادق الغافل، الذي لا يملك الوعي ولا التجربة، أو ذاك المتفقه الذي يبحث عن الصعود على أكتاف جماهير الجهاديين، أولئك الذين يبررون التجاوزات الشرعية للأمير وقراراته، وينشطون في الدفاع عنه، يقول أبو مصعب واصفا حال أحدهم

( ولم تكن معظم تلك الآراء والفتاوى ابتداء من أبي قتادة – والحق يقال - وإنما من بيانات الجماعة وما تنسبه للجنتها الشرعية وتصدره بتوقيع أميرها. حيث كان أبو قتادة يسارع بدوره للتأصيل الشرعي لها. تماما كما يفعل علماء الأمراء والسلاطين في بلادنا .عندما يسعون شرعا بالأدلة ضلالات الأمراء .. والرؤساء و الملوك ) ص 32

 

ويقول أيضا

( لقد كانت قيادة الجماعة المسلحة في الجزائر مجموعة من المنحرفين بذاتهم , وتولت الاستخبارات الجزائرية إكمال الانحراف وتوظيفه. ولكن دور أبي قتادة كان دور المفتي المسوغ للانحراف بعد حصوله لجمهورهم في الخارج . ولم يكن له أثر في حدود علمي في داخل الجزائر . فكان حاله مثل كل علماء الأمراء والسلاطين .. فهم لا يدلون الملوك على الضلال في الغالب , وإنما يبررون ضلالهم  ويحلونه لهم ويزينونه للناس ) ص 37

 

أكاذيب الغلاة

حاول بعض الغلاة إضفاء الشرعية على اغتيال أحد قادة المجاهدين في الجزائر من خلال الادعاء بأن أبا مصعب أفتاهم بجواز قتل ذلك القائد، يعلق أبو مصعب على هذه الكذبة فيقول في مواطن من كتابه

(  وكان هذا بالنسبة لي طامة كبرى من عدة جهات. ففضلا عن أنه كذب وبهتان عظيم ... ) ص 33

( لما علمت الخبر كنت في استانبول , فقطعت سفري وعدت إلى لندن لأتأكد من الخبر , وأعلن عبر الصحافة براءتي من ذلك البهتان ) ص 33

وصفة الكذب ظاهرة في كثير من نماذج الغلاة، و قد وصفهم أبو مصعب بالكذب في كتابه أكثر من 15 مرة.

 

إقصاء المجاهدين

يقول أبو مصعب

( كان في إدارة الأنصار وأنصارهم بعض المتعدلين ممن كان لهم حظ من التربية في جماعة إسلامية في الجزائر قبل الأحداث , ولكن الأكثرية كانت من المتشددين الذين ركنوا إلى شيخهم الجديد, واستطاع هؤلاء أن يبعدوا أولئك ) ص 29

هذا في من يعمل معهم في مجموعة صغيرة واحدة فكيف بغيره ممن يخالفهم في الكثير؟! وقد تكرر المشهد في العراق مع مجموعة أنصار الإسلام التي اصطفت مع الدولة في حربها على المجاهدين ثم انقلبت عليها الدولة، ويحدث اليوم في سوريا مع الجولاني وهو ابن البيت ورسوله إلى سوريا !

هذا بعض ما كشفه أبو مصعب من تاريخ أولئك الغلاة في التجربة الجزائرية، والذين اعتدوا على ثلاث مجموعات : مجموعتهم الجهادية الخاصة، وإخوانهم المجاهدين من فصائل أخرى، وعموم المسلمين.

 

أخيرا

يقول أبو مصعب :

.. ومرت القضية الجهادية في الجزائر بمنعطفات متعددة ..أدت في النهاية إلى أن تؤول قيادة الجماعة الإسلامية المسلحة بعد استشهاد قياداتها المخلصة الواعية لبعض الجهلة والشاذين فكريا ممن اعتنقوا أفكارا تتراوح بين التكفير والإجرام والجهل ممزوجة ببعض الأفكار ذات الأصول الجهادية , وذلك بترتيب استخباراتي محكم ,  مما أودى بها إلى البوار والفشل والتحلل مع أوائل 1996م.

 

إن المشروع الجهادي في سوريا من حيث تناغمه في الجملة، وتماسكه وقرب فصائله من بعضها، ومشروعيته التي يمثلها في نفوس معظم المسلمين، والآثار التي ستنتج عنه في صالح قضايا الأمة عموما إذا انتصر، وتعلق الأمة به والتضحيات التي قدمت لأجله، كل ذلك وغيره يشكل حالة تشبه الخيال في وجدان الحالمين بنجاح المشروع الجهاد في إقامة مشروع إسلامي.

هناك فرصة حقيقة لتحول المشروع الجهادي في سوريا من مجرد حالة ثورية عسكرية منتهاها سقوط الباغي إلى إحداث زلزال سياسي يهز طهران وواشنطن، ويتحول معها إلى منارة مشرقة فشلت مصر حتى الآن في إطلاق نورها.

 

كل هذه الفرص وغيرها الكثير مهدده الآن، وليس من النظام فقط لأن النظام دخل النفق، وقريبا سينتهي بإذن الله، إنما الخوف من مشروع فاقد للبوصلة من الممكن أن يتحول في أي لحظة من مواجهة النظام إلى مواجهة إخوانه، خصوصا وأنه حاليا في حالة اصمات عجيبة استمرت لأكثر من خمسين يوما بدون أخبار عن مواجهة مع النظام، وهذا المشروع عودنا على إدخال المشاريع الجهادية في أنفاق تنتهي معها ولأسباب أقل ما يقل عنها : صاحبها لم يرتب أصدقائه وخصومه بشكل صحيح.

نحن بحاجة شديدة إلى علماء وقادة حقيقيين يحمون المشروع الجهادي من الدخول إلى هذا النفق.

 

أيها السادة لقد مضى أكثر من خمسين يوما ومشروعكم الإصلاحي ونصيحتكم السرية في حالة احتضار، والرجل غير مبالي بكم وبغيركم ومستمر في تقوية نفسه ودولته، وماض في ذات المسار الذي اتخذته دولته في العراق، وكل هذا يحدث بشكل متسارع دون أدنى التفات لمحاولاتكم الإصلاحية !

 

يا سادة الرجل لا يستمع إلا لصوته ... أنقذوا الجهاد من بغيه وانحرافه ...