أنت هنا

صدمات العلمانيين الأتراك ورداتها
5 ذو الحجه 1434
موقع المسلم

لم يقلل نقض الأحكام الصادرة بحق عسكريين أتراك اتهموا بالتخطيط لانقلاب عسكري في تركيا من وقع الصدمة الثالثة التي تلقتها القوى العلمانية في تركيا، العسكرية والمدنية، خلال الأسابيع العشرة الماضية؛ فتأييد المحكمة العليا في العاصمة التركية، أنقرة، لأحكام محكمة أقل درجة في البلاد بحق عشرات من الضباط بينهم كبار جنرالات سابقين، تلقوا أحكاماً رادعة بالسجن عزز من قوة النظام المدني الحاكم في أنقرة، والذي يتزعمه حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الإسلامية.
الصدمة الأولى كانت في الأحكام الصادرة أوائل أغسطس الماضي بحق 361 عسكرياً وصحفياً وزعماء عصابات متهمين في القضية المعروفة باسم "المطرقة" الانقلابية، والتي تراوحت بين السجن المشدد والبراءة، والصدمة الثالثة كانت في تأييد تلك الأحكام أمس، وأما الثانية فكانت في قرارات أصدرتها الحكومة التركية لتحقيق إصلاحات أبرزها السماح بالحجاب في العمل الحكومي باستثناء الجيش والقضاء، والذي نفذ بالفعل قبل أيام.
الخلية الانقلابية التي كانت تزمع إجهاض تجربة حزب ذي جذور إسلامية، خطت مؤامرتها بعد عام واحد فقط من تولي العدالة والتنمية السلطة، أي في العام 2003، وكان من المفترض أن تحدث فوضى، وعملية شلل كامل لعمل حكومة إردوغان، وإفشالها، وتسميم الوضعين الأمني والاقتصادي، بما ينسحب على الوضع السياسي، ويقدم مبرراً قوياً لتقبل الشعب التركي لفكرة الانقلاب على نظام منتخب بطريقة نزيهة وشفافة، لكن لأن مناخ تولي العدالة والتنمية الحكم لم يكن في أعقاب "ثورة"، وكانت مؤسسات الدولة مستقرة نسبياً، وكانت أوروبا والولايات المتحدة منزعجتين من فكرة تفجير اضطراب في هذا البلد المهم في المنطقة؛ فقد كان الانقلاب عصياً على مدبريه، وانكشف مخطط الخلية، وأمكن تقويضه حينها.
والآن يقضي كبار رجال القوات المسلحة التركية السابقين بقية أعمارهم في السجون ما لم تتغير الأمور لصالحهم مرة أخرى، وهو ما لا يعد مستبعداً في ظل بيئة رسمية إقليمية أصبحت أكثر تقبلاً لفكرة الانقلابات أو اغتيال أحلام الشعوب وحقها في فرض إرادتها الحرة، ومع غض الطرف عن مجازر ترتكب بحق المدنيين في أكثر من بلد أبرزها سوريا.
وإذ كان من الممكن اعتبار تأكيد أحكام صادرة في محاكمات ماراثونية بمثابة صدمة قوية، لكنها متدرجة ومتوقعة؛ فإن فتح باب الإصلاحات الجذرية، والمستندة إلى تعديلات دستورية مهمة، في بلد أبعد العسكر قليلاً عن التحكم في مجمل الأمور الحياتية غير الاستراتيجية، ومنها (الإصلاحات) السماح بالحجاب، الذي يقلق العلمانيين الأتراك أكثر من أي شيء آخر، ويقلق جنرالات الجيش أنفسهم، الذين طالما اعتبروا أنفسهم أوصياء على الشعوب، وفرضوا عليها العلمانية "ديناً" ومسلكاً..
وحالئذ؛ فإن تلكم الصدمات تعد مؤلمة، لكنها غير قادرة على تحفيز كبار دهاقنة المحفل الماسوني في أنقرة على تنفيذ مغامرة انقلابية جديدة، لاسيما أن ما يرصدونه من صمت إقليمي ودولي على تغييب إرادات بعض شعوب المنطقة لا يضاهيه صمت شعبي يجعل فكرة الانقلابات جديرة بالمحاكاة في اللحظة الراهنة..