إلى أين تتجه رياضة البنات في السعودية
4 صفر 1435
تقرير إخباري ـ محمد لافي

الرياضة النسائية وحصص التربية البدنية للفتيات وغيرهما من القضايا التي تخص المرأة والتي باتت تُطرح أخيراً في المملكة بشكل غير مسبوق وتُتخذ فيها القرارات, لا يمكن الحكم عليها بالنظر إلى أحد جوانبها وإغفال الآخر, كما لا يمكن حين تكييفها التكييف الشرعي إغفال التطور المرحلي لتك القضايا وما يمكن أن تؤول إليه مستقبلاً, وهذا ما يفسر الموقف الرافض لكثير من أهل العلم والدعاة والغيورين لمثل هذه المشاريع والقرارات.

 

وكان آخر تلك القرارات, التعميم الذي أصدرته وزارة التربية والتعليم السعودية والذي يقضي بتنظيم أنشطة اللياقة الصحية في مدارس البنات الأهلية, ويلزم تلك المدارس بضرورة توفير أماكن ملائمة ومجهزة لهذا الغرض, وهو القرار الذي اُعتبر بحسب المراقبين والغيورين أحد مشاريع تغريب المجتمع, و نواة للمشروع الكبير لرياضة المرأة الذي يستهدف عفتها وحياءها وإذابة المفروقات بينها وبين الرجل.

 

فقد اعتبرت الوزارة في تصريحات صحفية لمسؤوليها أن قرار تطبيق التربية الرياضية للبنات في المدارس الأهلية هو "بالونة اختبار" وأنه في حال نجاحه سيعمم على المدارس الحكومية كافة، بعد توفير المكان الملائم.

 

كما أن الوزارة اعتمد إنشاء هيئة مستقلة تشرف على الرياضة المدرسية في المملكة تحت اسم "الوكالة السعودية للرياضة المدرسية"، وستكون مسؤولة عن تطبيق وضمان تنفيذ إستراتيجية الرياضة المدرسية للبنين والبنات من خلال التعاقد مع شركات متخصصة في هذا المجال.

 

ونُقل عن الوزارة اعتزامها رفع حصص التربية البدنية في جميع المدارس إلى ثلاث حصص أسبوعياً، كما تدرس الوزارة أيضاً إضافة الدرجات التي يحصل عليها الطلاب في التربية البدنية إلى المجموع العام للشهادة المدرسية.

 

آراء أهل العلم

 

ومع أن وزارة التربية والتعليم ترى أنها استندت إلى فتوى العلامة الشيخ ابن باز رحمه الله حين سُئل عن حكم الرياضة للفتيات فأجاز ذلك شريطة أن لا يخالطن الرجال ولا يكون فيها محذور شرعي, وأن لا تسبب شراً على المسلمين, إلا أن جملة من أهل العلم والدعاة حذروا من أن هذه الخطوة وما ستجلبه من مفاسد كبيرة, مشيرين إلى أنها ليست كما يبدو من وراءها كخطوة للمحافظة على صحة الفتيات وإنما هي بداية لخطوات أكب,ر وتمهيداً لفتح الباب على مصراعيه لمشاركة المرأة في كافة الأنشطة الرياضية مثلها مثل الرجل.

وفي هذا السياق أفتى الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير عضو اللجنة الدائمة للإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء, بحرمة ممارسة البنات للرياضة في المدارس وقال " الخطوة الأولى أن تلعب الرياضة مع الحشمة وفي محيط النساء، ثم تنازلوا عن هذه الشروط شيئاً فشيئاً، إلى أن وصل الحد إلى وضع لا يرضاه مسلم عاقل غيور، فضلاً عن متدين..

 

 وقال: "وإذا كان الذكور مطالبين بالإعداد والاستعداد، فالنساء وظيفتهن القرار في البيوت وتربية الأجيال على التدين والخلق والفضائل والآداب الإسلامية" ليخلص فضيلة الشيخ إلى القول بأن "  الذي لا أشك فيه أن ممارسة الرياضة في المدارس بالنسبة للبنات حرام؛ نظراً لما تجر إليه من مفاسد لا تخفى على ذي لب، ولا تجوز المطالبة بها فضلاً عن إقرارها".

 

ولعل من الحقائق التي تعزز هذا الرأي والتي لا يمكن إغفالها, هو واقع الدول العربية والإسلامية التي بدأت في تطبيق رياضة البنات في المدارس, والتي انتهى بها المطاف إلى اعتماد ممارسة رياضة البنات على كافة المستويات و تشكيل فرق نسائية تمارس مختلف أنواع الرياضات والمشاركة في المسابقات المحلية والدولية. 

 

ويؤيد فتوى الشيخ الخضير في تحريم رياضة البنات عضو هيئة كبار العلماء الشيخ “صالح الفوزان” حين سًئل عن إدخال الرياضة “التربية البدنية” بمدارس البنات. فأجاب قائلا: “هذا لن يتم إن شاء الله، لأنه لا يجوز في الشرع تدريس الرياضة للبنات” متسائلاً: “ما هي فائدة الرياضة للبنات؟، وماذا استفاد الأولاد بالرياضة؟، فكيف بالبنات؟”.

 

السيداو

 

ويعزوا كثيرون من بينهم دعاة ومختصون سبب التحرك اللافت في إشراك المرأة في قضايا مختلفة قد لا تناسب المرأة بالمنظور الشرعي أو الاجتماعي, تطبيق بنود الاتفاقية الأممية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة " السيداو" والتي وقعت عليها المملكة بعد التحفظ على عدد من البنود.

 

ونصت الاتفاقية في الفقرة السابعة من المادة العاشر على : " التساوي في فرص المشاركة النشطة في الألعاب الرياضية والتربية البدنية " .كما جاء تحت الفقرة الثالثة المادة الثالثة عشرة : " الحق في الاشتراك في الأنشطة الترويحية والألعاب الرياضية وفى جميع جوانب الحياة الثقافية ".

 

لذلك اعتبر الأمين العام لرابطة علماء المسلمين فضيلة الشيخ ناصر بن سليمان العمر, أن هذه الخطوة لا بقصد بها الحرص على صحة بناتنا كما يزعمون بل هي إحدى مظاهر السباق المحموم نحو تغريب المجتمع عموماً والمرأة خصوصاً وتطبيق لاتفاقية السيداو التي تدعو إلى المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في جميع الميادين ومن ضمنها منح الرجل نفس الفرص الممنوحة للرجل للمشاركة النشطة في الألعاب الرياضية والتربية البدينة

 

وأشار فضيلته إلى اللجنة التي تم تشكيلها عام 1424هـ بأمر من الملك دراسة قضية رياضة البنات في المدارس, والمكونة من وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة والرئاسة العامة لتعليم البنات والتي خلصت إلى أن حاجة الطالبات تتمثل في التثقيف الصحي السليم, دون الحاجة إلى إقرار التربية الرياضية, ودون الحاجة إلى تخصيص مادة دراسية تقحم في الجدول الدراسي وتثقل كاهل العملية التعليمية.

 

ولعل المراقب للتصريحات والأحاديث التي ترد في وسائل الإعلام المحلية حول الرياضة النسائية, يرى أنها تدرجت بداية من المطالبة ببعض التمارين الصباحية التي تؤديها الفتيات في مدارسهن، ثم تبعها المطالبة بإنشاء أماكن خاصة للنساء "لإجراء التمارين الرياضية المفيدة و المناسبة لطبيعة النساء".

 

إلا أن هذه الاتجاه, وصل إلى المطالبة بإنشاء أندية رياضية للنساء تقام فيها كافة الأنشطة التي تقام بالأندية الرجالية، وتجرى فيها المسابقات والبطولات والحرص على رفع مستوى اللاعبات السعوديات "حتى يصبحن قادرات على تمثيل بلادهن في المحافل الدولية", كذلك السماح لهن بدخول الملاعب وحضور المباريات الرياضية وممارسة التشجيع وإظهار ميولها لفرق رياضية.

 

ومن حين لآخر تنقل وسائل الإعلام المحلية أخباراً وصوراً لفرق نسائية في كرة القدم والسلة والطائرة وغيرها, وتصريحات لأعضائها متحدثات عن تجاربهن وطموحاتهن للمنافسة مع فرق نسائية مماثلة وتشكيل منتخبات نسائية وطنية في مجالاتهن.

 

ومما أفرزه ذلك الحراك,  مشاركة المرأة السعودية في الألعاب الأولومبية المقامة في لندن العام الماضي بعد موافقة اللجنة الأولمبية السعودية على ذلك  بعد إدراجها لشرط "الالتزام بالضوابط الشرعية"  على الرغم من معارضة العلماء والدعاء على هذه الخطوة في حينها وتأكيدهم حرمة مشاركة المرأة في مثل تلك المحافل لاستحالة التقيد بالضوابط الشرعية طالما أنها تخالط الرجال ويراها العالم من خلف شاشات التلفاز.

 

ولعل السعودية لم يكن ليسمح لها بالمشاركة في الدورة الأخيرة من هذه الألعاب حتى بفرق رجالية ما لم تشرك فيها المرأة, وهذا ما ظهر من تصريح رئيسة  اللجنة الأولمبية الدولية آنيتا ديفرانتز والتي هددت فيه باستبعاد أي دولة لا تشارك معها المرأة بدور فعّال، مشيرة إلى أنه “لن تُقبل المشاركات الصورية كما حدث سابقا”ً

 

ومن الطبيعي وفي خضم الجدل المحتدم حول أهمية الرياضة للفتيات في المدارس أن يتم تناولها من جوانب طبية وتحديداً ما يتعلق منها بانتشار السمنة بين الفتيات وأهمية الرياضة لهن للتخلص من مضارها.

 

 لكن الأخصائيين يؤكدون أن عدم ممارسة الرياضة ليست إلا أحد مسببات السمنة وليست المسبب الرئيس لها, وما يدل على ذلك انتشارها بين الأولاد المتاح لهم ممارسة الرياضة بكافة صورها.

 

كما أن القدر اليسير المتاح للممارسة الفتاة للرياضة في المدرسة, لن يكون ذا أثر ملموس ما لم يتم التوسع في النشاط الرياضي, وما يترتب على ذلك من جعل الرياضات المتنوعة هواية لدى الطالبات حتى تلك التي لا تتناسب مع تكوينها كفتاة, وإقامة الأنشطة غير المنهجية لذلك وتوفير المدربات لهن وإقامة والدورات والمنافسات الرياضية.

 

ويحذر البعض من الآثار السلوكية والتربوية المترتبة على إقحام مادة الرياضة في مناهج الطالبات وتأثيره على حياتهن وأخلاقهن ومن ذلك اعتياد الطالبات تبديل ملابسها أمام قريناتها  ولبس الزي الرياضي الذي لا يكون محتشما في كثير من الأحيان, وسعي الطالبات إشباع هواياتهن من الرياضية حتى لو لم تتوفر بيئة مناسبة لذلك. وشغفهن بمتابعة الفرق والمسابقات الرياضية.

 

وقد ناقش مستخدمو الشبكات الاجتماعية قرار الوزارة في وسم أسموه "السماح بممارسة الرياضة في مدارس البنات الأهلية " حيث شهد اعترض الكثيرين على هذا القرار مستبعدين الجدوى من وراءه خاصة وأن الكثير من الإشكالات المتعلقة بمدارس البنات لم تحل بعد فكيف يتم إقحام حصص الرياضة لهن كما أكدوا أنه ينبغي الجري وراء كل ما يفعله الغرب ، إذ أن هناك أعمال لا يمكن أن تصح على ضوء الشريعة الإسلامية.

 

ومع أن للمرأة الحق في ممارسة الرياضة في منزلها وحيث تنتفي الموانع الشرعية كما يرى فضيلة الشيخ ابن باز وسائر أهل العلم, إلا أن هناك العديد من حقوق المرأة المسلمة التي يجب الالتفات إليها والتي تكون أولى من الرياضة كتأهيلها لتربية الأجيال التربية صالحة والعناية بشؤون منزلها وأبنائها لكي تسير الحياة الأسرية بصورة سليمة, كما لا بد من الاستفادة من التجارب المريرة للبلاد الأخرى التي وقعت ضحية هذا البلاء ، وظهر أثرها على أخلاق وسلوكيات النساء مما يجعلنا في غنى عن الدخول في هذا النفق المظلم وتبعاته.